الأحد، 30 أغسطس 2020

.. لو علِم المُتصدِّقُ! !

ذات يوم رستْ سفينةٌ للّيْث بن سعد شَيْخُ الإِسْلاَمِ الإِمَامُ الحَافِظُ العَالِمُ الفقيه والمحدث وإمام أهل مصر في زمانه، وصاحبُ الجود، والكرم.. مُحمّلة بالعسل، وكان العسل مُــعبّأ في براميل فأتـــــته سيدة عجوز تحمل وعاءً صغيرا وقالت له:

ـــــ أريد منك أن تملأ هذا الوعاء عسلا لي، فرفض، وذهبت السيدة لحالها.

      ثم أمر الليث مُساعدَه أن يعرف عنوانَ تلك السيدة، ويأخذ لها برميلًا كاملًا من العسل، فتعجّب مُساعدُهُ، وقال:

ــــــ لقد طلبتْ منك كميةً صغيرةً، فرفــــضْتَ، وها أنت الآن تعطيها برميلًا كاملًا.

     فرد عليه الليث بن سعد:

ــــــ يا فتى إنّها طلبتْ على قدْرها، وانا اُعطيها على قدْري.

        لو علم المتصدقُ حقّ العلم، وتصوّر أن صدقته تقع في (يد اللّه) قبل يد الفقير، لكانت مُتْعة المُتصدّق أكبر من مُتْعةِ الأخذِ.

الجمعة، 28 أغسطس 2020

لا تيأس فلا تعرف ماذا يخبىْ لك المستقبل..

                        

     حدّدت الشرطة مبلغ 2000 دولار كفالةً للكلّ واحدٍ كي يتحرّروا.. لكن تحرّر اثنان بدفْعِ الكفالةِ، وبقي الثالثُ.

       الشخص الذي بقي داخل السجن لا يعرف أحدًا يدفع عنه مبلغ 2000 دولار لكفالته! حينها بقي بالسجن لمدة 3 أيام، ولم يأتِ أحدٌ لكي يُخرجه من الحبس، فاضطر الضابط ان أن يُحرّره.

        الاثنان اللذان خرجا من السجن قبلتهما شركة الانتاج؛ بينما الثالث الذي لم يجد أحدًا يدفع كفالته لم تقبله الشركة لعدم امتلاكه للموهبة!!

       هذا الشخص الثالث هو ألفرِيدُو جِيمس باتشِينُو المُمثِّل، والمُنتَج، والمخرج، والمُؤَلّف..الحائز على الأوسكار، الذي صار أساسًا رئيسًا من أُسسِ السينما العالمية.

 


الأربعاء، 26 أغسطس 2020

.. فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ


     في قاعة المحكمة في إحدى الجلسات كان المحامي يدافع عن مُوكِّـــــله بكل ما أوتي من قوة، وكل الدلائل تشير إلى أن موكلَه ليس بصاحب حقّ..أنهى المحامي مرافعته، استدعاه القاضي إلى المنصة وتلا عليه قوله تعالى:

{هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} صدق الله العظيم.

وصف المحامي شعوره بعد ذلك قائلاً:

ـــــ «بأن هذه الآية الكريمة جعلت فرائصي ترتعد، وجعلتني أشعر بحجْم المسؤولية الملقاة على عاتقي، وبأن العدالة لا تستقيم إلا بقاضٍ ومُحامٍ يخشيان الله؛ فإذا كان هناك قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار، فكم محامٍ في الجنة وكم محامٍ في النار..؟ كم من محامٍ دافع عن الباطل، وعن مُذنب وهو يعلم أنه ليس بصاحب حقٍّ، وبسبب دفاعه هذا استمرّ الفساد، وكثرت الجريمة، وظُلم من ظُـــلم، وضاعت الحقوق؟»

       إن العدل ليس محصوراً ومطلوباً فقط من القضاة؛ بل ومن المحامين والمتقاضين أيضاً.

 

الخميس، 20 أغسطس 2020

 

قوالب الموسيقى العربية ـ الآلية والغنائية

بقلم: بشير خلف

الكتاب: قوالب الموسيقى العربية ـ الغنائية والآلية

المؤلف: الأستاذ الموسيقار عبد الرحمن قمّاط

الناشر: دار كردادة  بوسعادة، الجزائر.2019

       الموسيقى قديمة قِـدم الإنسان، عرفتها جميع الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة، وما قبل التاريخ.. فهي من مستلزمات الحياة الفردية، والاجتماعية لا يكاد يخلو منها زمان، أو مكان. وقد أجمعت الدراسات النفسية في كل العصور على أن الموسيقى تلطف المشاعر، وترهف الأحاسيس، وتسمو بالنفوس، وتبعث فيها النشوة والبسمة.

      إنْ سمعها، ويسمعها الإنسان مهما كان عمُره، وأينما تواجد يطرب لسماعها، وقد يتسامى ذوْقيا، وروحيا أيًّا تكن البيئة التي ينتمي إليها، أو اللغة التي يتكلم بها، وكأنها وُجِـدت قبل وجوده، وجبلت وعجنت بدمه، فأخذت من حواسه وتفكيره؛ كيف لا وقد خلق الله الإنسان فيه طبيعية موسيقية، من خرير مياه النهر إلى صوت الموج الصاخب، ومن حفيف أوراق الأشجار إلى صوت الرعد الصارخ، ومن هديل الحمام وزقزقة العصافير إلى زمجرة أسد غاضب.

 

بين يدي الكتاب

       في هذا الفن الإنسانيّ الجميل، الرّاقي أصدر الموسيقار الجزائري المعروف، الأستاذ عبد الرحمن قمّاط كتاب من الحجم الكبير بعنوان: قوالب الموسيقى العربية ـ الغنائية والآلية. في 235 صفحة، سنة 2019م، عن دار كردادة للنشر والتوزيع ببووسعادة / الجزائر. أرفق المؤلف كتابه بقرص ثريٍّ ضمّنه: القوالب الآلية، القوالب الغنائية، كالابتهال، الأنشودة الوطنية، الترانيم، الموّال وغيرها. فالموشّحات، نماذج موسيقية للمؤلفين المذكورين في الكتاب 20 مؤلفا أولهم أحمد وهبي، وآخرهم ورّاد بومدين مرورا بالأخويْن رحباني، بليغ حمدي، رياض السنباطي وغيرهم. ثم نماذج من الموسيقى  الجزائرية من الحوزي، السطايفي، الشّاوي، القبائلي، الترقي، وغيرها.

        بعد الإهداء، التمهيد، المقدمة، تشكّل الكتاب من خمسة محاور: القوالب الموسيقية الآلية، القوالب الموسيقية الغنائية، بعض أعمال المؤلف الآلية والغنائية، أعلام الموسيقى العربية، نُبْذة عن الموسيقى الجزائرية. ثم ملحق ثريٌّ لموشحات عربية أرفقها المؤلف بتدوين موسيقي سُلّمي من تأليفه.

      المؤلف الأستاذ عبد الرحمن قمّاط مهّد للمتلقّي بالتشويق، والجذْب له بلغة سلسة عذْبة بالحديث عن كلمة الشرق في المجال الموسيقي المتسمة بثلاثة أرباع المسافات، ظهرت لأول مرّة، وتطوّرت في بلاد الفرس، وأنّ أسماء المقامات المستعملة إلى يومنا هذا في بلدان الشرق الأوسط كلّها مستوحاة من السلّم الفارسي فتعبير الموسيقى الشرقية هو الأصحّ، والأوسع؛ لأنها وُجدتْ، وتطوّرت في بلاد الفرس، وفي الشرق الأوسط؛ لأن هذا الشرق يضمّ جغرافيا الدول التي تؤمن بهذا الطرح الموسيقي بالعربية، وحين نصف الموسيقى بالعربية، فالمقصود البلدان العربية، وما جاورها من بلدان تحمل نفس المواصفات من لغة، ودين، وتاريخ مشترك؛ ولمّا نسمّي الموسيقى بالشرقية فالمعنى هنا أوسع حيث يشمل الابتكار، والتدوين في كل مناطق الشرق الأوسط من بلدان العرب، ومجاوريهم.

          في الجزائر كبلدٍ عربي نؤمن بالموسيقى الشرقية العربية لأن الجزائر بلد عربي، وأمازيغيٌّ عرّبه الإسلام؛ نحن نتكلّم لغة الضّاد، ونُدين بالإسلام، وتاريخنا نفس تاريخ الأمة العربية. بتطوّر الزمن صارت كل موسيقى العالم موروثا إنسانيًّا ملكا لكلّ البشرية، ومن حقّ كلّ فنانٍ أن ينهل، ويثري إبداعاته من كل موسيقا العالم.

 

التكوين الموسيقي

         المؤلف يؤمن، بل يصرّ على أن الثقافة، والتكوين الموسيقي في المعاهد الموسيقية المتخصّصة ضروري، وواجب للمؤلفين الموسيقيين كما في رأيي الشخصي كمتلقٍ مهتمٍّ في مجال القوالب الموسيقية سواء الآلية، أو الغنائية من أجل معرفة الوعاء الصحيح الذي تحتويه إبداعاتهم.

        لئن كانت القوالب الموسيقية تعني الشكل الذي تُضمّن داخله موسيقانا، وأغانينا مثلما يحدث في الإبداع الأدبي كالشعر، والقصة، والخاطرة، والرواية، والمسرحية، واللوحة؛ فيتوجّب على المؤلف الموسيقي، والمؤلف الموسيقي، والملحّن، والمغنّي أن يدرسوا القوالب الموسيقية كي يتعرّفوا معرفة علمية صحيحة جميع الأشكال التي طرح فيها الأولون إبداعاتهم الموسيقية، وألحانهم. الموسيقى الشرقية اتّسمت بكثير من الطرح الجادّ عبر أشكالها الموسيقية، والآلية ممّا جعلها متنوّعة، وثريّة من الواجب دراستها بشكلٍ مُعمّقٍ، ثريّة جدًّا بمقاماتها، وإيقاعاتها، وأساليب أدائها حيث تعتمد على الكتابة الأفقية بخلاف الموسيقى الغربية التي تعتمد على الكتابة العمودية. كلٌّ من الموسيقى العربية، أو الغربية تزدان حين تُخضع إلى التوزيع، والكتابة العمودية، أو الأفقية؛ أو الكتابتيْن معًا، فبعض الألحان جميلة ومتناسقة لا تحتاج إلى توزيع عمودي لأنها وحدها تملك خصوصيات الجمال، وبعضها الآخر يتطلّب اللجوء للهارموني ممّا يزيدها إثراءً. الموسيقى موروث إنسانيٌّ عالمي جميل يترجم ثقافات الشعوب المختلفة الأجناس، والتقاليد، ممّا يتوجّب علينا الاستفادة منه، واستثماره من أن نكون عالميين في فكرنا بالإبداع والإثراء لهذا التراث دون التخلّي عن مقوِّماتنا، شريطة أن يكون الاحترام متبادلا بين المحافظ، والمجدّد.

 

مفاهيم موسيقية

         لئن كان السّلم الموسيقيّ تتابُعًا للنغمات صعودًا، ونزولًا وفْق مسافات سُلّم دُو الكبير، المتكوّن من سبْع درجاتٍ( دوـ ري ـ مي ـ فا ـ صول ـ لا ، سي)؛ فإنّ المقام الموسيقي هو شكْلٌ موسيقيٌّ آخر، له شخصية محدّدةٌ بسُلّمٍ ذي أبعاد أخرى، ويختلف عن السّلّم الغربي؛ كذلك تعتمد الموسيقى الشرقية في تكوين المقامات على الجنس، والطّبْع، والعقْد. الموسيقى العربية الشرقية تزخر بالكثير من القوالب الآلية والغنائية المتنوّعة كالتحميلة" قالبٌ موسيقيٌّ"، والمونولوج، والديالوج، والسماعي، والشرف" قالب موسيقي"، واللونجا" قالب موسيقي تركي"، والطقطوقة، والموشّح، ناهيك عن القوالب الحرة ممّا سمح، ويسمح للمِؤلف الموسيقي العربي العمل بها جميعا، والنّهل من الأشكال، والمضامين التي تطوّرت بمرور الزّمن.

 

الحداثة الموسيقية

         يعتقد الكثير أنّ الموسيقى الحرّة هي تأْليفٌ موسيقي يخرج عن الأطر، والقوالب القديمة؛ حيث نجد كثيرا من المؤلفين يؤلفون بطريقة مغايرة، وعبْر أشكالٍ موسيقية عشوائية لا تسلسل لجُملها، ولا إضافات لما سبق من ألحانٍ عبْر تاريخ الموسيقى إيمانًا منهم أنهم أتوا بالجديد، ويجب التخلّي عن القديم؛ الصحيح أنْ لا جديد بدون القديم، هذا الأخير هو ما يُلهم التفكير في إضافات أخرى تزيد تراثنا الموسيقي، والمعرفي الفنّي إبداعًا.

        مصطلح الموسيقى الحرّة ليس بالجديد فقد اعتمده الموسيقيون الغربيون في بداية منتصف القرن العشرين، حيث فكّروا في تغيير الموسيقى القديمة شكلًا، وقوالب، وإضافة الموسيقى الإلكترونية لها، واستبدال الآلات الوترية بآلات أخرى للخروج من الجوّ التقليدي الذي كانت عليه الموسيقى، وإعطائها ألوانًا أخرى مختلفة، فالغربيون انتهجوا التطوير لما كان موجودا من تُراثٍ، وتراكم فني قديم، وما انتهجوا العشوائية؛ أمّا مفهوم الحداثة لدى العرب، والمشارقة فقد تسلّل للموسيقى عبر الحركات الأدبية المختلفة في العالميْن العربي والغربي. في مصر على سبيل المثال فكّر المرحوم الموسيقار عبد الوهّاب في تغيير بعض الأشكال الموسيقية الآلية كالتحميلة إلى قالَبٍ جديد سُمّي بـ" الفانتازيا"، كما عمل على إدخال بعض الآلات الإلكترونية بعد ذلك في أغاني أم كلثوم، وهو إجراءٌ إيجابي كأن ننطلق من مضامين قديمة، ونضيف إليها الجديد للتطوير.. بدأت حركة التجديد الموسيقي في العالم العربي خلال العشرينات من القرن الماضي، وتواصلت في الثلاثينات، وحتّى إلى ما بعد؛ إذ اقتبس العرب كثيرًا من النماذج الغربية كــ " المونولوج، والديالوج، والفولكة"، ويُعتبر السيد درويش، ومحمد القصبجي، من أوائل المؤلفين الذين فكّروا بجدٍّ في التجديد للموسيقى العربية سنتي 1920م، و1935م.

 

القوالب الموسيقية الغنائية
الغناء الشرقي اعتمد، ويعتمد على أساليب مختلفة في الأداء، وإلى أشكال تتميّز عن بعضها البعض، فمنها البسيطة، ومنها المركّبة، إذ هناك اختلافٌ كبير في الأشكال الغنائية نتيجة حتمية لاختلاف النصوص، والمضامين المطروحة من جهة، وعلى أن الفنون تطوّرت بتطوّر الشعوب من جهة أخرى ممّا أثْرى الساحة الفنية مشرقًا بالجديد؛ إلّا أنّ من المؤسف أن ذلك التطوّر أصابه الرّكود، وتراجع كثيرا عمّا رسمه الموسيقيون الأوّلون، أصبح الغناء عشوائيًا لا ينمّ عن الحركية الإبداعية المتطوّرة جماليا، وذوقيا، نتيجة الكثير من الأزمات السياسية، والاجتماعية، وغيرها في كل البلدان العربية، وإلى تراجع الإنسان نفسه، واستسهاله لكل أشكال الحياة، وطغى التفكير المادّي البحت في العلاقات الإنسانية، والبيْنية، ممّا أثّر على روح الإبداع الثقافي عمومًا.
من أهمّ القوالب الموسيقية الغنائية الشرقية:" الموشّح" الذي يعتبر من أقدم القوالب الغنائية التي نشأت في الأندلس، حيث اقترن اسمه بالوشاح الذي كانت تتزيّن به المرأة في ذلك العصر، اتّكأ على الشعر الفصيح بأوزان مختلفة في آنٍ واحدٍ من أجل حرية التلوين أوّلًا، وأثناء تطوّره امتزج بالألفاظ العامية، وأقحمت في كثيرٌ من الكلمات التركية، والزخارف على غرار: آمان مفخّمة، جانم، يا ليل في مرحلة ثانية. لحّن العرب الكثير من الموشّحات على إيقاعات مختلفة." القصيدة"، تعتبر من أرقى القوالب الغنائية العربية، كما أنها تتميّز بالشعر العربي الفصيح، والمقفّى؛ والقصيدة كما هو معلوم هي ما فاقت أبياتها السبع، أو العشر؛ واقتصرت قديما على الشعر الديني حتى منتصف القرن التاسع عشر، ثم فيما بعد مسّت كلّ المجالات. تتميّز القصيدة من ناحية التأليف الموسيقي بالمقدمة الموسيقية للمقام الرئيسي، فالانتقالات الفرعية، والحبك الجيّد للجسور بين مختلف النغمات، فنهاية العمل الذي يؤديه المطرب منفردا، مستعرضا فيه قدرته على إخضاع الشعر للنغمات، ومن أهمّ الأعمال الموسيقية الغنائية في هذا المجال رائعات " الجندول، كيلوباترا، لا تكذبي" للموسيقار عبد الوهاب. " الدّور"، يتميّز بالعودة إلى المقام واللحن الأساسيين بعد التنقّل بين مقامات أخرى قريبة، أو مشتقّة منه، الدّور قالب غنائي عربي عريق جدا ظل حبيس الكتب لمئات السنين، لكنه عاد في أواسط القرن التاسع عشر في مصر بشكل قوي متطور مع ظهور الحركة القومية العربية في مواجهة الثقافة التركية السائدة حينذاك. أمّا " الموّال" هو فنّ من الغناء المرتجل، من أقدم الأنماط الغنائية، كما أنه فنٌّ شعبي تُطلق عليه أسماء كثيرة، نسبة لعدد الأبيات المنتقاة ذات الأصول اللغوية العامية، تُستخدم فيها المُحسّنات اللفظية، والمعنوية من مقابلة، وجِناٍسٍ، وطِباقٍ، وتورية، وصور بلاغية قويّة من أجل الزّخْرفة. الموّال غناء فردي حرٌّ لا يتقيّد بأزمنة، أو إيقاعات، والموّال يعتمد في سرْد القصص الشعبية، والذكريات، والمدْح، والغزل، يستعرض من خلال أدائه المطرب مخزونه الموسيقي، وكل التغييرات الممكنة التي يحوزها، التي تُظهر قدرته على أداء هذا النمط الغنائي.

المونولوج
" المونولوج"، قالب غنائي ظهر في العشرينيات من القرن العشرين، وأوّل من أدخله إلى الموسيقى العربية سيد درويش سنة 1920م، عبر أغنية: والله تسْتاهل يا قلبي، لغويا مصطلح لاتيني يعني الأداء المنفرد، تشير التسمية إلى أن النص يُؤدّى من طرف شخص واحد. هذا القالب يتّسم بالرومانسية في القصص التي تعبّر عن مآسي الإنسان المختلفة، منها الغزلية وغيرها من مناجاة يحاور فيها الفنان نفسه مستعينا بمخزونه الدرامي، والتعبيري، يعتمد المونولوج على سرْد الشعر، والموسيقى، لذلك يتطلّب مهارات عديدة، ومعرفة واسعة. نجاح المونولوج مسؤولية الملحّن بالدرجة الأولى؛ ورغْم أن المونولوج كقالب فنّيّر يمنح الملحّن حرية واسعة في صياغة لحنه، وهذا ليس بالسهل، فلا يقدر عليه غير المتمكّنين، قالبٌ عزف عنه في العصر الحديث أغلب الملحّنين، إنها ألحان يجب أن تكون متماسكة، ويُراعى فيها الدراما الفنية؛ يعتمد تلحين المونولوج على الدراما التعبيرية، الصوت المقتدر، ذروة النصّ، الختام الذي قد يكون هادئا، وقد يكون خارجًا عن الماْلوف، بحيث يُحدث عنصر المفاجأة.
ومن القوالب الموسيقية " الديالوج "، هو قالب غنائي عبارة عن حوار بين إثنيْن، أو أكثر، ويُتّخذ لأهداف عديدة منها المواقف العاطفية بين الحبيب وحبيبته، أو في مواقف أخرى كالخطاب بين أفراد المجتمع، بين العسكري وقائده. الديالوج قالب مقتبس من الموسيقى الغربية، وأول منْ جاء به للموسيقى العربية سيد درويش سنة 1920م، في أوبيرات العِشْرة الطيبة. يتكون الديالوج من حوار يربط النص الشعري بالغناء في نفس الوقت، يأتي على لسان طرفيْن متحاوريْن، ممّا كلا من الشاعر، والملحّن إلى ضرورة إيجاد صيغٍ لوحدة النصّ الشعري، واللحن. توجد أسماء أخرى يطلقها أهل الشرق مثل: النشيد، الإنشاد، الترانيم، التوشيح، الابتهال. فالتوشيح معناه التزيّن، ومصدره كلمة الوشاح الذي تتزيّن به المرأة، وظهر في بلاد الأندلس، حيث استعمله أهلها في مجال الشعر، وداء في البداية باللغة العربية الفصحى بقوافٍ، وبحورٍ مختلفة؛ ثم امتزج باللغة العامية، واستُغلّ في طرح جديد للقوالب الغنائية، فسُمي بالموشح. أمّا الترانيم والابتهال فمدلولهما واحد تقريبا، وهو التضرّع لله سبحانه وتعالى عبر الصلاة والدعاء، والبكاء له، الترانيم ارتبطت تاريخيا بما يؤدّى في الكنائس من طقوس غنائية، رفقة العزف الموسيقي. الابتهال له علاقة وجدانية مع الله، يُؤدى في أشكال من الصلاة والدعاء تضرّعًا لله عزّ وجلّ، إذ ارتبط تاريخيا بالعقيدة الإسلامية. أمّا النشيد قطعة من الشعر، أو الزّجل تختصّ بموضوع حماسيٍّ، أو وطني تُنشده مجموعة معيّنة، كالنشيد المدرسي الذي يغنيه أطفال المدارس، أو النشيد الوطني.

أعمال المؤلف الآلية والغنائية

       الموسيقار، الملحّن، العازف، الباحث الأستاذ عبد الرحمن قمّاط موسوعة معارف في علم الموسيقى وفنونها وله بصمته الكبيرة، من ذلك أنه خصّص المحور الثالث من كتابه الذي بين أيدينا لمساهماته التي وسمها بــ ّ بعض أعمال المؤلف الآلية والغنائية"، أعمال تمثّلت في تأليف السلّم الموسيقي، والتلحين، والأداء، كـ " سماعي كرد وحجاز، سماعي حجاز كار، سيرتو اثركورد، موسيقى أيامي، صديقي الشاعر، رقصة الجمل، سماعي طائر الفينيق حجاز، سماعي بياتي شوري الأصدقاء، إلهي لا تعذِبْني لأبي العتاهية مع التلحين، والأداء الغنائي، يا حسرتاه للشاعر محمد بن يسير، مع التلحين والأداء الغنائي، قسما بالله للشاعر الأستاذ محمد علي سعيد، مع التلحين، والأداء الغنائي، إلهنا ما أعدلك للشاعر أبي نواس، مع التلحين، والأداء الغنائي، تدوين موسيقي لمؤلف، للموشحات: منيتي عز اصطباري، موشح حير الأفكار بدري، زارني المحبوب، بدت من الخدر، مبرقع الجمال؛ قطع موسيقية: سماعي نهاوند إلى ولدي كريم، لونجا حجاز كار كورد

 

أعلام الموسيقى العربية

        الموسيقى العربية هويّة، ثقافة، تراث، لم تأت من فراغ؛ بل هي زخْمٌ معرفي، وتراكم ثقافي، إنساني، عربي تبنّته، وحفظته، وساهمت فيه منذ القديم أجيال، وأسماء تركت عليه بصماتها الجمالية، الفنية الرّاقية، في المحور الرابع من الكتاب ذكر المؤلف أهمّ الشخصيات الموسيقية العربية على سبيل المثال التي ساهمت في الإثراء، والإضافة في مجال القوالب الموسيقية، والآلية، منهم: عبده الحامولي، محمد عثمان، سلامة حجازي، الشيخ علي درويش، سيد درويش، عمر البطش، محمد القصبجي، زكريا أحمد، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، فريد الأطرش، محمد الموجي، بليغ حمدي، الشريف محمد الدين حيدر والمدرسة العراقية، الأخوان الرحباني، مارسيل خليفة، وغيرهم.

 

الموسيقى الجزائرية

       الموسيقى الجزائرية ثريّة ومتنوّعة، فيها أنماطٌ غنائية، وآلية عديدة، نظرا لشساعة الجزائر جغرافيا، واختلاف لهجاتها، وثقافاتها، وتقاليدها ممّا أنتج موروثا متميزا، ومختلفا؛ ففي الشمال توجد الموسيقى الأندلسية، وموسيقى الشعبي، وموسيقى الحوْزي، الموسيقى القبائلية، النوبة الجزائرية؛ وفي الجنوب توجد أنماط موسيقية كثيرة من أهمها موسيقى التيندي، والفوندو، والخماسي، والياي ياي في شمال الصحراء، وفي الشرق الجزائري توجد موسيقى المالوف، وغيرها، إضافة إلى الموسيقى الشاوية، الصحراوية، السطايفية، الترقية، الوهرانية؛ العامل المميز للكل هو اختلاف النصوص في المرجعية اللغوية التي هي مزيجٌ من العربية الفصحى، والعامية الجزائرية، والقبائلية، والفرنسية؛ كما توجد بالجزائر أشكالٌ موسيقية أخرى نتيجة تأثرها بما جاورها من بلدان مختلفة غربية، ومشرقية. من أهمّ الفنانين الجزائريين الذين اشتهروا، ولهم بصماتهم في الموسيقى، والفن الغنائي الجزائري، تطويرً، وإثراء: علي معاشي، أحمد وهبي، رابح درياسة، عبد الحميد عبابسة، خليفي أحمد، البار اعمر، رحّاب الطاهر، بلاوي الهواري، نوبلي فاضل، الشريف قرطبي، محمد بوليفة، ورّاد بومدين، محمد الطاهر الفرقاني، قويدر بوزيّان، الحاج محمد العنقى، بوجمعة العنقيس، مُعطي بشير، القروابي، عثمان دلباني، بوجمية مزراق، إيقربوشون، عبد الوهاب سليم دادّة.


مؤلّف الكتاب فنّان موسيقي ذو ذوق رفيع

       مؤلّف الكتاب باعتباره فنّانا موسيقيا ذا ذوق رفيع، وملحّنا، وعازفًا على العود ومؤلفا موسيقي من أهل الطرب الجميل زيّن كتابه تدعيمًا لثقافة المتلقّي بإدماج صور الآلات الموسيقية الشرقية بين الحين والآخر ضمْن صفحات الكتاب: أنواع الكمان، آلات وترية كالعود، البُزق، الكمان. آلات إيقاعية: الدّفْ، الدربوكة، الرق. آلة الناي. كما أنه ارتأى وهو الفنّان الرّاقي الذّوّاق للفن أن يرتفع بالمتلقّي الذّوّاق مثله، وجعله يتماهى معه، ويتمتّع بما وصل إليه، قدّم له هديّة رائعة تنمّ عن الكرم العالي في شكل قرصٍ مرفقٍ بالكتاب تضمّن كل ما جاء بالكتاب من أعلام الموسيقى الشرقية والعربية، القوالب الموسيقية الآلية والغنائية، الموشحات، شخصيات موسيقية جزائرية، نماذج موسيقية جزائرية؛ كل أرفقه بعدة أعمال موسيقية غنائية للمطربين المشارقة من الأخويْن الرحباني إلى مارسيل خليفة؛ والجزائرية من أحمد وهبي إلى ورّاد بومدين، والموسيقى الجزائرية من الحوزي إلى القبائلية، كلّ هذه الأعمال غناء وأداء بأصوات أصحابها كما عرفناها وسمعناها.. لعمري إنها موسوعة موسيقية طربية من الزّمن الجميل، إنّ هذا القرص مكتبة موسيقية مسموعة بامتياز.

      جهدٌ بحثيٌّ كبيرٌ، وعمل فكريٌّ راقٍ لفنّانٍ موسيقيٍّ موسوعيٍّ ذوّاقٍ، وعازفٍ وملحّنٍ.. لعمري لفتة حضارية راقية. عملٌ فرديٌّ تــنوء بحمله العُصبة أُولي القوّة؛ ولم يسبقْ حسْب علمي أنْ قامت بمثله حتى المؤسسات الرسمية.

 

 

 

     

     

    

  

 

 

 

 

الاثنين، 17 أغسطس 2020

منح حياته للجمال والفنّ التشكيلي

 بقلم: بشير خلف

        عشق الرّسم منذ صغره، في آخر مرحلة التعليم الابتدائي بمدرسة الذكور بقمار كان يتفاجأ به معلِّمُه المرحوم شيحه محمد الطاهر أثناء إنجاز التلاميذ تمارين مادة تعليمية، يرسم بدل إنجاز التمارين. كان بدل أن يشجعه، يقسو عليه بالتقريع.

 

موهبة فنية وجدت حريتها

     في سنة 1967م تحوّل إلى المعهد التكنولوجي بمدينة الأغواط للتكوين كمربٍّ، ومعلّمٍ، في تلك المرحلة أطلق العنان لموهبته، حيث وجد فضاءه الحرّ الواسع لإبراز موهبته، وتفتّحها، بالاحتكاك بأساتذة مختلفي المشارب، والتخصصات من الجزائر، والعالم العربي، وطلبة كُثّرٍ من ساكنة ولاية خينذاك ممتدّة الأطراف: وادي سُوف، ورقلة، تفرت، المغير، جامعه، غرداية، الأغواط.. هي ولاية الواحات؛ تلكم الفسيفسائية البشرية، ساعدته في اكتساب شخصية اجتماعية، وعلاقات جديدة، متفتحة في أن تبدأ تظهر هُــويّته الفنية التي زاوج فيها بين الرّسم بمفهومه الواسع" الفن التشكيلي" و " الخط العربي".

 

فنّان إعلاميٌّ قدير

      تعارفنا في صائفة 1967م قبل توجّهه إلى الأغواط، بعد نحْو ثلاثة أشهر أُفاجأُ برسالة " دسمة" وصلتني منه، فكانت مجلة من إعداده الشخصي، وبخطّ يده، مجلّة ثقافية، فنية، ترفيهية: نصوص خفيفة، ترويحية، شعر، نُكت وطرائف، رسوم كاريكاتورية، بروتريهات كاريكاتورية لشخصيات فنية، ثقافية. استمرّت المجلة تصلني شهريا حتى نهاية السنة الأولى من سنتيْ تكوينه لتتواصل مع السنة الثانية.

 

مدرّس.. مكوّنٌ.. مبدع الجمال

      بعد انتهاء تكوينه، وتخرّجه معلّما واستئناف نشاطه مدرِّسًا في سبتمبر 1969م بمدرسة النخيل بمدينة الوادي، ظهرت موهبته كفنّان تشكيلي أعطى لمدرسته موهبته، وعطاءه الفني حيث حوّلها: ساحة، حجرات إلى معرض فني تشكيلي، موظِّفًا ريشته السحرية في توظيف الألوان لتشكيل براءة الطفولة تحفّها الطبيعة بأزهارها، وورودها، وحيواناتها، وجمالياتها المكانية؛ بل وتوسّع عطاؤه الفنّي إلى مؤسسات تعليمية أخرى.

        ذاع صيْتُه وسطع نجمُه، وتوسّع مجالُ إشعاعه، فكانت لوحاته للطبيعة العذراء: شطوط البحار، الجبال المكلّلة بالثلوج، الأنهار المنسابة بين المروج، الكثبان الرملية الذهبية، حيوانات إفريقيا في ممالكها الغابية. اهتمّ في تلك الفترة وبعدها برسم بروتريهات لشخصيات ثورية جزائرية، وشهداء ثورة التحرير خاصة في منطقة وادي سُوفْ، حيث أوّل فنّان تشكيلي رسم صورة البطل الشهيد حمّ لخضر، إضافة إلى صور الأصدقاء، والشخصيات الطربية العربية.

 

رائد الفن التشكيلي بالوادي

      في عشرية الثمانينات وقبل أن تُعيّن وادي سُوفْ سنة 1984م بحكم التقسيم الإداري، استعانت بلدية الوادي بفنّانا كي يمنح للمدينة في شارعها الرئيسي وساحاتها لمساته الفنية، (وللأمانة عهد ذاك كان الوحيد المتفرّد في الساحة الفنية التشكيلية)، فانتصبت جدارياته، ولوحاته على حاملات حديدية على طول الشارع، تُغنّي للجزائر في مسيرتها الصناعية، الفلاحية، الثقافية، التاريخية من خلال صور المعارك، معارك المنطقة، الشهداء. كما ساهم في تعريب المحيط بخطوطه الجميلة في بعض الإدارات، والمؤسسات، والمحلّات التجارية.

      ساهم في تكوين المعلمين في مادّة الرّسم، وسهّلها لهم، وهي المادّة التعليمية العصيّة على المعلمين والمعلّمات إذ يعانون صعوبة في تقديمها إلى المتعلّمين، فألف لهم فنّانُـــنا ستة كُتيبات بها خطوات مبسّطة تساعدهم على تعلّم الرسم، وتنفيذه بسهولة معلما، ومتعلما، كتيبات تتعلق برسم الحيوانات، والنباتات، والأشكال الهندسية، وراجت تلكم الكتيبات، وطُبعت عدّة مرّات، ولم يكتفِ بذاك؛ بل شارك مع مشرفي التربية في تأطير الندوات من خلال مواد الرسم، والأشغال اليدوية، والأيام التكوينية للمعلمين والمعلمات في عديد مناطق وادي سُوفْ. تواصلت مساهماتُه في التكوين حتى لمّا صار أستاذا لمادة الرّسم طوال سنوات في إحدى المتوسّطات بالمدينة.

 

رسّام المجلّة.. مانحُها البعدَ الجماليَّ الفنّيَّ

      في الثمانينات من القرن الماضي كان يُقام مهرجانٌ ثقافي سنويًّا في مدينة قمار، يحضره إعلاميون وأدباء جزائريون تشرف عليه الجمعية الثقافية بقمار التي كان يرأسها المرحوم إدريس التهامي، فكان فنّانُنا من الأوائل الذين يُعدّون بخطّ يده اللافتات، والمعلّقات، والجداريات زمن خلُوّ حياتنا من الطابعات؛ كما كان للجمعية مجلّة دورية اسمها" المنبر الثقافي" كان هو رسّامها الذي يعطيها اللمسات الفنية التي تُلفت نظر المتلقّي إلى الموضوع، كما كان يوشّحها برسومات كاريكاتورية مُضحِكة، أو ساخرة.

     بإرادته تحوّل من قطاع التربية إلى قطاع الشبيبة والرياضة التي انتهى فيها إلى مدير لدار الشبيبة والرياضة؛ بمجرّد تنصيبه لم يكتفٍ بمنصبه الإداري التسييري كعادته شرع في تزيين، وتجميل المؤسسة بلوحات رائعة للبراءة، والطبيعة، وتحبيب الفن التشكيلي، وسحْر الألوان للمُكوِّنِ، والمتكوّن، والزائر في المؤسسة، ولها ومسّ التكوينُ للمتكوّنين من البراءة، والعاملين.


..مع الأدب الرّاقي شرْقًا وغرْبًا

      للأمانة التاريخية من الكُتّاب الذين أثّروا فيّ كثيرا خلال بداياتي الكاتبُ المهجري جبران خليل جبران؛ في نهاية الستينات وجدتُ لدى صديق العمر بشير بلباح أصيل بلدتي، الفنّان التشكيلي، الكبير الخطّاطٌّ الذي كان يهيم بالجمال، ولا يزال في كلّ تجلياته، وجدْتُ أغلبَ كُتُب الكاتب الفنان التشكيلي، الشاعر الفيلسوف اللبناني، المهجري جبران منها: العواصف، النبي، الأرواح المتمردة، الأجنحة المتكسرة، دمعة وابتسامة، عرائس المروج، البدائع والطرائف. كان هذا الصديق متأثرا بجبران الكاتب الرومانسي، الرسام الفيلسوف، الشاعر الألمعي، ارتأى الصديق أيّامها أن نقرأ بتمعُّنٍ كتابات هذا الفيلسوف، فقد قرأنا أغلبها، وتأثّرنا بنزعته الجمالية، وصرخاته تجاه ظُلْمِ الإنسان لأخيه الإنسان.

       ومن الكُتّاب المبدعين الروائيين الغربيين الذين قرأنا لهم الروائي الإيطالي ألبيرتو مورافيا (1907 ـ 1990م)، الذي تـميّزت أعماله الأدبية بالبراعة والصدق والواقعية، حيث اهتمّ ذلك الكاتبُ الروائي بـمناقشة الكثير من المشاكل الاجتماعية التي كانت موجودة في إيطاليا. هاجم من خلال رواياته الفساد الأخلاقي الذي كان متـفشِّيا في بلاده إيطاليا، كتب في الكثير من المجالات والتي لازال أثرها قائما حتى وقتنا هذا.

      ومن أهم السمات التي تغلب على أكثر الأعمال الأدبية التي قام الكاتب ألبرتو مورافيا بكتابتها، هو اهتمامه بالاندماج في سرد الكثير من المشاعر الخاصة بالجنس، والتي ظهرت واضحة في الكثير من التداخلات الموجودة بين الكثير من الشخصيات في رواياته، ولقد اتسم أيضا بالتركيز على القيام بعملية التحليل النفسي لنوعية العلاقة بين الجنسين، أو الزوجين والتي ظهرت واضحة من خلال أشهر أعماله "رواية الاحتقار" التي تُــــعدُّ رواية من أهم ّالأعمال الأدبية للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا.

        أغلبُ رواياته قرأتها مع صديقي: صوْتُ البحر، أنا وهو، الخطيئة الأولى، مراهقون ولكن، عذاب الحبّ، الهوان، اللّامبالون، الخدعة، السأم، الاحتقار، امرأةٌ من روما، الانتباه.

     بإرادته تحوّل من قطاع التربية إلى قطاع الشبيبة والرياضة التي انتهى فيها إلى مدير لدار الشبيبة والرياضة؛ بمجرّد تنصيبه لم يكتفٍ بمنصبه الإداري التسييري كعادته شرع في تزيين، وتجميل المؤسسة بلوحات رائعة للبراءة، والطبيعة، وتحبيب الفن التشكيلي، وسحْر الألوان للمُكوِّنِ، والمتكوّن، والزائر في المؤسسة، ولها ومسّ التكوينُ للمتكوّنين من البراءة، والعاملين.

 

اهتمام بالإخراج السينمائي

      اهتمّ في أواخر السبعينيات بالسينما: ثقافة، متابعة لممثليها البارزين، ومخرجيها ممّا أثّر فيه لاحقًا بأن يدخل عالم التصوير السينمائي وفْق الإمكانات التقنية المتاحة. ففي الثمانينات لمّا انتعش الفعل الثقافي بمدينة قمار، وكذا بمدينة الوادي من خلال عيد المدينة، والمهرجان الثقافي بقمار، شرع الأستاذ بشير في التصوير الوثائقي بتقنية سوبير08 ، وأنتج عديد الأشرطة الوثائقية عن المنطقة، وخاصة عن الحياة الاجتماعية والعمرانية التراثية، والفلاحية لمدينة قمار وضواحيها، ومن أشهر الأشرطة الوثائقية التي أبدع فيها شريط " نظرة حول سُوفْ" وبه نال المرتبة الأولى في مهرجان الأفلام الوثائقية للشرق الجزائري.

 

عشْقٌ للطبيعة

      في تلكم السنوات تعلّق بالطبيعة الخضراء، وبعالم البستنة، وأريج الورود والزهور، فأبدع فيها رسْمًا، وتعايشا في رحلاته، وسياحاته في الصحراء، وفي الشمال، وكان حلمه آنذاك أن يكون له منزل فسيح الأرجاء، يخصّص مساحة كبيرة منه لحديقة فيحاء يشرف عليها بنفسه، وبقي معه ذاك الحلم؛ وجسّمه بمنزله وفق ما سمحت، وتسمح به مساحة منزله بمدينة الوادي.

 

..مع الطرب الأصيل

      تعدّى شغفه بالجمال في تلكم السنوات إلى الطرب العربي، ومبدعيه: فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، شادية، محمد عبد الوهّاب الذي داومنا على سماع أغانيه مدّة شبه يومية، فهد بلّان، فائزة أحمد، وغيرهم؛ لكن تعلّقه كان أكثر بسيّة الطرب العربي التي كنا نسمع روائعها كلما سمحت لنا الظروف، وكان الأستاذ بشير ينتظر حفلها السنوي الذي كانت تطلّ به على محليها بأغنية جديدة، كنّا ننتشي بالسماع لــــــ: ألف ليلة وليلة، الأطلال، أراك عصيّ الدمع، يا ظالمني، وغيرها. من المطربات اللاتي شغفن صديقي بشير، ولا يزال الفنّانة المصرية نجاة الصغيرة في أغلب حفلاتها الطربية، سيّما في رائعتها " لا تكذبي، يا مسافر وحدك، القريب منك بعيد، أيظنّ"

  

موهبة متجدِّدة.. عطاءٌ مستمرٌّ

         تقاعد منذ سنوات، ولم تخـفت جذوة موهبته، فالتفت في وقت ما إلى فنّ النحت، وبرع فيه، لكن يبدو أنّ ارتباطه بالتربية، ومعايشته للبراءة، والقرْب منها تغلّبت عليه، وأعادته طائعًا راضيا، ها هو يُبدع في لوحات فنية طفولية ينشرها يوميا على صفحته الفيسبوكية؛ كما أنه من القلائل في الجزائر الذين برعوا في الرّسم على الحجارة، ها هو هذه الأيام يفاجئنا بين يوم وآخر برسومات كاريكاتورية طفولية من كُتُبٍ يُعدّها.


         موهبة متعددة الأوجه، استمرّت في العطاء لِما ينيف عن النصف قرن، ولا تزال تبدع، وتزرع الجمال، كيف لا ؟ وفنّاننا (الكبير، القدير بشير بلباح) الرائع في علاقاته، المتسامح، الحيّي، الكريم بدون حدودٍ، المتفتّح، الودود، صاحب النُّكتة، والطّرْفة؛ وأن صديقه منذ ما ينيف عن النصف قرّنٍ، مُعْرضٌ عن الشهرة الاستعراضية، والنرجسية العاشقة للذّات.

        أرفع يديّ مخلصًا، صادقًا أن يرزقه الصحة والسلامة، وأن يمنحه طول العمر، ومواصلة غرْس الجمال، وتمتيع متذوّقيه، والشكر الله تعالى الذي خلق الجمال، وبثّه في كلّ تمفصُلات الحياة.

السبت، 15 أغسطس 2020

..عندما تتحوّلُ الغيرة إلى بُغْضٍ، وحسدٍ

 بشير خلف

    البعض من الجيران قد يُظهر لك الودّ، لكن بطول العِشْرة تكتشف العكس، وهذا مقبول، ويُصْيرُ عليه لأنّ سببه مادِّيٌّ؛ أمّا أنّ تكون الغيرة التي تتحوّل إلى كُرْهٍ، وحسدٍ من أصدقاء ترافقتَ، وتزاملْتَ معهم في نفس النشاط، وفي نفْس (مراتب المسؤولية) لعقودٍ، إنّما أنت بتوفيقٍ من الله انفردْت عنهم بلعبة الكتابة، وفيروس التأليف، والإبداع الأدبي، وأكرمك الله بإصدار مؤلّفاتٍ، وبرز اسمُكَ في السّاحة الثقافية.

     الغريب أنّ هؤلاء الأصدقاء بفعْل طيبتك، وأريحيتكَ كلّما يصدر لك كتابٌ تسارع إلى إهدائه إليهم بعد مدّة تكتشفُ أنهم لم يطّلعوا عليه، ولم يقرؤوه، بل تخلّصوا من أثرك، واسمك بمنْح كتابك إلى شخْصٍ آخر، تُفاجأُ بأنه اطّلع عليه، وقرأه، لمّا تلتقي به في قارعة الطريق.

      في هذا المنْحى هل نُسايرُ ديل كارنيجي الكاتب الأمريكي، العالم في التنمية البشرية، وتطوير الذات، والعلاقات الإنسانية في مقولته، أم كيف التصرّف في هذه الحالات:

«لا تكرهْ منْ يغار منك، بل احترمْ تلك الغيرة فيه، لأن غيرته ليست سوى اعترافه بأنك أفضلُ منه.»

ديل كارنيجي

الخميس، 13 أغسطس 2020

الفنّ عابرٌ للزّمكان..!

  لا يستطيع فيروس كورونا أن يمنع الإنسان من التحليق، والسفر عبْر اللوحات ثلاثية الأبعاد.
رغم أنه أغلق المطارات، والحدود، هذا ما يشهده مهرجان “دبي كانفس” الذي سيقدم مجموعة من أكبر الفنّانين التشكيليين الذين سيتناولون موضوع السفر في لوحاتهم ثلاثية الأبعاد.

الأربعاء، 12 أغسطس 2020

..ما أكثر الأصدقاء.. لكن! ؟


     







ذبح شخصٌ عجلًا سمينًا، وسخّن المشواة، وقال لأخيه:

ـــــ «اخرج استدعِ لنا الأحباب والجيران ليأكلوا معنا..»

       خرج أخوه، ونادى:« يا ناس ساعدونا.. حريقٌ في منزل أخي..!»

       لحظات قليلة خرج مجموعة من الناس، والبقية كأنهم لم يسمعوا..

      الناس الذين أتوْا، شبِعوا لحْمًا مشْويًّا.

       التفت الأخ لأخيه متعجبا وقال:

ـــــ «الأشخاص الذين أتوا لا أعرفهم، ولم يسبق لي رؤيتهم فأين أحبابنا وأصحابنا؟ »

        فقال الأخ:

« الذين خرجوا من بيوتهم أتوا ليساعدونا (لإطفاء حريق بيتنا)، وليس لأجل الوليمة، فهؤلاء من يستحقون الكرم والضيافة».

مُــخُّ الهدرة: الذي لا تجده بجانبك في وقت الشدة لا تسميه صديقا، أو أخًا، أو حبيبا.. فذاك من يضحك عليك وقت الضيق.. ليس أهلًا للودّ، والاهتمام.

  

الأحد، 9 أغسطس 2020

ثقةٌ بالنفس، وعزيمة

    






       أوّلُ قاضيةٍ في بريطانيا، مسلمة، محجبة تبلغ من العمر 40 عاماً وأمٌّ لـ 3 أطفال.

       اعترفت أنها عانت من العنصرية لكونها محجبة، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة كفاحها للوصول لمنصب أول قاضية في بريطانيا.    

       علقت "رافيا أرشد" بعد أن تـــــمّ تعيينها كأول قاضية ترتدي الحجاب في تاريخ بريطانيا:

ــــــ «نـــصحني أهلي أن أخلع حجابي عند مقابلة مسؤول المنحة الدراسية، حتى يكون هناك فرصةٌ من أجل اختياري، ولكنّي قمت بالمخاطرة، وقررت أنْ أُقابل اللجنة بالحجاب؛ تــــمّ اختياري للمنحة الدراسية في الحقوق، واليوم بعد 17 عاما من الخبرة في القانون، تــــمّ تعييني كأول قاضية ترتدي الحجاب في تاريخ بريطانيا.»

  

الجمعة، 7 أغسطس 2020

فضائلُ الحجرِ الأسْودِ


      الحجر الأسود، ويقال له الركنُ باعتبار وجوده في الرُّكــْنِ الأهمّ من البيت الحرام، الركن الذي يبتدئ الطواف منه، وهو الركن الشرقي.

1ــ ياقوتٌ من يواقيتِ الجنّةِ.

2ــ حملهُ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ بيدهِ، ووضعهُ في مكانه حين بناءِ قُريْشٍ للكعبةِ.

3ــ تقْبيلُ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم له.

4ــ تقْبيلُ الأنبياء السابقين له قبْل النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.

5ــ هو بدايةُ الطّوافِ، ونهايتُهُ.

6ــ يُسْتجابُ عنده الدُّعاءُ.

7ــ يشهدُ يومَ القيامةِ لِـــــمنْ لـمـِسَهُ.


الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

المتاجرة بالأديان..

         في سنة 2007م بولاية تكساس الأمريكية قرّر أحدُ رجالِ الأعمالِ أن يفتح محلاً للخمور بجانب كنيسة، فاعترض أعضاءُ الكنيسة وأمسوا كل ليلة يتوجهون بالصلاة والدعاء على الرجل ... فجأة حدثت عاصفةٌ تسببت بإغلاق المحل؛ فاحتفل أعضاءُ الكنيسةِ بانتصارهم، واستجابة الله لهم !!

       أمّا صاحب الخمر فرفع دعوى قضائية ضدّ الكنيسة. في المحكمة طالب فيها الكنيسة بمليوني دولار كتعويض بسبب دعائهم عليه، بينما أنكرت الكنيسة، وأكدت أنه (لا تأثير للصلاة والدعاء على مجريات الحياة.).

        نظر القاضي في الأمر، وأثناء التصريح بالحكم قال:‏

«لا أعرف كيف سأحكم في هذه القضية، ولكن يبدو من الأوراق أن لدينا خماراً يؤمن بقوة الصلاة، والدعاء ولدينا كنيسة لا تؤمن بها » .


السبت، 1 أغسطس 2020

حصاد التملق

       اجتمع مُديرُ الشركة الجديدُ مع مُديري الأقسام في جلْسةِ تعارفٍ؛ وفي أثناءِ الحديثِ ألْقى عليهم طُرْفةً سخيفةً، فضحِكَ عددٌ منهم إلى حدِّ القهْقهةِ.

      مِن الغدِ وصلتْ قراراتُ إعْفاءٍ لكلّ الذين ضحكوا حدّ القهقهة؛ فاستغربوا.

      أمّا حاجبُ المدير الذي عايش عديد المديرين بالشركة، فقد علّق:

ــــ احْذروا التملُّقَ مع هذا الصِّنْفِ من الرؤساء.. خِــبْـــرتي تقول هكذا.

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...