السبت، 21 مارس 2015

النصّ الرقمي


                    النصّ الرقمي
قراءة في كتاب 
بقلم: بشير خلف
       الكتابة الرقمية ظاهرة فرضها التطور الهائل الذي شهدته وسائط الاتصال في العصر الحديث بفضل الثورة التكنولوجية التي جعلت من العالم ‘قرية كوكبية صغيرة’.
       وقد أسهمت المنابر الإلكترونية عامة ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص في خلق حراك اجتماعي شمل مختلف مناحي الحياة. وهو ما نجم عنه تحول عميق في الحياة المعاصرة على جميع الأصعدة والمستويات. لكونها شكلت فضاء حرا لتدفق المعلومات والتعليق على الأحداث.
       لقد أحدثت الثورة الرقمية تغييرا جذريا في مفهوم إنتاج النصوص وتلقيها؛ فلم يعد المؤلف مجبرا على المرور من مصافي دور النشر كما كان الأمر سابقا، لأن المواقع الالكترونية المختلفة تتيح إمكانية هائلة لكل فرد لكي ينشر ما يشاء.
       لقد أصبح النص الرقمي معمارا تسهم في تكوين نظامه الاستطيقي أدوات ووسائط متنوعة يدخل فيها اللغة والصوت والصورة واللون والضوء والحركة؛ فكثير من النصوص تلجأ في بنائها الجمالي إلى عناصر سيميائية مختلفة مثل الموسيقى واللوحة والإلقاء الصوتي إلى جانب العلامات اللغوية التي لم تعد حركتها تنمو في شكل خطي تسلسلي ولكنها أصبحت متحركة تنمو بصورة تشعبية في اتجاهات مختلفة.
        ومما يثير الانتباه أن هذه العناصر التي أصبحت تدخل في صميم تكوين النص الرقمي أنها لم تعد مجرد مصاحبات إشارية وعلاماتية ينحصر دورها في إضاءة النص، ولكنها أصبحت أدوات مهمة في توجيه القراءة وبناء المعنى من خلال الإيحاء بالمحتمل الدلالي للخطاب. مما يعني أن طبيعة الوسيط الحامل للعلامة وشكل عرضها يحددان الصيغة الملائمة لتلقي النصوص والخطابات؛ فالنص الرقمي لا يعبر طريقه نحو التشكل والدلالية إلا بمصاحبة مجموعة من الوسائط التي ترافق أو تحيط به في صورة شبكة معقدة تشتغل خارج القوانين التي تميز نظام المعنى كما تفرزه الانتاجية النصية المتشكلة في فضاء مادي قد يكون الورق أو غيره.

النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي
      المجلة العربية السعودية الشهرية كعادتها منذ سنوات ترفق عدد المجلّة الشهري بكتاب قيّمٍ تُهديه إلى قرّائها؛ ففي شهر جانفي 2015 كانت الهديّة الكتاب 219 يحمل عنوان" النصّ الرقمي، وإبدالات النقل المعرفي" بقلم الدكتور محمد مريني، أستاذ في كلية الناظور بالمغرب، باحثٌ قديرٌ، نشطٌ ، له ما ينيف عن العشر أعمال صادرة منذ 2006 حتى هذه السنة 2015 بهذا الكتاب الذي بين أيدينا.
       الكتاب من الحجم المتوسط: 116 ص، 14 في 21 سم. محتويات الكتاب :
مقدّمــــة .الفصل الأوّل: ما قبل النصّ الرقمي . الفصل الثاني: النصّ المتشعّب التجسيد الأمثل للنصّ الرّقمي. الفصل الثالث: أنماط النشر التراثي في المكتبات الرقمية العربية. الفصل الرابع: الثورة الرقمية وإبدالات الكتابة والقراءة. لائحة المصادر والمراجع.
       في مقدمة الكتاب: يشير المؤلف إلى إن القرن العشرين هو عصر النصّ بامتياز، فيه انهارت الفلسفات العقائدية الكبرى لتحلّ محلّها الإبدالات المعرفية التي تحقّقت بفضل كشوفات الدرس  الألسني، وما رسّخه من بدائل منهجية، منها وفيها سيعرف مفهوم النصّ تنويعات عدّة بعد ارتباطه بعالم المعلومات، والفضاء الشبكي.

ما قبل النص الرقمي
          في الفصل الأوّل، ما قبل النصّ الرقمي يقف المؤلف عند الجذر اللغوي للفظة ( نصّ) في المعاجم العربية كلسان العرب لابن منظور، أساس البلاغة للزمخشري، الرسالة للشافعي محمد بن إدريس، والمعجم الوسيط لإبراهيم مصطفى، وآخرين. ليخلص إلى أن المعنى اللغوي الذي هو: الرفع، الإظهار، البروز ، بلوغ منتهى الشيء وأقصاه يختلف عن معناه لدى علماء الشريعة الإسلامية. كما توقف عند معنى النص في الاصطلاح عند العرب المحدثين، إذ تنوّعت التعريفات بتنوّع الاتجاهات والمدارس الفلسفية والنقدية، ليكتفي بتعريف واحد للدكتور عبد السلام المسدي في حديثه عن مفهوم النص الأدبي، فالنصّ " ...إنه جهازٌ ينظمه تماسكٌ لغويٌّ خاصٌّ "، "هو فعْلٌ أو ظاهرةٌ سيميائية تشمل علامة مادية، ولغوية متعدّة المعاني؛ إيحائية تتجاوز أُحادية الدّلالة إلى تعدّديتها "  
        من هذا المنطلق يشير بعض الدارسين إلى وجود بعض الاضطراب والتشويش في تداول هذا المصطلح عند العرب المحدثين، حيث هناك اختلاف بين مفهوم النص في الثقافات المتفرعة عن الجذر اللاتيني، وبين الثقافة العربية الإسلامية، فالنصّ في الثقافة اللاتينية هو النسيج الذي تولدت عنه مفاهيم عديدة بالتشبيهات والاستعارات، وفي الثقافة العربية الإسلامية؛ معنى النصّ ليس النسيج، إنما هو الظهور والبروز.
        لقد كان النص مرتبطا بطريقة تكوينية بالكتابة، ذلك أن النصّ هو ما كان مكتوبا، ربّما لأن طريقة تشكيل الحروف في الكتابة بصورة خطّية تُوحي أكثر من الكلمة بما تحمله الكتابة من معاني الانحباك، والتشابك التي توجد في العمل المكتوب، إذ يتعلّق الأمر هنا بضمانة الأشياء المكتوبة التي تجتمع فيها وظائف المحافظة التي تتمثّل في الثبات، واستمرارية التدوين الهادفة إلى تصحيح ما يعتري الذاكرة الإنسانية من هشاشة. إنّ النصّ المكتوب سلاحٌ ضدّ الزمن، وضدّ النسيان، وضدّ مكْر الكلام. وذلك في مقابل الكلام الشفهي الذي يمكن التراجع عنه، وتبديله، وإنكاره بكل سهولة.
     ارتبط مفهوم النص تاريخيا بعالم من المؤسسات مثل: القانون، الكنيسة، الأدب ، التعليم؛ حيث النص موضوع أخلاقي: هو الكتابة باعتبارها تشارك في العقد الاجتماعي. لقد افترضت الاتجاهات الكلاسيكية أنّ النصّ يحتوي على معنى قارّ ونهائي؛ أي أنه يعبر عن الحقيقة ويحتوي عليها، ومع ذلك فإن الحقيقة ليست معطاة سلفًا إذ كثير من النصوص يحتاج إلى تأويل لاستنباطها، ولذلك تعددت مدارس تأويل النص واتجاهاته. 
       عرف مفهوم النص في العقود الأخيرة تغيّرات جذرية مع تيّارات ما بعد الحداثة..لم يعد  النص كيّانًا مغلقًا محمّلاً بالأحكام القطعية التي تقوم على أن المؤلف وحده يمتلك اليقين، ويعرف الحقيقة المطلقة، إذْ صار النص كيانًا مفتوحًا محمّلاً بدلالات لا تنتهي. من هذا المنظور سيتغير مفهوم القراءة التي ستُعرّف بأنها ( عمليّة صبّ المعاني في النصّ)، وليست عملية استخراج المعاني من النص، أو عملية الوصول إلى ما يريد الكاتب قوله.
      النصّ مفتوح ينتجه القارئ في عملية مشاركة، لا مجرّد استهلاك، هذه المشاركة لا تتضمّن قطيعة بين البنية والقراءة، وإنما تعني اندماجهما في عملية دلالية واحدة، فممارسة القراءة إسهامٌ في التأليف.. النص لم يعد منتوجا نهائيا، بل أصبح يُنظر إليه في تعالقه مع نصوص أخرى دليلا منفتحا متعدد الدلالات. تؤشّر هذه التحوّلات على الإبدالات التي يأتي بها النص الرقمي خاصة في شكله المتطوّر الموسوم بــ ( النصّ المتشعّب) .

النصّ الرقمي المتشعّــب
       في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان " النص المتشعّب ..التجسيد الأمثل للنصّ الرقمي " يتحدث المؤلف عن الشروط التي تسم النص بأنه رقمي وليس ورقيا، إنْ أشرنا إلى نص بأنه رقمي، فإن هذه الإشارة تحيلنا على الوسيط الذي يُعرض من  خلاله هذا النص. لذلك فإن الرقمية تحيل على الارتباط الوثيق بين النص وجهاز الحاسوب الذي تُعرض من خلاله هذه النصوص، سواء على مستوى الإنتاج ، أم على مستوى  التلقّي.
          وهذا ما يجعل النصّ الرقمي يتميّز عن كلٍّ من النص الشفهي، والنص المخطوط، والنص المطبوع التي تُنقل بوسائط أخرى. لكن النص الرقمي ليست له صورة ثابتة واحدة، بل له تنويعات عدّة تحقّقت من خلال الإمكانات المتعدّة التي يتيحها  كلٌّ من الحاسوب، والفضاء الشبكي.
      لقد كان ظهور النصّ المتشعّب ثمرة لمباحث ودراسات متنوعة، وذلك في سياق فكرة " التناظم بين المعارف " التي مفادها أنّ هناك تناغمًا وتداخلاً بين الحقول المعرفية المختلفة.
      شكّل النصّ المتشعّب منعطفا جديدا قياسًا إلى النصّ التقليدي الشفهي والكتابي، وذلك بالنظر إلى جملة من الخصائص التي تجعله يستوعب مجموعة من الإضافات غير موجودة بالنص الورقي، كأنظمة الخط، والصوت، والصورة، كما تقوم إضافة لذلك بين النص وقارئه علاقة تناظرية وغير أحادية، فعملية التواصل لا تكون في اتجاه واحد، كما هو الحال في النص التقليدي.
     تستند عملية القراءة إلى فكرة مركزية مفادها أن النص المتشعب مزود بوصلات تسعف في تنشيط عملية القراءة، والانتقال إلى الشذرات النصية المختلفة التي يمكن الوصول إليها من خلال النقر على " الفأرة" إلاّ أن توالي عمليات الانتقال بين النصوص من شأنها أن تحوّل القراءة إل متاهة تجعل من المتعذّر على القارئ ضبْط المسار بين نقطة الانطلاق، ونقطة النهاية يشعر بأنه فقد الاتجاه، وقد لا يعرف أين هو، بل قد لا يتذكّر ما كان يبحث عنه.
      إن توالي فتح النوافذ الجديدة يدخل القارئ في دوّامة تفقد النص المتشعب منطقه الخاص، ذلك أن كاتب النص المتشعب يُخضع نصّه لبناء خاصٍّ من خلال إضافة روابط، وشبكات، ووحدات معلومات. حين يقرأ القارئ نصا ورقيا فهو يعرف المكان الذي يوجد فيه، لأجل ذلك يستخدم بعض المعالم كأرقام الصفحات، وفهرسة المحتويات، ورأس الصفحة...الخ ؛ أمّا في النصّ المتشعّب فلم تعد هناك حاجة إلى أغلب هذه المؤشرات الدالة. إنك خلال قراءة النص المتشعب لا تسافر على طول نهر هادئ كسفرك مع النص الورقي، بل تسلك طرقا مختصرة ، أو منعرجات مرور من عقدة إلى أخرى، ومن وصلة إلى أخرى تفتح هذه النافذة أو تلك، وأحيانا عدة نوافذ لها علاقة بموضوع النص المتشعّب، أو لا علاقة لها به، وكلها مفتوحة في الحاسوب، تذهب إلى هذه النافذة أو تلك، أو تعود إلى هذه، وتترك تلك. إذ يمكن أن تجد نفسك في غابة من المعلومات .
      يستغلّ النص المتشعب كل الإمكانيات والبرامج التي يوفرها الحاسوب، وشبكة الإنترنيت، وهي إمكانيات تخضع للتطور المستمر، وتتراوح بين أنواع الخط المختلفة الأشكال، والصور الثابتة والمتحركة، والأصوات، والأنغام الموسيقية، والأشكال الجرافيكية، والألوان المختلفة. إنّ أهمّ ما يميّز النص المتشعب هو تعدّد أنظمة العلامات التي يوظفها.
     لقد ارتبط النص الورقي بالحروف والألفاظ . قد يحمل هذا النص صورا لكنه لا يمكنه أن يحمل العناصر الصوتية، وهذا يحدّ من قدراته التواصلية والتفاعلية. إن هذا التنوع من الوسائط يجعل النص الرقمي المتشعب بمثابة ( نصٍّ جامعٍ) يتيح إظهار طابع التعددية الممكنة لتعريف الشيء الواحد.
        لقد أتاح النصّ المتشعّب الرقمي للقارئ العربي إمكانية معالجة النصوص بطريقة آلية، والبحث في متنها بطريقة أفقية وعمودية. من هنا تحرّرت النصوص من قبضة الخطّية الصارمة التي فرضها عليها جمود الورق. إنّ معالجة النص الرقمي المتشعّب hypertext إضافة إلى ما تتيحه للمتلقّي من خدمات، وتسهيلات تكشف مسارات التشعب داخل النص المفرد، فهناك أيضا إمكانية ربط النص بخارجه، أو ما يعرف بعملية " التناصّ البيني " ، فقد وسّعت تكنولوجيا الوسائط المتعددة من مفهوم التناصّ الذي لم يعد مقصورا على الربط بين الوثائق التي تُقدّم في شكل نصوص، بل بينها وبين الوثائق الإلكترونية الأخرى في شكْل أصوات وصور ثابتة .

أنماط النشر التراثي الرقمي
        بذل المؤلف جهدا كبيرا في البحث عن تواجد النصوص الرقمية المتداولة في الثقافة العربية الرقمية، ليقف عند المكتبات مكتفيا بمكتبات التراث، حيث يرى أن ما يجمع بين هذه المكتبات هو أنها تُقدّم نصوص التراث مرقّمة، أي عوض تقديم المنتوج مطبوعًا على الورق كما تفعل ذلك المكتبات التقليدية، تعمد إلى رقمنة الكتب وتجعلها جاهزة للاستعمال، من خلال الخدمات التي يتيحها كل من الحاسوب، والفضاء الشبكي .
      هناك اختلاف بين هذه المكتبات على مستوى الرقمنة وتنوّعاتها التي يخضع له المنتوج المعرفي، هناك:
1 ــ مكتبات تكتفي بتصوير المادة اعتمادا على الماسح الضوئي.
2 ــ مكتبات تعيد كتابة المادة، اعتمادا على برنامج معالج الكتابة.
3 ــ مكتبات تعرض المادة اعتمادا على تقنية الربط التشعّبي.

الثورة الرقمية وإبدالات الكتابة والقراءة
    يذكّر مؤلف الكتاب وكما هو معروف بأن الكتابة الرقمية تتطلب من المؤلف أن يكون ملمًّا بفنون الميديا والبرمجة، وبأبجديات التعامل مع الحاسوب حتى يستطيع معالجة نصوصه على برامج الكتابة، معنى ذلك أن الاشتغال على النصّ الرقمي يستلزم معرفة تقنيات قصد التعامل مع الحاسوب، والإمكانيات التي يتيحها من خلال وصلاته، وأيقوناته، وبرامجه المختلفة، كما يُفترض في المؤلف أن يحسن التعامل مع الشبكة العنكبوتية لكي يستفيد من الخدمات التي تقدمها.
       إنّ التعامل مع النص الرقمي يعطي إمكانيات مهمة للتحكم فيه، وتوجيهه وفق متطلبات الكاتب، والقارئ معًا؛ فالبرنامج يسمح للانتقال في جسد النص بسرعة وحيوية بواسطة النقر على الفأرة، أو بتشغيل لوحة المفاتيح، كما يكفي النقر بلمسة واحدة للانتقال إلى أيّ صفحة، أو فصل، أو مجلد جديد، أو صورة، أو مقطع موسيقي، ويمكن للكاتب وهو يدبّج نصّه فتْح تسجيل صوتي، أو محاضرة. إن المؤلف الرقمي يشتغل من خلال الحاسوب، وتوظيف البرامج، فهو لم يعدْ يهتمّ بالنص الظاهر فحسب، بل بالنص الخفي أو البرنامج، كما يعمل على الإبداع، والصبغة الجمالية للنص.
      من المثير إلى أن العالم المعاصر يشهد توغّلاً شديدا للثقافة التقانية في الثقافة الفنية، وهو توغّلٌ يصل إلى حدّ الاندماج ، إذ صارت الآلات الذكية، والحواسيب جزءا من عمليات الاصطناع الفني في مختلف الفنون الجميلة كالموسيقى، والرسم، والنحت، والتصوير، والتصميم...ألخ.
     النص الرقمي المتشعّب أحدث مظاهر عدة على عملية التواصل المعرفي والثقافي والأدبي في عالمنا المعاصر، منها :
1 ــ طبيعة النص الرقمي تكرّس الطابع التفاعلي للعلاقة بين الكاتب والقارئ، إذْ لم يعد المؤلف يمتلك وحده سلطة القول، لم يعدْ يكتب وحده؛ بل القارئ يعيد كتابة ما يقرأه بالتعديل، أو الإثراء، أو بالرأي المخالف عقب نشْر ما يقذفه المؤلف في الشبكة مباشرة.
2 ــ خصوصيات النقل الرقمي المتمثلة في سرعة الإنجاز، وانخفاض التكلفة بما يسمح بفتح عالم النشر أمام الجميع.
3 ــ انحسار موهبة الكاتب أمام ذكاء الآلة، ذلك أن النص الرقمي لم يعد أسير الكتابة الخطّية، بل أصبح مجالاً لتلاقي الخط والصوت والصورة، وهذا قد يراه البعض ممّا يكرّس فكرة نهاية المؤلف.
4 ــ التباس في حقوق  المؤلف الرقمي( حقّ) المؤلف مصطلح ذو صبغة قانونية يحيل على نوع من التعاقد الضمني بين المبدع والمستفيد من هذا الإبداع سواء أكان أدبًا، أم فنًّا، أم علمًا، أم اختراعُا. من هنا فإن الحقوق تتعلق بشخص المبتكر، ولها علاقة باسمه، وبسمعته، وبشهرته، وهي لصيقة بشخصية المؤلف زمكانيا.
       لكن ظهور النشر الرقمي قلّب هذه الحقوق رأسًا على عقب، لذلك يبدو من الصعوبة فرض قـــــــوانين ( حقوق المؤلف)في صيغتها التقليدية على مستخدمي الإنترنيت، أو الأقراص المدمجة، أو غيرها من الوسائط الحديثة ، ممّا ظهر على السطح مجموعة من الظواهر:
ــ سهولة استنساخ المواد في البيئات الرقمية، وذلك لوجود العديد من صيغ الانتحال، والتخفّي، والتدليس، والقرصنة، والسرقات الأدبية التي يصعب التفطّن إليها، وتتبّع أصحابها.
ــ الطابع المفتوح للنشر عبر فضاء الإنترنيت الذي صار شبكة عالمية، بحيث يصبح من المستحيل التحكم في مراقبة المادة المعروضة مهما كانت وقوة وصرامة القوانين.
ــ وجود حالات كثيرة من الاعتداء على حقوق المؤلف في الأعمال المنشورة في البيئة الرقمية المتمثلة في الاعتداء على النصوص، وإعادة نشرها بأسماء أخرى، أو التصرف فيها ، أو نسخها ، أو القصّ منها، وصعوبة تتبّع المعتدين.
          إنّ هذا الكتاب بقدر ما يؤرخ لمسار النص الإنساني في صورته الشفهية ثم الكتابية، فالرقمية، فإنه يحفّزنا على أن نستفيق من نومنا، ومن غفلتنا على أن عالم اليوم هو عالم انفجار المعرفة، وتنوّع وسائط معالجتها، ونشرها في صور جذّابة، وبواسطة نصوص رقمية متشعبة تترافق فيها المعرفة مع وسائط أخرى تعطي للنص بهاءه، وجماليته.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 للتعليق أو المشاركة: اضغط على ( روابط هذه الرسالة ، ثم اضغط على ( إرسال تعليق) واكتب تعليقك داخل المربع وارسلْه.

     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...