الجمعة، 30 يناير 2015

  السينما الجزائرية عليلة.. ! ! ؟

  السينما الجزائرية عليلة.. ! ! ؟
بقلم: بشير خلف         
           صُنّاع السينما وعشاقها في بلادنا يُقرّون أن الشاشة الكبيرة في الجزائر تعيش أزمة  سينمائية مزمنة طال أمدها، وهي بحاجة إلى إرادة قوية من جميع شركائها لإعادة بعْـث مشروع ثقافي يعيد مجدها السابق الذي عاشته في الستينات والسبعينات من القرن الماضي . ويبدو أن الأسباب عديدة منها انعدام وجود مشروع ثقافي وطني يتخذ من الــقطاع السمعي البصري بما في ذلك السينما أداة ثقافية على غرار المجالات الأخرى من خلال تنشيط هذا القطاع، برصْد الموارد البشرية والمادية الكافية، وتشجيع ربْط الاتصال بين المنتجين، والمخرجين ، والكُتّاب، وتشجيع المخرجين الشباب على إنتاج أفلام تتطرّق لقضايا المجتمع المستجدّة، وهي كثيرة، فمن غير المنطقي والإنسان الجزائري في يومياته المعاصرة يعيش ويعايش قضايا اجتماعية، وسياسية لا حصْر لها، ونتكلّم فقط عن الأفلام التاريخية والثورية، ولعلّ من هذا المنطلق يمكن لهؤلاء المخرجين الشباب التفاعل مع النصوص الأدبية الجزائرية المعاصرة.
         نجاح السينما في الجزائر منذ الاستقلال حتى منتصف الثمانينات، وأخصّ بالذكر الأفلام التاريخية، والثورية يعود في رأيي حينذاك إلى الروح الوطنية المتوهّجة، والقرب تاريخيا من سنوات الثورة التي أحداثها، ومآسيها لا تزال حاضرة في المخيال الشعبي، وغلبة نسبة المواطنين الجزائريين الذين صنعوا، وعايشوا تلكم الأحداث، والتأثّر ببطولات ثورة التحرير، وبالتالي فأفلام تلك الفترة كانت متماهية، ومعبّرة بصدق عن الشعب الجزائري، بغضّ النظر عن ماهية النصّ، وإنْ كان النصّ الإبداعي لكُتّاب معروفين أكثر نجاحًا من غيره كما هي نصوص محمد ديب، وعبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطّار.
          لكن بعد الزلزال السياسي والأمني الذي هـــزّ الجزائر في كل المجالات، وقلّب القيم والاتجاهات رأسًا على عقب، وبروز أجيال جديدة لا تؤمن بما كانت تؤمن به الأجيال التي قبلها، تسبّب في فقْد السينما مكانتها. إضافة إلى أن أجيال ما بعد الاستقلال كانت السينما بكل أطيافها تشكّل حيّزًا من يومياتها ولياليها في كل المدن الجزائرية، من أفلام ثورية جزائرية، وحربية عالمية، وأفلام اجتماعية، وأخرى عاطفية أجنبية وخاصة العربية. قاعات عرض الأفلام كانت متواجدة في كل أحياء المدن، بل في الشارع الواحد بالكاد تتواجد أكثر من قاعة، وحتى في الجزائر العميقة كانت لا تخلو بلدة من قاعة للعرض، فمدينة الوادي الحالية المتواجدة بالجنوب الشرقي الجزائري قبل أن تكون ولاية سنة 1984 كانت بها قاعتان لعرض الأفلام أسبوعيا، واليوم ولا قاعة بها، ويشبه حالها حال المدن، والبلدات الجزائرية كلها.
        السينما أزمتها متأتٍّية من أسباب أخرى تُضاف إلى ما سبق، وهي  توافر أدوات أخرى معرفية صارت بين أيدي الإنسان الجزائري مثل غيره في كلّ بقاع العالم، بضغط زرّ وهو في بيته تنفتح أمامه عوالم عديدة ومغرية حسْب اختياره، ووفق رغبته وذوقه : أفلام، فيديوهات، مسرحيات، برامج، محاضرات، سهرات فنية.. ولمّا نتحدث عن هذه العوالم الجديدة ليس معناه أن الجزائري المعاصر اختار هذه العوالم الجديدة اقتناعا منه بأنها الأفضل من غيرها كالكتاب والمجلّة ، والمحاضرة؛ بل تدخل في تدنّي المقروئية والتكاسل في التثقّف، والتثاقف. الجلوس أمام شاشة التلفزة والارتخاء والبحلقة في الصور المتتالية، أو الإبحار في الشبكة، أو دغدغة الهاتف الذكي هي التي تجلب هذا الإنسان، بل تخدّره.
                 في بلادنا ومنذ أواخر الثمانينات نكصت السينما عندنا في الجزائر على عقبيْها عندما تخلّت عن النصّ الأدبي، وتحوّل المنتج، أو المخرج إلى سيناريست يكتب باللهجة الهجينة، أو بالفرنسية، وأعرض عن النصّ الأدبي الجزائري، ممّا أفقد الأفلام السينمائية الجزائرية المنتجة أخيرا مكانتها محليا، وعالميا، بعد تألق الأفلام الجزائرية الثورية الرائدة بعد الاستقلال وحصولها على الجوائز لأنها كانت تستمدّ من نصوص لأدباء جزائريين معروفين، ومخرجين ذوي قدرة وكفاءة.
       الأمر لا يتعلّق فقط في عزوف المنتجين والمخرجين الجزائريين، ونظرتهم الاستعلائية عن النصّ الأدبي الجزائري فيكتفون بوضع السيناريو بأنفسهم؛ لأنّ أغلب مستواهم في اللغة العربية ضعيف من ناحية، وليس لهم نيّة في الاتصال بروائيين جزائريين لهم روايات رائدة يتعاونون معهم في كتابة السيناريو، أو يوكلون الأمر كله للروائي نفسه تفاديا لتشويه النصّ الأصلي من ناحية أخرى.

       في تقديري ليست المشكلة في ضُعْف النصوص الروائية التي تفتقر إلى مقومات العمل الدرامي . النصوص الجيدة كثيرة عندنا ، والمطابع تقذف في كل سنة نصوصا روائية جيدة لكُتّاب جزائريين لهم شهرتهم محليا وعربيا، وعالميا؛ ونصوصًا لروائيين شباب أبدعوا نصوصا معاصرة تألقوا فيها داخل الوطن، وخارجه إلاّ أنّ قلة القادرين عندنا على تحويل النصوص الروائية إلى سيناريوهات ناجحة تقترب فيها الصورة مع النص بنسب مقبولة، ولا يتشوّه فيها النصّ الأصلي تحُول دون تطوّر السينما والمسلسلات التلفزيونية عندنا. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمشاركة أو التعليق: اضغط على ( روابط هذه الرسالة) ثم على ( إرسال تعليق ) واكتب تعليقك داخل المربع ، وارسلْه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...