الخميس، 8 يناير 2015

النصّ الأصلي المكتوب .. ليس نصًّا مقدّسًا

مساهمتي في ملف : " ديوان الحياة " الموسوم بـ (عندما "يسرق" الكاتب نفسه! ) بيومية الحياة الجزائرية ليوم 06 جانفي 2015 الذي يشرف عليه الإعلامي والكاتب الروائي الخير شوار.
                      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشير خلف: النصّ الأصلي المكتوب .. ليس نصًّا مقدّسًا
الثلاثاء 6 جانفي 2015
      الكاتب إنسان يمارس إنسانيته، وكينونته ضمْن الجماعة الإنسانية، يتفاعل مع ما حوله، ومن حوله فينفعل بتقلّبات الأحداث، وأصداء الوقائع، فيتأثر بها، وتؤثر فيه.. قد يكون مسارها في الاتجاه الذي يرتضيه، فيلتقي مع تطلعاته، ونظرته إلى الحياة، أو يكون في الاتجاه المضاد تمامًا بعيدا عمّا ارتضاه، وعمّا اصطفاه من قيم واتجاهات.
       يقول لوكيه في كتابه البحث عن الحقيقة :« كيف أقوم بأي خطوة في البحث عن الوجود؛ بل كيف أتردد ما لم يكن ذلك بواسطة حركة أفكاري حركة حرة ».لا يوجد إبداع دون حرية, ولا يمكن للمرء أن يكون مبدعا دون أن يعيش في بيئة حرة طليقة.» فالحرية للمبدع تعني الحركة, تعني الانطلاق, وتعني التفتح والانفتاح على الحياة والناس والطبيعة لكي يعبّ من مناهلها، وسحرها وحكمتها، وسرها الملهم دون أن يتقيد بقيود، أو يحدّ تطلعاته سدود أو حدود.
      هذه الحرية في نظرنا تجعلنا نطرح الآتي:
بعد أن يدفع الكاتب بنصّه كيفما كان هذا النص نثرا، أم شعرا إلى المتلقّي.. أبقي هذا النصّ ملكا له وحده، أم صار ملكا للمتلقّي ؟ وهنا ربّما تطرح قضية نظرية "موت المؤلف " النظرية التي تحسر العلاقة بين النص، وكاتبه إلى أضيق حدٍّ بحيث تصبح سلطة المؤلف لا تتعدى الانتساب إلى النص، وليس بإمكانه الدفاع عن آرائه، أو مقاصده لأنها غير مهمة في نظر القراء والنقـاد، أو من حقّه التعديل، أو الإضافة..
       عندما يقوم كاتب، أو مبدع بكتابة أو إبداع نصٍّ ما سواء كان أدبيا، او ثقافيا عامًّا، فان السؤال يكون على الشكل التالي: هل تنتهي سلطة المؤلف والكاتب بمجرد انتهائه من ولادة النص ؟؟
       بمعنى هل تصبح المهمة بكاملها ملقاة على عاتق القارئ، والمتلقي من أجل ممارسة الفهم والـتأويل لقصدية النص، وكذلك قصدية المؤلف من وراء النص ؟؟
        النص الأدبي هو عصارة فكْر الأديب وروح تجربته، عصارة تترجم رأيه في الوجود، وهي مرآة حياته، يستمد الأديب النص من الحياة التي عاشها، أو مما طالع من الكتب، أو ممّا عاش مع الناس في هذا المجتمع مصدره البصر والبصيرة، وهما ملتحمان لا انفصام بينهما، ولا حدود في ذلكـ ترى الأديب بشكله الخارجي، وعالمه الداخلي، يبرز نفسيته وخوالجه، وعواطفه فيصوغها جملاً، وتعابير تحمل تلكم العصارة، تستهوي القارئ، وتشدّ المتلقّي.
        الكاتب إنسان يعيش في مجتمع متحرّك، يرصد هذه الحركية، يعايشها، يتأثر بها، يصدر أحكامًا قيميا في شأنها، يعبر عن ذلك بقلمه في نصوص قد تكون ثابتة، وقد تتغير تبعا لتغير المجتمع في حركيته المتسارعة، فما كتبه أو أبدعه قبل عقْـد من الزمن قد يعود إليه فيثريه بما استجدّ من رؤى وأفكار؛ حيث مع تطور النقد، ووسائل النقد الأدبي وُجد أن أغلب النصوص الادبية والفكرية تحمل طابعا مفتوحا ليس مغلقا ؛ أي انك نادرا ما تجد نصا أدبيا منطويا على نفسه، ويخبرك بحقيقة مجردة، وبشكل مباشر اللهم الا إنْ كان نصا علميا بحتا.
       مِن هذا المنطلق في تقديري الشخصي فالنص الذي يخطّه الكاتب، أو المبدع ليس نصّا مقدسا يحرم تأويله، أو المسّ ببنيته الشكلية والضمنية. منشئ النص حرٌّ في أن يغير، أن يعدل، أن يقتبس من نصوصه كيفما يشاء، أن يمدّد، أن يقلص.

        لا نغالي إنْ قلنا إننا نعرف العديد من الكتاب والمبدعين وظفوا نصوصهم السابقة في سياقات أخرى لأسباب بعضها ذاتي، وبعضها بتشجيع من النقاد، أو تلبية لرغبات أصدقاء كتوسيع قصة قصيرة إلى رواية، أو قصيدة شعرية، أو قصة قصيرة جدا إلى قصة أطول، أو مقال نقدي أو أدبي كي يكون مشروع كتاب...في تقديري هذا يدخل ضمن حرية الكاتب التي لولاها لما كتب، ولما أبدع طالما نؤمن بعدم " موت المؤلف "، وبالتالي لا علاقة لها بما يشبه السرقات الأدبية، ولا علاقة لها بالأخلاق؛ بل تصرّفا كهذا في نظرنا يعتبر ممارسة للحرية الفكرية، والإبداعية ومقدرة للكاتب، أو المبدع في التكيّف مع الأوضاع المستجدّة، وتطويرا في عالم الكتابة والإبداع.

ملاحظة:  للتعليق أو المشاركة اضغط على ( روابط هذه الرسالة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...