الخميس، 19 مارس 2015


                           النص الأدبي المتميّز لا جنسية له
بقلم: بشير خلف
        القلم الأنثوي واقعٌ يفرض نفسه، ويمكن تقييمه من حيث هو بوحُ الخلجات السريّة حينما تجتمع النساء في دائرة مغلقة لها خصوصية، واستثناء قد لا يفهمها الرجل ..المرأة أبرع في التقاط النتوءات المهملة، وأدقّ في تصوير التفاصيل المهمّشة، والتي لا يراها الرجل، أو يتجاهلها بحكْم تقييمه المختلف عن المرأة، والذي قد لا يرى أهمية لهذه التفاصيل.
        العديد من النقاد يروْن أن النص الأدبي يستطيع المتلقّي الخبير أن يكشف جنس كاتبه على الفور بحكم الاختلافات الكثيرة التي تلوّن النص إنْ كان أنثويا أو ذكوريا ..قد يختزل الكاتب بعض المشاهد، وينغلق على الحدث بشكل مكثّف دون الخوض في الجزئيات المُملّة، والتفاصيل المخلخلة للفكرة، فيأتي نصّه متينا، مركَّزًا مشبعا غنيا، في حين تبدو المرأة أشبه بشبكة عصبية متصلة ببعضها، ومنفعلة مع كل الدقائق الصغيرة والبعيدة، فهي تتسع أفقيا بينما نص الرجل يتغلغل عموديا، وإنْ كان النص الأدبي يحمل صبغة الذكورة أو الأنوثة، فإن القاسم المشترك بينهما هو الهدف .
       إن النص الأدبي لا يأتي أنثويا بحتًا، ولا ذكوريا بحتًا، لأنهما متصلان ببعض فطريا، ومتناغمان في سياق المبنى العام للنص.. فالمرأة حينما تكتب معاناتها، إنها تفعل ذلك في إطار علاقتها بالرجل أبًا كان أم زوجًا، أخًا، ابنًا، حاكمًا، أو مســـؤولا.. فالعلاقات الإنسانية المتفاعلة تفرض نفسها في النص كعنصر هام وحيوي؛ ومن هنا نقف على ضفاف الإشكالية التي يطرحها المصطلح، إشكالية مجتمع يقبل المرأة ويرفضها، وفي رفضه ينكر عليها ذاتيتها وتفردها واختلافها، الأمر الذي يؤثر في مكانة المرأة لصالح تثبيت مكانة الرجل. وواضح ما في هذا الموقف من التناقض، والازدواجية، والتعارض مع منطق يفترض التساوي في الواجبات، ويغض الطرف عن الحقوق. والحال إن أهم حقوق المرأة هو التعبير عن ذاتها وحقها في بلورة رؤيتها لذاتها عبر الإبداع.
        شخصيا ومن خلال تجربتي الإبداعية، وخبرتي .. وقراءاتي الكثيرة للنصوص الذكورية والأنثوية أرى أن الملامح الأنثوية المنتِجة للنص الأدبي لا تنتقص من قيمته الفنية البتّة، ويُفترض في رأيي ألاّ تكون مقياسًا يُصنّف الأدب بسببه إلى أدب نسوي، وأدب ذكوري لأن ذلك عمليا لا يخدم القيمة الفنية للنص الأدبي المنتج ؛ بل هو تصنيف نظري أكثر، ولعلّنا إنْ أخفيْنا في بعض الإبداعات هُــوية منتجة النص الأدبي تمامًا، أو استبدلنا اسم الأنثى باسم ذكر لما تنبّه المتلقّي لذلك، فالنص المميّز ذو المقومات الإبداعية الراقية يفرض نفسه بغضّ النظر عن جنس منتِجه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...