الجمعة، 29 مارس 2013

الظلــــــــم و''الحقـــــــــرة'' بدايــــــــة النهايــــــة


الظلــــــــم و''الحقـــــــــرة'' بدايــــــــة النهايــــــة
        خلق اللّه الخلق وساوى بينهم في الحقوق والتكريم والخلافة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..}، كما ساوى بينهم في الواجبات (العبادة والإعمار)، وساوى بينهم في البدء، إذ كلُّهم لآدم وآدم من تراب، كما ساوى بينهم في المنتهى، إذ كلُّهم آتيه يوم القيامة فردًا، ثمّ أمرهم، على ضوء ما ذكرنا، أن يكونوا إخوة متعاونين لا فرق بين أبيض وأسود، فإن لم تكن أخوة الدِّين فالأصل الواحد يشفع.
      نهانَا اللّه عزّ وجلّ وحذّرنا من الظلم والبغي والعدوان {إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}، ومهما ملك الإنسان من قوّة وجبروت فإنّه سيبقى على الفطرة ضعيفًا. والقوّة والكبرياء للّه وحده، ومع ذلك حرّم اللّه سبحانه وتعالى الظلم على نفسه أوّلاً، ثمّ على عباده، ففي الحديث القدسي: ''يا عبادي إنِّي حرّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّمًا فلا تظالموا''.
      والظلم، الّذي هو اعتداء، بغير وجه حقّ، على الغير، في ماله أو دينه أو عرضه أو بدنه، هو ظلمات يوم القيامة. ولم يرض الإسلام بالظلم، ولو كان بدافع الدعوة إلى الدِّين، إذ {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وهو، في الواقع، لغة الضعفاء الّذين استبدلوا باللّيْن الشدّة، وبالعدل الظلم وبالعفو الانتقام، وكما إنّ اللّه يحبّ من عباده أرحمهم بهم وأنفعهم لهم كما في الحديث: ''الخلق كلّهم عيالي، فأحبُّهم إليَّ أنفعهم لعيالي''، وإنّ أبغض النّاس إليه المعتدون والظالمون الّذين يستبيحون أعراض وأموال غيرهم، قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّه عَلَى الظَّالِمِينَ}.
      وقد حذّر اللّه من الظلم، حتّى تبقى حياة النّاس آمنة مطمئنة يسودها السّلام والأمان، ذلك أنّ الظلم هو سبب خراب المجتمعات والأمم، بل وخراب الأسر والبيوت، إذا لم تكن الحياة الزّوجية مبنية على الحبّ والتفاهم. ولعلّ من أبرز صور الظلم وأكثـرها انتشارًا، اليوم، بين النّاس ما تعلّق بالأموال والممتلكات، كأكل مال اليتيم أو الأجير وأخذ الرشوة أو دفعها، ومثل ذلك من استعمل ماله وجاهه ليأخذ ما ليس له، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..}، وهذا النوع من الظلم يشيع العداوة وينزع الثقة من بين أفراد الأمّة، وهو نذير لخراب الدول وسقوطها قال تعالى: {وَسَيَعْلَم الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
       بل كيف للظالم أن ينام اللّيل وقد قال له المظلوم، بعد أن فقد حقّه ولم يجد سندًا إلاّ اللّه، وَكَّلْتُ عليك ربِّي، ويقول صلّى اللّه عليه وسلّم: ''إيّاك ودعوة المظلوم فإنّما يسأل اللّه حقّه''، وكفى باللّه وكيلاً. لم يخطئ مَن قال إنّ الظالم سيشتاق إلى الموت، و''حفّار الرجال يموت ذليل''، نعم فعدالة اللّه في الدنيا وفي الآخرة.
      وإنّ من عواقب الظلم، يوم القيامة، الإفلاس من رصيد الحسنات، ففي الحديث: ''أتدرون مَن المفلس؟ قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، أخذ من سيِّئاتهم، فطُرحت عليه، ثمّ طُرح في النّار''. فمَن كانت له مظلمة عند أحد من مال أو عرض فليتحلّل منه اليوم، حيث الفرصة واحدة لا تتكرّر ولا تعوض.. انتصر على شيطانك ونفسك، قال النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم: ''رحم اللّه عبدًا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فتحلّله منها، قبل أن يأتي يوم القيامة وليس معه دينار ولا درهم''.

الملتقى الوطني الخامس للشعر الفصيح


الملتقى  الوطني الخامس للشعر الفصيح 
تنظم مديرية الثقافة بالوادي الملتقى الوطني الخامس للشعر الفصيح أيام: 13-14-15 أفريل 2013 بدار الثقافة بالوادي
سيتناول الملتقى موضوع :
الشعر مقاومة
الإشكالية :
تتعرض الأمم خلال مسارها التاريخي إلى محاولات لاستلاب هيوتها ، وتدمير قيمها ، والنيل من وحدتها ، ولكنها لا تستسلم وتظلّ صامدة تقاوم بشتى السبل العسكرية ، التربوية ، الاقتصادية ، والثقافية .
      وقد عانت الجزائر ذلك كله خلال الحقبة الاستعمارية سابقا ، وهاهي تتعرض إليه اليوم مجددا في زمن العولمة .
ـ فهل أدّى الشعر الفصيح في الجزائر دورا مقاوما خلال الفترة الاستعمارية واليوم ؟
ـ ماهي الطرق التي أدّى بها هذا الدور ؟
المحاور :
ـ شعر الأطفال ودوره في مقاومة الاستعمار ودفع سلبيات العولمة .
ـ دور الشعر في ترسيخ مكوّنات الهوية الوطنية ماضيا وحاضرا .

الخميس، 28 مارس 2013

الإعلام القديم والجديد.. تكامل لا صراع


الإعلام القديم والجديد.. تكامل لا صراع

     'العلاقة ليست صراعا بل تكاملا' تلك هي الخلاصة التي توصل إليها باحثون وناشطون في مجال الإعلام خلال ندوة للجزيرة نت عن الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ضمن أنشطة المنتدى السابع لشبكة الجزيرة، وهي الندوة التي عرفت نقاشا ساخنا بين المتدخلين والحضور بشأن العلاقة التي يجب أن تسود بين ما بات يعرف بالإعلام الجديد ونظيره التقليدي.
       ففي الوقت الذي حرص فيه بعض المتدخلين على التوضيح بأن الإعلام الجديد لا بد له من ضوابط مهنية حتى يواصل مسيرته الناجحة، لفت ناشطون في مجال التدوين ووسائل التواصل الاجتماعي الانتباه إلى أنه آن الأوان لإيلاء الإعلام الجديد مكانته المتميزة، بعيدا عن نظرة التبعية للإعلام التقليدي التي ما فتئ كثيرون يرسخونها في أبحاثهم ومحاضراتهم.
     وأكدت الصحفية ورئيسة فرع شبكة 'هاكس هاكرز' الأميركية بالمغرب شامة درشول، أن التعالي على الإعلام الجديد لم يعد مجديا، وشرحت كيف كان زملاؤها داخل إذاعة عريقة لا يكادون ينتبهون لوجودها، قبل أن تتفجر أحداث الربيع العربي ويلجؤوا إليها لمعرفة الجديد الذي نجحت في توفيره بفضل شبكة المدونين والناشطين على موقعي تويتر وفيسبوك المنتشرين في الدول العربية، والذين كانوا يوفرون المعلومة المطلوبة في توقيت وقوعها بالضبط.
      وذكرت درشول أن الناشطين في مجال الإعلام الجديد استوعبوا التطورات التكنولوجية الجديدة وحرصوا على مواكبتها من خلال التدريب، بل ونظموا مبادرات لنقل تلك التجارب للصحفيين التقليديين للاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يوفرها.


'كونسورتيوم'
       وهي الفكرة ذاتها التي خصها الإعلامي الأردني باسل عكور باهتمام كبير، فأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت مخزونا مهما من الأخبار لوسائل الإعلام الأخرى، التي عملت على الاستفادة منها بعد التأكد من مضمونها.
       وشرح المتحدث كيف سهل الإعلام الجديد على المهنيين معرفة آراء الجماهير بخصوص ما ينشر، عكس ما كان يجري في السابق حيث كانت المؤسسات تضطر لإجراء دراسات مسحية لتحقيق ذلك.
      الباحث التونسي وأستاذ الإعلام الدكتور الصادق الحمامي أوضح من جهته كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت مكملة ومفيدة في الآن نفسه للإعلام المحترف التقليدي.
       وحذر من أن أخطارا محدقة تتربص به، لعل أهمها صعوبة التحكم في مضمون المواد المنشورة، إلى جانب التسبب في 'تشظي' الجمهور الذي يجد نفسه ضحية استقطاب لأكثر من جهة إعلامية.

      وفي محاولة منه لإيجاد أرضية مشتركة للنقاش، دعا أستاذ الاتصال بكلية الاتصال بالشارقة محمد الأمين موسى، شبكة الجزيرة لإطلاق 'كونسورتيوم' (تجمع) لمناقشة أسس علاقة جديدة بين الإعلاميين المهنيين في مختلف وسائل الإعلام بشتى أنواعها.
       وذكر أن الهدف من مبادرته توفير المهارات التحريرية والتقنية للمتخصصين لمساعدتهم في الارتقاء بخدماتهم الإعلامية من المبادرات الشخصية إلى خدمة مهنية منضبطة تحافظ على المولود الجديد وتأخذ بيده ليواصل مسيرته في ميادين سياسية يميزها الاستقطاب وانعدام الاستقرار.
      من جانبه حرص أمين عام ومؤسس النقابة المصرية للإعلام الإلكتروني أبو بكر خلاف على تفكيك عناصر محور المهارات التحريرية، موضحا أن النقابة من البداية استهدفت توفير ضمانات التطوير المهني والفني للناشطين في الإعلام الجديد، وهي الخطوة التي حققت، بحسب قوله، نجاحا كبيرا.
      ودلل على ذلك النجاح بأن النقابة ورغم أنه لم يمر على تأسيسها وقت طويل، وصل عدد المنخرطين فيها حاليا لأكثر من أربعة آلاف شخص، مبرزا أن الخدمات التي تُقدمها لهم النقابة وفرت لهم حماية قانونية من جهة، وفرصا للتدريب والتطوير من جهة أخرى.

المعايير المهنية والأخلاقية وحرية الإعلام


المعايير المهنية والأخلاقية وحرية الإعلام
     اختلف المشاركون في ندوة 'تحديد المعايير المهنية والأخلاقية وإدارة الإعلام في زمن التغيير' بين مؤيد لأهمية اعتماد معايير أخلاقية تحكم العمل الإعلامي ورافض لتلك التسمية نظير اعتماد المعايير المهنية بديلا أنسب، من بين العناصر التي طرحتها مساء السبت الندوة التي ينظمها مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير في العاصمة القطرية الدوحة في إطار الفعاليات التمهيدية لمنتدى الجزيرة السابع.
       فمن جهته رأى مستشار إدارة ضبط الجودة والمعايير التحريرية في شبكة الجزيرة فوزي بشرى أن الإعلام العربي نشأ أساسا في كنف السلطة، والأخيرة هي التي تتولى تنظيمه، لهذا 'كان طبيعيا أن يحب ذلك الإعلام ما تحب السلطة وأن يكره ما تكره'، لكن تغير كل ذلك مع ثورات الربيع العربي حين 'وقع الانفصال' وأصبح الإعلام ناقدا للسلطة بعد أن كان ناطقا باسمها.
      وأشار بشرى إلى أن الإعلام الحر نتاج طبيعي لبيئة سياسية حرة، وهو بهذه الحالة يكون تعبيرا عن طموحات وآمال الشعوب وما يربتط بها من قضايا، مؤكدا أن القيم الأخلاقية مسألة مهمة في العمل الإعلامي وإن كانت محل جدال أو خلاف، مثل قيمة الموضوعية، وقيم النزاهة والتوازن، حيث لا يمكن لمثل تلك القيم أن تنشأ إلا في بيئة ديمقراطية.
      أما المحاضر في قسم الإعلام في جامعة قطر، د. نور الدين ميلاد، فقال إن هناك صفحات تاريخية طويت وأخرى فتحت في دول الربيع العربي، فقد تغير جدا ما كان يسمى سابقا إعلام دولة.
     وضرب ميلاد مثلا على ذلك بالحالة التونسية التي فجرت فيها الثورة الطاقات عند الشباب وعند الصحفيين على حد سواء، لكنه قال رغم ذلك إن الإعلام التونسي لا يزال يتخبط بشكل كبير 'كأنه فاقد البوصلة'، مؤكدا على أهمية صناعة ميثاق شرف صحفي تتفق عليه كل أطياف المجتمع بحيث يكون شأنا موطنيا بالكامل لأنه يلامس كل الناس، على حد تعبيره.

بين الأمس واليوم
بدوره عاد المدير العام في أكاديمية فرنسا 24، أنطوان كورمري، في الزمن إلى ما قبل عشرين أو ثلاثين عاما في فرنسا حين كانت هناك وزارة للإعلام تتصل بالمذيع لتخبره أنها غير راضية عن خبر أذاعه، حسب قوله، مؤكدا أن مثل هذا الأمر قد ولى.
      وأثنى كورمري على كلام بشرى من حيث أهمية وجود معايير وقواعد تمنع الصحفيين من ارتكاب الأخطاء، وقال إن التدريب والمهارات يجب أن يرافقهما 'التدريب الأخلاقي'، فلا يمكن أن نكذب على الجمهور وندعي النزاهة والتوازن، فالسيطرة على الإعلام لم تمنع وقوع الثورات لأن الناس أصبحت على اطلاع من خلال وسائل الإعلام البديلة.
       وشدد على أن 'السمعة' هي أهم ما يجب أن تتمسك به وسائل الإعلام والصحفيون، ولا بد من حمايتها عبر النزاهة قدر المستطاع.

مهنية أم أخلاق
لكن المدير العام لمركز الدوحة لحرية الإعلام جان كولن أبدى عدم ارتياحه لاستخدام كلمة 'أخلاق' في وصف معايير العمل الصحفي، وقال 'لا يعجبني استخدام كلمة أخلاق لأن هذا يعني أننا نتحدث عن الخير والشر وعن الجميل والقبيح'، معتبرا أنه من الأفضل استخدام كلمة المهنية.
       وقال إن الصحفي لا يكذب ويسعى للوصول إلى الحقيقة ولا يتحيز، وكل هذه الأمور هي من معايير المهنية، معبرا عن اعتقاده بأنه لا يوجد اختلاف كبير في الصحافة الجيدة، 'فمبادئ الصحافة الجيدة هي نفسها في كل مكان'، فلا يوجد ما يسمى إعلاما عربيا أو إعلاما غربيا بل هناك إعلام جيد وآخر سيئ، على حد تعبيره.
      وتساءل أحد الحضور عن كيفية خلق ثقافة يدخل فيها احترام القيم المهنية والأخلاقية، وردا على ذلك قال فوزي بشرى إن وسائل الإعلام تقدم سلعة، وهي المادة الخبرية، وهذه السلعة لا بد أن تتميز بجودتها وهي هنا 'المحتوى'، إلى جانب جمالية الصورة والمحتوى يجب أن يعكس قيما أخلاقية.
       واعتبر كورمري أن المسائل الأخلاقية هي طريقة تفكير، وضرب مثالا بذلك مركز الجزيرة للتدريب الذي تمتلئ ممراته بعبارات قصيرة تمثل قيم ومعايير العمل المهني في الجزيرة والتي تترسخ بمرور الوقت في ذهن كل صحفي في الشبكة عندما يمر عليها.
      وردا على سؤال آخر بشأن تدريس المعايير الأخلاقية الإعلامية في مناهج التعليم، قال بشرى إن تدريس تلك المعايير لا يمكن أن ينتج إعلاما جيدا ما لم يكن سيخرج إلى بيئة سياسية صحية، لكن كولن ناقض رأيه عندما اعتبر أنه من الضرورة بمكان في هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها شعوب الربيع العربي أن يتم تثقيف جيل الطلاب بمعايير الإعلامي المهنية.

الأربعاء، 27 مارس 2013

عصافير المومس العرجاء


عصافير المومس العرجاء
الرواية والكاتب
        صدرت حديثا للكاتب العراقي سعد هادي، عن (منشورات لحظة) في العاصمة البريطانية لندن، رواية جديدة بعنوان (عصافير المومس العرجاء)، تقع الرواية في 254 صفحة من القطع المتوسط وقام بتصميم الغلاف الفنان العراقي صدام الجميلي.
       ويمكن الانطلاق في قراءة الرواية انطلاقاً من عنوانها المثير الذي وضعه الروائي سعد هادي لروايته ومروراً بالإهداء : (الى الراحل فؤاد التكرلي) وعبر الصفحات اللاحقة الضاجة بالأحداث والشخصيات والانتقالات بين المقاهي والشوارع والبيوت المظلمة في بيئة نادراً ما تحدث عنها كاتب عراقي بل عدّ الحديث عنها دائماً من بين التابوهات الاجتماعية وظلّ ما يجري فيها من المسكوت عنه برغم وقوعها في قلب المدينة وتحت أنظار سكانها، وتبدو (عصافير المومس العرجاء) مغامرة سردية قد لا يتقبلها الكثيرون الى جانب كونها مغامرة في تطويع الكلام المحكي في النص الروائي وبرغم أنها أي تجربة كتابة الحوار بالمحكية أو الدارجة أو العامية ليست جديدة تماماً في الأدبين العراقي والعربي الا انها في هذا النص اكثر اغراءً لتطابقها مع أحداث وشخصيات قاع المدينة الذي يأخذنا اليه الروائي أو يطمح الى نقل بعض صوره الينا.
      مع سعد هادي، الذي ظل يعمل في الصحافة العراقية منذ عام 1975 وأصدر أربع كتب من قبل (مجموعتان قصصيتان: طبيعة صامتة 1990 والأسلاف في مكان ما 2004، وروايتان: ليلى والقرد 2005 وتجريد شرقي 2006) كان لنا هذا الحوار للتعرف على تفاصيل روايته الجديدة وكذلك عن ما يفكر به الآن أو يطمح لإنجازه

* ما الذي تناولته في هذه الرواية، ماهي عوالمها والخطوط الأساسية فيها؟
- تجري احداث "عصافير المومس العرجاء" في الشهور الأولى التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق عبر علاقة بين رجل وإمرأة، كلاهما ضائع ومهزوم في داخله، علاقتهما قلقة وغير متكافئة تختلط فيها الشهوة بالكراهية والاحتقار بالحاجة الجسدية وثمة فاصل عميق بينهما في السن والتجربة يماثل ويوازي الفاصل بين قاع المدينة الحافل باللذائذ العابرة والكراهية والعنف والموت وبين طبقاتها المتتالية الأخرى التي مزقتها تجربة الاحتلال المرة واعادت تشكيلها وصياغة توجهاتها بل وحتى اعطتها المبرر لاعادة كتابة تواريخها بسرعة في فوضى عجيبة لم يشهدها العراق من قبل، انقلب فيها كل شيء الى النقيض وترك ذلك الانسان العراقي في حيرة وصراع روحي مازلنا نرى آثاره بل وسنراها لعقود طويلة قادمة، القاع يشكل الوجه الصريح للمدينة الذي يفضح ما يخفيه سطحها المرائي المزدحم بالتناقضات والخراب والتعالي والازدواجية فالمرأة وهي فتاة في العشرين صريحة وواضحة ونتاج غريزي لكل التناقضات الاجتماعية بينما الرجل غامض واناني وخائف، يعجز عن الاستجابة واتخاذ القرار في كثير من المواقف ولا يعرف ماذا يريد برغم كهولته وتجاربه وكلاهما الرجل والمرأة خلال صفحات الرواية وأحداثها يتبادلان الادوار وسط دراما سوداء في الكثير من تفاصيلها تشاركهما في تأديتها شخصيات عديدة اخرى لا شك أن أكثرنا قد صادفها أو تعرف عليها في شوارع المدينة وازقتها ومقاهيها وحاناتها، هذه الشخصيات تتحدث باللغة المحكية بكل ما في تلك اللغة من بلاغة واختصار وتلميحات وذلك ما يميز هذه الرواية عن روايات أخرى، عليّ أن اضيف هنا أن هذا الوصف الموجز لا يعني أن الرجل والمرأة وجميع شخوص الرواية الأخرى هي رموز نمطية تشير الى فئات اجتماعية أو عرقية أو دينية أو طائفية محددة، اذ ان النظر اليها عبر ذلك سيؤدي الى فهم مغلوط للرواية والى تفاسير ايديولوجية تفرض عليها من الخارج وهذا ما اخشاه، بل علي أن أقول بايجاز أن هذه الشخصيات هي مخلوقات بشرية قد تكون حقيقية وموجودة في زمان ومكان محدد، لا يمثل أي منها عرقاً ولا ديناً ولا مذهباً ولا عشيرة وقد أعاد الكاتب اظهارها وترتيب وجودها وتشكيلها لغويا خلال صفحات روايته.

* لماذا هذا العنوان بالذات، هل ثمة ربط بين روايتك وقصيدة السياب الشهيرة (المومس العمياء) مثلاً؟
- لا أدري، لم أفكر بذلك الا بعد أن اكتملت الرواية التي مرت بمراحل كتابة عديدة، شهد النص فيها حذوفات واجتزاءات واضافات، مثلما تغيّر العنوان أيضاً ثم استقررت أخيراً على "عصافير المومس العرجاء" الذي يرتبط جوهرياً ببناء الرواية وله دلالات عديدة سيكتشفها قارئ النص لاحقاً، مؤخراً اعدت قراءة المومس العمياء لأكتشف كم هي هائلة بعض المقاطع فيها، لقد هزّني بشكل خاص المقطع التالي: (عمياءُ كالخفاشِ في وضحِ النهار، هي المدينة، والليلُ زاد لها عماها، والعابرون، الأضلعُ المتقوّسات على المخاوفِ والظنون، والأعينُ التعبى تفتّشُ عن خيالٍ في سواها وتعدُّ آنيةً تلألأ في حوانيتِ الخمور، موتى تخافُ من النشور، قالوا سنهربُ، ثم لاذوا بالقبورِ من القبور)، أي مقطع نبؤي هذا( في الأقل بالنسبة لما أفكر به) كأنه يتحدث عن ما جرى ويجري في العراق الآن بلغة شعرية لا يمكن مضاهاتها وصور لا يمكن أن تنسى ناهيك عن الموسيقى الداخلية العميقة التي تحرك النص من الداخل، أليست هذه ميزة الشعر العظيم؟

*هل يمكن ان يوحي العنوان بان الرواية ايروتيكية؟
- ظاهرياً ربما، لم يكن هدفي أن أفعل ذلك، لم أرغب في كتابة رواية ايروتيكية بل أن اذهب بعيداً للكشف عن عالم خفي لم يفكر احدنا في الدخول اليه: طبقاته السرية، معالمه الظاهرة والخفية، علاقاته المتشابكة الصاعدة والنازلة مع مجتمع يحاول التماسك ولكنه يتآكل تدريجياً، دائما كنا نتحاشى ككتاب لاسباب عديدة، بعضها ثقافي والآخر اجتماعي الاقتراب من هذا العالم، ما حاولته هو تقديم ما صورة ما، قد تكون ناقصة أو مجتزأة أو ربما مفبركة عن وضع قائم ولكن مسكوت عنه، يلوح من بعيد ولكننا نتحاشاه، هذا العالم هو اليوتوبيا السوداء للمدينة او صورتها التي تنعكس في مرآة نمرق أمامها بشكل عابر أو نرفض النظر اليها لنرى ما نحن عليه من بؤس وخصوصاً في ظل احتلال سعى لتحطيم البنية الاجتماعية وتغيير مقوماتها الأساسية ومفاهيمها وتشظية الهوية الوطنية (برغم علاتها ونواقصها وأوجه الخلل فيها) الى هويات متقاتلة ومتصارعة الى ما لا نهاية على لا شيء بل وخلق ما يشبه حالة من الهستيريا الجماعية التي لن يدرك أبعادها وجوانبها المفزعة الا من نظر اليها من الخارج.

* هل يمكن القول على هذا الأساس أنك قد تجاوزت ما يفرضه الرقيب الداخلي والخارجي، ألم تفكر بالقارئ مثلاً، كيف سينظر للنص وكيف سيتعامل معه بعد قراءته؟
- لم أفكر بأحد وأنا أكتب أو أعيد الكتابة، التفكير بالقارئ خيانة له، من هو القارئ الذي عليّ أن أفكر به، القارئ كلمة غامضة ومسطحة لبشر من كل الاتجاهات والافكار والثقافات والامزجة، أردت أن أكتب رواية لقارئ وحيد أعرفه جيدا هو أنا، يعيش في عزلة منذ اربع سنوات عن مؤثرات كثيرة متشابكة ومُحبطة قد تغير توجهات أي كاتب وتحرفه عن مساره، ولكن لديه حرية القول والكتابة والتفكير مثلما لديه فسحة أكبر للكتابة من ذي قبل، هل يمكن القول انني ذهبت ابعد مما كان متوقعاً؟ ربما ستحدد قراءة النص ذلك، ولدي بالطبع تبريراتي ومسوغاتي امام ردود الأفعال: ايجابية كانت أم سلبية.

* كيف تشكلت لديك فكرة كتابة هذه الرواية، ما الذي حرضك على دخول هذا العالم الغريب، عالم قاع المدينة؟
- بل اتذكر كيف بدأت الكتابة، كنت أعمل في أوائل عام 2005 في مكتب للانتاج التلفزيوني وكان علي أن اعيد صياغة التعليق في برنامج عن تاريخ بغداد باللغة المحكية بدلاً عن الفصحى التي كتب بها، لم تكن لي تجربة سابقة في ذلك، انا من الجيل الذي عاش في ظل ثقافة تقدس الفصحى وسلطة تصدر القوانين الملزمة التي تدعو الى عدم المساس بها، ولم يكن ليدور بمخيلتي يوما ان اكتب نصاً ما بعيداً عنها، لذا فقد قمت بالعمل المطلوب انتاجياً بلا اقتناع وبلا مزاج في البداية ولكني انسجمت معه تدريجيا، كان الأمر معكوساً بالنسبة لي فخلال عملي الصحفي كنت اعيد صياغة ما يقوله المتحدثون بالمحكية الى الفصحى وها أنا أقلب المعادلة، في تلك الفترة كانت فكرة الرواية أو في الأقل بدايتها قد راودتني، فكرة ما ليست واضحة تماماً عن عالم المدينة السفلي وشخوصه ولكني كنت متحيراً في اسلوب الكتابة، كنت أفكر في نص سردي يعبر تماماً عن ذلك العالم بسياقاته اللغوية واساليب الحياة فيه، بعد تلك التجربة ادركت فجأة انني قد وجدت الحل لأبدأ الكتابة واستمر بها وصولاً الى النسخة النهائية المطبوعة.

*هل هذا هو السبب الرئيس في اختيار للمحكية (أو العامية أو الدارجة) وسيلة للحوار بين الشخصيات؟
- اعتقد أن الحوار هو الذي يقود لغة السرد أو يحدد معالمها، هو الذي يجعل الكاتب يخفف من البلاغة التقليدية ويقترب من الواقع برغم اعتقادي ان كلمة الواقع هي كلمة مخادعة لمهوم لا نهائي ولا يمكن تحديده، ما تنطق به الشخصيات هو الذي يحدد سماتها وعناصر تميزها بدلا عن الحوار الفصيح الذي يجعلها جميعا متشابهة تنطق بلغة الكاتب أو تعبر عن آرائه وأفكاره، كل شيء في الرواية هو ملك الكاتب الا الحوار فهو ملك الشخصيات لتعبر به عن نفسها أو تتخذ منه وسيلة للتواجد الفعلي على مساحة النص.

* لماذا الاهداء الى فؤاد التكرلي؟
- لأنه الروائي الأكثر تمثيلاً وفهماً لتناقضات الحياة العراقية اضافة الى قدراته الفنية ككاتب منذ قصصه الأولى وحتى رواية (المسرات والأوجاع) التي أعدها من أفضل ما كتب عراقياً في مجال السرد دون أن نستثني ما كتبه التكرلي بعدها، كان الاهداء في البداية كالآتي :(الى فؤاد التكرلي والعيون الخضر) وهو عنوان واحدة من أجمل قصص التكرلي التي اعشقها منذ أن قرأتها في السبعينيات ولكني فكرت لاحقاً أن الاهداء سيكون لجانب من أدب التكرلي فقط وليس لكامل انجازه، كما أنه قد يحيل القارئ الى مرجع بذاته خارج عالم روايتي وهذا ما لا أحبذه، أردت من خلال الإهداء تقديم تحية الى كاتب كبير احترمه وانسان رائع ارتبطت معه بصداقة اعتز بها خصوصا في السنوات الأخيرة من حياته.

* بعد مجموعين قصصيتين وروايتين، هل تختلف "عصافير المومس العرجاء" عن ما كتبته سابقاً؟
- نعم تختلف في جوانب كثيرة، هي الأقرب الى ما كنت أفكر فيه ولم استطع انجازه سابقاً، لم أعد مأخوذاً بالواقعية السحرية مثلاً فما أصبح يشدني هو سحر الواقع: الحكايات اليومية، التفاصيل الصغيرة، الاكاذيب، التنطعات، الحوار العادي بين الأشخاص، الثرثرات، الشتائم، النكات، مقاطع الأغاني وكل ما يترفع عنه الروائيون بملابس رسمية من دعاة الأخلاق الذين ستستفزهم روايتي بالتأكيد، مع الطموح الأكيد في تقديم نص ممتع ومقروء فما ذنب القارئ تحت لافتة النص الجديد الفضفاضة لندخله في معميات وطلاسم وتهويمات لا يعرف أحد أين تبدأ وأين تنتهي، طبعاً هذا ما حاولته ولا أدري هل نجحت، القارئ هو من يحدد ذلك، لم اتفوق على نفسي ولم اتجاوز ما كتبت من قبل بل ببساطة لقد وجدت ما كنت ابحث عنه.

* كيف تنظر الى واقع الرواية الان في العراق؟
- افضل مما كان عليه قبل عشر سنوات أو أكثر وخصوصاً بعد أن فقد الشعر مكانته وتحول الى منلوجات هذيانية عقيمة، ولكننا بالطبع لن نتمكن من الحديث الآن وحتى زمن قريب قادم وفي ظل هوس الجميع بكتابة رواية، أي رواية عن خصائص محددة تجمع كل النتاج الروائي في العراق بل عن تجارب متفاوتة في الصناعة الفنية او الرؤية الاجتماعية أو التنوع الأسلوبي، الروائيون في اي بلد ليسوا لاعبي كرة في فريق واحد بل عداؤو مسافات طويلة يريد كل منهم الوصول الى الهدف قبل سواه، ستكون البداية واحدة للجميع ولكنهم لن يستطيعوا بلوغ النهاية معاً، سيصلون عاجلاً أم آجلاً تبعاً لقدراتهم ومواهبهم.

*أخيراً، ما هو مشروعك الروائي المقبل؟
- لدي رواية جديدة مكتملة عنوانها (سلاطين الرماد) أتمنى أن ترى النور في وقت قريب وربما بالتعاون مع صديقي حكمت الحاج صاحب منشورات لحظة، هذا المشروع الطموح والذي يمتلك روح المغامرة والذي لولا جهوده لما ظهرت "عصافير المومس العرجاء" كما أن لدي مسودتين لروايتين شبه مكتملتين أتمنى أنجازهما في العام القادم أو ما بعده، وأفكار أخرى تنمو تدريجيا وتتكامل، هذه بعض محاسن العزلة يا صديقي.

الأحد، 24 مارس 2013

صحافتنا المكتوبة


صحافتنا المكتوبة تثري حصيلتنا اللغوية بقاموس عصري ينضح عنْفًا
بقلم : بشير خلف
      صحافتنا المكتوبة نجحت في إثراء حصيلتنا اللغوية ( المتشظّية أصلاً ) بما يزرع الرعب حاضرًا، والخوف مستقبلا في نفوسنا، ولا تخلو صحيفة من صحفنا من  هذا القاموس الذي عهدناه منذ ما ينيف عن العشرين سنة حتى الآن، وتواجده يتفاوت بين صحيفة وأخرى، بل هناك منها ما لا تخلو أي صفحة من صفحاتها بدءًا  من الأولى حتى الأخيرة، بما في ذلك القسم الرياضي من هذا القاموس..
        تفاجئك بعضها من الصفحة الأولى باللون الأحمر، وبالبنط العريض بأخبار حوادث ترتجف لهولها، وترتعد لها نفسك، ويخفق لها قلبك.  
      لا نتكلم عن الثقافة والأدب والفكر التي من مهامّها تغذية الروح، وتهذيب النفوس، وزرْع الأمل .. هي مغيّبة بامتياز من أغلبها ( ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله )، بدلا من تغذية الروح، وتربية النفوس نقرأ يوميا في هذه الصحف ما يلي :
( حريق مهول ـ  أحرق ـ أضرم النار في نفسه ـ أضرم النار ـ  انتحار ـ انتحر ـ أشعل ـ سكب البنزين على جسده ـ اعتدى على ... ـ مصرع ـ يضرب بقوة ـ تظاهر ـ اعتصم ـ أضرب عن الطعام ـ توقيف ـ أعدم ـ اغتال ـ أزهق ـ جزّ ـ  ذبح من الريد إلى الوريد ـ  خنق ـ تدمير ـ انفجار ـ هجوم ـ فساد ـ اختلاس ـ استيلاء ـ استولى ـ فضيحة ـ فضائح ـ رشوة ـ رشاوي ـ عمولات ـ صفقات ـ تورّط ـ افتراء ـ تزوير ـ ملفات ثقيلة ـ ملفّات ملغّمة ـ وضع كارثي ـ  خيانة الأمانة ـ تورّط ـ اتهام ـ اتهم ـ اختطف ـ اختطاف ـ احتجّ ـ أضرب نظم مسيرة ـ مليونية ـ حاصر ـ هلاك ـ مشادات ـ احتجاجات ـ احتجاز ـ استولى ـ مجهولون ـ إحباط ـ ترويج ـ أفراد عصابة ـ إجرام ـ مجرمون ـ غلق الطريق ـ وضْع متاريس ـ حجز ـ سطو ـ تهريب ـ فجيعة ـ فجائع ـ ...)

السبت، 23 مارس 2013


''تعبت ولا أستطيع كتابة صفحة واحدة فهناك من قتل حماسي''
أتكفل بشراء ألف قفة لقسنطينة
من حق أبطال رواياتي محاسبة المسؤولين الجزائريين
       كشفت الكاتبة أحلام مستغانمي، عن أن ما يراودها، حاليا، هو كتابة نص عن صالح باي، معترفة، في المقابل، بتعبها بعد الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها روايتها ''الأسود يليق بك''. وعلقت على من يتهمها بالتكبر ''أنا لم أسع للشهرة ولست من المتكبرين كما يشاع عني، وعيب أن أشتكي من الناس الذين يحبونني، فعليّ أن أكون عند حسن ظنهم جميعا''.
تناقلت صفحات الفايسبوك أن أحلام تحضر لشيء خاص جدا لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية، فما الجديد؟
ـــ ليس لي مشروع بمفهوم المشاريع التي قد تتبناها الوزارة، إلا أن مشروعي الوحيد هو الدفاع عن هذه المدينة، فأنا هنا لأجدد مشروعا سابقا كنت قد طرحته على وزارات البيئة، الثقافة والسياحة، فأنا جزائرية والجزائر كلها تعنيني، وقد طلبت القيام بعدة حملات تعديل وتجميل لصالح الجزائر، تبدأ من القنصليات إلى الخطوط الجوية الجزائرية وغيرها من المصالح المتواجدة في واجهة البلد.
        وبالنسبة لقسنطينة، فأنا قد جمّلتها للقارئ العربي وصرت مسؤولة عن صورتها، فمن حق أبطال الروايات محاسبة المسؤولين وسيحدث نفس الشيء بالنسبة لمروانة.
علمنا بزيارتك لمروانة التي كانت مسرحا لروايتك ''الأسود يليق بك''، فكيف كان لقاؤك بها؟
ـــ  سافرت إلى مروانة فصدمت من هول ما رأيت من مظاهر بشعة في كل محيط المنطقة. وأستطيع الجزم بأنه ما من أحد كان ليكتب نصا جميلا من هذه المدينة، فهي تزهر ''أكياس زبالة زرقاء''، وهو ما يجعلني أطالب وزير البيئة بمعالجة هذه الوضعية ومنع تداول الأكياس بجميع أنواعها، لأن البيئة تختنق بمثل هذه المناظر البائسة، وعار علينا أن تأتي سفيرة النمسا لتنظف بلادنا، كما تناقلته الصحف. كما أنه يمكننا التخلي عن هذه الأكياس، فجارتنا موريتانيا فعلت ذلك، وأعتبر الظاهرة تنكيلا بالوطن، لأن المسؤولين ليس لديهم غيرة عليه والجميع ينهبه.
ما العمل للقضاء على هذا المظهر البائس كما وصفته؟
ـــ  يجب الترويج لـ''القفة'' التي غابت عنا وأنا متكفلة بشراء ألف قفة لقسنطينة، كي يتعرف الناس على ثقافة الحفاظ على البيئة، مقابل القضاء على اللوبي الاقتصادي للأكياس البلاستيكية، باعتبار أن من يصنعها، يشتريها ويحملها يهين الجزائر، وبذلك نعيد   للغة جمالها الأول، بتجسيد المعنى الحقيقي لكلمة ''جزائر طاهرة''. وغير هذا، في بلادنا أشياء جميلة اندثرت، فلم لا يكون لدينا يوم للباس التقليدي، على غرار التونسيين وليكن في يوم العلم. كما أنه يمكننا ترسيم يوم في قسنطينة لتكريم النسوة اللائي مازلن يرتدين ''الملاية''.
تتناقل بعض وسائل الإعلام أن أحلام مستغانمي مترفّعة ولديها عالمها البرجوازي الخاص، فما ردك؟
ـــ  أنا لم أسع للشهرة ولست من المتكبرين كما يشاع عني، وعيب أن أشتكي من الناس الذين يحبونني، فعليّ أن أكون عند حسن ظنهم جميعا. ورغم أنني أمضيت ساعات في الإمضاءات بقاعة المحاضرات محمد الصديق بن يحيى في جامعة قسنطينة، وعادة ما أمرض بعدها لعدة أيام، إلا أنني سعيدة بحب شابات وشبان وطني، كما أنني بهذا أدافع عن جزائريتي، لأن الكاتب عليه أن يتصرف بجماهيرية وعقلانية، وقد حان وقت الرسالة التي دافعت عنها منذ 15 سنة.
هناك صفحات كثيرة باسمك سيدتي، فما مدى علاقة أحلام بالفايسبوك؟
ـــ  هناك علاقات جميلة تتجاوزني على صفحات الفايسبوك، فأنا أم، أخت وصديقة للكثيرين، حتى أنني اضطررت لشراء موقع باسمي من أحد المصريين، كي لا يستغله أحد استغلالا تجاريا، وبتّ، بذلك، أوزع أكثر من أي جريدة.
هل هناك مشروع يراودك ولايزال قيد الانتظار؟
ـــ  تمنيت أن أضيف لرصيدي رواية عن صالح باي، فلابد من تخليد باي البايات، لكنني  تعبت، حاليا، ولا أستطيع كتابة صفحة واحدة.  هناك من قتل حماسي، خاصة أن إصداري الأخير بات في مهب النقد للشهرة، ولن أرد على هؤلاء أو أدافع عن لغة ''الأسود يليق بك''، سوى بأنني أردت للهجة الجزائرية ''الدارجة'' أن تخرج من عتمة الإبهام أمام إخواننا العرب الذين نفهم كل لهجاتهم ويضطرون لطلب مترجم من أجل لهجتنا، رغم قربها للعربية الأم.
        ومع ذلك، قد تكون لدي أعمال جديدة، رغم ما يحيط بي من انتقادات، خاصة أن حماس الطالبات والطلبة بجامعة منتوري، قد أشعل في صدري فتيل البوح والإبداع.

رحيل أب الأدب الإفريقي شينويا اشاب


رحيل أب الأدب الإفريقي شينويا اشاب
        توفي ليلة الخميس، الكاتب العالمي البير شينويالوموغو اشاب، المعروف باسم شينويا اشاب، عن عمر يناهز 82 سنة، بمستشفى مدينة بوسطن الأمريكية، حسب ما علم من أقربائه.
        ويعتبر اشاب الذي يدرّس الأدب بجامعة ''براون'' الأمريكية قبل وفاته، اسم من أسماء الأدب الإفريقي والعالمي، ومن أكثر الكتاب مبيعا في القارة، خاصة كتابه ''الأشياء تتهاوى'' عن قبيلة ايغبو التي ينتمي إليها الصادر سنة .1954 وعرف عن أب الأدب الإفريقي، أنه كان يدافع عن القيم الثقافية وهوية القارة الإفريقية.
          ولد شينويا اشاب سنة 1930 بنيجيريا ودرس بجامعة أيبادان، أين تخرّج منها لينضمّ بعدها إلى إذاعة ''البي بي سي''. قبل أن يلتحق بهيئة الإذاعة النيجيرية. وبدأت تظهر عليه علامات النبوغ الأدبي منذ سنة 1954، لينشر سنة 1958 كتابه الأكثر شهرة  ''الأشياء تتهاوى''، عن دار نشر ''هاين مان''، حيث دافع فيه عن شعب ايبو، خاصة النخبة التي كانت تتعرض للتصفية كما جاء في كتابه.
         وسمح الكتاب باكتشافه وتقديمه للجمهور، حيث ترجم إلى أكثر من 50 لغة أجنبية، منها الفرنسية تحت عنوان ''العالم ينهار''، وبيع منه 12 مليون نسخة بالانجليزية فقط، حيث طرح فيه الكاتب لأول مرة قضية ضياع الهوية الإفريقية بسبب الاستعمار الأوروبي وأصبح الكتاب الأدبي الأكثر مبيعا في القارة الإفريقية.  عُرف عن شيتويا اشاب التزامه بقضايا وطنه وشعبه وبدفاعه عن القيم الثقافية الإفريقية، في كتابه بيافرا  (1970 1967)، وانتقد في بداية الثمانينيات السياسة النيجيرية في كتابه الصادر سنة 1984 بعنوان ''المشكل مع نيجيريا''.
        ترك اشاب في هذا الصدد أعمالا ضخمة تتنوع بين الرواية والقصة والشعر والقصة القصيرة مرورا بالكتابة للطفل والذاكرة.    

الجمعة، 22 مارس 2013

الطريق إلى قنادسة ..أو في ظلال الإسلام الدافئة


الطريق إلى قنادسة ..أو في ظلال الإسلام الدافئة
قراءة : في كتاب
بقلم : بشير خلف

مـــدخل
      لعل أدب الرحلة بمفهومه في رأيي العديد من المتخصصين والنقّاد، هو فن التعبير عن مشاعر تختلج في نفس الأديب الرحالة أو المسافر تجاه كل ما يراه، ويعايشه ويقرأه عن ملامح بلد أجنبي بعادات، وتقاليد سكانه، وخلفيته السياسية والثقافية والاجتماعية، وأحداث يعايشها الأديب ومواقف تأثر بها، وهموم عانى منها في ذلك البلد الذي مرّبه، أو أقام فيه لفترة زمنية قد تطول، وقد تقصر، والتعبير عن كل ذلك بأسلوب أدبي شائق يغري القارئ بمواصلة القراءة من أول لآخر سطر، دون ملل أو كلل.
      ورغم أن لأدب الرحلات سمات وخصائص تميزه،  إلا أن أهم ميزة تتوفر فيه، هي الحرية، حرية الأديب في أن يكتب كيفما شاء،  يضحكنا تارة ويبكينا تارة أخرى، وقد نشعر أحيانا أننا بصدد قصة قصيرة، وقد نقرأ شعرا، أو نشعر وكأننا طرفا في نقاش ما، أو موجودين مع الأديب في نفس الأحداث، نتفاعل معه فيها.
      مدى نجاح الأديب في كتابته في أدب الرحلة بصفة خاصة يتوقف على شحنة التعايش الوجداني الذي يخلقه في قلب وضمير القارئ، فكلما تأثر هذا الأخير أكثر، واندمج في أحداث النص ، كان ذلك برهانا على قدرة الكاتب وتميزه في كتابته.
          إن أدب الرحلة، أو أدب الرحلات فن من الكتابة يسجل فيه الكاتب وصفه لما شاهده في تجواله ورحلاته عبر قطر،  أو عدة أقطار زارها بقصد المشاهدة والاستطلاع.  وهذا النوع من الكتابة ليس جديدا، بل هو قديم، ألف فيه الرحالة المسلمون في جميع العصور كتبا ما تزال متعة للقارئ ، وشاهدا حيا من شواهد الحضارات القديمة، ووثيقة تاريخية هامة.

العودة إلى قنادسة.. أو في ظلال الإسلام الدافئة
          مِــنْ هؤلاء الرحالة المعروفين عالميا الرحّالة إيزابيل إبراهاردت الكاتبة السويسرية ذات الأصل الروسي،  والحاملة للجنسية الفرنسية التي دوّنت رحلاتها في العديد من الكتب التي منها كتاب : (في ظلال الإسلام الدافئة ).

الكـــــــــــــتاب
        هذا الكتاب الذي صدر سنة 1906 ، قد كان  نقطة تحول في توجهات مالك بن نبي الفكرانية نحو ثقافة الذات، نتيجة  شهادة غربية جاءت لصالح الإسلام،  وعن أثر هذه الشهادة الغربية، يفيد مالك قائلا :
 « لقد قرأت مرارا كتاب تلك المرأة المغامرة (إيزابيل إيرهارت) .... كنت أبكي، وأنا أقرأ ذلك الكتاب المسمى (في ظلال الإسلام الدافئة)، والذي عرفت فيه شاعرية الإسلام ، وحنين الصحراء.
       الكاتب والمترجم ميهي عبد القادر الذي انكبّ منذ سنوات يدرس ويترجم أعمال هذه الرحالة والذي أصدر من أعمالها :( عودة العاشق المنفي ..نصوص) ، ( تاعليت : مجموعة قصصية)، ( العودة إلى قنادسة.. أو في ظلال الإسلام الدافئة) الذي صدر أخيرا.
        صدر عن دار الثقافة بالوادي في الأيام الأخيرة كتاب : الطريق إلى قنادسة.. أو في ظلال الإسلام الدافئة ). للكاتب المترجم الأستاذ ميهي عبد القادر في طبعته الأولى التي قامت بها مطبعة مزوار بالوادي
          الكتاب من الحجم المتوسط ذو طبعة أنيقة وتصميم للغلاف جميل يتكون من لوحة تشكيلية تعكس الطبيعة الصحراوية وحركية الإنسان بها. بالكتاب 57 نصا أدبيا جميلا بعد التصدير، والمقدمة والتمهيد التي تضمها إضافة إلى النصوص 168 صفحة.
        التصدير كان للأستاذ محمد حمدي مدير دار الثقافة بالوادي والذي ما فتئ منذ وُلّي هذا الصرح الثقافي العمل على تشجيع الكتاب والمبدعين، والحرص على لملمة مكونات الموروث الشعبي، وطبعه، ونشْره .. وممّا جاء في التصدير:
« ... لقد ألهمت الجزائر عبْر العصور العديدَ من المستشرقين، والمفكرين الغربيين فكتبوا عليها، وتغنّوا بجمالها الفتّان، وسحرها الخلاّب، وشجاعة، وبسالة رجالها، ومن بين هؤلاء الكاتبة الصحفية إيزابيل إبراهاردت التي فتنت بسحر جنوب الجزائر فراحت تكتب مشاهداتها بطريقة جميلة، وسلسة تشعر من خلالها بمدى حبها، وتعلقها بالجزائر، فتصف لنا في كتاباتها كل رحلاتها بدقة متناهية، لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلاّ وتعرّج عليها.
      إيزابيل إبراهاردت من مواليد سنة 1877 بجنيف، قدمت إلى الجزائر سنة 1897 ..زارت مدينة الوادي أول مرة سنة 1899 وفي السنة الموالية عادت من جديد، وأقامت بها مدة سبعة أشهر. اعتنقت الإسلام على يد أحد الشيوخ، وتزوجت من سليمان هنّي وهو عسكري من الأهالي لتُطردَ من قبل السلطات الفرنسية بتهمة إثارة الشغب.
        أحبّت إيزابيل الوادي كثيرا. أطلقت عليه تسمية ( مدينة الألف قبة وقبة)، وكتبت عنه العديد من المقالات. تُوفّيت سنة 1904 إثر فيضان وادي عين الصفراء.»
       المقدمة كانت للأستاذ وهّابي نصر الدين الأستاذ بجامعة الوادي، حيث ممّا جاء فيها :
« يحلو لغير قليل من المشتغلين بالأدب وشؤونه وصف ترجمة العمل الأدبي بأنها " خيانة " وهم بذلك يقصدون إلى استحالة أن يبلغ المترجم في أحسن درجات توفيقه مراد صاحب النص من نصه، أو أن يصيب بما فعل مستوى الإمتاع، والإشباع الجمالييْن الذي يتوفر عليه النص الأصلي؛ فأولى بالمترجم ، وهذه حاله أن يُتعت بأنه " خائن " ما دام مؤكدا في حقّه الانحراف بصاحب القصد عن قصده، وإلباس كلامه غير لبوسه.»
«...واليوم والأستاذ عبد القادر ميهي يطلب إليّ التقديم لترجمة بعضٍ من كتابات الأديبة المعروفة إيزابيل إبراهاردت إنما يؤكد لديّ رأيي، ويثبت عندي قناعتي، ذلك أني لم أشك ولو للحظات هبوط مستوى التعاطي الجمالي لديّ أثناء قراءتي لعمله، بل لقد حفظت لي براعة قلمه السردية بكل تقنياتها إمتاعًا، ونعيمًا فنيين راعني نموّهما المطرد من أول العمل إلى آخره. بل لقد كان المترجم في كل مرّة ينسيني أني أقرأ أحداثا عاشها غيره، وأحسب أن عبد القادر ميهي هو صاحب كل شيء في هذا العمل : التجربة الواقعية، والمعاناة الحقيقية للأحداث ثم الروح التعبيرية.
       نعم لقد كانت عبقرية هذا المترجم تنسيني دائما أنه إزاء نص إبراهاردت ليس غير مترجم، وتوهمني بأنه مبدعه الأول، وتلك مطلوبة الطالب أن ينسيك المترجم أنه يترجم.
       ولقد نقل ميهي هذه ( الطريق إلى قنادسة) فجاء من الأدب فيها بأدب، وأدب من الفن، ومن الإبداع بإبداع، وأفلح في أن يضمن لمنْ ينظر في هذه الرحلة، ويعيش مسارها من الإمتاع الأدبي نصيبًا وافرًا.»
         دأب الباحثون والمهتمّون على اقتفاء أثر الرحالة إيزابيل إبراهاردت يدرسون كتاباتها، ويكتبون عن سيرتها الذاتية، ويتعمّقون في دراسة سيكولوجيتها ويزورون الأماكن التي مرّت بها من وادي سُوفْ، مدينة الألف قبة وقبة كما أسمتها حينذاك إلى عين الصفراء ( الواد الأصفر ) أين لقيت حتفها ذات خريف من سنة 1904 ..ما فتئوا يدققون في تفاصيل حياتها، وعلاقاتها مع الناس، ومع السلطات الفرنسية التي كانت تنظر لها بعين الريبة، هذه المرأة التي تلبس لباس الرجال، وتمتطي الحصان أحسن من كثير من الفرسان، تشرب الخمر، وتدخن الكيف، وتسهر بين الرجال كما لو كانت رجلاً حقيقيًا.
         من بين كتاباتها التي حظيت باهتمام الباحثين، والــقراء على السواء كتابها ( في ظلال الإسلام الدافئة )، وهو مجموعة من النصوص تتكلم فيها الكاتبة عن رحلتها إلى زاوية قنادسة؛ جمعها ونشرها بعد وفاتها صديقها فيكتور باروكاند صاحب جريدة " الأخبار " تحت العنوان السابق الذكر.
         تقول إدموند شارل وهي كاتبة من الطبقة الأرستقراطية الفرنسية، وابنة سفير، وزوجة وزير، وقد اهتمت بصفة خاصة بالكاتبة، واقتفت أثرها، وكتبت سيرتها بأدقّ تفاصيلها، وهي باحثة في كل ما يتعلق بإيزابيل عن هذه الرحلة :
« كانت الرحلة التي قامت بها إيزابيل إبراهاردت مغامرة حقيقية. كان هدف إيزابيل أن تتجاوز أخيرا حدود بني ونيف الخيالية، وذلك تحــدٍّ في حدّ ذاته. ذهبت إذن إلى ما وراء فقيق وبني ونيف، وبشار، بعيد إلى الجنوب .. من سراس إلى سراب حتى وصلت إلى ما وراء كثبان غريبة تتوجها الحجارة التي تنذر بالسقوط في كل لحظة، تتبع الأودية المنخفضة حتى قنادسة ، ذلك القصر الذي تحيطه أسوارٌ من الطين الداكن  اللون بلا فتحات رمي، ولا شرفات ..مكان تائه معزول عن العالم، حتى أنك تشعر وأنت هناك، وكأنك على حفة الوجود.
       كانت قنادسة مركزا أخوية صوفية ــ أخوية الزيانيين ــ التي كانت زاويتها الأقوى والأكثر تأثيرا في المنطقة. تعلم إيزابيل أن هذه الزاوية توجد خارج الحدود ، وأن الناس هناك يخضعون لسيادة سلطان فاس.»
      ما كتبته إيزابيل إبراهاردت عن زاوية قنادسة هو من أكمل أعمالها : ناسك يرتدي الخرق منعزل في قاع مغارة، نساء عند العين، الصلاة في المسجد، سادة بدو يشبهون الذئاب، انتحار امرأة مسلمة رفضا استعبادها من قبل زوجها، حزن المقبرة، لقاءاتها مع سيدي إبراهيم، حياة الطلبة المسلمين.
       اقتطفت كل ذلك يومًا بيوم في إقامتها بقنادسة، وهذا ممّا يفسّر حرصها على أن تكون حرة في غدوّها ورواحها بالزاوية، غير مقيّدة.
       كان بإمكانها أن تستمرّ في العيش هكذا حتى يوم الرحيل. كانت تقول : « لا شيء يحدث هنا »، ولولا أيام الألم والعذاب التي قضتها هناك أين صرعتها الحُمّى عدة مرّات : ما تركت لها أزمات حمّى الملاريا أي قوة، فبقيت مرمية في غرفة ..وحيدةً على حصيرة، يحرك عبدٌ منشّة في الصمت المحيط، لا يتوقف إلاّ ليبلل جبينها بشيء من الماء. عاشت هكذ أيامًا تشرب الشاي الدافئ بعيدة عن كل نجدة.
        هل ستموت ؟ كم من مرّة أرادت أن تصرخ أمام منْ كانوا حولها، والذين يرفعون أيديهم أمام المرض والموت، ويقولون : « مكتوب »، وإنْ هي ماتت سيعلنون منْ ؟ بما أنهم في نظرهم رجل اسمه « سي محمود ».
     نصوص هذا الكتاب عددها 57 نصا أولها نص: ( الابتعاد.. عين الصفراء ماي 1904 )، وآخــرها نص ( الرحيل)..النصوص تفاوتت ما بين الطول والقصر، أطولها لا يتعدى الأربع صفحات كنص " في ضيافة الطلبة " وأقصرها لا يزيد عن الصفحة الواحدة كنصّ " عطر الواحات "

من نصوص الكتاب
1 ـــ من نص " الابتعاد "
« ...في دروب طويلة تحفّ تموّجات الكثيب، بين أشجار احور ذات الجذوع البيضاء، وأنا أستعيد وأستنشق رائحة النسغ، والصمغ شعرت كأنني أتيه في غابة حقيقية.. هو شعور لطيف جدا، ونقيٌّ يضفي عليه أحيانا عطر باقة من الأكاسيا المزهر نفس من الشهوانية ..كم أحبّ ذلك الاخضرار الكثيف لجذوع أشجار التين المليئة حياة وحليبا مرًّا المغضّنة كأنها جلد فيل،  والتي تطنّ من حولها  خراشيم الذباب الذهبي اللون .»
2 ـــ  من نص " عطر الواحات "
« اختفت البحيرة الغريبة بعيدا، بقيت بعض البرك وحيدة، مُزقٌ من الأزرق المتناثر على الرمل الأصهب. ولكن ظل غابة النخيل بدأ يُغري دوابنا. وصلنا أخيرا تحت أقواس النخيل المتراصّة وبدأت أحصنتنا تمدّ مناخيرها نحو الماء الحقيقي في الواد العريض الذي يصل إلى منتصف قوائمها تحت أغصان الأسل.
       يا لها من راحة نفسية وفرحة جسدية تماما حين دخلنا في الظلّ أين تهبّ نسمة خفيفة ندية قليلا، وأين شعرتْ أعيننا بالراحة ونحن ننظر إلى أخضر النخيل، وأزهار الرمان الدامية، وباقات الغار الوردي.. بعد الماء الوهمي، طعْم الحقيقة العذبة.»
3 ـــ من نص " صلاة الجمعة "
« اليوم هو يوم الجمعة، يوم الذهاب إلى المسجد لحضور الصلاة العامة. بعد منتصف النهار بقليل، في تراخٍ وصمت القيلولة من بعيد جدا كان ذلك في حلمٍ، وصلني صوتٌ بطيء: إنه آذان " الزوال " ..النداء الأول للصلاة.
... وصلنا أخيرا. دخلنا إلى القصر أين بقي شيء من الظلّ. أشكال تتقدمنا، وأخرى تسير خلفنا، جمعٌ كبير صامتٌ تقوده نفس الفكرة . حين يمرّ المؤمنون، يرتّل المتسوّلون الأكفاء تضرّعاتهم . كان علينا تخطّي سياج المسجد الذي تسدّه عوارض مرتفعة لمنع الأطفال والدواب من الدخول . ينزع المسلمون هنا بنفس الحركة، نعالهم الصفراء، ويمسكونها في ايديهم.
... تختلط كل هذه الأصوات، أصوات الرجال الخفيضة والتي منها ما هو صافٍ جميل، والتي تطغى على باقي الأصوات، وأصوات الصبيان الرقيقة في همسٍ عظيم مبهم، وفي إيقاعٍ رتيب وحزين، ينطفئ تدريجيا.
       يمتدّ هذا النشيد المهدهد، ويصعد وهو يحمل في طيّاته الشعور بالديمومة في جناح المسجد المدوّي. ثم فجأة ومن أعلى المئذنة يطلق المؤذن النداء الثاني، يبدو صوته وكأنه ينزل من فلكٍ مجهول، لأنه بكل بساطة يأتي من مكان مرتفع وغير مرئي ..ثم ونحن في تلك الحالة النفسية الغريبة تجدنا دائما على حافة الروعـة.»

وبعـــــد
       إن هذه النصوص 57  أيها القارئ الكريم لا أخالُـك تتركُها من بين يديك قبل أن تقرأها من البداية إلى النهاية، بل ستعود إلى قراءتها لتستمتع بجماليات الفن السردي، والدقة في التقاط مسرح الأحداث.        
         إن ترجمة هذه النصوص من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية من قبل الأستاذ المبدع ميهي عبد القادر جعلتني في كثير من الأحيان أتصوّر نفسي لا أقرأ للكاتبة الأصلية، فقد يتماهى لديّ أحيانا المترجم والكاتبة؛ فالترجمة الأدبية هي من أصعب أنواع الترجمات إذْ تعتمد بصورة كبيرة على التذوق، ودخول خيال الكاتب سواء كان شاعراً، أو قاصا، أو روائيا، ممّا يتطلّب من المترجم الفهم العميق للنص أولا، أي استشراف الاستبطان الذي يحتويه النص، لأن النص الإبداعيَّ ذو إشكالية في جوهره، وترجمتهُ ترجمةً موفقة يتطلب أولا الكشف عن أسلوبياته، وجمالياته. وهو أمرٌ يتطلب صبرا كما يتطلب القدرة على إتقانٍ وتحكّمٍ كبيريْن في اللغتيْن  يُعينان المترجم على سبْـر أغوار النص المتوارية.
       وهذا يتطلب بحدّ ذاته روحا إبداعية لتكُـونَ صورةُ الترجمة، والمادة الأدبية إبداعيةً فنيةً غير حرفية، ولا أخال الأستاذ ميهي عبد القادر إلاّ وهو الفارس القدير الذي وضع كلّ ثقله الخبراتي والمعرفي  في جعْل لغته لغة جمالية باختياره للألفاظ الدّالّة، والعبارات الرشيقة السلسة التي تتلاءم مع وقائع، وأحداث هذه النصوص السردية، وتتقارب إلى حدّ التطابق مع أفكار الكاتبة إيزابيل إبراهاردت، وكأنهما أبْدعا هذه اللوحات القصصية معًا.
        الأستاذ ميهي قد تمرّس في التعامل مع نصوص الرحالة إيزابيل إبراهاردت، واكتسب خبرة أكثر، حيث هذا كتابه الثالث بعد كتابيْه المترجميْن لهذه الرحالة : ( عودة العاشق المنفي )، ( مجموعة تاعليت القصصية ) ، والكتاب الرابع للرحالة بعنوان : ( على الرمل  .. أثرٌ ) قريبا يصدر.

من أعمال الأديبة إيزابيل إبراهاردت
ــ في ظلال الإسلام الدافئة: تقديم فيكتور بريكند/ باريس - فسكل 1906.
ــ مذكرات الطريق: تقديم فيكتور بريكند/ باريس - فسكل 1908.
ــ صفحات الإسلام: تقديم فيكتور بريكند/ باريس فسكل 1922.
ــ يوميات: تقديم ر.ل - دوايون: باريس - المعرفة 1923.
ــ في بلاد الرمال: تقديم/ ر.ل - دوايون: باريس. سورلو 1944.
ــ يسمينة: م. أ - دلكور/ ج.ر - هيل ليناليفي 1986.
ــ مخطوطات على الرمال: م. أ - دلكور و.ج.ر - هيل/ باريس - غراسي 1988.




                  السمعُ أبو الملكات اللِّسانية؟ كتب: بشير خلف العلّامة المرحوم ابن خلدون في مقدّمته: «إن أركان اللسان العربي 4، هي: ...