الاثنين، 20 ديسمبر 2021


 هل الكتابة مصدر عيش؟ المؤلفون يعانون شرقا وغربا  

 لم تكن الكتابة مهنة مربحة، ويبدو أن الكتاب والمؤلفين يعانون حالياً أكثر من غيرهم من العاملين في الأعمال الإبداعية. لكن استطلاعا حديثا أجرته رابطة المؤلفين -وهي منظمة أميركية محترفة لمؤلفي الكتب- أظهرت تفاقم المعاناة لدرجة أن الكتابة ليست كافية لكسب العيش.

         ووفقًا لنتائج الاستطلاع الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز مطلع الشهر الجاري، كان متوسط الأجر المدفوع للكُتاب المتفرغين في أميركا هو 20.3 ألف دولار في عام 2017، وانخفض هذا الرقم إلى 6080 دولارا بالنسبة للكتاب غير المتفرغين.

       وأظهر تقرير سابق صادر عن جمعية المؤلفين البريطانية نشر منتصف العام الماضي، أن متوسط أرباح الكتاب المحترفين في بريطانيا انخفض بنسبة 42% منذ العام 2005 إلى أقل من 10.5 آلاف جنيه إسترليني سنويا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للدخل السنوي في البلاد المقدر بنحو 17.9 ألفا.

المؤلفون العرب يعانون أكثر

       وفي العالم العربي لا تتوافر الكثير من الأرقام عن المؤلفين وظروفهم الاقتصادية، لكن المعاناة التي يواجهها الكتّاب لكسب عيشهم في العالم العربي تبدو أصعب في ظل تراجع سوق النشر والكتاب العربي، وتراجع الأحوال الاقتصادية في بلدان عربية مختلفة، مما يدفع بعض المؤلفين للقبول بمقابل رمزي محدود أو حتى يضطر بعضهم للدفع إلى دور النشر بدلاً من تلقي مقابل مادي أو مكافأة مجزية.

         وتعاني الساحة العربية من غياب نقابة أو جمعية فعالة لحماية حقوق المؤلفين وتحصيل حقوقهم ، فالمؤلف هو الحلقة الأضعف ويعاني من ضياع حقوقه المادية في كثير الأحيان،

         الثورة الرقمية ساهمت في انتشار الكتب لكن حقوق كثير من المؤلفين تبخرت في تلابيب الشبكة العنكبوتية.

 

الخميس، 16 ديسمبر 2021


   سلسلة السراج للقصص الإسلامي الهادف

بقلم: بشير خلف

     أثناء حضوري يومي 08،09 ديسمبر 2021 للأيام الأدبية بعاصمة الواحات ورقلة التي نظّمتها المكتبة  الرئيسية للمطالعة العمومية، ومعهد اللغة والآداب بجامعة قاصدي مرباح، وتشرّفت بلقاء عديد الكتاب، والكاتبات، والمبدعين، والمبدعات، والأساتذة، والمثقفين.

        ومن الذين كان لي حظ الالتقاء بهم، والتعرّف إليهم عن قُرْبٍ رجل القرآن، والروحانيات، والتربية والتعليم، الشخصية النشطة، الكاريزمية المجتمعية، الثقافية الأستاذ الكاتب إبراهيم بن ساسي.

        إبراهيم بن ساسي أهداني إحدى مؤلفاته " سلسلة السراج للقصص الإسلامية الهادفة"، مجموعة قصصية في الأدب الإسلامي الهادف. الكتاب في 80 صفحة حوى ثماني قصص، إضافة إلى المقدمة. قصص ذات مضامين تربوية، ثقافية، معرفية:

«... إطلالة تربوية ثقافية فكرية، أراد المؤلف من خلالها أن ينقل القارئ إلى فنٍّ آخر لا يزال غائبا، أو مغيّبًا عن ساحاتنا المعرفية رغم ما فيه من بديع الوصف، وسحْر البيان، وحقائق التاريخ، وحضارة البشر؛ إنه أدب الرحلات الذي برع فيه أسلافنا مغربا ومشرقا، فرسموا روائع، ولوامع تنِمُّ عن عطاءات الأمم، والشعوب التي صنعت الحياة...» من صفحة  غلاف الكتاب الأخيرة.

         تعرّض الكاتب في المقدمة إلى فنّ القصة كإبداع سردي، حكِي، غايته وصْف الواقع الحياتي للفرد، أو الجماعة، ونقده، وتقييمه، وتقويمه بالتربية، والتوجيه، والإرشاد، وتثبيت القيم الإنسانية الراقية، وتربية الذّوْق الجمالي والفنّي من خلال الأسلوب اللغوي العذب، للصغار، والكبار معًا.

«... وقد أخذت القصة حيزا كبيرا، وواسعًا في الكتب السماوية جميعها ،  والقرآن بصفة  خاصّة، ذلك أن القصص هو ثالث المحاور التي عالجها كتاب الله بعد التوحيد، والأحكام، ورغْم أن القرآن منهج حياة، لا كتاب رواية، وتسلية، ولا تاريخ؛ إلّا أن قصصه جاءت مختارة بالقدْر، والطريقة التي تناسب الجوّ، والسّيّاق الجمالي والفني الصادق.. ص: 03»

      قصص هذه المجموعة التي أهداها المؤلف إبراهيم بن ساسي إلى الثلة المختارة من أهل الأدب، وإلى الذين سخّروا أقلامهم، وألسنتهم في رسْم واقع أوطانهم شعرًا، ونثْرًا، وقصّةً، وإلى صغار شهداء الكشّافة الإسلامية المغتالين غدْرًا في يومٍ من أيّام الإرهاب. ص: 07

       قصص المجموعة: دموع البراءة، أنوار الظلام، بركان الدموع، ألوان، في غرفة العمليات، ما أعظمك، حين تنقلب الموازين، دروس واضعات.

       قصص من الواقع، حتى وإن بصم الكاتب تاريخ كل قصة، بداية من: 15 /02/ 1996 .. نهاية بالقصة الثامنة الأخيرة: فاتح يناير 2012 ؛ فإنها تعبّر عن واقعنا اليوم، وحياتنا المعيشة.

      هذا التأريخ لكل قصّة يكشف للمؤلف، والباحث، والناقد تطوّر، ومسار الكاتب إبراهين بن ساسي في المسْك بهذا الجنس الأدبي العصيّ (القصّة القصيرة).

       اللغة طيّعة لدى الكاتب؛ ممّا مكّنه من ممارسة الحكي بأريحية، وهو رجل التربية، ومعلّمها، وسلاحه اللغة العربية التي أفنى عمرها في التمكّن منها، والتدريس بها، والتواصل بها مع الهيئات، والمؤسسات الثقافية، والعلمية والتربوية.

        لا غرْو أن تكون قصصه ثمرة ذاك التكوين، وتلك الممارسات الميدانية:

«... حين تهاوت شمس المدينة للغروب كان عمي رابح يجلس في إحدى زوايا المقهى الذي يرتاده كل مساء. فنجان القهوة الفارغ، وبقايا سجائر الرّيم المتناثرة حوله، توحي بطول الجلوس. لم ينزعج لصيحات الجالسين، ولا لطلقات الدومينو التي تهتزّ لها طاولات المقهى.. ( قصة: في غرفة العمليات ص: 41).

       هذه المجموعة القصصية وإنْ أدرجها المؤلف إبراهيم بن ساسي في فنّ " أدب الطفل"، ففي تقديري هي أقرب إلى فنّ القصة القصيرة الموجّهة للمتلقّين الكبار، منها لأدب قصص الأطفال، فمضامينها تتحدّث عن أحداث، ووقائع حياتية يومية في عالم الكبار؛ لأنّ مضامين قصص أدب الأطفال هي حكايات قصيرة تقدم درساً أخلاقيا، وأكثر شخصياتها من الحيوانات أو الأشياء الناطقة يمكنها التحدث والتصرف كالإنسان. أو أبطال أحداثها أطفال؛ كما هو الحال في قصص الصور المتحركة التي تحقّق الغايات العديدة لأدب الطفل.

       للكاتب المؤلف إبراهين بن ساسي في رأيي الشخصي قدرات، وإمكانات فكرية، لغوية، فنية، أسلوبية، حياتية، مجتمعية توهّله الإبداع في السّرد القصصي إنْ واصل، واستمرّ في التمكّن من الكتابة دون توقّف..والله الموفّق.

الاثنين، 6 ديسمبر 2021


  المثقف العربي

... فالمثقف الذي أردتُه، إنما هو إنسانٌ بضاعتُه أفكارٌ، سواء أكانت تلك الأفكار من إبداعه هو، أم كانت منقولةً عن سواه؛ ولكنه آمن بها إيمانًا أقنعه بأنْ يحياها، ثم لا يقتصر على أن يحياها هو بشخصه؛ بل يُقنع بها الآخرين ليحْيوْها معه.

       والأرجح أن تكون هذه الأفكار من الصّنْف الذي يُغيِّر الناس نحْو ما يُظنُّ أنه الأفضل على تفاوتٍ في ذلك بين فكرة، وفكرة؛ إذْ أنه من الأفكار ما من شأْنه أن يُغيِّر وجْ الحياة على نطاقٍ واسعٍ؛ ومنها ما ينحصر في جانبٍ ضيِّقٍ من جوانب تلك الحياة.

( أزمة المثقف العربي.ص:11 .الدكتور زكي نجيب محمود)

السبت، 4 ديسمبر 2021


   مجلة " الجديد" الّلندنية في عدد جديد  

      بعدد هذا الشهر ديسمبر 2021 تكون مجلة" الجديد الشهرية، اللندنية" قد أكملت السنة السابعة بالتمام دون توقّف، المجلة الثقافية الرائدة التي أصدرتها، وتصدرها كوكبة من النخبة الثقافية العربية،المهاجرة، منبرٌ ثقافي مفتوح للمثقفين، والكُتّاب العرب، أينما تواجدوا، وتموْقعوا.

       بصْمة الغلاف" أدبٌ عراقيٌّ.. الذات، والسلطة، الأسطورة، والتاريخ"

       يحتوي العدد على مقالات أدبية، ونقدية، وقصص، وقصائد ويوميات، وحوار أدبي، ورسائل ثقافية، وعروض كتب، وآراء في النقد، والفن التشكيلي.

يحتوي العدد على ملفين: الأول فكري تحت عنوان “الذات والسلطة والأسطورة والتاريخ”، الملف الثاني في العدد أدبي تحت عنوان “أدب عراقي”، ويضم نصوصاً روائية وقصصية، وشعرية. مقالات في الفن، والنقد الفني.

      من مقالات العدد: مقالٌ للفنان التشكيلي خالد الساعي تحت عنوان “الإنسان مركز الكون/من النقطة تبدأ اللغة ويترامى الوجود”، بحثٌ مزود بالأعمال الفنية يدرس علاقة الفن بالعالم على مفترق العلاقة بين الشرق، والغرب ومن خلال ليوناردو دافنشي والخطاط والكاتب والشاعر ابن مقلة البغدادي.

«...دافنشي وابن مقلة يلتقيان عند مركزية الإنسان في الوجود، وكلاهما يعتبر الإنسان مركز الكون، مركز الدائرة ومن هنا تنطلق الهندسة والقياسات.

       يحضر هنا مثال مدهش ويجمع فكرتيهما معا دفعة واحدة، وهو رسم تشريحي لحرف الألف في “كتاب النقط” لأبي عمر الداني، وفيه رسم الإنسان بطوله الكامل في وضعه الجانبي، ووضع حرف الألف من خط الثلث مقابلها، وأخذ يقارن ويطابق، إلى أن توصل إلى أن طول الحرف هو 7 إلى 8 نقاط، وهذا يقابل طول الإنسان بالنسبة إلى أبعاد الرأس في رسوم فن النهضة. أعني أن الرأس والنقطة هما وحدتا القياس لتحديد طول (وباقي أبعاد) الجسد/الحرف. يقول المفكر والشاعر ابن عربي:

«أتزعم أنك جرم صغير    وفيك انطوى العالم الأكبر.»

        من حوارات العدد، حوار أدبيٌّ خُصّص لتجربة الكاتب السوري فواز حداد صاحب “السوريون الأعداء” و”يوم الحساب”، و”جند الله” و”مرسال الغرام” وروايات أخرى حفرت نفسها بقوة في ذائقة قراء الرواية في العقدين الماضيين:

«...ثمة تعميمات تستسهل التصنيف، الشعر والرواية ليسا مواد أدبية حصرية، فالشعر ينتمي إلى الشرق والغرب معًا، كذلك الرواية ليست غربية فقط، والشرق ليس متطفلا عليها. الأدب إفراز إنساني، وليس هناك شعوب مختصة بأنواع وشعوب بأنواع أخرى، فالإنسانية ليست أنواعا، ولا تحكمها التراتبية، إنها تنويعات لأصل واحد.

أحيانا الظروف تختلف، فينمو أدب على حساب أدب، الأدب جهد بشري، ولا أعتقد أن هناك تمييزا بين البشر على أساس الشعر والرواية،  فإذا كان السبق للشرق في بزوغها  لـ”ألف ليلة وليلة” والمقامات، وقصص الجاهلية والإسلام، فقد كان للغرب دور في تطويرها وارتياد غمراتها، ودائما ما تقاسم كلاهما مسؤولية التقدم الانساني في مجالي الأدب والعلم، وإذا كنّا مقصّرين، فالتدارك ليس معجزة، ما دام التواصل متوافرًا، نحن في كوكب واحد.

ما يجعل لهذه الدعايات بعض المصداقية، ولا أعتقد أنها موثوقة، أن الذين يطلقونها في الشرق، يريدون أن ينسبوا إليهم الشعر، على الضد من الرواية التي تتقدم حثيثا في الغرب، لكن ما القول في هذه الجائحة الروائية التي تجتاح العالم من أميركا اللاتينية واليابان والصين. ولا تستثني اليوم، البلدان العربية في الاقبال الهائل على الرواية قراءة وكتابة إلى حدود مذهل، وكأنه لا يوجد غيرها أداة للتعبير؟»

الجديد الفضاء الرّحْبُ للإبداع، والمبدعين..

... وتبقى مجلّة “الجديد” منذ صدور أول عدد لها في شهر جانفي 2015م (بقعة ضوء باهر) في بحْـر الظلام العربي.

     كانت المجلّة قبل جائحة" كورونا" تصلنا إلى الوادي شهريا من تونس الشقيقة حال صدورها ورقيًّا بواسطة أصحاب سيارات نقْل المسافرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط المجلة،: https://aljadeedmagazine.

 

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

 

تجلّيات طين الصّمْت

بشير خلف

       وصلتني هذه الأيام هديّة رائعة جدّا من الصديق العزيز؛ الصديق منذ ما يقارب الأربعة عقود البروفيسور الشاعر الكبير، والناقد القدير مشري بن خليفة.. الهدية تمثّلت في آخر ديوان شعريٍّ صدر له، توشّح بعنوان:( تجلّيات طين الصّمْت)، من الحجم المتوسّط في 95 صفحة، ضمّتْ 47 نصًّا.. صدر أخيرًا عن دار خيال للنشر والترجمة ببرج بوعرريج، لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية الجزائرية فرجاني مسعودة.

     لئـــن ْكان الشعر في صدارة الفنون الجميلة، فقد قالوا فيه:

« ما هو الشعر إنْ لم يكن لإثارة الأحاسيس الناعمة لدى كاتبه أو سامعه أو قارئه على حد سواء؟ ما هو الشعر إن لم يكن ذاك الشعور الفياض الذي يداعب عيون وآذان وعقول ووجدان البشر.. ليس كل البشر وإنما فقط أولئك الذين يملكون حظاً من الحس الموسيقي.. والحس اللغوي.. والقلوب التي تتوق لتذوق الجمال في مخلوقات الله.»

     بعد قراءتي المتأنّية للديوان الذي وصلني.. الديوان في الصفحة الأخيرة من غلافه، جذب الشاعر مشري بن خليفة القارئَ برفْقٍ ليلج حديقة الديوان، مرحِّبًا به:

أحمل في يدي زنبقة الماء

نلتقي في نقطة ضوْءٍ

وفي وجع الرؤيا

أبوح بسرّي: أنا الِـمرْآة

دعيني أكسٍّ عنقَ هذا الصّمْتَ

وأُشْعلُ النار في حقول القلب

دعيني ألـمْلمُ شتاتَ الجسدِ.

     من جماليات الديوان تلكم التجليات الخمس التي تفّع إليها متْنُه:

1 ـــــ كم هو عظيمٌ ألمي، كم هي عظيمة نجواي

2 ــــــ أنا أشبّه أنا، وأحدنا يشبِّه الآخر.

3 ـــــ كنت أسمع نفسي، ولا أرى نـفسي .كنت منشغلا بنفسي.

4 ــــــ لا تجزعْ من جرحك، وإلّا فكيف للنور أن يتسلّل إلى باطنك.

5 ــ ثمّ صوْتٌ لا بستخدم الكلمات...فانصتْ

       من قصائد الديوان قصائد " الهايكو" ( شعْر الومضة والتأمّل)

1 ـــــ

الوطن هشيمًا

تذروه الجيوبُ

أبوابُ الفساد

2 ـــــ

نصُّ الغواية

وأنا نبيٌّ يدسُّ في قلبه

رسالة

3 ــــــ

أحدِّقُ في الفراغ

يتصاعد الغبارُ

مُبلّلًا بالصّمْت

4 ــــ

 مائلٌا مثل حائطٍ

ظلّي يتمسلق

الحائطَ شجرًا 

      هذا الديوان المتميّز يحمل إبداعا مغايرا: رؤية، وبنية، وطرْحًا، وجمالياتٍ؛ وليس هذا بمستغرب من شاعر كبير، وناقد قدير في حجّم مشري بن خليفة، حيث سبقت هذا الديوان أعمالٌ شعرية وإبداعية عديدة، ودراسات نقدية تشي بجلاء عن سعيه إلى قراءة الواقع الجزائري، والعربي، والوجود، والتاريخ، والحياة بشاعرية متوهّجة.

 

 

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2021


 سُوفْ ..دراسة في الجغرافيا البشرية

عرْض: بشير خلف

   صدر هذه الأيام كتابٌ بعنوان:( سُوفْ..دراسة في الجغرافيا البشرية)، عن دار سامي للطباعة والنشر والتوزيع بالوادي تأليف البروفيسور عالِمُ الجغرافيا" كلود باطيون". من مواليد شهر أوت 1931م، نشأ في أسرة علماء، كان والده مختصًّا في الشؤون الإسبانية، وأخته لها أعمال كثيرة في الترجمة. جاء كلود باطيون إلى الوادي سنة 1953م لإجراء دراسة في الجغرافيا البشرية للمنطقة، للحصول على على شهادة الماجستير من جامعة البليدة.

        قام بترجمة الكتاب المترجم القدير عبد القادر ميهي، أصيل منطقة سُوفْصاحب الترجمات العديدة التي تقارب العشرين عملًا.

     الكتاب من الحجم الكبير في 173 صفحة، هو دراسة في حواضر " سُوفْ"، وانتشار السكان في المنطقة، وأسباب هذا الانتشار الاقتصادي، والاجتماعي، وتمركز القبائل في منطقة سُوفْ، تُعطي الدراسة وصْفًا لتضاريس المنطقة، ومياهها، ومسالكها.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب:

« جاء هذا العمل نتيجة تحقيق قمْتُ به في ملحقة الوادي في شتاء 1953م، تحضيرًا لشهادة الدراسات العليا في الجغرافيا. تمثِّل دراسة بلدٍ يتمتّع بجمال بهذا العُمُق: في اللحظة حين يغمرك غروب الشمس، يقف خلفك طفلٌ لا يكذب، بكل تأكيد:" أنا جائعٌ..أنا فقير"، يعود المرْء إلى سكنه مطأطئ الرأس. على حافة حديقة بجريدها الرائع يصعد مراهقٌ يلهث بقفّة الرّمْل؛ حين نقوم بتحقيق عن البشر يصبح كل الناس الذين نصادفهم شهودًا، علينا أن نشكرهم كلهم.»

       قام بالتصدير للكتاب الأستاذ الباحث في التاريخ، ورئيس الجمعية التاريخية أول نوفمبر 1954م بولاية الوادي طليبة بوراس؛ وممّا جاء في التصدير:

« في رحلة القراءة هنا بين طيّات هذا العمل الكريم الذي يطوف بنا على معالم شاهدة من تاريخ سُوفْ، نجد توازنًا رائعا بين التنوع الثري، ووحدة الموضوع، عملٌ بديع ينمو، ويكتمل شيئا، فشيئا بغير تعمّدٍ، يشعر به القارئ. شعرت أن هناك روحا واحدة تدبّ في هذا العمل القيّم أثناء تنقّلي الممتع بين واحاته التاريخية.»

        تحت عنوان:" محاولة للتعريف بالمنطقة"

       يقول كلود باطيون في كتابه هذا:

« في الأقاصي الجنوبية للعرق الشرقي تمتدّ كتلةٌ من غابات النخيل، تُسمّى د" سُوفْ"، يسكنها ما يقارب المائة ألفٍ من البشر. كلمة" سُوفْ" هي اسم " بلد"، ولا تشير إلى منطقة طبيعية يمكن أن نعرّف بها بموضوعية من الوهلة الأولى ، لكنها منطقة بشرية.»

 

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

 

" منْ بقي ليس كمنْ قطع الأقطار"

         قرأتُ رأيًا للروائي المصري الراحل فؤاد قنديل( 1944م ـ 2015م) في كتابه" أدب الرحلة في التراث العربي"، يقول فيه عن أدب الرحلات:

« إنني أزعم أن أدب الرحلات أوشك أن يكون كالفلسفة تراثًا فقط، لا جديد يمكن أن يُضاف إليه بعد أن تيسّر السفرُ، والانتقال لكلّ  إنسانٍ، واستطاعت وسائل الإعلام بتقنياتها الهائلة أن تجعل من العالم قرية صغيرة، وكتابًا مفتوحًا لأغلب شعوب الأرض.»

       لستُ مع هذا الرأي، لأنّ ( منْ بقي ليس كمنْ قطع )، يمكن طرْح السؤال التالي:

هل كانت الرحلة مفيدة في العصور الماضية؛ وبسبب التطور الذي قرّب المسافات بين البشر، انتفت الحاجة إليها كموردٍ للمعلومات؟

      قال الرحّالة والمؤرخ، والجغرافي أبو الحسن المسعودي(896م ـــ 957م):

« ليس منْ لزم جهة وطنه، وقنع بما نُمِي إليه من الأخبار من إقليمه، كمنْ قسّم عمره على قطْع الأقطار، ووزّع بين أيامه تقاذفَ الأسفار، واستخراج كل دقيق من معدنه، وآثار كل نفيسٍ من مكمنه.»

      صاحب كتاب " مروج الذهب، ومعادن الجوهر" يفرّق بين منْ بقي في وطنه، وبين منْ وزّع أيّامه على الأسفار.

   في رأيي إن تيسّر السفر والانتقال زاد من أهمّية التواصل بين البش، وزاد من فضاءات الرحّالة المعاصرين، وضاعف من خياراتهم للوصول إلى أماكن أبعد، وأغرب، وأمْتع.

        ..وتبقى الرحلات وسيلة فعّالة للاكتشاف، والتعارف، والتثاقف، والمتعة؛كما أدب الرحلة وعاءٌ معرفيٌّ يضم مختلف أنواع الثقافة الإنسانية.

         

الأحد، 12 سبتمبر 2021

مجلة الثقافة والثورة

     أذكر جيّدً، في مرحلة الثمانينات كانت الجامعة الجزائرية، وتحديدا الجامعة المركزية بالعاصمة، موازاة مع العمل الأكاديمي المعروف، كانت حركة ثقافية نشطة جدا، بعضها من الأساتذة، وبعضها الآخر من الطلبة والطابات، وبعضها من الفئتيْن: النوادي الثقافية الأدبية الفنية، المحاضرات داخل الحرم الجامعي، خارجه في قاعة المحاضرات بالنفق الجامعي، المطبوعات، والنشريات؛ أذكر منها مجلة( الثقافة والثورة) التي كان مديرها المسؤول المرحوم: مصطفى كاتب، المشرف الأدبي والفني عبد العالي رزاقي، رئيس التحرير مخلوف بوكروح.

 ما كانت منبرا ثقافيا فحسب للأسرة الجامعية؛ بل كانت منبرا لكل المبدعين، والكتاب من خارج الجامعة، كما كانت منبرا للأساتذة المشارقة العرب العاملين بالجزائر؛ بالتوازي مع قاعة اللوتس بشارع ديدوش مراد؛ القاعة التي جمعت عدة سنوات كل أطياف المثقفين، والكُتّاب، والمبدعين الجزائريين، وإخوانهم المصريين، السوريين، العراقيين، بالرغم من تعدّد الرؤى الفكرية، وتنوّع الكتابات الإبداعية والفنية والقناعات الإيديولوجية السياسية؛ فإنّ حماس حُلْم الوطن العربي الواحد، المُوحّد كان واحدَا.

 

الخميس، 9 سبتمبر 2021


 أقدم المدافع الجزائرية إبان العهد العثماني.. مدفع "بابا مرزوق"

ليس مجرد قطعة سلاح، بل له عمق تاريخي، عسكري واستراتيجي بالغ الأهمية، فقد ارتبط اسمه بتاريخ الجهاد البحري للجزائريين، ويعد رائد المدافع التي أنجزتها دار النحاس بالجزائر.. تشكل استعادة مدفع "بابا مرزوق" أحد أهم القضايا المطروحة ضمن مطالب تسوية الذاكرة بين الجزائر وباريس
سجّل المرحوم أبو القاسم سعد الله أنّ:
«المدفع ظل منتصبا كالنسر الجبار على باب الجهاد المطل على البحر في الجزائر، بينما سمّــــاه الفرنسيون القنصل (consulaire)، وكانوا يرتعدون منه إذا ذُكر لهم ».
وعن سبب الذعر الفرنسي من المدفع قبل الاحتلال، قال سعد الله في موسوعة الحركة الوطنية الجزائرية:
« إن الجزائريين في الماضي كانوا قد وضعوا في فوهته قنصلَ فرنسا (لوفاشي) سنة 1663، وقصفوه به إلى البحر، ثم كرّروا ذلك مع خليفته (بيول) سنة 1688، أثناء قصف دوكيني، قائد أسطول لويس الرابع عشر، مدينة الجزائر، مثلما تثبته الروايات الفرنسية نفسها.»
ولذلك كان من أوائل ما اتخذه الفرنسيون من إجراءات عقِب دخولهم الجزائر، هو نقْل مدفع بابا مرزوق إلى فرنسا، وقد يظهر لك هذا أمرا بسيطا، ولكننا نعتقد أن المدفع كان يرمز إلى أشياء كثيرة، إنه قبل كل شيء رمْزُ الذكورة والقوة، ونقله، بالإضافة إلى أنه لصوصية عسكرية وثقافية، كان يعني خُلو الجزائر من رمزها الأقوى والأكثر فحولة، والكلام للمؤرخ سعد الله..
ويوثق سعد الله أن الفرنسيين سارعوا إلى إزالة بابا مرزوق من مكانه وحملوه إلى بريست المحيط الأطلسي ونصبوه هناك في إحدى الساحات بتاريخ 23 يوليو/تموز 1833 إلى اليوم، كجزء من غنائم الحملة على الجزائر.
إن المدفع ليس مجرد قطعة سلاح، بل له عمق تاريخي، عسكري واستراتيجي بالغ الأهمية، فقد ارتبط اسمه بتاريخ الجهاد البحري للجزائريين، ويعد رائد المدافع التي أنجزتها دار النحاس بالجزائر.

الأربعاء، 8 سبتمبر 2021

أن يحافظ عليها

العاطس الساهي

كان الفقيه العالم: عبد الله بن المبارك عابدامجتهدا،وعالما بالقرآن والسنة، يحضر مجلسه كثيرٌ من الناس؛ ليأخذوامن علمه الغزير.وفي يوم من الأيام، كان يسير مع رجل في الطريق، فعطس الرجل، ولكنه لم يحمد الله. فنظر إليه ابن المبارك، ليُلْــــفت نظره إلى أن حمْد الله بعد العطس سُنّةٌ على كل مسلم أن يحافظ عليها، ولكن الرجل لم ينتبه. فأراد ابن المبارك أن يجعله يعمل بهذه السُّنّـــة دون أن يحرجه، فسأله: أي شيء يقول العاطس إذا عطس؟
فقال الرجل:

ــــ الحمد لله!

عندئذ قال له ابن المبارك:

ــــ يرحمك الله

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2021

نابليون بونابرت.. اللص ذو اليد الطويلة.

       لم يتوقف عند نهْب، وسلْب البلاد المستعمَرة؛ بل امتد الأمر إلى أن جعل التنازل عن الأعمال الفنية جزءًا من أي اتفاقيات سلام

      عندما كانت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت تغزو ما تطاله من دول أوروبا في طريقها إلى بلاد المشرق في الفترة ما بين (1803-1815)، كان بونابرت إلى جانب دوره العسكري بوصفه امبراطور فرنسا وقائد الجيوش، يضع نصْب عينيه هدفا آخر لا يقل أهمية في نظره عن السيطرة العسكرية على البلاد المستعمرة.

هذا الهدف هو جعل باريس عاصمة ثقافية ليس لفرنسا فحسب، بل لأوروبا كلها والشرقين الأوسط والأدنى. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، عاث بونابرت ناهبا وسارقا جميع ما تطاله جيوشه من التحف الفنية واللوحات التاريخية حيث تم نقل تلك الأعمال الفنية إلى باريس من أجل متحف فني هو الأول من نوعه في أوروبا.' (متحف اللوفر)

       نابليون بونابرت.. اللص الذي زوّد اللوفر بآلاف القطع الفنية المسروقة

 

السبت، 4 سبتمبر 2021

..من ذكرياتي

بشير خلف

     في منتصف شهر ديسمبر سنة 1960م حوّلتنا السلطات الاستعمارية الفرنسية من معتقل في ثكنة بعنابة إلى سجن " لامبيس"، " تازولت" ضواحي مدينة باتنة الرهيب بعد محاكمة عسكرية طوال ثلاثة أيام. كان عمُري حينذاك 19 سنة.

      أوّل صلاة جمعة حضرتُها مع ما يناهز 1900 سجين سياسي موزعين على عدة ساحات بالسجن؛ أمّنا يومذاك عالِمٌ جليلٌ ذو صوت جهوري، حماسي، ثوري.. تحت مرْأى السلطات الاستعمارية، وعشرات الحرّاس المدجّجين بالسلاح، تحدّث الإمام الجليل عن حقّ الإنسان في الحرية أينما تواجد، بغضّ النظر عن لونه، ومعتقده؛ وخاصة في بلده.

        بعد الصلاة، رأيتُ المساجين، المصلين يهرعون لملاقاة العالم، الإمام يحيّونه، ويشدّون على يديْه؛ وأنا القادم الجديد الحذر، المتهيّب، الملاحظ من بعيد، القليل الخبرة، كبّلني التردُّد؛ ثم سرعان ما تقدمتُ، واصطففْتُ مع إخواني لتحيته، ومصافحته..

      عرفتُ منهم لحظتها أنه العالِم الجليل، الذي كان في سجن" لامبيس" بمثابة الجدار القوي، المسلح يتكئون عليه أثناء ظلم إدارة السجن الاستعمارية، وتعنّتها...إنه العالم، الجليل، الفقيه، الموسوعي(أحمد حماني)، رحمه الله، وغفر له، وجزاه على ما قدّم لبلده الجزائر، وللدين الإسلامي، وللغة العربية.

 

الخميس، 2 سبتمبر 2021


 

       مجلة" الجديد" الثقافية اللندنية في عددٍ جديدٍ

      صدر العديد الجديد لشهر سبتمبر 2021 من مجلة الجديد الثقافية

تحت شعار "العقل الكارثي، وثقافة الخواء: الأدب والتربية وتحولات الذهنية الدينية في الزمن الافتراضي."

      يحتوي هذا العدد على مقالات فكرية تصدّت لعدد من الظواهر الراهنة في العالم العربي والعالم، ومراجعات في قضايا الفكر والأدب، والفن، ومراجعات نقدية للإصدارات الحديثة، ورسائل ثقافية، وآراء أدبية، وقصص، وقصائد.

       يضمُّ العدد ملفين: الأول فكري تحت عنوان “العقل الكارثي وثقافة الخواء – الأدب والتربية وتحولات الذهنية الدينية في الزمن الافتراضي” وشاركت فيه نخبة من حملة الأقلام العرب، من فلسطين، سوريا، المغرب والجزائر.

      والملف الثاني أدبي تحت عنوان “يكون الشاعر كونياً أو لا يكون” ويتضمن حوارا مع الشاعرة الهولندية أنّا ماري أستر، ومختارات من شعرها نقلها إلى العربية الكاتب العراقي حازم كمال الدين.

       حوار العدد مع الكاتب السوري بالإيطالية يوسف وقاص تحت عنوان “الصوت المهاجر”، أجرت الحوار للصحافة التركية الكاتبة بيرين بيرسايغيلي مُوتْ، وخصّت “الجديد” بالنص العربي. والحوار يثير جملة من القضايا الشاغلة لكاتب عربي بالإيطالية، انطلاقا من تجربة متوسطية الطابع إنسانية التطلع.

       ملف العدد الفكري شارك فيه كل من أحمد برقاوي “الذهنية الدينية الراهنة وتحولاتها الكارثية”، هيثم حسين “الخيال والكارثة والإنسان – هل يمكن للأدب مساعدتنا على تجنّب الكوارث؟”، زواغي عبدالعالي “البيئة الرقمية وتزييف الوعي”، حمزة بومليك “انهيار تربية البيت_ الأجيال الجديدة والثقافة الافتراضية”، حمزة عبدالأمير حسين “ثقافة الاعتراف والزمن الافتراضي”، نبيل عودة “ثقافة التسلط الثقافي”.

      إلى جانب ذلك، في العدد نصوص سردية، ودراسات في الفن التشكيلي ونص مسرحي، فضلا عن دراسة في قضايا المسرح العربي.

      رسالة باريس تقصّى فيها الكاتب الروائي التونسي أبوبكر العيادي عودة ظاهرة الالتزام في الأدب الفرنسي، وذلك انطلاقا من جدل حول الديمقراطية والأدب، وما شهدته الساحة الأدبية في فرنسا منذ أعوام من عودة إلى صورة من صور الالتزام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط المجلة https://aljadeedmagazine.com/

 

 

الاثنين، 23 أغسطس 2021


 حديث عن ديكارت والديكارتية

        يعتبر ديكارت أحد الخمسة الكبار في تاريخ الفلسفة البشرية: أفلاطون، أرسطو، ديكارت، كانط، هيغل. وقد جسد في شخصه العبقرية الفرنسية في أنصع تجلياتها. ولذلك أصبح رمزاً لفرنسا إلى درجة أن أحدهم قال: ديكارت هو فرنسا. وهذا يعني أن عبقرية الأمم تتجسد في شخوص الأدباء والشعراء والفلاسفة، أكثر مما تتجسد في شخوص القادة العسكريين والسياسيين. وهذا يعني أيضاً أن عبقرية الروح أو الفكر هي أعلى أنواع العبقريات.

     عندما يُذكر اسم ديكارت، أو الديكارتية نتخيل فوراً تلك الصورة الشائعة المنتشرة في كل مكان، والتي تقول: إن الديكارتية هي فلسفة الدقة، والمعيار الصائب، والحسابات العقلانية الباردة.

       فالفرنسي ديكارتي بهذا المعنى، وكذلك الأوروبي بشكل عام. وهناك عقلٌ ديكارتي مثلما هناك عقلية ديكارتية. وحتى اللّحّام يقطع لك اللحم على الطريقة الديكارتية!

       ولا ريب في أن ذلك صحيح إلى حد كبير. ولكننا ننسى أن مؤسس العقلانية الديكارتية لم يكن «عقلانياً» إلى هذه الدرجة التي نتوهمها، بل إنه مرّ بلحظات أقل ما يقال فيها إنها تقف خارج حدود العقل والتوازن المنطقي الصارم، وذلك قبل أن تنكشف له الحقيقة الساطعة، ويضرب ضربته الفلسفية الكبرى.

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...