السبت، 27 مايو 2023

 

الرواية الجزائرية بين الأدب والتاريخ

كتب: بشير خلف

      في سنة 2016 اشتدّ الجدل، واختلفت الآراء بين الكُتّاب، ومبدعي السّرد، والنُقّاد حول توظيف التاريخ في الرواية، فكانت لي مساهمةٌ حينذاك نُشِرتْ في صحيفة" الموعد اليومي" الجزائرية بتاريخ:30 – 07 - 2016

       قال الكاتب القاص بشير خلف:

« إن التاريخ يُـشكّل مادة أساسية  لعمل الأديب، إذ يستـقي منه  موضوعاته، وشخصياته، وعوالم نصّه؛ فليس من الصعب، أو المستحيل أن يشكل التاريخ مصدر إلهام، وتجربة، ومصدرا لعمل أدبيّ ما، مثلما  يحدث مع التجربة الواقعية المعيشة، وإن علاقة الأدب بالتّاريخ تُــعدّ  من القضايا النّقدية الشائكة، حيث  أنّ الأدب إبداع يراهن على الخيال لتحقيق الجمال، والتأثير؛ في الوقت الذي  يراهن التاريخ على عنصر الحقيقة لتحقيق الموضوعية، والإقناع.»

         وأضاف بشير خلف:

« قد يتساءل الـمُتابع للفن الروائي: عمّا إذا تأسست عندنا في الجزائر الرواية التاريخية، واحتلت مكانتها ضمن الـمتن الإبداعي السردي، ولعل الـمُتلقي الـنهِم للرواية، والشغوف بهذا الجنس الأدبي منذ ظهوره في الجزائر سواء قبل الاستقلال، أو بعده حتى يومنا هذا، وباللغتين العربية والفرنسية سيكتشف أن الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية في الفترة الـمُمتدة ما بين 1920 و1945، بدءا بأول رواية "زهراء امرأة المنجمي" لشكري خوجة سنة 1928، وما تبعها أوضحت - حتى وإن كان بصورة فردية - أن موضوع معاقرة الخمرة، ولعب القمار، وتعاطي الحشيش لم يكن عفويا ولم يكن أبدا مجرد مسألة شخصية، أو موضة أدبية لدى أولئك الكُــتاب، ولكنه أدبٌ روائيٌّ تجسّد في هاجس اجتماعي تحركه انشغالات، وتساؤلات فكرية وسياسية توضح الحدود الفاصلة بين المحرم، والمباح في الدين، وفي القانون المدني، بين حرية الفرد عند المستوطنين الأوروبيين بالجزائر، والضوابط الأخلاقية بالمفهوم الإسلامي، وهذا ما يؤكد أن أزمة هُــوية رافقت هذا الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية.

       ومنذ بداياته الأولى ليتطوّر فيما بعد»

       وأردف بشير خلف:

« ليست  روايات مولود فرعون، ومحمد ديب إلاّ امتدادا لهذا الـمتن الروائي الجزائري الذي تماهت فيه الرواية مع يوميات الإنسان الجزائري، وهمومه، وصراعه مع المستعمر الفرنسي، والتمسّك بأرضه، وهويته.»

       وفي حديثه عن الأدب العربي، قال خلف:

« فيما يتعلق بالرواية العربية انطلاقا  من نص “غادة أم القرى” والذي صدر في سنة 1947 فاتحة التأريخ لجنس الرواية في الجزائر، ثم رواية “ريح الجنوب” لعبد الحميد بن هدوقة  سنة 1971 وما تلاها من رواياته الأخرى، وروايات غيره أمثال  الطاهر وطار، بقطاش مرزاق، محمد مصايف، محمد عرعار، حفناوي زاغر، عبد المالك مرتاض، محمد مفلاح .. وغيرهم من جيل السبعينيات، هؤلاء الذين تفاعلوا مع التحولات المختلفة للمجتمع الجزائري بعد الثمانينات حتى أيامنا هذه على غرار واسيني الأعرج، محمد ساري، أمين الزاوي، الحبيب السايح، الزهرة ديك، ياسمينة خضرا، أحمد حمدي :حومة الطلياني ـ   وغيرهم الكثير؛ لئن كانت الثورة الجزائرية الـمَعين الأساس للرواد، فإن الـمُخضرمين تحولوا إلى الكتابة عن مختلف التحولات السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يجعلنا نستخلص أن الـمتْــن الروائي الجزائري مُــتماهٍ مع التاريخ أكثر من تماهيه مع الذات المبدعة.»

      وتساءل خلف في ذات السياق (هل من محض الصدفة أن يكون هذا التراكم الروائي الجزائري الذي هو في علاقة قوية مع التاريخ ، محلّ اتفاق مع المبدعين الروائيين ؟ أم أن  الأمر مجرد صدفة فرضتها ظروف الجزائر في عهودها الـمُـتّسمة دومًا بالحركية، والتغيّر؟ )، معقبا:” في رأينا هذا هو الصحيح.”

      وأفاد، بشير خلف، أن:

 « معالجة التاريخ في الرواية يختلف عنه لدى المؤرخ الذي لا يتعامل مع الخيال، فالروائي قد يتعامل مع حدث تاريخي عاطفيا، وقد يتوقف عند زوايا غامضة أهملها المؤرخ ليصبغ عليها مسحات إنسانية، وفق قول الروائي واسيني الأعرج: ” إن رهان الرواية التاريخية يكمن في تعقُّب الفراغات التي لازالت قائمة، والاستناد إلى بعض العلامات المضيئة لتقول ما أغفله المؤرخون ولم ينتبه له غيرهم”.»

 

 

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...