الأربعاء، 6 مارس 2013

من قديم..مدينة قمار منارة للعلم والتنوير!!


من قديم..مدينة قمار منارة للعلم والتنوير!!
بقلم: بشير خلف
يمكن القول وبدون تزكية أن مدينة قمار هي مدينة العلم والثقافة قديما وحديثـا، ولا يعود الفضل في القديم إلى الاستعمار الفرنسي الذي أغلق كل أبواب العلم أمام أبناء البلدة ما عدا حفظ القرآن الكريم بالكتاتيب.. وإنما يرجع الفضل حديثًا إلى مدرسة النجاح الحرة التي كانت منارة العلم والتربية والتهذيب التي بقيت تؤدي رسالتها بنجاح حتى تاريخ الاستقلال الوطني، والفضل يعود بعد الله سبحانه إلى الشيخ المرحوم العالم المثقف المربّي تليلي محمد الطاهر، وثلّة طيبة معه كالمرحوم سعداني عبد العزيز، والشيخ التركي، وسعداني محمود أطال الله في عمُريْهما، وغيرهم.. ضحّوا جميعًا، وبحكمتهم وفطنتهم داهنوا " قائد البلدة" والحاكم العسكري بالمنطقة حتى تُكمل المدرسة مواصلة رسالتها، هذه المدرسة درَس بها الدكتور أبو القاسم سعد الله، والدكتور بوجلخة التجاني، وعبد العزيز خلف وغيرهم، المدرسة التي تولّى طلاّبها بعد الاستقلال المهام الإدارية والسياسية، والثقافية، والاقتصادية، والعلمية؛وهم كما يقول سعد الله مدينون لشيخهم تليلي بالأبوة الروحية، والتكوين المعرفي، وغرْس القيم العربية الإسلامية فيهم؛ فكانوا نعم الأبناء البررة،ونعم جنود الميدان في نهضة الجزائر المعاصرة. 
مدرسة النجاح معين المعرفة الذي ما نضب
يقول الدكتور بلقاسم سعد الله في كتابه " خارج السّرْب" (1)
«…ولعلّ هذا التصرّف القمعي والتعسفي يفسّر ما اختاره أهل قمار عندما أسسوا مدرسة النجاح للتعليم العربي الحر، فقد فضّلوا عدم إلحاقها بمدارس جمعية العلماء تفاديا لتعريض المدرسة للإغلاق، لأنها تقع في منطقة خاضعة للنفوذ العسكري، وكان أعيان البلدة يداهنون السلطة الفرنسية أحيانًا، ويستنجدون بحاكم البلدة( القايد) أحيانا أخرى ليحتموا به من أجل الإبقاء على المدرسة مفتوحة.
وهكذا بقيت المدرسة سنوات وهي تحت إدارة الشيخ محمد الطاهر تليلي دون أن تكون لها مرجعية تربوية سوى إخلاصه، ومهارته، وبرنامج جمعية العلماء دون التبعية لها، فكان الشيخ تليلي هو المدير، والمعلم والمراقب والمسؤول على كل ما يجري فيها أمام الأعيان والسلطة المحلية.بقيت مدرسة النجاح تمارس التعليم العربي الحر بإدارة الشيخ تليلي إلى استقلال الجزائر، وأثناء ذلك كان الشيخ يديرها كما يدير الربّان سفينته وسط الزعازع، والأمواج العاتية سيّما في فترة الثورة، وكانت مهارته، وإخلاصه، ونتائج تعليمه قد أقنعت حتّى ألدّ خصومه بأهمية رسالة المدرسة.»
علماء وفقهاء أسّسوا
إن هذه المدينة فاقت شهرتُها أرض الوطن الجزائري بما أعطت للجزائر من أعلام شاركوا، ولا يزالون يشاركون بعلمهم وبأفكارهم النيرة في الحركة الثقافية والنهضة العلمية التي تعرفها الجزائر في تاريخها المعاصر،ومن بين علمائها ومثقفيها القدماء الذين أسسوا لنهضتها الثقافية والتعليمية الحديثة في ظروف تاريخية صعبة جدًّا، المرحوم العالم الجليل " خليفة بن حسن القماري " وهو فقيه وشاعر(ت: 1796م)والشيخ علي بن القِيَم(ت:1842م) والشيخ الأديب محمد بن بلقاسم بن البرية(ت: 1948 م)والشيخ محمد بن اللقاني(ت:1939)والشيخ العلاّمة الحفناوي هالي(ت: 1965)والشيخ العلامة أحمد بن دغمان(ت:1981)والشيخ الشهيد هالي عبد الكريم(ت:1957) و" علي بن ساعد القماري " (ت:1974) .. والذي كان عضوا في جمعية العلماء الجزائريين، و العالم " عبد القادر الياجوي " (ت:1991) وأيضا الشيخ " محمد الطاهر التليلي " (ت:2003)، الذي يعد مرجعا في أصول الفقه وفروعه، وهو مفسر، ومحدث لغوي بارع، والمرحوم عمار بن لزعر(ت:1962) الذي رسّخ الحركة العلمية والثقافية، والصحوة الدينية بداية من أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، وأحدث انقلابًا فكريا ونهضويا بالمدينة فضايقه الاستعمار وأعوانه، ممّا اضطرّه إلى الهجرة مُرغمًا إلى البقاع المقدسة سنة 1937 م،حيث يقول في شأنه الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه" خارج السّرب :(2)
«…فإن الحياة العلمية في سُوفْ كانت راكدة لم يترك لها الحكم الفرنسي والنفوذ الطرقي المجال للحركة، لكن الشيخ( تليلي) يذكر أن الفضل يرجع إلى الشيخيْن اللقاني، والأزعر في بثّ العلم في قمار، وسوفْ عموما، وفي إيقاظ أهل المنطقة من الجهل، والكسل والركود.وكان الشيخ عمّار الأزعر من أنصار الإصلاح، ومن مؤسسي جمعية العلماء، ولكنه وجد مضايقة كبيرة من أنصار الإدارة الفرنسية، ومن بعض الطرق الصوفية المحلّية فلم يسعْهُ إلاّ مغادرة قمار سنة 1937 م مهاجرا منها إلى الحجاز حيث عاش في المدينة المنوّرة مدرِّسًا بالحرم النبوي إلى وفاته.»
وكذا المرحوم أحمد مفتاح الخطيب والإمام والشاعر، ومن علماء هذه المدينة الشيخ معمر حنّي ـ أطال الله في عمُره ـ الذي كان من علماء ومدرسي جمعية العلماء، وقد درس عنه المرحوم الطاهر وطار في بلدة " مداوروش" في أواخر الأربعينات من القرن الماضي..، وكذا المرحوم الشيخ محمد التجاني زغودة الذي تولّى فرع إدارة المعهد الإسلامي بالمدينة والتدريس به، وقد كان حجّة في اللغة العربية وآدابها (ت: 2006). 
نخبة حملت المشعل بقوة 
والدكتور" أبو القاسم سعد الله " شيخ المؤرخين وعميدهم، وأحد مؤسسي المدرسة الحديثة للتاريخ الحديث بالجزائر إذْ أغنى المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين مؤلفا في التاريخ والإبداع الأدبي والدراسات المختلفة، وميئات المقالات. سعد الله مكتبةٌ متنقلةٌ وهو أشهر من نار على علم…إضافة إلى إخوته الدكتور إسماعيل، والدكتور خالد، والدكتور إبراهيم، حيث أضافوا للمكتبة الجزائرية والعربية عشرات المؤلفات في القانون الدولي، والرياضيات، والفيزياء، علاوة على العديد من رجال القلم الذين أنجبتهم هذه المدينة كالدكتور التجاني يوجلخة المتخصص في الفيزياء النووية، وعبد العزيز خلف المتخصص في الاقتصاد، وبخاصة القطاع المالي،والدكتور لشهب بوبكر الاختصاصي في الشريعة والدراسات الإسلامية، والدكتور حمانة البخاري، والإعلامي المثقف والمؤرخ المجاهد الطاهر بن عيشة؛ومن كُـتابها ومبدعيها حاليا خلف بشير، الشاعر والناقد عادل محلو، والكاتب المربّي نوار محمد،والشاعر القاص زكرياء نوار، والأستاذ الجامعي الباحث المعروف في التاريخ مسعود كواتي، والدكتور الباحث في التاريخ مديني بشير، والشيخ الباحث في علم التصوّف عبد الباقي مفتاح، وشيخ القُرّاء بالمدينة المنوّرة إبراهيم بن القِيّم الذي سيزور مدينة الوادي في مستهلّ السنة القادمة 2011 بدعوة من جمعية البيان لتحفيظ القرآن الكريم،وغيرهم كُثّرٌ متواجدون هنا وهناك يساهمون في ثورة الجزائر الثقافية..ومن أبناء مدينة قمار الشيخ بشير الباري المتوفّي أخيرا مفتي دمشق، وخطيب الجامع الأموي.
المثقف الحقّ من ينتج المعرفة، وتُنشر في المجتمع 
    إننا وإنْ نذكر هذه الشخصيات الأخيرة المعاصرة لأنها ساهمت وتساهم في صُنْع المشهد الثقافي الجزائري من خلال إصداراتها المتتالية، ومقالاتها في المجلات، والصحف المحلية والوطنية، وكذا في المواقع الإلكترونية، والمدوّنات، كما أنها حاضرة دومًا في النشاطات الثقافية التي يشرف عليها قطاع الثقافة وطنيا ومحليا كالأسابيع الثقافية ما بين الولايات، والملتقيات المحلية الوطنية التي يتكفل بها القطاع الثقافي بولاية الوادي، وخارج الولاية..لمّا نؤكد هذا فليس معنى هذا أن مدينة قمار تخلو من غيرهم من المثقفين، وبخاصة في الجامعة، ذلك أن هناك العديد من الأساتذة الأكاديميين يشتغلون أساتذة وباحثين لكن في الحرم الجامعي، وكتاباتهم إلاّ في الدوريات التي تصدرها الجامعات، أو المراكز الجامعية، إذ تدخل في مسارهم المهني من أجل التأهيل والترقية، أو يستفيد منها الطلبة والأساتذة، إنما كمنتوج معرفي يستفيد منه المجتمع خارج الجامعة، فهذا ما لا نراه واقعًا..قد يعترض علينا البعض بأن هذا القول إجحاف في حقّ هؤلاء؛ إنما هي الحقيقة.
التعليم بقمار قديم قدم وجودها
إن التعليم متجذر تاريخيا في قمار منذ القديم بقمار بفضل جهود علمائها، وأئمتها، ورجال الإصلاح الذين ذكرناهم سلفًا، فالإقبال على حلقات العلم، وحفْظ القرآن الكريم منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي في الكتاتيب سمح بتخرّج العشرات سنويا من حفظة القرآن الكريم بناتا وبنين، إذ البنت القمارية لم تتخلف عن أخيها في طلب العلم، وممّا يدعّم قولنا هذا أن مدرسة النجاح لمّا فتحت أبوابها في بداية ثلاثينيات القرن الماضي كانت الفتاة القمارية تلميذة متعلمة بجانب الفتى القماري مثلما المرأة القمارية منذ القديم تحتل مكانة رائدة في الحركة الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الرجل..ها هو الشيخ تليلي على لسان تلميذات مدرسة النجاح في نشيد بعنوان" نشيد البنات بمدرسة قمار يقول:
نحن البنات المسلمات أزهى نبات المسلمين
ندعو ونسعى للحياة والعون رب العالمين
نبغي عزيز المطلب بالعلم والخُلُق المتين
نحن الدعامة للحياة نحن السفينة للنجاة
فلْتعنوا بالبنت الفــتاة عناية مثل البنين
نحن الشقائق للرجال في العلم أو معنى الكمال(
3)
كما يعيب الشيخ تليلي على تلميذاته لمّا أبطأْن في إحضار صورهن الشخصية لتكملة ملفاتهن المدرسية بمدرسة النجاح:
طلبت إدارة قسمنا صور البنات المُوضحة
فتلكّأت بعض البنات فلم يجبن المصلحة
هُزْءا بها وتمرُّدا ولآمة مستوضحة
فكأنها جلست هنا فرّاجة مستروحة(
4)
نهضة تعليمية مباركة

ويجدر بنا في هذا المقام أن لا ننسى أن مدينة قمار ساهم أبناؤها في النهضة التعليمية بداية من سنة 1962 في أغلب ربوع الجزائر..ساهموا وبفعالية في المناطق الجنوبية: تمنراست، عين صالح، جانت، إليزي، ورقلة، وادي ريغ، بسكرة، تبسة؛ وحاليا متواجدون في العديد من الجامعات، والمراكز الجامعية في شتى التخصصات.
وبها حاليا نهضة تعليمية بفضل أكثر من ثلاثين مدرسة ابتدائية،وسبع متوسطات، وثلاث ثانويات، ومكتبة بلدية أنجزت حديثا، تتوفر على كمٍّ معتبر من العناوين المختلفة، تُثرى باستمرار بمشتريات، وبحصص من إصدارات وزارة الثقافة الجديدة.
العديد من أبناء مدينة قمار بفضل هذا الرصيد الثقافي المتميّز، وتلك النهضة التعليمية التي نهل منها الإنسان القماري الكثير، جعلت منه الإنسان المتعلم اللّبيب، الحكيم، كما أن العديد من أبناء هذه المدينة من الجيل الجديد هم إطارات، ورجالات علم ومعرفة وطب وتربية وتعليم، وباحثون،كما هم روّادٌ متواجدون وبفعالية في النهضة الفلاحية المعاصرة بالمنطقة،هم روّادٌ متواجدون في ربوع بلدهم، وفي أغلب ولاياته هم متواجدون أيضًا في أمريكا الشمالية، وبعض البلدان الأوروبية يمارسون مهامّهم هناك، وقد أثبتوا جدارتهم.
هوامش:
(1) ـ د.أبو القاسم سعد الله/.خارج السرب..مقالات وتأملات. ص158 دار البصائر/الجزائرط2 2009
(2) 
ـ خارج السرب / مرجع سابق ص 158
(3) 
ـ الشيخ محمد الطاهر تليلي/ مدرسيات من ديوان الدموع السوداء. ص36(مخطوط)
(4) 
ـ المرجع السابق ص 46

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

                  السمعُ أبو الملكات اللِّسانية؟ كتب: بشير خلف العلّامة المرحوم ابن خلدون في مقدّمته: «إن أركان اللسان العربي 4، هي: ...