الخميس، 28 يناير 2016

أخبار ثقافية


" الرواية الجزائرية خارج التصنيف العربي لضياعها بين الفرنكوفونية والعربية"
كُتّاب : أكدوا أنها سجينة التراب الوطني بعد أن غابت عن جائزة البوكر العربية
" مسؤولية غيابها تتحملها النخبة الجزائرية ووزارة الثقافة معا"
      أجمع العديد من الكتاب أن غياب الرواية الجزائرية عن جائزة البوكر العربية لهذا العام يعود لجهل النخبة لما يكتب، فأغلب الروايات المنشورة لا تقرأ ولا تثمن ولا تشجع من قبل النقاد الجزائريين الى جانب غياب الدعاية الإعلامية التي تنساق حسبهم خلف الدعاية المشرقية، معتبرين أن كل المشهورين من الجزائريين صنعتهم وسائل إعلام أجنبية، وهي عقدة لم تتخلص منها النخبة الوطنية التي تحتقر حسبهم ما ينشر هنا وتركض لاهفة لاستقبال كل ما يأتي من الغير.
يرى عدد من الكتاب الدين اقتربت منهم " الحياة" على راسهم "محمد ساري، منير راجي، محمد رفيق طيبي " أن الرواية الجزائرية غابت عن جائزة البوكر العربية في دورتها السابعة كونها بقيت سجينة التراب الوطني لغياب الاشهار و تتحمل مسؤوليته وزارة الثقافة ، إضافة إلى قلة أو انعدام مشاركة الجزائر بأعمالها الروائية في التظاهرات العربية و الدولية، مما جعل الروائي الجزائري حسبهم سجين حدوده الترابية ، مشيرين أن الروائي الجزائري لا يحسن التسويق لأعماله. ومن بين الأسباب التي قادت الى هذا الفشل المزمن حسب البعض منهم وجود الرواية الجزائرية خارج التصنيف العربي فقد ضاعت بين الفرنكوفونية والعربية وتمزقت روحها حيث يشعر المشارقة والذين يشكلون الغالبية في هيئة البوكر بأن روايتنا غريبة نوعا ما ونستنتج ذلك من تصريحات سابقة ومن فوز روايات في طبعات فارطة لها نفس النهج والرؤية .

محمد ساري : " لماذا ننتظر دائما الاعتراف من المشرق أو من باريس؟"
"المعمول به أن لكل جائزة شروطها وقوانينها ولجنتها التحكيمية التي لها ذوقها ومقاصدها الخاصة. وهذه الشروط لا ترضي جميع الكتاب، وحتى الجيدين منهم. ولكن تساؤلي هو لماذا هذه الردود الانفعالية والانطباعية حول نتائج الجوائز العربية؟ لماذا ننتظر دائما الاعتراف من المشرق أو من باريس؟ لماذا لا نحتفي بأدبنا عبر قراءة نصوص كتابنا والعمل على الترقية لها بالنقد والتقويم؟ أين نقادنا الذين يثمنون أعمالنا الروائية. أغلب الروايات المنشورة في الجزائر لا تقرأ ولا تثمن. بل حتى تلك التي نالت جوائز في المشرق والغرب لم نقرأها ولم نحتف بها. هل قرأنا جيدا روايات واسيني الأعرج التي نالت الجوائز المشرقية؟ هل قرأنا روايات الكتاب الشبان (هاجر قويدري، اسماعيل وميلود إبرير، سعيد خطيبي...) واحتفينا بهم كما ينبغي. نخبتنا من الصحفيين والأساتذة لا يقرأون الأدب الجزائري ويخضعون لتأثيرات وسائل الإعلام المشرقية وننفعل حينما لا ننال جوائز ونحن نجهل حتى النصوص المقدّمة للترشح، ولا نعرف كيف ندافع عنها. ان الصحفي أو الناقد الجزائري الذي يستطيع أن يتحدث عن الروايات المرشحة لجائزة البوكر ويثمنها ويدافع عنها ليقول (هذه الرواية تستحق الفوز لأسباب كذا وكذا). لا أظن أن أحدا يقدر على مثل هذا الفعل. نخبتنا جاهلة لا تقرأ وتنساق خلف الدعاية المشرقية، بالنسبة للمعربية والدعاية الفرنسية بالنسبة للمفرنسين. اعطوا لي اسم كاتب واحد نال شهرته وتمّ تكريسه وهو نشر كتبه في الجزائر فقط. كل المشهورين من الجزائريين صنعتهم وسائل إعلام أجنبية من عربية وفرنسية. هذه عقدة لم تتخلص منها النخبة الجزائرية لأنها تحتقر ما ينشر عندها وتركض لاهفة لاستقبال كل ما يأتي من الغير.لهذا فعلى نخبتنا أن تلتفت بما فيه الكفاية لكتابها ونصوصها وتقوم بتقييمها ولا تنساق دوما خلف ما يقوله الغير عن نصوصنا وكتابنا".

منير راجي: " الرواية الجزائرية سجينة التراب الوطني"
"في الحقيقة الرواية الجزائرية بين الغياب و التغييب ..غائبة لكونها بقيت سجينة التراب الوطني و هذا له أسبابه أهمها غياب الاشهار و تتحمل مسؤوليته وزارة الثقافة ، إضافة إلى قلة أو انعدام مشاركة الجزائر بأعمالها الروائية في التظاهرات العربية و الدولية، مما جعل الروائي الجزائري سجين حدوده الترابية , فالترويج للأعمال الروائية في المحافل الثقافية الدولية يلعب دورا هاما في بروز أي عمل روائي ....اضافة الى ذلك عدم تمكن الروائي الجزائري من تسويق انتاجه داخل الوطن العربي ليشمل جل أقطارها و هنا أشير لابد من تدخل وزارة الثقافة و الهيئات الثقافية الجزائرية كاتحاد الكتاب الجزائريين لفرض أعمال روائية في المسابقات الدولية , فالمشكل يتقاسمه كل من الروائي و الهيئات الثقافية ..هكذا تبقى الرواية الجزائرية سجينة الغياب و التغييب , علما أن هناك روايات جزائرية ذات مستوى عالمي و لنا أسماء عالمية كالدكتور أمين زاوي و الاستاذ واسيني الأعرج و الاستاذة أحلام مستعانمي و غيرهم ..كما هناك نقطة لابد من الاشارة اليها و هو أن للسياسة و الكولسة دور في ذلك ..

سليمان جوادي: " السؤال المطروح لماذا لم نكتب هذه السنة"
"قراءة سريعة لقائمة الروايات ال 16 المرشحة لجائزة البوكر المنتقاة من ضمن 159 رواية صدرت العام 2015 تعطينا فكرة على أن الهيئة المكلفة بهذه الجائزة بريئة إلى حد بعيد من أي تهمة إقصائية أو خلفية سياسية تكون قد اعتمدتها في اختيارها لهذه الروايات بدليل وجود أسماء شابة من دول عربية مختلفة و عليه فإن السؤال يمكن أن يطرح بشكل مخالف لماذا لم نكتب هذه السنة رواية تليق بإدراجها ضمن القائمة الطويلة للبوكر و هل بالضرورة أن تكون الأسماء الجزائرية موجودة كل مرة ... جائزة البوكر هي من أهم إذا لم أقل أهم جائزة تعنى بالرواية العربية و تسعى إلى الترويج لها بشكل لائق و مكثف و أي روائي عربي يعتبرها حلما و هدفا و لكن هذا لا يعني إعتبار عدم إدراج أسماء روائيينا ضمن قوائمها و لا أقول إقصاءهم نهاية العالم .. و أنا بالمناسبة فخور بروائيينا الذين أثبتوا تفوقهم في عدة مهرجانات و جوائز و احتلوا مكانة طيبة لدى جمهور القراء ".

محمد رفيق طيبي: " لا نملك دار نشر واحدة مؤهلة للترويج للأعمال الجزائرية"
"قد يصعب على أيّ كاتب جزائري تحديد الأسباب التي تجعل النصوص الجزائرية محل إحباط ومساءلة نظرا لفشلها في الوصول إلى القائمة الطويلة للبوكر والخشية كلها من الوقوع في الإتهامات وفتح جرح المشرق وتحليل خباياه بطريقة تضرّ أكثر مما تنفع في ظل هذه الظروف الصعبة التي تحيط الثقافة ككل في العالم العربي.
حين أعلنت دور النشر عن مرشحيها للبوكر وعلمت أن الروائي الكبير حبيب السايح مرشح عن دار الساقي بروايته كولونيل الزبربر أحاطتني هالة من الفرح والخوف في الوقت نفسه، فالفرح وليد أمل كبير في وصول السايح الى مراحل عليا من المسابقة والخوف جاء من هاجس تقاعس المثقفين والكتاب الجزائريين عن مساعدة نصه في الوصول وقد حدث ذلك فعلا ولم نسمع أيّ شهادة من كاتب كبير أو تزكية للنص تساهم في لفت الإنتباه له ولا يخفى على أي متابع للشأن الثقافي أن دور الإعلام كبير جدا في هذه الجوائز وأن تأثيره بالغ في ظل وجود لجان ليست مستقلة دوما.
من بين الأسباب التي قادت الى هذا الفشل المزمن وجود الرواية الجزائرية خارج التصنيف العربي فقد ضاعت بين الفرنكوفونية والعربية وتمزقت روحها حيث يشعر المشارقة والذين يشكلون الغالبية في هيئة البوكر بأن روايتنا غريبة نوعا ما ونستنتج ذلك من تصريحات سابقة ومن فوز روايات في طبعات فارطة لها نفس النهج والرؤية وربما نفس اللغة أيضا ولهذا أتفق تماما مع سمير قسيمي حين طالب بتغيير هذه اللجنة رغم أنّ طلبه جاء بناء على فشله في الوصول الى هذه القائمة وتوهمه بامكانية الوصول بنصوص جلّها لا يصلح للتنافس على جائزة جمعية ثقافية محلية لذلك أتبنى رأيه نسبيا.ثم إن دور النشر الجزائرية لا تملك أي رؤية في هذا المجال ولا تحاول تقديم أي بديل حقيقي لدور النشر المشرقية وقد أفسد لبها الريع البترولي زمن البحبوحة ليصل عددها الى 1150 وهذا رقم مجنون وغير منطقي مقارنة بما نجده في الواقع ورغم كل هذا العدد هل نملك دارا واحدة تشبه الآداب اللبنانية أو المركز الثقافي العربي لا طبعا والدار الوحيدة التي تحاول أن تنهض في هذا المجال هي الاختلاف لكن خطواتها لا تزال رهينة الحواجز المعروفة وقد نجحت رواية لكاتب عربي رشحتها هي في الوصول إلى قائمة البوكر الطويلة.
من أجل العودة بالرواية إلى الساحة العربية والعالمية ونيل هذه الجوائز يجب على الكتاب الجزائريين إيجاد مخارج أخرى فإما الكتابة على الطريقة المشرقية بتنصل من أسلوبنا المشترك وهذا لا ننكره وإما الكتابة بطريقة مختلفة بعيدا عن المشرق والمغرب، كذلك وجب تأسيس دور للنشر ذات مستوى واحترافية تسمح لها بالمنافسة عربيا وامتلاك القيمة المعنوية والحضور الكافي، كما وجب تنبيه هذه الهيئة الى ضرورة مراجعة أعضائها دوريا وتجديد رؤيتهم للأدب بما يتماشى والروح العربية لأي نص مهما كان أسلوبه مختلفا كما أدعوا الكتاب الجزائريين إلى الاستيقاظ من وهم ووهن جعلهم يحيطون أنفسهم بكتاب كبار محبطين تاركين لهم مقودا عاطلا".

طارق خلف الله: " لا تزال الرواية الجزائرية بخير"
"أعتقد أن الرواية الجزائرية بخير وقد قطعت أشواطا لا بأس بها في مرحلة قصيرة جدا وقدمت العديد من الأسماء التي استطاعت أن تمنح للرواية الجزائرية خصوصيتها وأضافت للرواية العربية ما أضافت من أعمال وروايات ساهمت في توسيع أفق الرواية العربية وانفتاحها. وأثبتت أن بالجزائر أقلام رائدة وقادرة على السير أكثر في سبيل تطوير و تجديد هذا النوع الادبي وقادرة ايضا على تسجيل حضورها الدائم في مختلف المحافل العربية والدولية . وبخصوص جائزة البوكر العالمية للرواية العربية التي استبعدت الجزائر من طبعتها هذا العام فلا أعتقد أنها مقياس حقيقي للوقوف على مدى تطور الرواية في الجزائر ..."

الثلاثاء، 26 يناير 2016

هل عندنا جمهور ثقافي ؟


هل عندنا جمهور ثقافي ؟
بقلم : بشير خلف  
        ملتقياتنا الثقافية، وندواتنا الفكرية يغيب عنها الجمهور الثقافي ؛ ولا يتعلق الأمر فقط بالملتقيات التي ينظمها القطاع الثقافي، أو الجمعيات الثقافية، أو جهات أخرى محلية، ولكن حتى ما يُــنظم بالجامعة ، حيث جمهور الأساتذة والطلبة موجود؛ لكن هذا الجمهور لا يهمّه عما يجري من حوله: فبعض الأساتذة يقاطع الندوة لأنه على خلاف مع بعض أعضاء اللجنة المنظمة، والطلاب لا علاقة لهم إلا بالدروس للحصول على العلامات . في الجامعة وهذا ما لمسته في العديد من المرّات أن أساتذة وطلبة كلية الآداب لا يحضرون ملتقى، أو ندوة تنظمها كلية العلوم الاجتماعية، وبالمقابل لا يحضر هؤلاء ملتقى، أو ندوة تنظمها كلية الآداب وكلا الكليتين متجاورتان في نفس الجامعة.
        بل في الجامعة بمجرّد أن تتمّ مراسيم الافتتاح، وتبدأ الجلسات العلمية يبقى في القاعة غير المُحاضرين الذين أغلبهم غايتهم الحصول على شهادة المشاركة للاستفادة منها في الترقية، أو الطلبة الذين عادة ما يحضرون تلبية لأمر أستاذة، أو أستاذ الاختصاص . نحضر اليوم ملتقيات ثقافية في هذه الولاية، أو تلك لا نجد أثرا للجمهور الثقافي من المجتمع، تنظمها هذه الهيئة أو تلك، وكم يشقى منظموها في توجيه الدعوات، والاتصال بمن يروْن أنهم أهلٌ للحضور، وفي غالب الأحيان يكون الحضور مخيّبا للآمال.
       أتذكر أن المحاضرة، أو الندوة في السبعينيات، وحتى الثمانينيات في قاعة الموقار، أو في قاعة النفق الجامعي، أو قاعة اتحاد الكتاب الجزائريين، أو فروعه خاصة فرع وهران، وقسنطينة ،وكذا المركز الثقافي الإسلامي، أو في جامعة الجزائر المركزية كانت القاعات تضيق بالجمهور من أطياف متعددة من المجتمع؛ كما كان الطلاب يتسابقون على المقاعد مع الأساتذة، والجمهور أيضا من خارج الجامعة يظل فارضا حضوره حتى انتهاء المناقشة، أو المحاضرة.
       في السنوات الأخيرة وحتى في أيامنا هذه تنظم هذه الجامعة، أو تلك ملتقى يتعلق بالشعر، أو بالسرد، أو المسرح ،أو بالنقد، أو ما يتعلق بالإبداع الأدبي فلا تستدعي أي مبدع من خارجها، ومن يحضرون من المبدعين قـــد يكونون أساتذة، وما هو مؤكد أن الطلبة فيهم من سلكوا درْب الإبداع، ولهم مواهب وبإمكان الجامعة اكتشافهم، ورعايتهم، وإبرازهم في هكذا ملتقيات، ولكن لا يُلتفت إليهم؛ والعكس أن الملتقيات التي ينظمها القطاع الثقافي مركزيا، أو محليا لا يحضرها أساتذة الجامعات، ولا يُوصون الطلاب بحضورها حتى يبرزوا، ويشاركوا في الفعل الثقافي في المجتمع، ومنهم سيتكون الجمهور المثقف الذي يُعوّل عليه مستقبلا؛ حتى النوادي الأدبية بأغلب الجامعات اختفت.
     قد يقول قائل : غياب الجمهور الثقافي من الساحة يعود بالدرجة الأولى إلى انتشار وسائل المعرفة الحديثة التي صار في إمكان الكبير والصغير، المتعلم والمثقف، الطالب والأستاذ الحصول عليها من مصادرها، وبأسرع وقت، ولا حاجة لهكذا ملتقيات وندوات، ومن ثمّة يرى عدد من المثقفين أن هذه الملتقيات الأدبية فقدت قيمتها وأهميتها، ولا أمل منها في التأثير على المشهد الثقافي؛ كما أن العديد من هذه الملتقيات هي تكرار مُــمِلٌّ لبعض المواضيع والوجوه، التي همّها في الحضور على المتعة السياحية أكثر من ممارسة الثقافة في الملتقى، كما أن تلك الملتقيات هدرٌ للمال، الذي من الأجدى صرفه ففي حاجات اجتماعية؛ كما أن التوصيات التي تخرج بها تلك الملتقيات كل عام مكررة، ودون متابعة لتوصيات الملتقيات التي سبقتها، ودون أن يحمل هم تنفيذ التوصيات الجديدة.
       يبدو لي أنّ الجمهور الثقافي يأتي نتيجة التربية والتكوين، فالمنظومة التربوية منها تبدأ صناعة الجمهور الثقافي، من غرْس حبّ المعرفة، والتدريب على مهارات القراءة والمطالعة منذ السنوات التعليمية الأولى، وكذا استثمار حصص التنشيط في الاستماع إلى الإبداعات الشعرية، والسردية، والمسرحية، والتنافس الثقافي بين المؤسسات، لتكتمل صناعة الجمهور الثقافي في رحاب الجامعة، ضفْ إلى ذلك أن العديد من القطاعات من مهامّها المشاركة في هذه الصناعة كالمجتمع المدني بكل مكوّناته، سيّما الأحزاب.
       السبب الأهمّ في رأيي عدم وجود استراتيجية أو رؤية وطنية شاملة للثقافة، لا يوجد عندنا مشروع ثقافي قومي مؤسِس لثقافة وطنية. لا نعجب لمّا نجد المواطن العادي ينظر إلى الثقافة على أنها فعل فلكلوري، وتبذير للمال العام.. كيف يمكن إقناع هذا المواطن بأن الثقافة معرفة، وتنوير، وسلاح للرقي. 

الأحد، 24 يناير 2016

التربية ..الواقع والآفاق


التربية ..الواقع والآفاق
بقلم : بشير خلف
       نظمت مساء أمس،السبت 23 جانفي 2015 شعبة الوادي الوسط لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالتنسيق مع الجمعية الجزائرية للتواصل العلمي والثقافي ندوة ولائية موضوعها : " التربية.. الواقع والآفاق " نشطها الدكتور عبد القادر فضيل الإطار السابق في وزارة التربية، والعضو الحالي في المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
        حضر الندوة جمهور كبير من المثقفين والمحامين، والأساتذة الجامعيين، وكذا من أسرة التربية والتعليم من الجنسين ..لكون الموضوع حسّاس جدا، ويهمّ الجميع.
      الدكتور عبد القادر فضيل مُــلمٌّ بوضع التربية والتعليم في الجزائر لا لكونه رجل تربية وإطار سابق بها فحسب؛ إنما لكونه شغل مفتشا للتربية والتكوين قبل أن تنصب المدرسة الأساسية في سبتمبر 1980 بل لكونه من الذين وضعوا برامجها، وملفاتها للغة العربية خاصة مرحلة التعليم الأساسي بطوريه، وأشرف على تنصيب المدرسة الأساسية كرجل تربية، ثم فيما بعد  تولّى مديرية التعليم الأساسي بوزارة التربية في عهد الوزير محمد الشريف خرّوبي، فعندما يتكلم الدكتور فضيل عن التربية يتكلم عن دراية وعلم، يعلم خفاياها، ويعلم ما تعرّضت له من مؤامرات من أعداء هويّة الأمة الجزائرية، ويعلم خُبْث المتربصين بالمدرسة الجزائرية باعتبارها القلعة التي يتخرج منها أبناء المستقبل؛ كما أن الرجل عانى من هؤلاء في دفاعه عن اللغة العربية ولا يزال.
      في هذه الندوة تحدّث الرجل بصراحة، وبصدق، وبحرقة أيضا عمّا تعانيه التربية، وما تتعرّض له اللغة العربية من مؤامرات، ومن إقصاء من المسؤولين في كل القطاعات حتّى أنّ المرض تفشّى في المجتمع كله، وحلّت الفرنسية محلّ العربية، وصار التعامل بها من طرف المواطنين في أبسط الإجراءات.
     نقاط كثيرة مهمّة تعرّض لها المحاضر بإسهاب، وشخّصها وهو يتأسّف، ويتحسّر له على ما لحق بالأمة الجزائرية من ضررٍ، ومنها ما دافع عنها، وحثّ الجميع عل التحرّك للدفاع عنها أفرادا، ومجتمعًا مدنيًّا؛ ويمكن ذكْــر أهمّ النقاط التي ركّــز عليها:
1 ــ التربية موضوع الساعة في الجزائر مثلما هـــي في كل بقاع العالم لأهميتها باعتبارها الحاضنة لأبناء الأمة، وفضاء التنشئة الاجتماعية، وإعداد الفرد لنفسه ولأمته.
2 ــ التربية باعتبارها تحتلّ هذه المكانة يُفترض أن تكون لها مرجعية تُستمدّ من ثوابت الأمة، وتتوافق مع الحياة المعاصرة، وتعدّ إلى المستقبل، والتربية الناجحة ما جمعت بين التربية الشاملة للفرد، والمعرفة.
3 ــ المدرسة فضاء للتربية والتكوين والتعليم، والتعلّم، وتقديم العلم؛ فإذا لم تهدف إلى بناء الفكر، وتنمية القدرات، وخلْق الوعي لدى الأجيال الذين سيحملون فيما بعد صفة المواطنة، وسيقودون الوطن، ويتحمّلون المسؤوليات المختلفة في كل المجالات، فوجودها، أو عدمه سيّانٌ.
4 ــ لتحقيق أهداف التربية ينبغي الاهتمام برجل التربية والتعليم من حيث الانتقاء الأخلاقي، والسلوكي، والمعرفي، ثم التكوين لوظيفة التربية والتعليم لمدة زمنية كافية قبل تسليم الأطفال لهذا الموظف.
5 ــ التربية والتعليم تنطلق من فلسفة الأمة وثوابتها، من هذه الفلسفة تُبنى المناهج والبرامج التي تشرف عليها هيئة قارّة : " كمجلس أعلى للتربية " من أعضاء متخصصين في كل مجالات المعرفة الإنسانية، وليس لجانا وزارية تتغير كل سنة حسْب مزاج مسؤول بوزارة التربية.
6 ــ فيما يخصّ التقييم والامتحانات من المفترض أن لا تـنبني على النسب المسبقة؛ بل على مستوى التحصيل المعرفي للتلميذ والطالب، وأن لا يكون التركيز إلاّ على الموادّ الرئيسة.
      خلُص المحاضر إلى أن المنظومة التربوية ببلادنا مريضة، وواقع مؤسساتنا التربوية، ومستوى تلاميذنا وطلاّبنا يشهد على ذلك، وانعدام الانسجام خاصة في اللغة العربية بين مراحل التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي أضرّ بأبنائنا.. التربية والتعليم في حاجة إلى تصحيح جذري.



الأربعاء، 20 يناير 2016

الكاتب الواعي...؟


الكاتب الواعي...؟
بقلم : بشير خلف
الكاتب الواعي بما يجري في عصره، بقـــدْر ما هو إنسان كغيره، ومواطن كسائر بني وطنه؛ فإنه موقفٌ من حاضره الذي تتدافع فيه الحوادث السّارّة والضّارّة ؛ ومن ثمّــة فإنّ الكاتب الذي يكتب عن حاضره قد يُنير هذا الحاضر، ويستشرف المستقبل.

السبت، 16 يناير 2016

الملحمة في الشعر الجزائري


           الملحمة في الشعر الجزائري

مــــــدخل
بقلم: بشير خلف
       الملحمة الشعرية قصيدة قصصية طويلة، تدور موضوعاتها حول الأعمال البطولية لأبطال غير عاديين، وأشخاص في الحرب أو الترحال. وفي كثير من الملاحم الشعرية الأسطورية، كما هو الحال عند الإغريق والرومان، يكون البطل نصف إله، كأن يكون أحدُ أبويه إلهًا والآخر بشرًا. وتدور بعض أنماط الملاحم الشعرية حول بطل أو حدث.

الملحمة الشعرية رمزٌ لأمة توحّدت آمالها
       ولمّا كانت الملحمة قصةً طويلةً ذات حادثة واحدة، أو عدّة حوادث ارتبطت وقائعها بحياة جماعة توحّدت منها الآمال، وتشابكت المصالح كان لا بدّ من وحدة موضوع يقوم عليها الفنّ القصصي، وتنساق الأحداث معها إلى الحلّ المنطقي، وتتباين مراحل العمل الواحد في تعدّد الأناشيد لبلوغ الهدف الإنسانيّ المطلوب.
        وفيما تمتزج الأسطورة بالحقيقة والخيال بالواقع خرافيون ، يتصفون بصفات لا يتوفر عليها البشر ، وبأمزجة بدائية سريعة التحول والتلون وأحسن شاهد على الشعر الملحمي الإلياذة والأوديسا للشاعر اليوناني هوميروس الذي يعـــد أب الملاحم، وقد عاش في القرن العاشر قبل الميلاد .

النفَسُ الملحميُّ خافـــــتٌ في الشعر العربي
       بالرغم من انتشار أدب الملحمة بين مختلف الشعوب والأمم فإننا لا نجد لهذا الفن أثرا في الشعر العربي  سوى مقطوعات قصيرة، وقليلة، وقصائد محدودة ذات نفس ملحمي. ولكن لا نستطيع أن نضمها إلى الملاحم العالمية  الشهيرة كالتي عند اليونان، والرومان، والفرس. حقاً لقد عرف العرب الشعر الحماسيّ، ذلك الذي كان الشاعر يتغنّى فيه بمفاخر قومه، ويهجو خصومهم، ويدخل الحروب شجاعًا ، ويخرج منها ناجحًا، وواصفًا تلك البطولة التي خاضتها، أو كانت تخوضها قبيلته.
       ويقول في هذا المجال الدكتور كمال اليازجي : « إذا جاز لنا أن نُحمّل الشعر العربي شيئا من قبيل الملاحم، فالذي يبدو لي أن هذه القصائد التالية ربما تكون أقرب إلى الملاحم:
- أرجوزة ابن المعـتز في مدْح المعتضد (418 بيت) التي تصف قيام بيت العباسي، واستقلاله بالخلافة، وازدهار الخلافة العباسية.
- أرجوزة ابن عبد ربه في مدْح عبدالرحمن الناصر (442 بيت) التي تصف تحــوّل الإمارة الأموية في الأندلس إلى الخلافة على يد عبدالرحمن الناصر، وبلوغها في عهده أوْج ازدهارها.
- تائية ابن الفارض الكبرى (761 بيت) التي نستطيع أن نحسبها ملحمة صوفية، تروي حكاية جهاد النفس ضد أباطيل الدنيا، وتحررها من مغريات الحياة، وتساميها إلى الله من أجل الاتصال به و الفناء فيه».

السيرة الهلالية.. إلهام أدبي وإبداع موسيقي
        من الباحثين من أهّل " السيرة الهلالية" إلى أن تكون " إلياذة العرب " والملحمة الكبرى على رأس السيرة الشعبية العربية، والأشهر في الأدب العالمي، لتظلّ منبعًا للإلهام، وللإبداع الأدبي والفنّي.
       ثم إن السيرة الهلالية صنّفتها اليونيسكو من التراث الإنساني باعتبارها من أكبر الأعمال الأدبية، والأقرب، والأكثر رسوخًا في الذاكرة الجماعية، تُقدّر بنحو مليون بيت شعر، تمّ تلحينه، وغناؤه بأشكال عربية تبعًا للهجة، وتراث، وموسيقى، وغنائيات كل منطقة.

البدايات في الجزائر تصدّرتها المغازي
          كسائر البلاد العربية لم يعرف الأدب الجزائري في القديم الملاحم، إنما عرف ألوانًا أخرى من الأدب كالمغازي التي كان يلقيها الراوي في السوق، واحتفالات الزواج، والختان، وإقامة النذور للأولياء التي تُــسمى " وُعْـــدة "، والتجمعات العامة في الساحات، والمقاهي، والدكاكين.. هي الفضاءات التي يقوم فيها الراوي المحتـرِف بإيصال ما يحمله من تراث قصصي إلى الجماعة، حيث يُفسح مجالٌ مكانيٌّ للراوي على شكل دائرة يكفي لأدائه الحركي، ويتحلق  حوله الحضور؛ وقد يكون بمفرده، أو برفقة عازف، أو عازفين، وقد يكون الاثنان، أو الثلاثة من الرواة يتبادلون فيما بينهم الرواية ،والعزف مستخدمين الرّبّاب، والقصبة والبندير؛ وهي آلات موسيقية تقليدية شائعة في منطقة الجنوب الشرقي الصحراوي، وهي قصص منظومة وملحنة.
       لقد كان روّاة المغازي الشعرية يُسقطون مضامين رواياتهم على الواقع المعيش، فالمغازي تحكي حروب المسلمين مع الكفّار، وتشيد بشخصيات البطولة الإسلامية كالإمام علي، وعبد الله بن جعفر وغيرهما؛ ومن المؤكد أن جمهور المستمعين وهو يستمع إلى هذه المغازي الملحمية يحدث عملية زحزحة للأحداث التاريخية، فتصبح كأنها تصوّر واقع هذا الإنسان الجزائري الرازح تحت ظلم الاستعمار، ويصبح هو امتدادا لجيش المسلمين الأول، ويصبح مستعمر بلاده صورة مكرّرة لجيش الكفّار؛ بل يوظف أحيانا الشاعر الشعبي الجزائري حتى الأسطورة التي تقوم كما هو معروف بالتأليف بين عناصر خيالية، وأخرى واقعية تتجسّد الأولى في الأدوات السحرية، والقدرات الخارقة.     

1 ــ المغازي تتحوّل إلى عملية إسقاط لواقعٍ بئيس
         فالمغازي وإنْ كانت تمثل مجموعة من المواقف البطولية لكل موقف منها استقلاله الموضوعي فإنها ترتبط فيما بينها، مُكـــــوِّنة وحدة كبيرة من العمل البطولي؛ إننا إذا قمنا بتنسيق جميع المغازي في وحدة متسلسلة لحصلنا على عملٍ أدبي يتوفر على كثير من شروط الملحمة كنوع أدبي وسيكون بطل هذا العمل الإمام علي في نصفه الأول، وابن أخيه عبد الله بن جعفر في نصفه الثاني.
       الدكتور عبد الحميد بورايو في دراسته لأدب المغازي ميّــز بين عدة عناصر تدخل في تكوين هذا الأدب وهي : العنصر التاريخي، العنصر الخرافي، العنصر الواقعي.
      ما يهمّنا نحن في هذا المجال هو العنصر الواقعي ، حيث أهّـــل هذا العنصرُ رواية المغازي للقيام بدورها الوظيفي في المجتمع الجزائري في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين فقدمت نماذج بطولية لعبت دورا بارزا في بثّ روح المقاومة، والتحريض على الثورة؛ ونستطيع أن نقدر ما مثلته الصورةُ النموذجيةُ لأبطال قصص المغازي المروية الذين قاتلوا تحت راية الجهاد، اذا ما علمنا أن جميع حركات المقاومة، والثورات الشعبية التي واجهت الاحتلال الفرنسي في الجزائر ابتداء من ثورة الأمير عبد القادر، وانتهاء بثورة التحرير المسلحة قد رفعت جميعُــها هذه الراية شعارا قاوم تحته الشعبُ الجزائريُّ الغزوَ الاجنبي، ولا شك أن الدور الذي حققه أدب البطولة الإسلامية المتمثل في المغازي في مجال تدعيم وتغذية الشعور القومي في نفوس المواطنين، والتعبير عنه؛ هو دور لعــــــبته السِّيرُ الشعبية على مدى تاريخ الشعب العربي، وهــــو ظاهرة ترجع الى حيوية التراث الشعــــــبي المُعـــبِّر عن الوجدان الجمعي للجماعة الشعبية 

2 ــ المغازي في الجزائر نتاجٌ أدبيٌّ جمعيٌّ
         ان المغازي المروية شفاها في الجزائر رغم انها اعتمدت على النتاج الفردي في البداية هي بفعل الانتقال الشفهي واعادة الانتاج من طرف الرواة المرددين اصبحت نتاجا جمعيا يدل انبعاثها في الجزائر اثناء الاحتلال الفرنسي على استجابة الرواية الشعبية لحاجة جمعية واذا ما قارنا الروايات الشفهية بالمدونات نلاحظ استجابتها للشروط الاجتماعية والسياسية التي عاشها المجتمع الجزائري في ظل الحكم الاستعماري.

3 ــ الشعر الشعبي الجزائري
           إن الشعر الشعبي الجزائري في بداياته الأولى كان شعرا شفاهيا نبع من الوعي الجمعي حتى ولو أنتجه الفرد، لأن هذا الشعر يعبر عن الجماعة التي تندمج في تلقّيه. ذلك أن الشعر الشفاهي مرتبط بالأداء أمام جمهور المتلقّين الذين يلعبون دورا ما في توجيه النصّ الشفاهي حسب الظروف الزمكانية.
        في الجزائر ومنذ بدايات ظهور الشعر الشفاهي الذي يُتداول وينتقل عن طريق السماع، والمشافهة والحفظ، وينتقل من محفل إلى آخر عن طريق الذاكرة وحدها ، فهو متغيّر بالتعديل والإضافة، وربّما قصيدة واحدة بها خمسون بيتا في البداية قد تتضاعف عدّة مرّات.
        كان الشعر الشفاهي في الجزائر، ولا يزال من أهمّ أشكال التعبير يتداوله الشعب في المناسبات الوطنية، والدينية، والاجتماعية. عـــبّر الشاعر الشعبي أيام الاستعمار عن القحط ، والجفاف، وضيق العيش؛ كما عبّر عن سخطه من الاستعمار، وأعوانه الذين كانوا يُثقلون كاهل الشعب بالأتاوي والرشاوي، كما عبّر عن هويّته، بدءا بحدود قبيلته، مرورا بمحيطه الجهوي، ووصولا إلى الانتماء القومي والوطني، بدأ هذا الشعر الشفاهي مفتقرا في البداية إلى النضج السياسي عند الشفاهيين البدو، ليأخذ في التبلور والوضوح، والنضج مع بروز الحركة الوطنية والإصلاحية بخاصة في الحواضر أين وصلت دعوات حزب الشعب أوّلا، ثم طموحات جمعية العلماء.
        لقد ارتبط الشعر الشعبي الجزائري منذ بداياته الأولى باللحظات الحاسمة في تاريخ الجزائر، لا سيّما بعد تعرّضها لحملات الغزو؛ إذ وقف الشاعر يسجل حملات الصليب، ويدعو بقصائد حماسية إلى ردّ هذا العدوان، وضرورة الانتصار  للهلال في مواجهة الصليب، وفهم الشاعر ألشعبي أن شعره وسيلة من وسائل الدّعم، والتجنيد للشعب من أجل الحفاظ على هويته.
          وحين اندلعت ثورة التحرير المباركة كان الشاعر الشعبي الجزائري جنديا من جنودها يسجل مآثرها، ويدعو إلى مؤازرتها، وينقل أحداثها من منطقة إلى أخرى، راويا شعره في  الأسواق، والأفراح، والمقاهي، والبيوت، والتجمّعات، ناعتا الذين خانوها بأبشع الصفات، مؤديا بذلك أدوارا كثيرة مثل: الإعلام والدعاية، وحشّد الهمم، وشحذها للانضمام إلى الثورة على الرغم من أن أشعاره ليست بالضرورة نابعة من فلسفة سياسية؛ وإنما لبست ملامح السياسة، وأشارت إلى القضايا بالفن الشعبي المشحون بالسذاجة الحلوة، وعفوية الخاطر السريع، وانطوت على إرادة في التغيير إلى الأفضل.
       إن العديد من قصائد الشعر الشعبي الجزائري التي تناولت واقع الإنسان الجزائري، ومقاومته للاستعمار الفرنسي في القرنين الماضيــــين، هي قصائد طوال أشبه بملاحم بطولية، يمكن إدراجها في الأدب الملحمي.
          ظهر شعراء كثيرون في معظم جهات الوطن يصعب حصرهم، وفيهم الكثير صاروا فحولا في هذا الشعر، إذ تعدّدت قصائدهم، وتنوعت مواضيعهم؛ إلاّ أنهم جميعا لم يبرز منهم شاعر تفرّد بقصائد ملحمية على غرار الأمم الأخرى غير العربية.


الخميس، 14 يناير 2016

الإبداع الأدبي الشبابي.. ومسافة الألف ميل


الإبداع الأدبي الشبابي.. ومسافة الألف ميل
       بقلم: بشير خلف
      الإبداع الأدبي كما هو معروف لدى النّقّاد والمتخصّصين هو عملية ذهنية واعية، قِوامها مجموعة من البُنى الفنية واللغوية ، والتي تُــسهم في توليد الجديد من النصوص ،فيأتي النص الجديد ليختزن خلاصة التجربة الإبداعية للمبدع الذي أنتج هذا النص، ويصبح هذا النتاج اللغوي والمعنوي نصا جماليا فيه متعة وجمال للمتلقّي  الذي هو جزءٌ من العملية الابداعية، بما لديه من قراءات، ومخزون فكري وثقافي.
      فإذا كان المتلقي في حالات كثيرة وهو أمام نصٍّ إبداعي سواء أكان سردا، أم شعرًا تعتريه الدهشة، وربما لمتعة النص عدم القدرة على توضيح السبب الذي يجعله متماهيا مع النصّ الإبداعي، أهي اللغة التي يوظفها المبدع بمهارة وحنكة؟ أم هو الأسلوب الجذّاب المشوٍّق؟ أم هي الصور الفنية ؟  أم الخيال الخصب للمبدع ؟ أم الموضوع ؟أم كل هذه العناصر مجتمعة ؟؟؟
     ما يجرّنا هنا إلى الحديث عن ما يبدعه الشباب عندنا؛ بل حتى الكبار، هل العوامل السالفة الذكر التي قد نعتبرها شروطا أساسية لكل نتاج أدبي؛ بل نغالي إن قلنا بأن الزاد اللغوي الذي يُفترض أن يكون لدى كل مبدع؛ بل كل كاتب هو العصا السحرية، ولا نغالي إن قلنا بأن هذا الزاد اللغوي الثريّ جدا بكل ما تحمله قواميس المعرفة الإنسانية كأرضية تمكّن المبدع من أن يأتي بالجديد، وقد يتوفّر هذا القاموس، وهو متوفّرٌ لدى الكثيرين من المثقفين، والأكاديميين، وأساتذة الجامعات، ولكن القلة منهم من صار مبدعا؛ القدرة على توظيف اللغة وتطويعها لطرح المواضيع، أو الإتيان بنصوص إبداعية إنسانية راقية ليس في متناول الجميع، وعماد اللغة وزادها هي القواعد وحسْن توظيفها حتى يكون النصّ سليما غير مشوّه، واضحًا بما يحمله من زُخْمٍ معرفي، جمالي، وبما يتضمنه من متعة ،ودهشة تهزّان المتلقّي.
      ما يبعث على الحسرة في واقعنا اليوم، ونحن نطالع نصوصا متنوعة مسرحية، شعرية، سردية لشباب وشابات سواء في الصحافة المكتوبة، أو يتقدمون بها إلى هذه الهيئة، أو تلك طمعًا في قبولها ونشرها؛ فإذا هي نصوص مليئة بالأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، وجمل ركيكة، وتراكيب مهلهلة، وأفكار مشوّهة، وكلهم يتسرّعون نشْر نصوصهم ، ومباركة هذه النصوص ممن سبقوهم إبداعا وتجربة؛ بل منهم ومنهن لم يُطبع له، ولها غير عملٍ واحدٍ فيتلهف، أو تتلهّف على الحصول على الريادة، أوالرتبة الأولى في الجوائز والمسابقات.
       في رأيي الشخصي أن أغلب النصوص الإبداعية لهؤلاء الشباب تفتقد إلى الثقافة الموسوعية، والثقافة المتخصصة إنْ كانت مسرحًا، أو شعرا، أو سرْدًا ، إضافة إلى ضعف الرصيد اللغوي، وتنوّعه، والقدرة على توظيفه وتطويعه خدمة للنص المبدع، وكذا الضعف في التحكّم في القواعد.. وليس معنى هذا أنّ الساحة الشبابية تخلو من مبدعين يبدعون نصوصا في مستوى متميّز مقبول ..إنهم قلّة القلّة.

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...