الأحد، 24 فبراير 2013

درياسة الفنان متعدد المواهب


درياسة الفنان متعدد المواهب
جمع بين الشعر، الخط، الرسم والموسيقى
قلّما تجتمع فنون عديدة في رجل واحد، قد تكون العبقرية الموهوبة من الله، حسّ مرهف، خيال واسع، ألوان تنسج الجمال بكل أنواعه رسما، خطا وشعرا، صوتا ذهبيا، كلمات مدهشة أصيلة تؤرخ للوطن، تفتخر به، تعشق جماله، إنه كل هذه الألوان والأذواق والمواهب، الحاج رابح درياسة النجم الذي يبقى لامعا، الاسم الذي يبقى ساطعا، والصوت الذي يبقى ذائعا، منذ انخراطه في حزب الثوار إلى ”إذا تسال على أصلي سال الناس لكبار”.
الفنان رابح درياسة يصعب على المقتفي لآثاره، من أي خطواته يبدأ؛ هل يبدأ بالشعر أم بالرسم والخط أم بالتلحين والغناء؟ كل هذه المنابع الجمالية تنبع منه من أنامله، من خياله، من صوته، من ثقافته الشعبية ومطالعته الواسعة التي تترجمها أشعاره وأفكاره، مبتكرا اللحن والكلمات، سائحا في الأزمنة، مصاحبا فطاحل الشعراء والحكماء، أمثال؛ بن خلوف، عبد الرحمان المجدوب، بن كريو، السماتي وبن قيطون، أضف إلى ذلك معرفته العميقة بوطنه الجزائر وخصائص كل منطقة ومكان من أعلامها، صلحائها، علمائها وجمالها الطبيعي، زيادة على تاريخها ورصيدها البطولي.
رابح درياسة الفنان، المتنوع، المبدع، لا توافيه السطور حقه، ولا الكلمات صدقه، ولا الأسماع نطقه، يجيد جودة كاملة؛ قراءة القصيدة الشعبية الملحونة، بل يعد أحسن من يؤديها على مستوى الإلقاء، من منا لم يسمع ذلك الصوت العذب وهو يلقي قصيدة ”أمنام عجيب” قبل أن يؤديها غناء، أو من منا لم يبق مندهشا وهو يلقى تلك الاستخبارات أو المقدمات الشعرية الغنائية، ومن منا لم يكبر فيه تلك الروعة، وهو يجول بنا كدليل سياحي في مدن الجزائر، بواديها وشواطئها، ويدعو مهاجرينا إلى زيارتها والتمتع بجمالها، بدل البحث عن مكان آخر للجمال، من منا لم يعشق فيه رابح درياسة الرياضي منذ أغنيته ”أعطيلو الزلاميط أعطيلو… هيا خفلوا فيها ومركيلو ويلي يا ويلي جابها فالفيلي”، سجل هذه الأغنية في منتصف ستينيات القرن الماضي، لم تكن بعد المصطلحات الرياضية بالعربية قد اكتملت على مثل ماهي عليه الآن، ثم يحول الرياضة فيما بعد إلى محبة وطنية، لأنها تؤدى باسم الوطن.
رابح درياسة الذي ولد بباقة ورد في مدينة الورود، عطورا ينتشر ريحها في كل مكان. حدد الأستاذ عبد القادر بن دعماش مسيرة الفنان رابح درياسة، من خلال الكتاب المصحوب لألبوماته التي أصدرتها وزارة الثقافة تحت عنوان ”الحاج رابح درياسة”، أن خطواته الفنية بدأت سنة ,1950 واصفا إياه بالفنان ذي الموهبة الخارقة، يتحول بمرور السنين إلى نجم كبير يمثل الثقافة الوطنية أحسن تمثيل، بدءا بالزخرفة على الزجاج إلى فن المنمنمات، إلى الشعر، وأخيرا الغناء والتلحين.
ويمضي بن دعماش في تقديم رابح درياسة الفنان متعدد المواهب قائلا: ”ظهر رسام جديد وظهرت معه لوحات جميلة وثمينة نالت إعجاب نقاد الفن.. شارك في عدة معارض بالجزائر وفرنسا ابتداء من ,1952 وحيازته خلال ثلاث سنوات متتالية على جائزة جول فيري المنظمة بالجزائر العاصمة… التقى بمحمد راسم الذي لم يبخل عليه بنصائحه التي دفعته إلى بلوغ الامتياز في إنتاجه الفني.
أما عن رابح درياسة الشاعر، فيقول بن دعماش: بدأ منذ ريعان شبابه في كتابة أشعار تم تلحينها وأداؤها من طرف مطربين، أمثال؛ سعيد بسطانجي، صايم لخضر، عبد الوهاب سليم، بلاوي الهواري، نورة، ?روابي، خالد وآخرون.
أما عن رابح درياسة كمطرب، فيقول عبد القادر دعماش: ”طرق كذلك باب الأغنية البدوية من نوع ”أياي” الصحراوي..، شارك سنة 1953 في حصنة ”من كل فن شوي” للفنان محمد لحبيب حشلاف.. ومنذ ذلك التاريخ، لم ينقطع عن إنتاج أعمال فنية له ولغيره… تم الاعتراف به مرات عديدة كواحد من أحسن كاتبي ومطربي الجزائر”.
تم تكريم الحاج رابح درياسة من طرف فخامة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، سنة 2000 بمناسبة اليوم الوطني للفنان، ومن طرف وزيرة الثقافة سنة ,2002 وله في رصيده الفني أكثر من ألف عنوان.
من القصائد التي حوتها الألبومات الصادرة عن وزارة الثقافة، والتي تندرج في المحافظة على تراثنا الغنائي قصيدة ”أنا جزائري”، شعر رابح درياسة وألحانه، و”الجولة الكبيرة” لذات الشاعر، من نظمه، أدائه وتلحينه أيضا: أحنا شعّلين النار، الجزائر، ياصباح الحرية، اسمع لي ياصاحبي نوصيك، خرجت الأبطال، نجمة قطبية، يحياو أولاد بلادي، الممرضة، مبروك علينا الساعة، كبير الفم، حبيت انتوب، أهلا وسهلا يا الحاج، طلبة الحاج، فرحى ارسلت يما للحج، احنا حجاج لبيك الله، يا زاير المقام، فرحة الحاجة، يا عظيم الجاه يا الله، باسم الخالق، يا محمد يا حبيبنا، قصيدة سيدنا يوسف.
كما غنى الحاج رابح درياسة لغيره من الشعراء، ومن القصائد المسجلة في هذه الألبومات؛ ”حزب الثوار” كلمات أحمد أرسلان، ”يا عبد القادر” كلمات الحاج الحبيب حشلاف، ”يا شمعة” نظم العرجاني، ”راشدة” للشيخ الهاشمي عبد القادر، ”ياراس بنادم” كلمات لخضر بن خلوف وتلحين البار عمر، ”أحسن ما يقال عندي” لخضر بن خلوف، ”صلى الله عليه وسلم” لخضر بن خلوف، ”أختارك الوحيد الأحد” لخضر بن خلوف، ”عربان رحالة” لعيسى بن علال، ”جيت انوسع خاطري” للشيخ عبد الله بن كريو، ”قمر الليل” عبد الله بن كريو، ”حيزية” للشيخ محمد بن ?يطون، ”سور الرمل” للشيخ عبد الرحمن المجدوب، وباقي القصائد والألحان هي من تأليف الحاج رابح درياسة.
رابح درياسة الموهبة متعددة الشعر، الخط، الرسم والموسيقى، هو ذا الفنان الكبير الذي اجتمعت فيه هذه الألوان الفنية من ينابيع متعددة، ليتحول إلى نهر عذب ينبع من الماضي ويصب في الحاضر، يسقي المستقبل لينبت زهرا، شجرا، قمحا وزيتونا، ويعلم العصافير كيف تغرد في غدوها ورواحها، هو ذا الفنان الموهوب والمطرب المحبوب الحاج رابح درياسة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

                  السمعُ أبو الملكات اللِّسانية؟ كتب: بشير خلف العلّامة المرحوم ابن خلدون في مقدّمته: «إن أركان اللسان العربي 4، هي: ...