الاثنين، 12 فبراير 2018

صناعة الغد.. والبروفسور الوزير بشير مصيطفى

صناعة الغد.. والبروفسور الوزير بشير مصيطفى
بقلم: بشير خلف
           لدى بعض الأشخاص رؤية تمكنهم من القدرة على التنبؤ بما قد تحمله السنين من تغيرات وتحديات، ولذلك فإن هؤلاء الأشخاص هم دائماً الرابحون، وهم الأكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المستقبلية، إذ أنها لا تكون مفاجئة بالنسبة إليهم. وقد أصبح موضوع التنبؤ بالمستقبل في غاية الأهمية ليس للأفراد فقط ؛ بل للمؤسسات والحكومات أيضاً، فما هو استشراف المستقبل؟ لماذا وكيف يتم؟ وما فوائده؟ يمكن تعريف استشراف المستقبل بأنه «عملية تبنّي المنهجيات، والأساليب العلمية لمحاولة فهْم التطورات التي ستحدث في المستقبل، وتقليل نسبة الغموض، وعدم اليقين بغرض الاستعداد والتخطيط لتلك التطورات لمدة تزيد على عشرين عاماً، أو أكثر».
      انطلاقا من هذا المفهوم، ومن خلاله برز ما يُسمّى ب( صناعة الغد)، الذي اشتغل ويشتغل عليه البروفسور، الوزير السابق بشير مصيطفى الذي حلّ بولاية الوادي ضيفا مدعوا من دار الثقافة بالوادي في إطار الصالون الوطني للكتاب، حيث قدّم محاضرة قيّمة صباح يوم الإثنين 12 فيفري 2018 بدار الثقافة، حضرها نخبة من مثقفي الولاية: الأستاذ جمال عبادي مدير دار الثقافة، أساتذة جامعيون، كُتّابٌ ومبدعون، وإعلاميون. ومساء محاضرة أخرى بجامعة حمّة لخضر، موضوعها:" الاستثمار الثقافي وأثره على التنمية المحلية".
      محاضرة دار الثقافة كان موضوعها: "الاستشراف.. صناعة الغد"، كان التمهيد لمحاضرة الضيف للدكتور مفيد عبد اللاوي المتخصص في الاقتصاد، والأستاذ بجامعة حمة لخضر.
     تطرّق البروفسور الوزير مصيطفى إلى الإمكانات الذاتية الضخمة التي تملكها الجزائر من موارد، وطاقات بشرية، التي بإمكانها عندما تعتمد على الإشراف الذي من خلاله تستشرف الغد، وتخطط له، فتصنع منه غدا مشرقا؛ لأن المستقبل يستند إلى المعرفة.
      إذا كانت القرون السابقة اصطبغ كل قرن منها بفكرة: القرن التاسع عشرة بالفكرة الاستعمارية، والقرن العشرين بالفكرة السياسية، والقرن الواحد والعشرين بالفكرة الاقتصادية، فإن القرن الثاني والعشرين سيكون قرن الفكرة الثقافية، أو الثورة العالمية الخامسة التي ستكون بواباتها: اللغة، الدين، الفكر والثقافة، الحضارة، ومن معالمها تفكيك الهويات للدول الضعيفة، وكذا اللغة الواحدة، وتدنّي مستوى التعليم، وغيرها، وهذه بدأنا نلاحظها عمليا من خلال إثارة النعرات الجهوية، وخلْق الصراع اللغوي داخل الوطن الواحد، وإفراغ شهادة البكالوريا من مصداقيتها، وإضعاف مستوى التعليم الجامعي، ومخرجاته العددية التي لا علاقة لها بالتنمية.
      كما أن القرن القادم سيكون فيه التركيز على التسويق الثقافي عبْر الموبايل، النت، الفايسبوك، تويتر، المطبوعة الرقمية، ممّا سيخلق تفاعلا ثقافيا عالميا بين الدول من خلال الثقافة، وليس من خلال الاقتصاد، وخاصة بين الدول الكبرى في الغرب، والدول الصاعدة في آسيا.
      ليخلص المحاضر إلى أننا أمام تحديات كبيرة تواجهنا الآن، وستواجهنا في هذا القرن الواحد والعشرين، والقرن القادم.
       الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام، وتحديدا في الآية الكريمة 46 يخاطبنا، ويحثّنا على اليقظة، واستثمار الأعمدة الثلاثة:( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، سبُل النهضة المتمثلة في: الموارد الباطنة والظاهرة الطبيعية، الموارد البشرية ..الإنسان، ثم الزمن؛ هذه الأقانيم الثلاثة عماد كل يقظة، فاليقظة بالنسبة للمحاضر الدكتور بشير مصيطفى هي الانطلاقة لصناعة الغد التي تعتمد على خلْق استراتيجية معرفية ثقافية.
       لا بدّ أن تتحوّل الثقافة إلى المركز الأول كي تقود القطاعات الأخرى، فالثقافة من خلال هذه الاستراتيجية تتحوّل من مخزون ثابت جامدٍ إلى تدفّقٍ مستمرٍّ للمداخيل .
       توقّع المحاضر مستقبلا ذهبيا للجزائر في السنوات القادمة، إذا ما جرى التحكم في الاستشراف وتقنيات صناعة المستقبل، وإذ نوّه أستاذ الاقتصاد بامتلاك الجزائر ميزات تنافسية ونسبية تؤهلها للنشوء، فإنّه رافع لاعتماد منهجية اليقظة الاستراتيجية.
     كما يرى أنّ الكم الهائل من المعلومات والذي أصبح يقاس بوحدة  (الزيتابايت) هو الآن ساحة تنافس بين الدول لرصده، واستخدامه في توجيهات التنمية، وأن على الجزائر تحديث نظامها المعلوماتي لاقتناص الفرص الكامنة في ذلك الكم من المعلومات 
       كلّ ذلك مرهون بنشر ثقافة ( صناعة الغد ) بين كافة شرائح المجتمع، وفي صلب البرامج التربوية، والعملية التعليمية، صناعة المعرفة، تحويل مكوّنات الثقافة ومخزونها إلى مورد هامٍّ للدخل، وكذا تحويل السياحة إلى صناعة، وإلى استثمار، ــ والجزائر غنية في هذا المجال ــ  حتى يتمكن الجميع من المساهمة الايجابية في بناء مستقبل الجيل.
     إنّ التوقّع للمدى البعيد هو جوهر عملية اليقظة لأنه الوحيد الذي يحمينا من خطإ الغفلة، إذ عندما تبلغ الغفلة قضايا الأمة ومصيرها، وخبايا المستقبل تكون العواقب أكثر إيلامًا.
       كي تصبح اليقظة مفهوما استراتيجيا عندما توظف لصالح الاستشراف، وصناعة الغد ، ومن تطبيقات اليقظة الاستراتيجية تتحول الأقانيم الثلاثة إلى ثورة في كل المجالات استنادا إلى التفكير الذكي الاستشرافي.
     أعقبت المحاضرة تعقيبات وتساؤلات أجاب عنها المحاضرة.. كانت محاضرة مركّزة ثرية بالمفاهيم المستقبلية، وصناعة الغد، وإبراز طاقات الجزائر، وقدراتها الهائلة لصناعة الغد شريطة الاستشراف، والتخطيط العلمي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...