السبت، 23 مايو 2015

الرواية نص إبداعي تاريخي مشاكس


الرواية نص إبداعي تاريخي مشاكس
بقلم: بشير خلف
        يشكّل التاريخ مادة مهمّة بالنسبة للأديب، يستمدّ منه موضوعاته وشخصياته وعوالم نصه، فليس صعبا أو مستحيلا أن يكون التاريخ إلهاما وتجربة ومصدرا لعمل أدبيّ ما، كما يحدث مع التجربة الواقعية المعيشة.
        كما أن علاقة الأدب بالتّاريخ هي من القضايا النّقدية الشائكة، ذلك أنّ الأدب إبداع يراهن على الخيال لتحقيق الجمال والتأثير، في حين أن التاريخ يراهن على الحقيقة لتحقيق الموضوعية والإقناع.
       قد يتساءل المتابع للفن الروائي، وبخاصة التاريخي عمّا إذا تأسّست عندنا في الجزائر الرواية التاريخية، واحتلّت مكانتها ضمن المتن الإبداعي السردي، ولعلّ المتلقّي الـنّهِم للرواية، والشغوف بهذا الجنس الأدبي منذ ظهوره في الجزائر سواء قبل الاستقلال أو بعده حتى يومنا هذا، وباللغتين العربية والفرنسية سيكتشف أن الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية في الفترة الممتدة ما بين 1920 و1945، بدءا بأول رواية "زهراء امرأة المنجمي" لشكري خوجة سنة 1928، وما تبعها بينت حتى وإن كان بصورة فردية أن موضوع معاقرة الخمرة، ولعب القمار، وتعاطي الحشيش لم يكن عفويا ولم يكن أبدا مجرد مسألة شخصية أو موضة أدبية لدى هؤلاء الكتاب، ولكنه تجسّد في هاجس اجتماعي تحركه انشغالات، وتساؤلات فكرية وسياسية توضح الحدود الفاصلة بين المحرم، والمباح في الدين وفي القانون المدني، بين حرية الفرد عند المستوطنين والضوابط الأخلاقية بالمفهوم الإسلامي، هذا ما يبين أن أزمة هوية رافقت هذا الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ومنذ بداياته الأولى لتتطور فيما بعد.
       وما روايات مولود فرعون ومحمد ديب إلاّ امتداد لهذا المتن الروائي الجزائري الذي تماهت فيه الرواية مع يوميات الإنسان الجزائري، وهمومه، وصراعه مع المستعمر الفرنسي، والتمسّك بأرضه وهُويّته.
        فيما يتعلق بالرواية العربية بدءا من نصّ "غادة أم القرى" الصادر سنة 1947 فاتحة التأريخ لجنس الرواية في الجزائر، ثم رواية "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوڤة 1971 وما تلاها من رواياته الأخرى، وروايات غيره: الطاهر وطار، بقطاش مرزاق، محمد مصايف، محمد عرعار، حفناوي زاغز، عبد المالك مرتاض، محمد مفلاح، وغيرهم من جيل السبعينيات وخاصة الذين تفاعلوا مع التحولات المختلفة للمجتمع الجزائري بعد الثمانينات حتى أيامنا هذه كواسيني الأعرج، محمد ساري، أمين الزاوي، الحبيب السايح، الزهرة ديك، ياسمينة خضرا، أحمد حمدي (حومة الطلياني)، وغيرهم الكثير.
      لئن كانت الثورة الجزائرية المعين الأساس للرواد، فإن المخضرمين تحوّلوا إلى الكتابة عن التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ممّا نستخلصه أن المتن الروائي الجزائري متماهٍ مع التاريخ أكثر من التماهي مع الذات المبدعة. هل هذا محض صدفة أن يكون هذا التراكم الروائي الجزائري في علاقة قوية مع التاريخ محلّ اتفاق مع المبدعين الروائيين؟ أم الأمر مجرد صدفة فرضتها ظروف الجزائر في عهودها المتسمة دومًا بالحركية، والتغيّر؟ في رأينا هذا هو الصحيح.
       إنّ معالجة التاريخ في الرواية يختلف عنه لدى المؤرخ الذي لا يتعامل مع الخيال، فالروائي قد يتعامل مع حدث تاريخي عاطفيا، وقد يتوقف عند زوايا غامضة أهملها المؤرخ ليُصبغ عليها مسْحات إنسانية، وفق قول الروائي واسيني الأعرج: "رهان الرواية التاريخية يكمن في تعقُّـب الفراغات التي أهملها التاريخ الرسمي والأيديولوجي، والاستناد على بعض العلامات المضيئة لتقول ما أغفله المؤرخون أو طمسته المؤسسات".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...