الأحد، 24 يوليو 2016

رسالة إلى صديق سحرته باريس

    رسالة إلى صديق سحرته باريس
بقلم :بشير خلف   
         صديقي ابن الجزائر العميقة، وسليل منطقة عزيزة حافظت على هوية الجزائر ولا تزال، أنجبت علماء، وقامات تفتخر بهم الجزائر.. سجلٌّ ثريٌّ  مشرّفٌ..
       صديقي من حقك أن تنبهر بباريس، وأن تهيم بها عشقا، مثلما أنا العاشق للجزائر والهائم بها حبّا ، إنما من حقّي أن أنظر إلى باريس ليس من سحرها السياحي، ومكياجها الكاذب..
       باريس يا صديقي بالنسبة إلي عاصمة الدولة الاستعمارية التي نكّلت ببلدي الجزائر، ولا تزال من خلال مواصلة الحرب ضدّ بلدي : هوياتيا، وثقافيا، واقتصاديا.. وكيف أنسى يا صديقي، والجرح الغائر لم يندمل، ولا أحسبه سيندمل.. باريس التي سحرتك هي الوجه البشع لفرنسا الاستعمارية، فرنسا الرسمية التي لا تزال تكنّ الحقد، والترصّد الخبيث لهذا الوطن وشعبه، وآخرها اليوم :24 جويلية 2016 وزارة الخارجية الفرنسية تعلن لرعاياه الفرنسيين عدم زيارة الجزائر، لأن الوضع الأمني فيها هشٌّ؛ بل وتؤشّر في خريطة على أن أكثر من مساحة الجزائر تفتقد إلى الأمن، أي أن الجزائر غير قادرة على تأمين الأمل لمواطنيها .. التهويل، والتخويف ، وزرْع الشكوك، وهي رسالة مسمومة إلى الجزائريين بأنكم في بلدكم غير آمنين.
           وحتى لا ننسى يا صديقي أحيلك إلى سجلّ التاريخ الذي لا يجامل مهما حاولنا خداع أنفسنا تحت تأثير مكونات العولمة، وضرورة التعاون مع الآخر، وطيّ الصفحة، وثقافة الاختلاف .
          أحيلك صديقي إلى سجل التاريخ، وإلى ما صرّح به ضبّاط فرنسا الذين شاركوا في غزو الجزائر، وما اقترفوه تجاه السكان في القرن التاسع عشر، أمّا ما انجرّ عن الاستعمار والاستيطان لمدة قرن وثلث، فذاك حديث آخر يا صديقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنا لم أنس يا صديقي، ولن أنسى
         ارتكب جيش الاحتلال العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سماها المؤرخون بالرازيا (بالفرنسية: Razzias):
        يروي العقيد مونتانياك (Montagnac):
«أخبرني بعض الجنود أن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب.. كل العسكرين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا»
. ويقول النائب البرلماني طوكوفيل (Tocqueville):
«إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم.. لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع»
        ويقول مونتانياك:
«لقد محا الجنرال لاموريسيير (La Moricière) من الوجود خمسة وعشرين قرية في خرجة واحدة، إنه عمل أكثر انعداما للإنسانية»
        ويروي:
«..فبمجرد أن حدد موقع القبيلة انطلق سائر الجنود نحوه ووصلنا الخيام التي صحا سكانها على اقتراب الجنود فخرجوا هاربين نساء وأطفالا ورجالا مع قطعان ماشيتهم في سائر الاتجاهات، هذا جندي يقتل نعجة، بعض الجنود يدخلون الخيام ويخرجون منها حاملين زرابي على أكتافهم، بعضهم يحمل دجاجة، تضرم النار في كل شيء، يلاحق الناس والحيوانات وسط صراخ وغثاء وخوار، إنها ضجة تصم الآذان.(مدينة معسكر يوم 19 ديسمبر 1841)»
         الرازيا كما يسميها الفرنسيون لا تهدف إلى معاقبة المخطئين وإنما صارت مصدرا لتموين الجيش. كان كل ما ينهب يباع ويوزع ثمنه على الضباط والجنود، ربع الغنائم للضباط والنصف للجنود كما يذكر شارل أندري جوليان.
       يقول دوكرو (DUCROT):
«ما نهب في [رازيا] واحدة حمولة 2000 بغل»
       ويقول النقيب لافاي (LAFAYE):
«كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة، كنا نخيم قرب القرية، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج، وخرافهم السمينة، ودجاجاتهم الجميلة، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق.(تلمسان 17 يوليو 1848)»
        يعلق شارل أندري جوليان:
«وتنتشر الرازيا فتصير أسلوبا للتدمير المنظم والمنهجي الذي لم يسلم منه لا الأشخاص ولا الأشياء. إن جنرالات جيش إفريقيا لا يحرقون البلاد خفية. إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين»
        يقول مونتانياك:
«إن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء: نساء وأطفالا ومواش. يخطف النساء، يحتفظ ببعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط.(معسكر 31 مارس 1843)»
        ويروي الضابط المراسل تارنو:
«إن بلاد بني مناصر رائعة، لقد أحرقنا كل شيء، ودمرنا كل شيء..آه من الحرب ! ! ! كم من نساء وأطفال هربوا منا إلى ثلوج الأطلس ماتوا بالبرد والجوع (17 أفريل 1842)...إننا ندمر، نحرق، ننهب، نخرب البيوت، ونحرق الشجر المثمر 5 يونيو 1841...أنا على رأس جيشي أحرق الدواوير والأكواخ ونفرغ المطامير من الحبوب، ونرسل لمراكزنا في مليانة القمح والشعير 5 أكتوبر 1842»
         ويروي الجنرال لاموريسيير:
«...في الغد انحدرت إلى حميدة، كنت أحرق كل شيء في طريقي. لقد دمرت هذه القرية الجميلة.. أكداس من الجثث لاصقة الجثة مع الأخرى مات أصحابها مجمدين بالليل.. إنه شعب بني مناصر، إنهم هم الذين أحرقت قراهم وسقتهم أمامي 28 فبراير 1843»
        ويقول مونتانياك:
«النساء ولأطفال اللاجئون إلى أعشاب كثيفة يسلمون أنفسهم لنا، نقتل، نذبح، صراخ الضحايا واللاقطين لأنفاسهم الأخيرة يختلط بأصوات الحيوانات التي ترغي وتخور كل هذا آت من سائر الاتجاهات، إنه الجحيم بعينه وسط أكداس من الثلج (31 مارس 1842).. إن كل ذلك في هذه العمليات التي قمنا بها خلال أربعة أشهر تثير الشفقة حتى في الصخور إذا كان عندنا وقت للشفقة، وكنا نتعامل معها بلا مبالاة جافة تثير الرجفة في الأبدان (معسكر 31 مارس 1842).»
       ويقول الجنرال شانغارنييه (Changarnier):
«إن هذا يتم تحت القيادة المباشرة لبوجو الذي راح جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع مدينة الجزائر (18 أكتوبر 1841)»
        ويقول الجنرال كانروبير ِ(Canrobert):
«ينفذ جنودنا هذا التدمير بحماس، إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري والتخريب العميق للأخلاق الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب كل واحد منهم لصالحه الشخصي، تنّس 18 يوليو 1845»
       ويقول النقيب لافاي (Lafaye):
«لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس. لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال. إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم (23 ديسمبر 1948).»


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...