الأحد، 24 فبراير 2013

الشيخ الحاج خليفي أحمد صوت ملأ الأسماع


الشيخ الحاج خليفي أحمد
صوت ملأ الأسماع
قامة من قامات الفن الجزائري الذي تعامل مع الكلمة القوية بصوته الجهوري الصادح، فتعامل مع القصيدة الملحونة البدوية المتينة ومع المدائح الدينية في الابتهالات، وكان متميزا بصوته وقوة حنجرته.. إنه الشيخ الحاج خليفي أحمد الذي رحل عنا مؤخرا وترك في الساحة الفنية فراغا كبيرا بعد أن ملأ صوته الأسماع، وتقديرا لهذا المطرب الفذ أصدرت وزارة الثقافة في مجموعة التراث الموسيقي، كتابا يروي حياته ويسجل القصائد التي غناها وكذا ألبومات لهذه الأغاني في طبعة أنيقة.
كنا نسمع للشيخ خليفي أحمد يشدنا إليه بصوته العذب القوي وبقصائده المتينة التي تصير طيعة أمام صوته، حيث يصعب على أي مطرب آخر تأديتها بتلك القوة والإحكام والضبط في المخارج، صوت »ياي ياي« الذي تنفتح فيه الصحراء على جمالها ورمالها وهوادجها وفرسانها ولياليها ونخيلها، الصحراء بكل ما فيها من خير وعنفوان وقسوة، بكل ما فيها من جمال الغزلان والمهاري، الصحراء التي تفنن شعراؤها في التغني بها وبجمالها.
الشيخ خليفي أحمد ترجم هذه القصائد بصوته إلى النغمات الصحراوية فتألق بها في سماء الفن  والإبداع فأذاعها وذاع صيته في كل البقاع واعترف له شعراء الملحون الذين يحبون أن تؤدى قصائدهم بصوته، واعترف له أيضا من اعتنقوا الفن الصحراوي وتغنوا به بالأستاذية والعمودية وأصبح عميدا للأغنية الصحراوية.
ولد أحمد عباس، المدعو خليفي أحمد في عام 1921 بسيدي خالد (أولاد جلال) من عائلة فلاحية، حفظ نصف القرآن الكريم وهو صغير السن، وتأثر بخاله الشيخ الحاج بن خليفة الذي كان مداحا ويشرف على مجموعة صوتية لفوج صوفي تابع للطريقة الرحمانية ”زواية”
 استقر عام 1941 بقصر الشلالة حيث التقى بأحد الموسيقيين الذي لقنه مبادئ فن الموسيقى لما كان يتمتع به من استعدادات طبيعية«، انتقل خليفي أحمد الى الجزائر العاصمة التي مكنته من إرساء شهرته أولا بصفته مؤديا للمدائح الدينية في مسجد سيدي أمحمد بحي بلوزداد (بلكور) وبعدها كقائد للفرقة الموسيقية البدوية بالإذاعة. أسس الأستاذ البودالي سفير  خمس فرق موسيقية، خلال الحصة الإذاعية تحت عنوان ”من كل فن شوي” للأستاذ محمد الحبيب حشلاف، فبرز اسمه لدى المستمعين والجمهور، كما سمحت له هذه الحصة بأن يتعرف على بعض شعراء الملحون من بينهم الشيخ عيسى بن علال الذي كتب له ”قلبي تفكر عربان رحالة” التي نال بها نجاحا كبيرا«. كما شارك خليفي أحمد، يقول بن دعماش، في حصة إذاعية أخرى كان يقدمها الشيخ رحاب الطاهر والتي كانت تتناول مواضيع الغناء البدوي، ففي هذه الفترة تميز بأغان من التراث الوطني ومنها أغنية ”قمر الليل خواطري تتونس به” للشيخ عبد الله بن كريو.
وبعد الاستقلال  أحرز الشيخ خليفي أحمد على الجائزة الأولى في المهرجان الوطني للأغنية الجزائرية، كما تحصل الشيخ خليفي أحمد علي امتيازات من السلطات العليا للبلدان التي زارها ومن المؤسسات المختصة في مجال المحافظة على التراث الوطني وتنميته، وبفضل صوته الجهوري الجذاب، استطاع أن يمثل وحده طيلة نصف  قرن، النوع البدوي ”آي ياي”  وهو نوع موسيقي جزائري محض خاص ببوابة الصحراء.
أما الألبومات فقد تم تقسيمها الى خمسة أجزاء، الجزء الأول تناول قصائد ومدائح دينية منها ” ربي يا مجيب” للشاعر عبد الرحمان قاسم، وقصيد ”قلبي تفكر عربان رحالة” للشاعر  عيسى بن علال وقصيد ”راني عليك نسال” لعبد الرحمان قاسم وحيزية لابن قيطون. أما الجزء الثاني من الألبومات فهو الآخر تناول قصائد غزلية عاطفية ومدائح دينية مثل قصيد ”يا قلبي لله” للشيخ عياش لمدوكالي، وقصيد ”يا ربنا الرحيم”  للشيخ عيس بن علال و”زينب” لعبد الرحمان قاسم، و”لا تسألني” للأستاذ الحبيب حشلاف، و”يا قمري أدي جوابي” للشاعر العياش بشير وقصيدة ”يا لايم ربي احكم” للشيخ السماتي. الجزء الثاث من الألبومات يحتوي هو الآخر على العديد من القصائد التي تغنى بها خليفي أحمد، منها قصيدة ”قولوا لها يا الزايخة” للشاعر عمار باقي. كما توجت قصائد من نظم خليفي أحمد مثل قصيد ”الله الله” وقصائد من نظم الطاهر رحاب ومحمد بن الشايب والعياشي البشير، بالإضافة الى القصائد الوطنية التي أداها خليفي أحمد. الجزء الرابع من الألبومات احتوى هو الآخر على عدة قصائد منها ”هذا دهر صعيب” للشيخ عبد الله بن كريو و”رحت نوسع خاطري” لنفس الشاعر، وقصيد ”اليوم اتفقت العشاير” من نظم خليفي أحمد و”بانت أعلام الجزائر”. في الجزء الخامس من مجموعة التراث الموسيقي الخاص بالشيخ خليفي أحمد، نجد قصيدة ”أنا بيا كاملة الطول” لعبد الرحمان قاسم، و”بنات البهجة” للشاعر عمار باقي، وقصيد ”يا نفسي” لعيسى بن علال، و”صول وصلصل” في الجزء السادس للشيخ قدور بن عاشور الزرهوني، و”ياعاتب الأرقاب” للشاعر صالح خرفي وغيرها من القصائد والأغاني التي أداها الشيخ الحاج  خليفي أحمد.
خليفي أحمد الذي رحل مساء يوم السبت 19 مارس 2012، حيث وافاه أجله في بيته بالعاصمة عن عمر يناهز 92 سنة..رحل عنا بجسده لكن صوته وابتهالاته وأغانيه، فهي بصمات ذهبية في تراث الفن الجزائري الأصيل، بصوت من ذهب وبأداء قوي لا يمكن لأي حنجرة غير حنجرة خليفي أحمد تأديته.رحم الله الشيخ خليفي أحمد الذي غنى أجمل القصائد وحافظ على تراثنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...