لا أؤمن البتة بمصطلح "أدب السبعينيات"
حاوره: الخير شوار
الثلاثاء 4 نوفمبر 2014/ يومية الحياة الجزائرية
لم تكن بداية القاص المخضرم بشير خلف عندما نشرت له مجلة "آمال" مجموعته القصصية الأولى في سبعينيات القرن الماضي، بل كانت محطة جديدة في مسيرته الأدبية الطويلة التي يواصلها بطرق مختلفة بكثير من الصبر والعناد والإصرار..
حاولنا الاقتراب من عوالمه الأدبية، فكان هذا الحوار مع "ديوان الحياة".
1- ما رأيك لو بدأنا الحوار من لحظة تبدو فاصلة في حياتك.. كيف تستعيد لحظة استلامك أول نسخة من العدد الخاص من مجلة "آمال" الذي كان يحمل مجموعتك القصصية "أخاديد على شريط الزمن" سنة 1977؟
ب.خ : المفارقة أني لم أستلم العدد الخاص من وزارة الثقافة مباشرة ، أو عن طريق البريد، إنما ابتعته من مكتبة بمدينة الوادي كانت في كل شهر تصلها المجلات الثقافية العربية من تونس، مصر، لبنان، العراق، ليبيا، السعودية(الفيصل)، قطر ( الدوحة) ، وكذا مجلة الثقافة ، ومجلة " آمال" ..وأنا أدخل المكتبة كعادتي كي أقتني ما ألِــفت اقتناءه من تلكم المجلاّت العربية، فاجأني صاحب المكتبة بمجلة آمال يمدها إليّ، ويهنئني، وأنا لم أصدّق أن يصدر عدد خاص لي وحدي، ولا يشاركني فيه أحدٌ.. غادرت المكتبة لأجد نفسي دون وعي منّي أجلس على رصيف الشارع غير آبهٍ بحركة المرور، ولا بالمارّين، ولعلّ ما أبهرني ذلكم الإخراج الجيد، وذلك التصميم الرائع للفنان التشكيلي الموهوب الطاهر أومان.. لوحة تشكيلية معبّرة عن عتبة المجموعة وقصصها.. إبداع جمالي راقٍٍ في تقنية الألوان وتوظيفها.
وكأنني غير مصدّق أن يصدر لي هذا العمل الإبداعي، فبمجرّد عودتي إلى المنزل قرأت القصص المنشورة بالمجلة تباعًا، وقارنتها مع النسخ الموجودة عندي، كان التطابق التام.. أن يصدر لك عمل أدبي في ذاك العهد ومن طرف هــيئة رسمية تتولّى الإشراف على الثقافة في الدولة الجزائرية، وتنعدم مؤسسات أخرى للطبع والنشر في البلد، يعني أنك وضعت رجلك في مسار الإبداع والكتابة.
2 ــ وكيف تقرأ تلك النصوص وأنت على مسافة بعيدة جدا عنها ؟
ب.خ : لعلّه من حسْن الصدف أني هذه الأيام أعيد كتابة هذه النصوص بنفسي تحضيرا لإصدارها مع غيرها في " المجموعة غير الكاملة " ..هذه الكتابة أعادتني إلى مضمون هذه النصوص لأجد أن أغلب القضايا التي كانت تؤرق الإنسان الجزائري هي نفسها اليوم، بل تضاعفت، ولعلّ الذي لفت انتباهي أمران إثنان أن التقريرية كانت سائدة في بعض النصوص القصصية، ثانيا خلوها من الإيروتيكية الفاضحة.. نصوص قصصية لا تخلو من التلميحات الجنسية العفيفة التي يتطلبها حدث القصة، دون أن تكون هي الغاية كأغلب السرديات المعاصرة.
3- بدأت زمنيا مع "جيل السبعينيات" الأدبي. هل توافق أولا على المصطلح ؟ وهل كنت تنتمي إلى تلك الجماعة التي أثارت جدلا طويلا في حينها؟
ب.خ : بدءا لا أؤمن البتة بهذا المصطلح إلاّ في إطار المجايلة العمرية بين الكتاب والمبدعين، ثم إنني بحكم بعدي عن العاصمة لم أشعر يوما أني أنتمي إلى هذا المجايلة.. يقيني الراسخ أن المبدع ابن بيئته، ومعايشُ محيطهِ، منه يستمد مضامين نصوصه. إن روائيي السبعينيات إذا ما سلّمتُ شخصيا بهذا المصطلح لايزالون حاضرين إنتاجا فكريا، وإبداعا أدبيا في الوقت نفسه الذي دخلت فيه الساحة الروائية أسماءُ جديدة تحاول بداية من ظهور المأساة الوطنية طرْق مواضيع جديدة، وبأساليب مغايرة في الكتابة تمثل الجيل الجديد من روائيي التسعينيات، وروائيي هذه السنوات من الألفية الجديدة، هو تداخل جيلي عمري لا أكثر.
في تقديري الكتابة الأدبية أكثر تعرضا من غيرها من الفنون الأخرى إلى التحول، والتطور بفعل التجريب، وبفعل تطوّر الحياة، واختلاف الأحداث اليومية المحيطية والعالمية، والقراءات الشخصية المختلفة؛ ومن هنا تنشأ رغبة كل جيل جديد في إحداث الفارق الفني، وفي السعي إلى التجاوز عمّن سبقوه.
4-بعد كل هذه السنين، ماذا تبقى من "جيل السبعينيات" الآن؟
ب.خ: بكل أسف إن هذا المصطلح موجود إلاّ في الجزائر، إذا سلّمنا بهذا المصطلح فهذا الجيل منه من تُوفّي، ومنه من توقف عن الكتابة نتيجة العجز وكبر السن، ولكن العديد لا يزالون أحياء ويكتبون ويبدعون، وتماهَـــوْا مع الأدب المعاصر في تيماته الحداثية دون أن يُقحموا أنفسهم فيما أطلق عليه الأدب الاستعجالي الذي وثّق للمأساة الوطنية واندثر، أو في النصوص السردية الإيروتيكية التي صارت الثيمة الرئيسة في النصوص السردية للسنوات الأخيرة.. أقلام من ذلك الجيل كان منطلقها الأول مجلة " آمال" والصحافة المكتوبة كصحيفة الشعب، والنصر، والجمهورية، والمجاهد الأسبوعي، ومجلة الثقافة؛ لكن البعض منها اليوم انطلق من المحلية إلى العالمية بامتياز، من طرف أسماء لم تهو: واسيني الأعرج، أمين الزاوي، الحبيب السايح، محمد ساري، بقطاش مرزاق، محمد زتيلي، زنير جميلة، زهور ونيسي ....وغيرهم، نصوص قمة في الفن والجمال، والقيم الإنسانية السامية.. نصوص يفتخر المتلقّي لمّا يحتفظ بها في مكتبته، ويعود إليها بين الحين والآخر، عكس العديد من النصوص الجديدة التي لا يندم المتلقي على منحها، أو الإلقاء بها في زاوية غير ناوٍ الرجوع إليها.
5-على غير العادة ما مجايليك، بقيت وفيا للقصة القصيرة والمقال ولم تتحوّل إلى الرواية. لماذا هذا الاستثناء؟
ب.خ: حتى القصة لم أبق لها وفيا، آخر مجموعة صدرت لي سنة 2007 ..انشغلت منذ تلك السنة بالكتابة عن مواضيع جذبتني إليها كالجمال، والفنون، والكتابة للطفل، والمجتمع المدني، وثقافة الحوار ...لتكون الحصيلة إحدى عشر كتابا، إضافة للمجموعات القصصية الخمس.. فيما يتعلق بالرواية، المادة لدي والحمد لله موجودة نتيجة خبرتي الطويلة قبل الثورة، وأثناءها، ثم مرحلة الاستقلال وما بعدها، وقراءاتي المختلفة للرواية ..مراحل كلها عشتها، وتفاعلت معها، لديّ مشاريع في هذا الإطار عساني أشرع فيها عمّا قريب.
6-بالمناسبة كيف تقرأ تجارب أدباء السبعينيات الروائية، مقارنة مع ما كتبه المؤسسون وما كتبه اللاحقون بعد ذلك؟
ب.خ : بكل صدق وموضوعية تأثّرت كثيرا بالنصوص السردية لأدباء جزائريين كتبوا قبل الاستقلال وأثناءه، ولا علاقة لهم البتّة بهذه التسمية التي في غير محلّها " جيل السبعينيات " رواية نجمة لكاتب ياسين. أيام قبائلية، ابن الفقير، الدروب الوعرة، الأرض والدم لمولود فرعون. محمد ديب وثلاثية الجزائر: الدار الكبيرة، الحريق النول، وغيرها والتي عرفتها كل الأسر الجزائرية في حلقات تلفزيونية رائعة.. نصوص مالك حداد : سأهبك غزالة، المعلم والتلميذ ،رصيف الأزهار لم يعد يجيب...
نصوص إنسانية رائعة ..نصوص أدباء المرحلة الموالية كنصوص الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، عبد المالك مرتاض، الحفناوي زاغر، محمد مفلاح، الدكتور محمد مصايف، عبد العالي عرعار، الهاشمي سعيداني... رغم أنْ كان بعضها مؤدلجا، إلاّ أن الثيمات الجمالية والفنية كانت واضحة، وكانت وثيقة إبداعية تاريخية بامتياز.
7-عاصرت أجيالا من الكتّاب الجزائريين وارتبطت بصداقات مختلفة معهم؟ كيف تقرأ كل جيل؟ ثم هل تؤمن بمقولة " قتل الأب" في الأدب ؟
ب.خ: انتمائي لاتحاد الكتاب الجزائريين سنة 1973 يوم أن كان يجمع كل الأطياف الأدبية، وعضويتي في مكتبه الوطني لمدة خمس سنوات يوم أن كان يجمع الصحافيين والمترجمين، ومعايشتي للمنابر الثقافية العديدة بالجزائر والمدن الكبرى كقاعة المقار، وقاعة النفق الجامعي، ومقهى اللوتس بديدوش مراد، ومشاركتي حتى الآن في الملتقيات والندوات الفكرية والأدبية ،عوامل ساعدتني على القرب من أغلب الكُتّاب والمبدعين حتى الشباب منهم في السنوات الأخيرة جعلني استخلص بأنّ مقولة: " قتل الأب في الأدب " مقولة يطرحها البعض من الذين أوهموا أنفسهم ــ خطأ ــ أن من سبقوهم يحُـولون بينهم وبين الوقوف على أرجلهم، وتصدّر الساحة الأدبية، وتناسى هؤلاء أن النص الأدبي الراقي لا يؤمن لا بالمجايلة، ولا بوجود الأب الوهمي، وأن الساحة الأدبية تسع الجميع.
8-كيف تأقلمت مع التكنولوجيا الجديدة وتكيّفت معها في عمر متقدم ؟
ب.خ : بدأت أتعامل مع التكنولوجيا الحديثة وأنا مسؤول في التربية قبل تقاعدي، أي في منتصف التسعينيات لمّا زوّدتْ مديرية التربية مكتبي بجهاز حاسوب قديم يتعطّل باستمرار، هذا التعطّل المستمر جعلني ألجأ إلى صديق لي كان رئيس بلدية له خبرة تسبقني وقد عاد إلى التدريس، فكان كلما تعطّل الجهاز استنجدت به، وكنت ألاحظ أولا إصلاح العطب، ثم صرت أساهم في الإصلاح، وفي الآن نفسه أتدرّب على تقنيات الكتابة؛ إضافة أني ربطت علاقات تقنية مع شباب آخرين لهم تكوين في إدارة الحاسوب وبرمجته، ومن هذا التكوين العصامي الذي سمح لي بولوج عالم الأنترنيت في بداياته، والصراع في التقاطه في أقاصي الصحراء بصيغة 15/15 ثم التعايش مع تطوره، ومنه التعرّف على المواقع، والاستفادة منها، وكذا إنشاء مدوّنة خاصة بي في أوت 2008 " سوفْ. أوراق ثقافية " وولوج عالم النشر في عديد المواقع .. خطوات تأسّست على التحدّي وتجاوز الذات، والبحث عن المعرفة من مصادرها الواسعة المختلفة، ثم نشْــر أعمالي في هذه المواقع، والتواصل مع المثقفين والكتاب في الجزائر وخارجها.
عوامل إيجابية مكنتني بأن أتمرّس في فنيات الكتابة الإلكترونية بحيث كل مؤلفاتي من آخر مجموعة قصصية " ظلال بلا أجساد " الصادرة 2007 إلى إحدى عشر كتابا فيما بعد؛ إضافة إلى كل إصدارات رابطة الفكر والإبداع التي أرأسها كلها أنجزتها بنفسي كتابة، وتصفيفا، وتنسيقا، وتجهيزا للطبع مباشرة.. الحمد لله أني إضافة إلى ذلك ساعدت العديد من الكتاب والمبدعين في إعداد أعمالهم للطبع بنفس الكيفية. كما أني أتعامل حاليا مع آخر تكنولوجيات الهواتف الذكية، والوسائل السمعية البصرية الحديثة.
9-بالمناسبة بشير خلف ينشر كثيرا في المواقع الالكترونية والمدونات. كيف تقرأ ما يُنشر في تلك المنابر؟ وهل أضاف شيئا للمتن الأدبي الجزائري؟
ب.خ : الأدب الجزائري المعاصر من خلال هذه المواقع انفتحت له فضاءات التفاعل مع فضاءات عربية وغير عربية، وتحرّر من الضيق والإقصاء اللذين كانت تمارسهما المنابر الثقافية داخل الوطن، هذا الانفتاح سمح بتعرّف الآخرين على النص الأدبي الجزائري، ومقارنته مع غيره.. في هذه الفضاءات احتلّت النصوص الجزائرية الريادة، بل تفوقت على غيرها؛ وإلاّ كيف نفسّر اليوم تلكم الجوائز، والمراتب الأولى للنص الجزائري في المشرق العربي، ومنطقة الخليج، وفي أوروبا.. كما أن هذه النصوص بفضل هذه المواقع وجدت لها مكانة في المجلات الشهرية والدورية، والصحف اليومية العربية كمجلة دبي الثقافية، الدوحة، الفيصل، القدس العربي، الحياة، ...
http://www.elhayat.net/article10100.html