الخميس، 23 أكتوبر 2014

الأزمة أزمة غياب مشروع ثقافي مجتمعي متكامل

         مساهمتي في ملفّ " ديوان الحياة " لجريدة الحياة الجزائرية الذي يشرف عليه الكاتب الروائي الخير شوار الصادر يوم الأربعاء 22 أكتوبر 2014..أزمة المقروئية في الجزائر، هل سببها النص الذي لم يرتق إلى مستوى المتلقّي ؟ أم المتلقّي ليس في مستوى النصّ ؟ أم هناك أسباب أخرى؟
                          ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بشير خلف: الأزمة أزمة غياب مشروع ثقافي مجتمعي متكامل
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 / يومية الحياة الجزائرية
       في العقود الأخيرة من القرن العشرين كانت الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ( S.N.E.D) بالكاد الشركة الوطنية الوحيدة التي تحتكر طباعة، ونشر الكتاب بالجزائر، وعدد النسخ التي تُـطبع حينذاك مرتفعة، وثمن الكتاب منخفض جدا، لأنه مدعّم من الدولة، ومكتبات الشركة منتشرة في أغلب الحواضر الجزائرية، حتى تمنراست، وبشار، وورقلة؛ إلاّ أن الكتب ظلت مكدسة في مخازن الشركة، وخاصة بمخزنها الرئيس بباب الوادي، وفي السنوات الأخيرة من عمر الشركة عشرات العناوين لكُــتاب معروفين جزائريين سيما الروايات كنّا نشتريها بدنانير لا تزيد عن أصابع اليد من مكتبات الشركة التي تستقبل أعمال الكُتّاب باللغتين، ولجان القراءة بها تُــقيم فترفض، أو تقبل، فتطبع وتسوق، والدولة سخّرت لها كل ما يساعد على نشْر الكتاب إلى أبعد نقاط الوطن، ورغم ذلك الكتب مكدسة، بالرغم حينذاك أن نسبة المقروئية مرتفعة مقارنة بأيامنا هذه.
      ومنذ سنة 2007. .سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية التفتت وزارة الثقافة إلى الكتاب، وتولّت طبع مئات العناوين في كل مناحي الفكر، وحفّزت الكُـــتاب، والمبدعين على التأليف، فظهرت في الساحة الثقافية أعمال كل من لديه موهبة الكتابة، إلاّ أن هذه الكتب التي تتكفّل بها الوزارة لا تُباع؛ بل تُــوزع على المؤسسات الثقافية، والمكتبات التابعة لوزارة الثقافة ومنها المكتبات الرئيسة بمقر الولايات، وفروعها البلدية؛ إلاّ أن الملفت للانتباه أن هذه الكتب بدورها مكدسة بهذه المؤسسات، بل منها ما يزال في الكراطين، وأغلب المثقفين، ومنْ هم في حاجة إلى هذه الكتب لا يعرفون عنها شيئا لأن علاقتهم بهذه المكتبات شبه منعدمة، بل حتى المؤلف الذي يأخذ نسبة عشرة بالمئة من ثمن الكتاب لا يأخذ من دار النشر التي تطبع كتابه في إطار عقد مع الوزارة أكثر من عشرين نسخة لا تكفي حتى أصدقاءه، فلا يتمكن من ترويج كتابه، أو التعريف به، ولا يحد كتابه في أيّ مكتبة كي يشتريه، وترفض دار النشر منحه، أو بيعه نسخًا أخرى.
        مجهودات كبيرة، وأموال تُصرف لنشر الكتاب، وتوزيعه، وتقريبه من القارئ الكبير والصغير وباللغتين، إضافة إلى تنظيم أيام للمطالعة، واحتفائيات " القراءة في احتفال " بأغلب ولايات الوطن، ضفْ إلى ذلك تزويد هذه المكتبات المنشرة في كل الولايات، والعديد من البلديات بآلاف العناوين في كل مجالات الفكر الإنساني، والعلوم والتكنولوجيا كل سنة من آخر الطبعات من مصر، لبنان، المغرب، السعودية، فرنسا، بلجيكا، وغيرها؛ إلاّ أن دخول هذه المكتبات والاشتراك فيها، والاستفادة منها محتشم؛ حتى أن مسؤولة مكتبة وهي تُـــريني آلاف العناوين المرتبة بالرفوف، وأخرى وصلت حديثا تنتظر دورها في الفهرسة ثم الترتيب تأسفت بمرارة على هذه الكنوز من المعرفة الإنسانية التي لا تجد من يُــقبل عليها.
        تكدّس الكتب في المخازن، ورفوف المكتبات دون أن تمتدّ إليها يد القارئ الجزائري ليست في القطاع الثقافي العام؛ بل حتى في دور النشر الخاصة حيث نجد من بين أزيد من مئة دار نشر خاصة، منها خمسة دور نشر كبرى تابعة للقطاع الخاص تتوفر فيها معايير الاحترافية السائدة في دور نشر العالم المتقدم، هذه الدور التي تصدر سنوياً ما يقارب 500عنوان في دار القصبة والبرزخ، وألفا ديزاين وهومة، والشهاب إلى جانب جمعيات ثقافية تتقاسم مع هذه الدور سوق الكتاب في الجزائر من بينها جمعية الجاحظية، وكذا رابطة كتاب الاختلاف التي استطاعت نشر أزيد من 150عنواناً منذ تأسيسها العام 1998إلى اليوم.
       في تقديري الشخصي المعضلة ليست في النص.. فالنص الجزائري المعاصر ذو مستوى عالٍ؛ إنما المعضلة في عدم وجود القارئ، وذلك نتيجة انعدام مشروع ثقافي استراتيجي متكامل كسائر القطاعات الأخرى بالمجتمع، مشروع تتعاضد فيه كل القطاعات المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، والثقافية، والتكوينية، من خلاله يُكوّن القارئ منذ صغره في علاقة حميمية مع الكتاب بدءا من الأسرة.

       المقروئية كما هو معروف تحصل بإجادة مهارات القراءة والتعوّد عليها بالدربة لتتحوّل إلى مطالعة واعية تثقيفية، مُـنطلقها الأول، والأسرة الجزائرية بالرغم من تحسّن مستوى الدخل لديها، ولدى الطبقة الوسطى من المجتمع الجزائري، فإنها تُــنفق على الكماليات، واقتناء الأجهزة المنزلية، وآخر صيحات الأثاث ،ولا تنفق على الكتاب، والنظام التربوي يؤكد على الأعمال التربوية التكوينية المكملة، والمدعّمة للعملية التعليمية كالأنشطة الجمالية، والترفيهية، والمطالعة المخصصة لها أسبوعيا حصصا زمنية، والكتب بالمؤسسات متوفرة بما فيه الكفاية؛ إلاّ أن الأساتذة والمدرّسين يهملونها، أو يعوضونها بمواد رئيسة.
http://www.elhayat.net/article9520.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...