الأربعاء، 18 مارس 2015

شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله بأقلام أحبابه


شيخ المؤرخين الجزائريين
أبو القاسم سعد الله بأقلام أحبابه
بقلم : بشير خلف
       المرحوم الدكتور أبو القاسم سعد الله من كبار المثقفين الجزائريين الذين حملوا هموم أمتهم، ومجتمعهم ، متسلّحين بالأصالة التي استمدّوها من الثقافة العربية الإسلامية؛ والفعالية التي اقتبسوها من المناهج الغربية الحديثة المُحْكمة، في ظل ظروف مثبّطة ومعاكسة، لم تمنعهم من الإبداع، والمساهمة في تنوير المجتمع والأمة وحلّ مشكلاتهما، وخدمة العلم والثقافة، وترقية الإنسانية.
      الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي ولد سنة 1927م بضواحي البدوع ..المنطقة الفلاحية غربي قمار بولاية الوادي، وهو باحث ومؤرخ، حفظ القرآن الكريم، وتلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين، وهو من رجالات الفكر البارزين ومن أعلام الإصلاح الاجتماعي والديني في الجزائر والعالم العربي، والذي غادر دنيانا مساء يوم السبت 14 /12/ 2013 م.
       الرجل كان موسوعة علمية وفكرية.. تلاميذه وتلميذاته الذين نهلوا من فكره الغزير، ومنهجه العلمي الفريد.. هؤلاء الذين لا يمكن حصرهم منهم العديد صاروا أساتذة، ودكاترة في الجامعات الجزائرية وخارجها، كما أن الأساتذة الذين زاملوه وصادقوه وعملوا معه في الجامعة الجزائرية، لم ينسوا تلكم السنوات التي كان لهم فيها نعم الصديق، ونعم العالم الموسوعي، ونعم القدوة .
هؤلاء جميعا رأوا أنهم مدينون إليه، فكان الوفاء من خلال مساهمتهم جميعا في كتاب أشرف على إعداده، وجمع مادته الدكتور أ.د. محمد الأمين بلغيث.

الراحل أبو القاسم سعد الله القائل:
« إنّ الأمم التي لها حضارات قادرة على الصمود والمقاومة، هي التي تفرض نفسها على الحضارات الأخرى، وهي التي تمجّد تاريخها، وتفتخر به، وتجعل له من الرموز ما يصبح به مثلاً يُحتذى، وهدفًا جديرًا بالتقليد؛ بينما الأمم التي ليس لها نصيبٌ في الحضارة، أو تخلّفت عن ركبها بعض الزمن نتيجة عجزها عن المقاومة تحاول أيضًا تمجيد ما عندها من رموز، فترفعهم إلى عليّين، وتحيطهم بهالةٍ تجعلهم بهالة يبلغون بها السماء.»

الكتاب: ( رحيل شيخ المؤرخين الجزائريين.. أبو القاسم
سعد الله بأقلام أحبابه)
         صدر في آخر السنة الفارطة 2014 عن دار البصائر الجديد للنشر والتوزيع بالجزائر العاصمة كتاب من الحجم الكبير بعنوان:" رحيل شيخ المؤرخين الجزائريين.. أبو القاسم سعد الله بأقلام أحبابه " جمع مادّته، ونسّقه، وأعدّه الأستاذ الباحث الدكتور محمد الأمين بلغيث أستاذ بجامعة الجزائر العاصمة.. يقع الكتاب في 625 صفحة تضمّ إضافة إلى مقولة ( كاستهلال) من مقولات الراحل سعد الله ومقدمة الكتاب، 58 موضوعا وألبوم صُورٍ، تُستهلّ هذه المواضيع بموضوع للمرحوم موسوم بـ : " من أجل أحفادنا "
        جاءت فكرة هذا الكتاب بعد رحيل المؤرخ سعد الله فقد حرص الدكتور بلغيث على جمع ما كتب أحباب المرحوم في مختلف الجرائد، وأردفها ببعض الأعمال والمواضيع السابقة لأحباب سعد الله لتنضاف إلى ما نشره الدكتور نجيب بن خيرة بمناسبة رحيل سعد الله، لتُجمع هذه وتلك في سفْرٍ واحدٍ لعلّه يساعد في معرفة مختلف الرؤى حول سعد الله .

مقولة الاستهلال
        يتحسّر سعد الله على الحيْف الذي تلقاه الكتابة في الوسط الجزائري الذي لا يعترف بقيمة الكتابة، ولا يقدّر المكتوب، ولا الكاتب:
« إنّ ظروف الكتابة في الوسط الذي نعيش فيه، لا يعترف بقيمة الكتابة، ولا يقدّر المكتوب، ولا الكاتب؛ ولذلك تجدنا نكتب بالأسنان، والأظافر، والأصابع المقطوعة، والكراسي المبتورة، وإننا نسير رغْم أنف التيار المعاكس؛ وليس لنا مكانٌ نختلي فيه إلاّ المقابر، ولا منضدة نكتب عليها إلاّ الجماجم، ولا وسيلة نتشبّث بها غير القنوط ، فمنْ يظنّ أننا نكتب ما نكتب على مناضد الرّخام ، وأرائك الحرير فهو غِـــرّ، أو مغرور. إننا نمارس فنّ الكتابة كما يمارس ( سيزيف) جرّ صخرته، أو كما عاش المتصوّفون لحظة تعذيب النفس، والبدن في سبيل الخلاص ...»

المقدّمة
        في مقدمة الكتاب يؤكد الدكتور بلغيث على أن كلّ منْ عرف سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين يعترف بأنه من طينة الكبار الذين رسموا لأنفسهم مسارًا جمع بين التعمّق في جميع مجالات المعرفة الإنسانية، وخبراتها المتعدّة وتراكماتها عبْر العصور، وبين اعتزاز شديد برموز وطنه العربي الإسلاميّ الكبير .إذْ يُعتبر سعد الله رائدًا في تاريخ الجزائر الثقافي من الفتح الإسلامي إلى استقلال الجزائر، وهذا ما أدرك قيمته كلٌّ من عرف معاناة المؤرخ طيلة أربعة عقود من الزمن التي استغرقتها عملية الجمع والتحرير، والتنسيق، ثم الطباعة والتوزيع للقسم الأكبر من عمل المؤرخ .
       ومن أجل هذا وغيره يقول بلغيث أحببنا أخلاق، ومسار وشخصية هذا المؤرخ، والإنسان الذي سار على درْب الصالحين من أمته، مُدركًا قيمة الزمن مهما طال، وأهميّة التدوين لأنه هو منْ نبّهنا أنّ أسلافـــنا، ( أو هذا الشعب المعوان على الخير) يصنعون التاريخ ولا يحسنون كتابته وتدوينه؛ لهذا كتب سعد الله ما كتب، ودوّن ما استطاع تدوينه، لأنه هو الذي قال ذات مرّة :
« إنّ الجزائر رغم ما يُقال عنها لا تتنكّر لمنْ أحبّها، ولمن عاش وعانى من أجلها، فالوطن يطلب من أبنائه الوفاء والتضحية، ولكنه لن يضيع حقّهم في المكانة اللائقة بهم في حوليات تاريخه، وسجلاّت رموزه. إنّ هذه الجزائر الحبيبة عاشت بقيمٍ، وثوابت أخلص لها أجدادنا وكافحوا من أجلها، وماتوا دونها، ولا يليق بجيلنا اليوم أن يتنكّر لهم تحت أيّ عنوان أو مبرّرٍ.»
        جاءت فكرة هذا الكتاب بعد رحيل المؤرخ سعد الله فقد حرص الدكتور بلغيث على جمع ما كتب أحباب المرحوم ممّن تتلمذوا عليه، وصار بعضهم أساتذة باحثين أكاديميين درّسوا إلى جانبه، وزاملوه لسنوات، بل لعقود ..كتبوا عنه في مختلف الجرائد، وأردفها ببعض الأعمال والمواضيع السابقة لأحباب سعد الله لتنضاف إلى ما نشره الدكتور نجيب بن خيرة بمناسبة رحيل سعد الله، لتُجمع هذه وتلك في سفْرٍ واحدٍ لعلّه يساعد في معرفة مختلف الرؤى حول سعد الله .
مواضيع الكتاب
         يتصدّر مواضيع الكتاب، موضوع للدكتور سعد الله بعنوان : من أجل أحفادنا ..ص: 9 ، مؤرخ في: 13 اجوان 1990 م يتحدث فيه عن مآسي العهد الاستعماري الفرنسي بالجزائر من خلال الشواهد التي عاناها وذاق مرارتها الشعب الجزائري، وهي جرائم بشعة في حقّ الإنسانية : الإبادات الجماعية، النفي الجماعي، مصادرة الأراضي، والممتلكات الردية والجماعية، والأوقاف، الحكم بالإعدام والنفي، أو السجن المؤبد، والأشغال الشاقّة، والغرامة الثقيلة، الاعتداء على حرمات الموتى، هذه جرائم بشعة في حقّ الأفراد والجماعان؛ أمّا الجرائم في حقّ الدولة فهي أشنع وأبشع .
         يلي هذا الموضوع بالكتاب التعريف بسيرة ومسيرة المرحوم سعد الله : كتاريخ ولادته ومكانها ومساره المعرفي والتحصيلي، وتخصصه ، والوظائف العلمية والإدارية التي تولاّها في الجزائر وخارجها، والمؤتمرات والمحاضرات، النشاط الأكاديمي، المؤلفات، الترجمات، البحوث، آخر مشاريعه.
من الأساتذة الذين وردت لهم مواضيع بالكتاب:
الدكتور ناصر الدين سعيدوني، الدكتور محمد الأمين بلغيث، الدكتور محمد العربي معريش، الكتور المرحوم إبراهيم ميّاسي، الأستاذ محمد رحاي، الأستاذ لحسن بن علجية، الدكتور عثمان سعدي، الدكتور رابح لونيسي، الدكتور إبراهيم لونيسي، الأستاذ مصطفى داودي، الأستاذ مازن مطبقاني، الأستاذ أحمد بن السايح، الدكتور علي غنابزية، الدكتور قمعون عاشوري، الأستاذ محمد نوار، الدكتورة فوزية محمد بريون، الدكتور عبد الكريم عوفي، الدكتور ميلود عويمر، الأستاذ محمد بوعزّارة، الأستاذة صاري أمينة، الأستاذ الأخضر رحموني، ....
مواضيع الكتاب كلها تنويه واعترافٌ بخصال الراحل العلمية والأخلاقية، وإقرارٌ بما قدّمه للعالم العربي والإسلامي، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...