السبت، 8 أكتوبر 2016

رجالٌ أوفياء من كوينين في كتاب


رجالٌ أوفياء من كوينين في كتاب
" شعب لا يعرف الوفاء شعب لا يعرف التقدم " ( مثل تايلندي)
بقلم: بشير خلف
       قديما قالوا: " الاعتراف بالحق فضيلة "، وإذا كان هذا فضيلة، فإن الاعتراف بفضل الآخرين علينا يكون من أفضل الفضائل، وهذا يمثل أقل مستويات الوفاء لأهل الفضل علينا، والله سبحانه و تعالى يقول في محكم كتابه: "و لا تنسوا الفضل بينكم ". (البقرة : 237)
       الوفاء من أنبل الصِفات والأخلاق الإنسانيّة وهو مرادف للغدر والخيانة، والوفاء خُلقٌ اجتماعيٌ إسلاميٌ من أجمل ما يُوصف به المرء من خُلُقٍ.
        ويدخل في مفهوم الوفاء أيضا، الوفاء لشهداء الوطن، ومجاهديه، ولعلماء الأمة، ومفكريها، وعظمائها ممن قدموا للوطن خدمات جليلة، والوفاء لمن خدموا الأمة أيًّا كان موقعهم في المجتمع، الوفاء لهم يكون بإحياء ذكراهم، والاعتراف بفضلهم، وتعريف الأجيال الجديدة بجهدهم، وتضحياتهم وعطائهم، وبذلك نقدم لهذه الأجيال نماذج مشرفة يقتدون بها ويحذون حذوها في البذل والعطاء الأمر الذي يعود بالخير على الوطن وكل من يعيش فيه ؛ وأهمّ وفاء أن نكتب عنهم، وعن سيرهم، وما قدّموه، فالكتابة تحفظ سيرهم للأجيال، ولا يُنسوْن.

رجالٌ أوفياء من كوينين في مسيرة الحرية والعلم والبناء
         في هذا المجال، مجال الوفاء، ومجال الكتابة والتدوين أصدرت الجمعية الثقافية محمد العيد آل خليفة بكوينين كتابها الثاني " رجال أوفياء من كوينين في مسيرة الحرية والعلم والبناء " بعد كتابها الأول " رجالٌ أخيارٌ " ..كلا الكتابيْن من تأليف الشيخ عبد العزيز بلعبيدي، رئيس الجمعية.
         كتاب " رجال أوفياء " من الحجم المتوسط : A5 به 212 صفحة ، تصميم جميل معبّرٌ عن مضمون الكتاب، تصميم الفنّان التشكيلي سواسي محمد البشير، مطبعة الوادي لصاحــبها رضا درّاجي. الكتاب جميل في شكله، وإخراجه، وخطه، وتوضيبه، وطبعه.
      بعد المقدمة، والإهداء قسّم المؤلف كتابه إلى خمسة أقسام :
 الشهداء الأبرار، المجاهدون، رجال الإدارة والسياسة، شخصيات دينية واجتماعية، شخصيات اجتماعية وكادحون.
     من خلال عنوان الكتاب، وأقسامه يتّضح للقارئ أن مؤلف الكتاب يشيد بفئات من المجتمع الكوينيني كانوا أوفياء لهذه البلدة الجنوبية، وقدّموا من خلالها حياتهم، وجهدهم، وكل ما يملكون للجزائر، منهم من مات شهيدا، ومنهم من ضحّى بنفسه، وماله، ولكن الله كتب له الحياة من جديد، وساهم في بناء الدولة الجزائرية الفتية، ومنهم من قدم الكثير في منصبه ووظيفته الإداريتيْن، ومنهم من خدم هوية الأمة الجزائرية في الحفاظ على هويتها، ودينها، ومنهم من ساهم في تنمية البلدة، ولا يزال.
         الجميل أن المؤلف لم يكتف بأولئك فحسب، بل خصّص حيّزًا من الكتاب لشخصيات من المجتمع يعــتقـدهم الكثيرون أنهم أناسٌ عاديون، إلاّ أنهم في الحقيقة والواقع يشكّــلون ثقلاً في المجتمع الكوينيني، بهم تتحرك مفاصل المجتمع، وتؤسس للحياة اليومية للفرد والجماعة : بناء، فلاحة، تجارة، حرفًا مختلفة، وغيرها ممّا يحتاجه الناس من خدمات مهما صغُرت في أعيننا، وفي حقيقتها كبيرة، ومؤثّرة.. هم أهلٌ لكي نطلق عليهم بامتياز " جنود الخفاء ".
      هذا الكلّ المركّب المُكوّن من أطياف المجتمع الكوينيني أثناء ثورة التحرير، وما بعدها مرحلة بناء الدولة الجزائرية، حتّى أيامنا هذه، تاريخ تأليف الكتاب، استطاع الشيخ عبد العزيز بلعبيدي رجل العلم والتربية بعشقه للحرف العربي، وتمكّنه من تطويع اللغة وتوظيفها لما يكتبه، وسلاسة أسلوبه أن يسحر المتلقّي، ويجذبه للنهل من نبْع أفكاره، ويعيش معه، وهو يستحضر سير هؤلاء الرجال.
      إنه العشق لبلدة كوينين التي خدمها بدوره، ولا يزال، خدمها علما، وتعليما، وسياسة، وثقافة، واعترافا بالجميل لمن سبقوه، ولمن عايشهم وعايشوه، وعايش حبهم، ووفاءهم، وإخلاصهم للجزائر أوّلاً، وكوينين ثانيا.
      ولعلّ القارئ الكريم يستشفّ درجة الوفاء التي ينظر بها الشيخ عبد العزيز بلعبيدي إلى من قدموا الكثير لبلدة كوينين :
«... وها أنا اليوم أقدّم إليك كتابي الثاني يضمّ نماذج أخرى من نتاج هذا البلد الصغير ( كوينين)، هم ليسوا زعماء، ولا علماء، ولكنهم رجالٌ صالحون أوفياء مصلحون، ناداهم الواجب، فلبّوا صبْرًا، ودمًا، وعرقًا كلٌّ في ميدانه الذي أوجدته الأقدار فيه، فكانوا نعم الباذلين؛ فــخـذ العبرة وتقدّم للعمل صالحًا، مُصلحًا فالميدان فسيحٌ، والوطن ينتظرك، والله يحفظك، ويرعاك .»
      ينبه مؤلف الكتاب في المقدمة إلى أن الأجيال الحاضرة لا تعرف إلاّ القليل، ولا تريد أن تعرف ماضيَ بلدتهم كوينين، والمآسي، والشدائد التي عاشها الأجداد والآباء في القرن الماضي، خاصة زمن الاستعمار الفرنسي ، مثلما عاشها كل الجزائريين من فقر، وتخلف، وقسوة للطبيعة، وظلم للاستعمار، جعلت الناس في هذه البلدة يعايشون المحنة في كفاف وضنك، أو هجرة إلى شمال الجزائر بحثًا عن العمل، والعيش في حالٍ أفضل.
      وهذا ما دفعه إلى الكتابة عن شخصيات مرّت في تاريخ هذه البلدة، وطواها الموت، وخلّفت وراءها أثرًا من الدم، والجهد، والعرق، وصفحات من التاريخ الذي لم يُقرأ....فهل من قارئ يا أبنائي ؟
        صيحة تنبيه يطلقها الشيخ عبد العزيز بلعبيدي ليس لأبناء كوينين فحسب، إنما لكل أبناء وبنات قرى، وبلدات، ومدن الجزائر، أجيال لا ترغب في معرفة ماضي أمتها، وتعرض بوجهها عمّا قام به آباؤهم وقبلهم أجدادهم، وما عانوه من محنٍ وشدائد، ومصائب حتى توفّرت لهم حياة سعيدة أغفلت عنهم حيوات أخرى عاشها منْ سبقهم، أشدّ مرارة تختلف عن حياتهم هذه التي ينعمون بها.

حبّـــذا لو ...
         لله درّك شيخنا سي عبد العزيز بلعبيدي كم أنت وفي للجزائر، ولبلدتك كوينين، وأنت بقلمك الذهبي تقاوم ثقافة النسيان فتهدي لجيلك، وللأجيال القادمة سفْرك هذا تنبيها وتحفيزا لهم كي يحذو حذو من سبقوهم ..جزاك الله كل خير، ورزقك الصحة والعافية، ويا حبّذا كل قرية، وكل بلدة، ومدينة من الجزائر يقيض الله لها أمثالك كي يدونوا مآثرها، وسير رجالها الذين أخلصوا لها وقدّموا الغالي والرخيص من أجلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...