الثلاثاء، 28 مايو 2013

الإنسان  والعمارة
بشير  خلف
       صدر للرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي كتاب بعنوان" الإنسان والعمارة"
       الكتاب من الحجم المتوسط  ذو إخراج وتنسيق جيدين ..تصميم الغلاف للفنان التشكيلي الألمعي سواسي محمد البشير.
        تتضمّن صفحات الكتاب 290 الآتي:
·        ــ الكلمة الاستهلالية لرئيس الرابطة.
·        ــ 20 مداخلة لأساتذة متخصصين من جامعات الوطن، تغطّي محاور الندوة التاسعة التي نظّمتها الرابطة أيام: 26/27/28 جانفي 2013 بدار الثقافة بالوادي: 1 ـ جدلية الإنسان والعمارة . 2 ــ الإنسان والعمارة الصحراوية. 3 ــ الإنسان والعمارة في وادي سوف.

·        ــ تكريم الشيخ المعماري دودو عبد القادر الذي ساهم في العمارة الإسلامية بالمنطقة إذْ أنجز 17 صومعة في العديد من مساجد وادي سوف بأشكال مختلفة، ومستوى عالٍ من الإبداع والجمال، وبأدوات تقليدية بسيطة.

الاثنين، 27 مايو 2013

التراث الثقافي والذاكرة.. التراث والإقليم.
بشير خلف
     أصدرت في الأيام الأخيرة مديرية الثقافة بالوادي كتاب الملتقى الوطني الخامس حول التراث الثقافي (التراث والإقليم) للسنة الفارطة 2012 بعنوان" التراث الثقافي والذاكرة ..حتى لا ننسى ."
       الكتاب من الحجم المتوسط، صفحاته الـ 212 تضمّ :
ــ إشكالية الملتقى، وكلمة الأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة لولاية الوادي.
ــ 15 محاضرة لأساتذة متخصصين من جامعات وطنية.
ــ توصيات الملتقى
ــ 26 صورة تشخّص المداخلات، وتوزيع الجوائز.
ملاحظة: لنا عودة بحول الله لمضمون الكتاب في قراءة له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتعليق أو المشاركة: اضغطْ على رابط " ليس هناك تعليقات " أو تعليقــ...) واكتب تعليقك داخل المستطيل

الأحد، 26 مايو 2013

«أبناء العالم الجديد» لآسيا جبار:
تلك الثورة بين أبنائها وأعدائها
إبراهيم العريس
       قبل سنوات أُعلن في فرنسا أن كاتبة جزائرية تكتب بالفرنسية انضمت إلى مجموعة الكاتبات اللواتي - على خطى مرغريت يورسنار وجاكلين دي روميللي- أنهين خلال الربع الأخير من القرن العشرين احتكار الكتّاب الذكور لعضوية «الأكاديمية الفرنسية»، أي تلك الجمعية الأساسية التي تضم عادة كبار الأحياء من الكتّاب والمفكرين الفرنسيين أو مجرد الكاتبين بالفرنسية، والمسماة «مجمع الخالدين». الكاتبة هي آسيا جبار، التي لم يكن كثر في العالم العربي سمعوا باسمها من قبل، ومن بين الذين سمعوا به قلةٌ فقط قرأت أعمالاً لها، ذلك أن أعمال آسيا جبار المكتوبة بالفرنسية، بدأت تنتشر بعد الاستقلال الجزائري، أي في وقت خفَّ اهتمام العالم العربي بشؤون الأدب الجزائري، بل بدأت تتعالى فيه أصوات متسائلة:
      لماذا يكتب جزائريون بالفرنسية وقد استقلت الجزائر، بعدما كانت فرنسا هي البلد المستعمر لهذا البلد العربي؟ كان السؤال ساذجاً، لكنه يكشف طبيعة «الهموم» التي راحت تشغل بال قطاعات من الإنتلجنسيا العربية في زمن كان يفترض أن ينشغل البال بأمور أكثر فائدة، لكن هذا ما حدث. وفي ما يشبه «العقاب الجماعي»، وبعد أن لم يترجَم سوى عدد قليل من أعمال كتّاب اشتهروا «كمناضلين»، توقفت ترجمة الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية إلى العربية، وصار بالكاد في إمكان القارئ العربي أن يعرف أن هناك عشرات الكتّاب من الجزائر، وأيضاً من تونس والمغرب وموريتانيا، وأنهم لم يلجؤوا إلى التعبير عن أنفسهم بلغة المستعمر باختيارهم، بل لأن هذه اللغة كانت ما يتقنون، على رغم أنهم كانوا يعبّرون عن مواقفهم المعادية اصلاً للمحتل، صاحب تلك اللغة. غير أن هذا الأمر الجدلي كان من الصعب وصوله إلى ذهنية الفكر «القومجي»، ومن هنا، مر حدث دخول آسيا جبار الأكاديمية الفرنسية مرورَ الكرام، واعتُبر أقلَّ أهميةً بكثير من دخول لاعب كرة عربي فريقاً أوروبياً.
       مهما يكن، فإن ما يجب أن يبقى في البال من هذا كله هو أن آسيا جبار، سواء عُرف اسمها على نطاق واسع في العالم العربي أم لم يعرف، كاتبة كبيرة من كتّاب الثلث الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الذي يليه. وهي سينمائية أيضاً، حققت حتى الآن فيلمين مميزين عن حياة المرأة الجزائرية، وأصدرت في مجال الرواية نحو 15 عملاً حقق معظمها نجاحات كبيرة لدى قرّاء الفرنسية، سواء كانوا فرنسيين، جزائريين، مغاربة آخرين أو أفارقة، وهذا المتن الإبداعي هو الذي أوصل آسيا جبار إلى الأكاديمية الفرنسية تتويجاً لجهود أدبية وقفت دائماً إلى جانب حق الشعب الجزائري في ثورته وبلاده وتاريخه، مع إصرارها على إبراز الفروق داخل صفوف ذلك الشعب، والحرص في مرات على مساندة المرأة الجزائرية في الظلم الذي وقع عليها بعد انقضاء الثورة ونيل الاستقلال، حين «شكرت» للمرأة مساهمتها (الأساسية قطعاً) في الثورة، فكيف يطلب منها الآن أن تتنحى جانباً؟ لقد كان هذا الموضوع، ولا يزال، من المواضيع الأثيرة في أدب آسيا جبار، بل شكل الموضوع الأساس في الأول بين فيلميها «نوبة نساء جبل شنوة».
       وآسيا جبار كانت في الواحدة والعشرين من عمرها - عام 1957- حين أصدرت روايتها الأولى «الظمأ»، التي لفتت إليها الأنظار فوراً، في وقت كانت الثورة الجزائرية بدأت لتوها، يرفدها قدر كبير من المساندة الأدبية والثقافية من أحرار الثقافة الفرنسية، كما من أجيال ناشئة من الكتّاب الجزائريين، معظمهم يكتبون بالفرنسية. واحتُسبت آسيا جبار، منذ البداية، في صفوف هؤلاء، حتى وإن كانت أصغر أبناء جيلها سناً. وهي أصدرت - بفضل النجاح الذي حققته «الظمأ» - روايتها الثانية «فارغو الصبر» (1958)، غير أن بدايتها الأدبية الحقيقية، التي نقلتها من خانة «الظاهرة الأدبية» إلى خانة الأديبة بالمعنى الحقيقي للكلمة، كانت «أبناء العالم الجديد»، التي ظهرت عام 1962، أي مباشرة بعد نيل الجزائر استقلالها، لتبدأ -وحتى قبل كل الكتاب الجزائريين الآخرين- بطرح السؤال الأساس حول ما فعلته الثورة بأبنائها، إذ على رغم النغمة التفاؤلية والمستقبلية التي يحملها عنوان هذه الرواية، لم تخل من إشارات مريرة وأسئلة حارقة حول مصير الثورة ومصير الشعب الذي ثار، وكل هذا سيتعمق لاحقاً في روايات وأعمال تالية لآسيا جبار، ما يجعلنا نعتبرها منذ ذلك العمل المبكر، واحدةً من الكتاب الذين أطلقوا باكراً العنان لغضبهم على انحرافات كان العالم الخارجي لا يزال أعجز من أن يراها، وستكون هي من سينسف قسطاً كبيراً من إنجازات الثورة، ويوصل الجزائر إلى ما وصلت إليه خلال السنوات العشرين الأخيرة.
       تدور أحداث «أبناء العالم الجديد» خلال السنوات الأولى للثورة الجزائرية في مدينة لم تعطها الكاتبة اسماً، لكنها حددتها في شكل يدفع إلى الافتراض أنها مديا، وتقع غير بعيد من الجزائر العاصمة. هناك، في هذه المدينة الصغيرة، يعيش الناس الحرب يوماً بيوم، والخطر ماثل في كل لحظة، والجبال تُقصف في كل حين، والبيوت تُحرق. السكان هناك ينتمون إلى جماعة بني مهيوب، وهم يعيشون مصيراً يشبه مصير كل السكان المحليين الآخرين: الرجال في الجبال حيث يقاومون وينظمون صفوفهم لمحاربة المحتل، والنساء والشيوخ والأطفال يسعون في كل لحظة إلى الهرب من مكان إلى مكان، تجنباً للموت في بيوتهم الفلاحية المدمرة. فإذا كان الرجال لجأوا إلى الجبال ليقارعوا المحتل انطلاقاً منها، فإن هذا المحتل يجعل الضعفاء يدفعون الثمن، وهو يرد يومياً على العمليات الفدائية قصفاً وإحراقاً.
      ومن بين قادة العدو، هناك طبعاً طيبو القلب، من أمثال المفوض جان، الضابط الكهل الذي يعلن من دون مواربة أنه لا يستسيغ التعذيب الذي يمارَس على السكان المحليين، فكيف يكون الحل؟ بسيطاً... يعهد بالتعذيب إلى الضابط مارتينيز، وهو من فرنسيي المنطقة، وهذا إذ لا يرى سوءاً في ممارسة التعذيب، يتولى المهمة بنشاط، ما يجعل جان يزيد من الاعتماد عليه وقد أراح ضميره، لأنه لا يمارس التعذيب الذي كان في باريس بنفسه(!).
       غير أن المسألة، تقول لنا آسيا جبار، ليست بسيطة تماماً، فليست المسألة فرنسيون من ناحية وجزائريون من ناحية أخرى، والبرهان: الشرطي العربي حكيم، يكرهه أهل الحي لأنه يتعاون مع الأجانب، وفي المقابل هناك جاره يوسف، المقاوم الذي صار الناطق باسم الحي كله، وهناك الواشي توما، الذي إذ يُكشف أمره سيكون أخوه من ينفذ فيه حكم الإعدام. هذا من ناحية الرجال، أما في صف النساء، فهناك شريفة، المرأة الجميلة زوجة يوسف، المغرمة بزوجها، والتي لا تخفي حبها رغم التقاليد، بل هي تخرق التقاليد وتخرج إلى الشارع وحيدة، حين يتوجب عليها أن تهرع لإخبار زوجها أن الشرطة تبحث عنه. لكن شريفة تدفع ثمن هذا الخرق، وكذلك حال سليمة، المدرّسة التي تجابه تحقيقات المفوض جان وعقده التي لا تنتهي. وهناك أيضاً شخصيات أخرى، لا سيما بشير، الذي يريد أن يتخلى عن دراسته كي ينضم إلى المقاتلين، وللتدليل على جديته وقدرته يحرق مزرعة لواحد من المستوطنين، فيدفع هو والحي كله الثمن، لا سيما أخته ليلى، الوحيدة الضائعة بعدما هجرها زوجها للقتال في الجبال.
       إن كل هذه الشخصيات بما لها وما عليها، تتجول أمامنا في هذه الرواية لترسم آسيا جبار من خلالها صورة ليس لبطولة الثورة، فهذا أمر كان مفروغاً منه في ذلك الحين، بل للمصائر المتناقضة على أكثر من صعيد. إننا هنا إزاء ما يشبه جردة الحساب مرسومة عبر المشاعر والمثل العليا، التي تتقاطع وتتصادم في اللحظة المفصلية: اللحظة التي يدرك فيها كل شخص من شخوص هذه الرواية، سواء كانوا من الفرنسيين أو الجزائريين، من المناضلين أو المتعاونين، من الرجال أو النساء، أنهم إنما يعيشون جميعاً إرهاصات هذا العالم الجديد الذي ينبني من حولهم وبأيديهم، ليجعل منهم أبناءه الحقيقيين. والحال أن هذا هو الموضوع نفسه تقريباً الذي ستلح عليه آسيا جبار في معظم أعمالها الكبيرة التالية، من «القبرات الساذجات» حتى «نساء الجزائر في شققهن»، ومن «الحب الفانتازيا» الى «واسع هو السجن»، مروراً بـ «الظل سلطانة» و «بعيداً من المدينة».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الحياة: الجمعة 24 مايو 2013
للتعليق أو المشاركة: اضغط على رابط " ليس هناك تعليقات"
واكتب تعليقك داخل المستطيل



الاثنين، 20 مايو 2013


  دور المثقف الحر 
بشير خلف   
     اتصل بي أحدهم منذ يومين، وبشّــرني ببروز حزْبٍ جديد تمّ اعتماده أخيرا،  يريد أن يستقطب المثقفين، وطلب مني  مُهاتفي المساهمة في الملتقى الذي سينظمه هذا الحزب الفتي في فندق من فنادق ساحل غربي العاصمة، وترك لي حرية اختيار الموضوع.
       ربّما خفي على صاحبي هذا أني في حلٍّ من كل الأحزاب منذ سنة 1986 كيفما كانت أطيافها، ولا أعتقد البتّة أن هذه الأحزاب في خدمة المواطن العادي، ولا عينها على حفْظ الوطن، والنأي به عن الهزّات الداخلية والخارجية بقدر عينها على السلطة والمال، والنفوذ؛ والواقع البعيد والقريب يثبت ذلك
      ثم  أني " طاب جناني " ، وأن مبادئ  أصلاً هي مبادئ المثقف العضوي المستقل، الحر الذي يؤمن بأن دور المثقف الحقيقي دورٌ تنويري، إذْ على عاتقه، وعاتق أمثاله من المثقفين المستقلين الأحرار يقع عبْء مساعدة الناس على فهْم العالم المحيط بهم، والدفاع عن حقوقهم في حياة آمنة كريمة، والذود عن كرامتهم، وحريتهم، ووجوب التدخّل في كل المناسبات ، من أجل تأمين تلكم الحقوق الفردية والجماعية .
      إن المثقف يتدخل أيضًا كمراقب على ما يجري من أحداث ليساعد الناس على فهمها أكثر بعقلانية ووعيٍ كلّما أمكن له.

الثلاثاء، 14 مايو 2013

خزائن المخطوطات في الجزائر موضوع ملتقى وطني بالوادي


 خزائن المخطوطات في الجزائر موضوع ملتقى وطني بالوادي
بشير خلف
     خزائن المخطوطات في الجزائر بين نزوع الانكفاء، وآليات الصمود والارتقاء موضوع الملتقى الوطني السادس بالوادي الذي افتُتحت فعالياته بدار الثقافة وسط المدينة صباح يوم الأحد 12 ماي 2013 ، واختتمت يوم أمس الإثنين 13 ماي 2013 .الملتقى نظمته مديرية الثقافة بالوادي.
      الملتقى نُظّم بالتعاون مع مخبر المخطوطات الجزائرية غرب إفريقيا بأدرار ..التي حضر منها إضافة إلى رئيس المخبر الدكتور جعفري أحمد ثمانية أساتذة محاضرين، والبقية  أساتذة من غرداية وتمنراست، وتبسة والوادي، وهران، المسيلة، عنابة.

     26 مداخلة غطّت المحاور التالية:
1 ـ خزائن المخطوطات : مفاهيم ومصطلحات ، عرض وتوصيف.
2 ـ المخطوطات الجزائرية والصمود في وجه التحدّيات.
3 ـ المخطوطات الجزائرية بين الجرد والإحصاء، والفهرسة والتحقيق عبر العصور، نماذج وأمثلة.
4 ـ تجربة مخابر المخطوطات في الجامعة الجزائرية بين الواقع والمأمول.
5 ـ المخطوطات ودورها في الكتابات الوطنية، والتاريخ لحركة المقاومة المسلحة، وثورة أول نوفمبر.
6 ـ التراث الجزائري والمخطوط في منظومة التشريع الوطنية، الواقع والمأمول.
7 ـ المخطوطات الجزائرية وسبل الاستفادة من وسائل الحفظ، والرقمنة الحديثة.
       إن المداخلات في الملتقى بالكاد غطّت كل المحاور، حيث كانت كلها جادة ومركّزة، وقد بذل الأساتذة جهودا كبيرة في تحضيرها، وتوثيقها بالصورة واالإجماع على أن المخطوطات:
ــ رمزٌ للهوية والتاريخ والمقاومة، وترسيخ للذات.
ــ المخطوطات الجزائرية تتفرد بتنوع الأفكار والمواضيع.
ــ الجزائر وبحكم موقعها الحضاري شكلت ملتقى حضاريا أثرى ثقافتها، وساعدها على تكوين خزان كبير من المخطوطات تزخر به كل ربوع الجزائر، وبروزه أكثر في الجنوب كأدرار، وغرداية، وورقلة، والوادي، وغيرها.
ــ الجزائر مقارنة مع دول المنطقة العربية تعتبر الأولى في امتلاك المخطوطات.
ــ عقب الاستقلال كان عدد المخطوطات ما ينيف عن الـ 40.000 مخطوط   وقد تناقص فيما بعد كثيرا.
ــ حاليا تُبذل جهود معتبرة في حفظ وصيانة هذه المخطوطات سيّما في المخابر الجامعية.

      إلاّ أن العملية تعوقها الكثير من الصعوبات منها أن هذه المخطوطات :
1 ـ أغلبها يعود إلى زوايا، وعائلات، وورثة، وشخصيات يرفضون تسليمها، أو إعارتها، أو بيعها.
2 ـ الكثير منها ضاع أو في طريق الضياع بفعل القدم، وتأثير عوامل الطبيعة .
3 ـ قلّة المتخصصين في هذا العلم، وعدم إقبال الطلبة على التكوّن فيه.
4 ـ مخبر المخطوطات الجزائرية غرب إفريقيا بأدرار بالرغم من رؤيته النور منذ 2006 لم يتمكّن    من معالجة وحفظ غير 14 مخطوطا حتى الآن، وهو المخبر الذي به آلات حديثة متطورة، ومتخصصون في حفظ المخطوطات، لأن مالكي خزائنها متحفظون، ومبررهم أن العديد من الباحثين، والمسؤولين المحليين طلبوا منهم المخطوطات للاشتغال عليها، أو تصويرها ثم إعادتها، وهو ما لم يحصل ..وبالتالي أحجموا عن إظهارها أو تسليمها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتعليق : اضغط على الرابط (ليس هناك تعليقات) واكتب تعليقك داخل المستطيل

الأحد، 12 مايو 2013

الجيل الشعري الجديد جيل مغرور ودون ملامح



 في حوار مع الكاتب والروائي رابح ظريف:

       في حوارنا معه، يحدثنا الروائي والشاعر الشاب رابح ظريف، عن الشعر كفن أدبي راقي عرف نموا واسعا وسطا جيل من شباب اليوم الذين اقتنصوا حسب ظريف فرصة سرعة النشر ليتحولوا بالشعر عن مبتغاه، بل وليؤسسوا معنى جديد للشاعر أبعد ما يكون عن معناه الحقيقي الذي يتسم بالتعبير الصادق عن الإنسان الحقيقي الذي يعيش وسط مجتمع متحول
 ــ رابح ظريف من الشعراء الذين برزوا في الساحة، من كان له الفضل في اكتشاف موهبة رابح الشعرية؟
ـ في المرحلة الابتدائية، كان الشرف لي بأن قرأت أولى كتاباتي أمام معلمي عبد الحميد لعماري، الذي أعجب بما كتبت وحملني بين ذراعيه وقال لي أني سأصبح شاعرا كبيرا، لا يمكن أن تتصور تلك الفرحة والمشاعر التي تملكتني في تلك اللحظة، ولحد الآن أحس تلك المشاعر تتجدد كلما التقيت به.
ــ الشعر الحقيقي انعكاس لموهبة، ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبو إليه من إبداع؛ ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة؟
ـ أعتقد أن الموهبة ضرورية جدا لتكون شاعرا، لكنها لن تسهم وحدها في الاستمرار والنجاح، هناك ظروف تحيط بالشاعر عليه أن يستغلها لينتقل من مرحلة الموهبة إلى مرحلة التأسيس، ولعل بحث الشاعر عن أسلوبه الخاص به من خلال محاولة التميّز والرغبة في الاختلاف عن السائد هو أهم عامل يلي الموهبة للانتقال إلى مرحلة التأسيس والتميز، الشاعر الذي يقتنع بما يكتب ويعيد كتابة ما يقرأ بشكل متطابق أحيانا لا يمكن أن يترك بصمته في التاريخ، طبعا لا أتحدث عن القراءة فقط لتنمية عوالم النص الداخلية، لكنني أشير إلى أن البحث في التجارب الإنسانية وتفتح الشاعر على كل الحساسيات الفكرية والإيديولوجية واهتمام الشاعر بإنسان الهامش وانخراطه في تفاصيل نفسية عميقة عوامل تجعل من نصوصه جهات شعرية مرجعية، وأؤكد على ضرورة البحث عن التجاوز ليس تجاوز السائد فقط بل على الشاعر أن يتجاوز نفسه في كل نص.. ويترك الحرية للنص داخله أن يخرج في الوقت المناسب.
ــ كثير من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم "المعجم اللغوي" الذي لديك، كيف تفسّر ذلك؟
ـ لا اعتقد أن المعجم اللغوي مهم جدا في كتابة القصيدة، الشعر الحقيقي هو استعمال القاموس اليومي العادي دون العودة إلى القاموس الموروث، فالنص الكبير هو الذي يعتمد على مفردات عادية جدا، غير أن الخطورة تكمن في كيفية تحويل هذا القاموس العادي البسيط إلى نصوص عميقة، فالعمق في البساطة وليس في التعقيدات اللغوية الزائفة، ولعل أكثر مثال يمكن أن نقارب به هذه الفكرة هو القرآن الكريم، وأعطيك الفاتحة كمثال، لن تجد أي مصطلح معقد أو قاموسي أو نابي عن السمع، كل مصطلحات الفاتحة بسيطة جدا، لكن التركيب العظيم والمستويات الكثيرة والعديدة والمفتوحة في هذه السورة تجعل منها نصا كونيا غير قابل للتكرار أو الإتيان بمثله، حتى لو عدنا إلى الشعر الجاهلي فإن أجمل الأبيات تلك التي تعتمد على لغة بسيطة عادية لكن الشاعر الكبير هو الذي يصنع قالبه الخاص ويضع كل مصطلح في مكانه الصحيح.
ــ في رأيك هل استطاعت قصيدة النثر أن تنتزع لها مكانا في منظومة الحس الجزائري؟ وهي التي أتاحت لعدد غير قليل أن يدخلوا مدينة الشعر بدون حق؟
ـ ما يصطلح عليه قصيدة النثر يمكن أن نجد فيها الشيء الكثير من الشعر، وتعرف أن الشعر يوجد في كل الفنون، في الرسم، النحت، التشكيل، حتى في فنون غير أدبية كالهندسة وغيرها، الشعر موجود في كل شيء.. مشية امرأة جميلة شعر.. ابتسامة صادقة شعر.. فوضى في ساحة عمومية شعر.. لكن أن نسميه بالقصيدة فهذا بالنسبة لي ضرب لهوية الإنسان العربي وموروثه الكبير، الذين أسسوا لهذا الجنس لم يعجزوا أن يجدوا له تسمية، لكن القصد من تسمية الشعر النثري بالقصيدة هو تجني على موروثنا العربي وتجني العلى الطبيعة الإنسانية وطبيعة الجنس الأدبي، لا يمكن أن اكتب رواية واسميها لوحة، كما لا يكتب أن قصة ومضة وأسميها رواية.. كذلك لا يمكن أن اكتب نصا أدبيا واسميه قصيدة، هم لجئوا إلى هذا النوع من الكتابة هروبا من قيود الشعر العمودي، لكن حدث العكس، فالحرية وعدم التقيد هي اكبر قيد واكبر سجن، وكلما زادت مساحة الحرية كلما زادت مساحة السجن.. الكتابة في الشعر العمودي أشبهها بالسباحة في 16 بحرا.. وهي مساحة أكبر للحرية.. الكتابة في شعر التفعيلة سباحة في 9 بحور وهي التفعيلات الأساسية لعروض الشعر، الكتابة في الشعر النثري هي سباحة على اليابسة، حتى الكتابة في العمودي أكثر حرية من التفعيلة فأنت عندما تشرع في كتابة القصيدة تعرف من أين تنطلق والى أين تصل، ما عليك فقط إلا تنظيم نفسك الشعري، وحين تشرع في كتابة قصيدة تفعيلية تعرف من أين تبدأ ولا تعرف أين تنتهي لذلك قد تختنق قبل أن تصل إلى الضفة الأخرى، الكتابة في الشعر النثري سباحة على اليابسة.
 ــ نلاحظ أن هناك تنافر بين الشعراء الجدد وبين جيلكم، إلى ما ترجع ذلك؟
ـ سبق وأن صرحت في إحدى لقاءاتي في صحيفة عربية أن جيل الشعراء الجزائريين اليوم أصيب بغرور كبير، وهذا لسهولة نشر أعمالهم واستسهالهم عملية النشر الإلكتروني وحتى الورقي، وغرور شعراء اليوم ناتج عن عدم احترامهم لأجيال الكتابة الشعرية السابقة في الجزائر، بل قد تجد شاعرا طبع أول عمله يتجني على رموز التاريخ الشعري الجزائري دون معرفته بسياقات هذه الرموز ولا بالظروف التي كانت تحيط بها. ثم أن الجيل الشعري الجديد جيل دون هوية ودون ملامح، لا يحملون أي فكرة جمالية ولم يضيفوا الكثير للساحة الشعرية الجزائرية، فأنا متشائم جدا من جيلنا الشعري الجديد الذي أدعوه إلى العمل أكثر على تطوير منتوجه الشعري ومرافقة الأجيال السابقة والاقتراب من القامات الشعرية الكبيرة.
ــ نظرتك الحالية للشعر لم تعد منصفة، وبعبارة أخرى ربما قاسية؟
ـ نحتاج إلى القسوة حتى تتضح الرؤيا أكثر، التحامل على الشعر أصبح صفة كثير من الشعراء، المشكل أنهم يعتقدون أنهم شعراء كبار وهذا لا يحتاج إلى نقد بقدر ما يحتاج إلى علاج نفسي.
 ــ حبك للتجديد واضح جلي في شعرك ..ما مفهومك للتجديد من جهة وللحداثة من جهة أخرى؟
ـ أنا أسعى إلى التجديد ولا أدّعي أني جدّدت، لكن التجديد بالنسبة لي لن ينجح على مستوى الشكل، الشكل هو الإطار التعريفي لي وهويتي الحقيقية، التجديد الحقيقي ينبغي أن ينطلق من داخل النص ولن يكون الشكل عائقا أبدا أمام الوصول إلى هذه الغاية، هذا من جهة، من جهة أخرى كنت صرحت قبل سنوات بأن الشعر لم يعد يسعني، وقد آن أوان الرواية، لكن في الحقيقة كنت مخطئا في مشاعري، ذلك أني كتبت روايتي "قديشة" بطريقة شعرية وهي رغبة مني في الحفاظ على قدسية الشكل الشعري العمودي أكثر منها رغبة في كتابة رواية، أما عن موضوع الحداثة فهو موضوع متشابك وتختلط فيه كثير من المفاهيم، غير أن الحداثة تنتج عن تجول جذري في المجتمع على كل المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والثقافية، ولا يمكن أن ننتج في الجزائر حداثة حقيقية في هذه الظروف، بعض الأصدقاء قد يرى أن الشاعر كائن مهرب عن زمنه وأنه يكتب لجيل لم يأت بعد، لكن التجربة علمتنا أن إنسان اليوم هو إنسان الأمس و هو إنسان المستقبل، يكفي أن تكون إنسانا حقيقيا غير مرتبط بسياق زمني واحد حتى تكتب نصا حديثا من ناحية المضمون.
ــ هل أخذتك الرواية عن الشعر أم أنها استراحة؟
ـ هي استراحة محارب فقط.. وقد تتجدد هذه الاستراحة مستقبلا.
 ــ هل تأكد أن الرواية أخذت السلطة من الشعر في وقتنا هذا؟
ـ ليست الرواية من أخذت سلطة الشعر، بل أن الرواية وصلت إلى القارئ من خلال استخدام وسائط تكنولوجية جديدة استغنى عنها الشعر، والقارئ العربي يتجه للشعر أكثر من اتجاهه للرواية غير أن تفكيك الذائقة العربية وتشويشها من قبل هيئات معروفة من جهة، واعتماد الرواية على وسائط جديدة كالأفلام والسينما هو الذي جعلها تنتشر أكثر من الشعر.
ــ لماذا الرواية كثيرا ما تكون غواية الشاعر، في حين الشعر نادرا ما يكون غواية الروائي؟
ـ اسمح لي فقط أن أقسو قليلا على الروائيين وحتى النقاد، فالروائي شاعر فشل، وأغلب النقاد أيضا، لذلك تجد هذا التقارب بين الرواية والنقد، ويمكنك أن تبحث في الموضوع لتتأكد من كلامي، فمعظم الروائيين بدؤوا شعراء لكنهم فشلوا. وحين يكتب شاعر رواية ما فإنه يبدع فيها، عكس الروائي الذي يكتب قصيدة، ولو قرأت قصائد الروائي الكبير بن هدوقة لوجدت أن ما يصفه بالشعر لا يرقى أبدا أن يكون شعرا.
ــ لقب "شاعر الرسالة" في برنامج أمير الشعراء لقناة أبوظبي، ماذا يعني لك؟
يعني لي الكثير، فهذه المسابقة الشعرية الكبيرة لها وزنها الكبير في الساحة العربية وبفضلها تمكن الشعر من استرجاع مشاهديه على شاشة التلفاز.
ــ هل وصلت مرحلة اضطرِرت فيها للاختيار بين كتابة الشعر ومغريات الحياة المادية؟
ـ طبعا لا، الكتابة موقف من الحياة.. ولم اضطر أبدا إلى هذا الاختيار، فالشاعر الحقيقي يكتب في كل حالات الحياة.
ــ هل يمكن للشعر أن يغير وقائع أم انه مجرد إحساس؟
ـ الشعر في أصله محاولة للتغيير، لكن أي محاولة للتغيير دون قراءة واعية للواقع لن تنجح، وهذا ما حدث مع الشعر اليوم الذي ظل يبحث عن اجابات لا تخص المواطن العربي، إجابات على أسئلة الآخر، في حين عجز الشعر العربي اليوم على طرح أسئلة الواقع العربي الحقيقية..
ــ قلت إن أغلب الذين يسمون أنفسهم نقادا في الجزائر لم يستطيعوا تجاوز أنفسهم كدارسين، ما الذي تصبو إليه من خلال هذه الجملة القاسية؟
ـ لا يوجد عندنا نقد في الجزائر، بل لا توجد أصلا مدرسة نقدية، ومن يسمون أنفسهم نقادا هم في الحقيقة دارسون يقتاتون على المنجز الشعري الجزائري لتحصيل شهادات الدكتوراه والاسترزاق من المجلات والدوريات العربية لا غير، لا يوجد أي دارس حقيقي يمكن أن يراهن على شاعر حقيقي.. النقد في أساسه هو مراقبة الحركة الشعرية واستلهام خصوصياتها ورسم مجاري مميزة للأنهار الشعرية في حقل الإنسانية، وهذا غير موجود تماما.
ــ لو جلس رابح ظريف وتساءل حول ما أنجزه، فماذا يقول؟
ـ صدقا.. لم أنجز شيئا.
ــ من هو الشاعر المفضل الذي تعجبك أفكاره أو تقرأ له؟
ـ في الجزائر أقرأ كثيرا لميهوبي عز الدين، عياش يحياوي وإبراهيم صديقي.. عربيا أهتم في الوقت الحالي بقراءة سعدي يوسف، عز الدين المناصرة وعبد الرزاق عبد الواحد..
ــ هل لنا أن نعرف ما الشيء الذي يحز في نفس رابح ظريف؟
ـ كساد الساحة الشعرية الجزائرية.
ــ هل لك أن تعطينا سبقا لمشاريعك المستقبلية؟
ـ مجموعة شعرية بعنوان "إلى وجهي الذي لا يراني".
ــ  ما هي كلمتك لجيل اليوم؟
ـ الشاعر إنسان حقيقي قبل أن يكون شاعرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: صحيفة المقام
( للمشاركة أو التعليق ..اضغط على: ليس هناك تعليقات واكتب ما تريد داخل المستطيل)

الجمعة، 10 مايو 2013

جمعية الهناء للإشعاع الثقافي بكوينين

     جمعية الهناء للإشعاع الثقافي بكوينين
بقلم: بشير خلف
       عائلة سعدوني بكوينين ،تُــهدي صرْحًا ثقافيا جديدا لولاية الوادي ..حيث قرّرت هذه العائلة المثقفة والتي كل أفرادها خدموا التربية والتعليم منذ بداية الاستقلال، ولا يزال منهم منْ يمارس التربية والتعليم حتى الآن أن تهدي مدينة كوينين وولاية الوادي صرحا ثقافيا.
        إن هذه العائلة التي يتصدرها الأخ الأكبر الحاج سعدوني محمد الحافظ  وفاء لوالديْها المتوفييْن في موسم الحج بالبقاع المقدسة منذ ما ينيف عن العشرين سنة أبت إلاّ أن تقيم صرْحًا ثقافيا يتمثل في إنشاء جمعية ثقافية ولائية مقرّها منزل العائلة بمدينة كوينين ..أُطلق على هذه الجمعية )  جمعية الهناء للإشعاع الثقافي).
        تمّ التأسيس الفعلي للجمعية مساء اليوم الجمعة 10 ماي 2013 في جمعية عامة حضرها جمهور غفير من سكان مدينة كوينين وخارجها من يلديات الولاية، ومن خارج الولاية كالشاعر الكبير سليمان جوادي، والنائب البرلماني السابق في بداية الاستقلال، والناشط في تمثيل الجزائريين بالمهجر السيد عبسي.
         لقد كان الحضور مميّزا مكونا من :الأعيان، الأطباء، الصيادلة، منتمي التربية، رجال أعمال، مثقفين، رؤساء جمعيات.. كما حضر الجمعية العامة السيدان : رئيس ديوان والي الولاية، والسيد رئيس دائرة الوادي.
      من الكلمات التي قيلت في الجمعية العامة من طرف الإعلامية المتألقة باية  رزيق، الشاعر سليمان جوادي، الشيخ عبد العزيز بلعبيدي، الحاج سعدوني محمد الحافظ تبيّن للحضور أن هذه الجمعية الثقافية الولائية يُراد منها أن تكون مركّبًا ثفافيا  ولائيا في خدمة كوينين أولا، وفي خدمة الولاية.
       في مرحلة أولى يكون مقرّها بالمنزل العائلي بمدينة كوينين في انتظار حصولها على الاعتماد الرسمي، إثر ذلك سيُشرع في إنشاء المركب الثقافي الذي ستتكفل العائلة بإنجازه، وتجهيزه بكل المستلزمات العصرية كي يكون فضاء ثقافيا في خدمة الجميع.
       إن الأهداف المسطّرة لهذا الصرح الثقافي تتمثل في الآتي:
1 ـ التعريف بالتراث الثقافي للمنطقة من خلال إحيائه، ونشْره.
2 ـ التعريف بتاريخ المنطقة، ورجالاتها، ونخبها.
3 ـ الحفاظ على العمارة المحلية.
4 ـ تأطير الشباب من خلال فتح الفضاءات الثقافية، والإبداعية، والورشات المتخصصة المُكوِّنة.
5 ـ تنظيم الملتقيات والندوات الفكرية.

       في الختام وقبل الإعلان عن تشكيلة الهيئة المسيرة للصرح، وُجّهت دعوات من الحاضرين لرجال الأعمال كي يلتفتوا إلى مثل هذه الإنجازات التي تخدم الإنسان، وترفع من مستواه الفكري، وتساهم في التربية والتنشئة للأجيال، بدلاً من إنجاز مرافق تساعد على الانحلال الأخلاقي، وإفساد المجتمع.
        تشكيلة الهيئة المسيرة تضمّ أفرادا من عائلة سعدوني، وأفرادا آخرين من السكان المعروفين بانتمائهم إلى مجالات حيوية في المجتمع. يرأس الجمعية الحاج سعدوني محمد الحافظ.
      الكلّ تمنّى النجاح لهذا الصرح الثقافي ومسيّريه، كما أبدى الجميع استعداده للمساعدة المادية والمعنوية.
                نشّطت الجمعية باقتدار وحيوية الإعلامية باية رزيق .

الأربعاء، 8 مايو 2013

حياة نزار قباني مع بلقيس


حياة نزار قباني مع بلقيس
يقول نزار:
بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفة، حيث كنت اقدم امسية شعرية في بغداد عام 1962م ويضيف، قصتنا ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت ب(لا) كبيرة جداَ.. كان الاعتراض الأقوى على تاريخي الشعري، وكانت مجموعاتي الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضدي.
        والقبائل العربية كما نعرف لأتزوج بناتها من اي شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة، ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتي.. ركبت الطائرة وسافرت إلى إسبانيا لأعمل دبلوماسياَ فيها لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أكتب لبلقيس، وكانت تكتب لي.. رغم أن بريد القبيلة كان مراقباَ...
        وظل وضع نزار على هذا الحال حتى جاء عام 1969م، فيقول نزار: « في هذا العام ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك في مهرجان المربد.. وهناك القيت قصيدة من أجمل قصائدي كانت (بلقيس الراوي) بطلتها الرئيسية :

مرحباَ يا عراق، جئت اغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
          
بعد هذه القصيدة التي هزت بغداد في تلك الفترة، تعاطفت الدولة والشعب العراقي مع قضية نزار وتولى القادة البعثيون خطبة بلقيس من أبيه، وكان على رأس الوفد الحزبي الذي ذهب إلى بيت الراوي في (حي الاعظمية) لطلب يد بلقيس، وزير الشباب الشاعر الأستاذ شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية آنذاك الشاعر الأستاذ شاذل طاقة. وهكذا ذهب نزار إلى بغداد عام 1969م ليلقي قصيدة شعر.. وعدا وهو يحمل نخلة عراقية ومع بلقيس شعر نزار أنه يعيش في حضن أمه، فقد ادركت بلقيس أن نزار مثل كثير من الرجال يحتاج إلى امرأة تكون في المقام الاول (أما) ثم بعد ذلك زوجة فظلت تعامله كطفل وتعوضه عن بعده عن امه
فقد كان كثير التنقل ولذا نجد نزار يكتب لها قصيدة بمناسبة مرور عشر سنوات على زواجهما يقول فيها :

أشهد أن لا امرأة
اتقنت اللعبة إلا انت
واحتملت حماقتي
عشرة اعوام كما احتملت
وقلمت أظافري.. ورتبت دفاتري  وادخلتني روضة الاطفال
إلا انت
.. .. .. .. 


أشهد ان لا امرأة
تعاملت معي كطفل عمره شهران
إلا انت
وقدمت لي لبن العصفور
والأزهار والألعاب
إلا انت
.. .. .. ..


أشهد ان لا امرأة
قد جعلت طفولتي  تمتد خمسين عاماَ.. إلا انت
         
كان عمر نزار قباني عند كتابة هذه القصيدة (ست وخمسون عاما) وقد ظل نزار يعيش كطفل له (أمان) فائزة وبلقيس، حتى كانت اول أكبر صدمة في حياته حين توفت والدته عام 1976م، وقد اهتز وجدان الشاعر، فقد وصل ارتباطه بها إلى أقصى درجاته، فهي التي كتب لها قصيدة ((خمس رسائل إلى امي)) عندما كان يسافر بسب عمله في الحقل الدبلوماسي، وكان يصف حاله بدونها :

....
لم أعثر
على امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى  وتنشلني إذا أعثر
ايا أمي أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر  فكيف...فكيف... يا أمي
غدوت اباَ... ولم أكبر
تلك الابيات من ديوان الرسم بالكلمات الذي صدر عام 1966م
      ولم تمر سوى أعوام قليلة وتحديداَ في 1981/12/15م حتى يصدم نزار صدمته الثانية، وكانت في وفاة زوجته وأمه الثانية بلقيس الراوي، ماتت التي كانت تمثل له الكثير في حادث مأساوي تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت على إثر انفجار هائل بالقنابل وقع بها ويصف نزار قباني هذه اللحظة قائلا (كنت في   مكتبي بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها : يا ساتر يا رب.. بعدها جاء من ينعي إلي الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية بلقيس راحت.. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي.. أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الابد، وتتركني في بيروت ومن حولي بقاياه، كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي. ويطلق الشاعر صرخة حزن مدوية، في قصيدة تعد من اطول القصائد المرثية التي نظمها نزار قباني، وهي قصيدة بلقيس :

بلقيس الراوي 

شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟


بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريَّتي الشقراء ..
يا أمواجَ دجلةَ . .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.

بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سبأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ 


بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوقَ خَدِّ المجدليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ .. من ضفافِ الأعظميَّةْ
بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ
والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..
وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..
وفي وَرَقِ الجرائدِ ..
والحروفِ الأبجديَّةْ ...
ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..
والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..
صارَ القضيَّةْ ..
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ .. 

بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ 


بلقيسُ ..
مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ ..
والبيتُ الصغيرُ ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ
ولا تروي فُضُولْ ..

بلقيسُ ..
مذبوحونَ حتى العَظْم ..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..
ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً ..
وناضرةً ..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟


بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ 


بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ .. 


بلقيسُ ..
يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟


بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)


بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ .. 


بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..


بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ .. 


بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ .. 


بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..


بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ 

وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ 

فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ .. 


يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟


سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ .. 

سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...


بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني 


بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..

قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة 

         ***
نزار قباني – بيروت في 15/12/1981 

                  السمعُ أبو الملكات اللِّسانية؟ كتب: بشير خلف العلّامة المرحوم ابن خلدون في مقدّمته: «إن أركان اللسان العربي 4، هي: ...