الأربعاء، 7 يونيو 2017

  متعة الحكي وجمالية السّرْد

                                        متعة الحكي وجمالية السّرْد
                                    في نصوص : نسيمة بن عبدالله، أحمد ختاوي
بقلم: بشير خلف
         عــشتُ هذه الأيام الرمضانية المباركة، إضافة إلى الصيام والقيام، وتلاوة القرآن الكريم..عشتُ مع متعة السرد القصصي، والروائي لكاتبة متميزة، ولكاتب قدير أهدياني أعمالا إبداعية سردية خلال لقائنا أخيرا في منتصف شهر ماي 2017 بمدينة تلمسان في الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة، آليت على نفسي أن أفي بديني لهما، وهما يهدياني أجمل ما كتباه، وأنا أعدهما بالقراءة؛ كما أكون وفيا لقيم الصداقة، وقدسية الارتباط بالقلم: كتابة وقراءة لأصدقائي.  
 
حُبٌّ في كفّ الريح  
         تمتعت بجمالية السرد القصصي الأخّاذ، والمفعم بالإنسانية، واللغة الانسيابية الجميلة، والأسلوب السلس، والتقنية الخبراتية في الحكي للكاتبة القاصة، والمربية المدرّسة نسيمة بن عبد الله( زهرة الريف). من خلال مجموعتها القصصية الموسومة بــ ( حبٌّ في الكفّ).
        قصصٌ تأخذ بلبّ القارئ، فيبحر في نصوصٍ أغلبها يركّز على مكانة المرأة في المجتمع، وصراعها مع الآخر: أسرة، بيئة ريفية، بيئة مدينية، علاقات عاطفية، مقاومة من أجل إثبات الذات، بدءا بالقصة الأولى من المجموعة : " أنوثة " إلى آخر قصة " لحظة انعتاق"..( الليلة أغادر معبدك الورقي، أتخلّى عن إقامة الصلوات المهداة لك كل صباح، أتوقّف عن حفظ التراتيل التي أقدّمها لك كامرأة فاضلة كل مساء عندما تعود متعبا، وأجثو عند قدميْك أقدّم لك قرابين الحبّ والوفاء..)
         فعلى الرغم من كمّ هذه  المعاناة والأوجاع تبقى المرأة هي الحاضن للجميع، وبلسم الشفاء، والتي جعلت القاصة منها رمزاً مركزياً متعدد المستويات الدلالية التي تتجاوز التركيب، والجملة السردية ضمن النسيج القصصي الذي يجعل القارئ يغوص في الأعماق الدلالية، ويكتشف الأبعاد الإنسانية التي يحملها هذا الرمز( المرأة)، المشعّ في كل نصوص المجموعة.
      القاصة، بقدر ما هي وفية للكتابة السردية، ومتمكّنة منها، بقدر هي متمكنة من تشكيل لوحات السرد الأخّاذ المفعم بالجمالية، وسحْر فن الحكي؛ فإن نسيمة بن عبد الله وفية أيّما وفاء لوالديها اللذيْن خصّتهما بالإهداء:( إلى الذين أحببتهم نبْع عطائي ..إلى أبي وأمّي فخري واعتزازي. إلى إخوتي رياحين حياتي .)

أيّوب يختلس أوجاعه
المدينة بدمٍ كذبٍ
      وأن تقرأ للكاتب القدير أحمد ختاوي الموسوعي، عليك أن تكون ملمًّا بالتاريخ، والجغرافيا، وأدب الرحلات، وتاريخ الأدب العربي، وأعلامه، وكذا الآداب العالمية.. لمّا تقرأ سرديات أحمد ختاوي عليك أن ترافقه، وأن يكون رصيدك المعرفي متينا، وحيًّا، ومعاصرا حتى تكون مرافقتك له ذات جدوى.
       أحمد ختاوي تألق في الإعلام، والكتابة، والإبداع السردي قصة ورواية، عشتُ في دوحة إبداعه المشبع بتقنية عالية، ولغة جميلة، وزُخْم من المعارف المختلفة، ومواقف حيوات شخصيات إنسانية من الشرق والغرب كانت لها مكانتها في المتن السردي، كما تناصت أقوالها مع النصين القصصي والروائي، إنه الإعلامي، والقاص، والروائي " أحمد ختاوي".
         بدءا بمجموعته القصصية " أيوب يختلس أوجاعه " المجموعة ذات التسع نصوص التي تأخذ بلبّك منذ البداية عتباتها :عناد في منتصف الوجع، شبْرٌ من ضحكٍ ، تحت المضلّة، أيّوب يختلس أوجاعه، أنثى السماء، الشمس تتوسّط صدْر الأشياء،  الدقائق التي لاذت بالفرار، عشرة رجال في كفّ امرأة، الودق.
       جمل فعلية مكثفة تتحرّك من خلالها الشخصيات على فضاءات مكانية تصنع مصائرها، تتصدّى للفجائعية اللامتناهية في حياتها، كما حيوات البشر عبر حقب التاريخ، تقدمها لغة شفافة أخذت من الشعر الجمالية، ومن السرد سحْر الحكي الانسيابي، وهذا التماهي الجميل مع التاريخ، وصانعيه شرقا وغربا: " ...أجل أنا الموصوف في أخاديد ( الموناليزا) من قبل بقية الجيران، أجل أنا المروّض كأسد السرك في سفوح الجبال. تمرّدْ، هكذا تثير نزوتي للانتقام، تطعمني برائحة يومياتك على سطح الليل، تسلبني رائحتي وشغفي إلى الانتقام..".
      " ..وبدت الأرض تدور كما يدور ( أسبال) في الوادي ..تدور كالغول في صحراء " تدمر" في ـ عبقر ـ ..كل النوافذ كانت موصدة ما عدا جرأة نوال السعداوي وتمردها ..سقط الوحل ..والتاريخ من التاريخ ."
      القدرة على الحكي المشبع بانسيابية اللغة، وسحر جماليتها، وهي تأتي مطواعة لدى أحمد ختاوي كي تتفجّر لتتشظّى منها عوالم تركيبية تنهل من ينابيع اللغة العربية الأصيلة، هذه القدرة نلمسها في متْن رواية : " المدينة بدم كذب" فضاؤها المكاني مدينة باريس حيث يعتور أبطالها بشاعة واقعهم في مدينة عجيبة تبتلع الجميع، وتقبل الكل، لكن فيها عيش الملوك، والأمراء، كما فيها عيش المنبوذين المسحوقين الذين يحلمون بعوالم أخرى خيالية بعيدا عن هذه المدينة.
         الرواية فضاؤها المكاني حانة بباريس: « سفوح القرية تتوسّد شموسها.. وأطيافها، كما الصمت والصخب تماما في ( لوفالو) وباريس بأحزمتها وتواريخها، وأطيافها. الضباب يتوسّد الأخلاق، وميتافيزيقا سارتر الوجودي، ودسائس العشائر الطوطمية..قريتنا وباريس آنستان لم تتزوجا .»
          « ..أبحث عنها في " كوّة سليمان" بأفغانستان، هي ذي الجبال المتفرّعة من سلسلة الجبال المتجهة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، كجبال الأطلس التي تشقّ المغرب، تونس مرورا بالجزائر تماما. وعانقت جبال سليمان / كابول ..وأفــلت اللحية. تتكلم لحية التيس لغة ( البشتو)، وأتكلم لغة ( التاجيك)، والشرطة تستقري أوضاع الحانة التي انهارت ( المقصود هنا شرطة باريس).»
        لغة جميلة شفّافة، أسلوب سلسٌ يأخذك كقارئ إلى عوالم لم ترها، ولم تطأ فضاءاتها المكانية، لكن الروائي أحمد ختاوي يأخذك على بساط الريح ويحطّ بك في تلك العوالم كي تعرفها، وتعايش أحداثها التاريخية وتتحاور مع شخصياتها؛ بل ربّما تساهم في صُنع مصائرها.



   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...