الجمعة، 29 نوفمبر 2013

أمين الزاوي في حوار مع جريدة الشروق اليومي

حين أقارن بين قارئ بالفرنسيـة وآخـر بالعربية في بلـد
كالجزائر أشعـر وكأنّني أمام شعبين
        آخر عمل روائي صدر للروائي أمين الزاوي كان روايته الجديدة التي اختار لها ”نزهة الخاطر” عنوانًا. وحسب الزاوي فإنّ هذا العمل يشتغل على تيمات جديدة، ويستحضر شيئا من السياسي لمقاربته بالواقع. في هذا الحوار الذي خصّ به أمين الزاوي ”الشروق” يجيب عن عدد من الأسئلة ذات العلاقة بالإبداع في الجزائر، ولا يتردّد صاحب ”الرعشة” في نقد بعض الممارسات الثقافية، بين قوسين، التي أساءت للمشهد الإبداعي جزائريا وعربيا، كما يحاول مقاربة المسألة اللُّغوية في الإبداع الجزائري. ويؤكد الزاوي أنّه بالرغم من أنّ زمن ثقافة بريجنيف قد ولّى، إلا أنّ الجزائر لم تتخلّص بعدُ من مرحلة الممارسة البريجنيفية في الثقافة.
    
      روايتك الأخيرة ”نزهة الخاطر” تشتغل على تيمات قلت إنها مختلفة، حدثنا عن عملك الأخير، وما الذي أراد الزاوي أن يقوله روائيا من خلاله؟
      أنهيت رواية جديدة باللُّغة العربية اخترت لها عنوان ”نزهة الخاطر”، صدرت في طبعة مشتركة لبنانية جزائرية، عن منشورات ضفاف بيروت ومنشورات الاختلاف الجزائر، و”نزهة الخاطر” رواية تقارب ظاهرة الجنون، وارتباطه بالجنس والدين والتهميش والأسفار، رواية ”نزهة الخاطر” تعيد ربط الرواية العربية الجديدة والحداثية بذاكرتها الشجاعة في التراث العربي الإسلامي، وهي وإن ترتبط بهذا التراث، إلا أنّها رواية تجري أحداثها ما بين حاضر الجزائر العاصمة وقرية صغيرة من قرى الجزائر اسمها باب القمر وأوروبا. رواية تستعرض قضية تبدو لي أنّها تُطرح لأول مرة في الكتابة الروائية العربية، وهي مسألة حب الأخ لأخيه حتى الاندماج الكلّي، حيث كثيرا ما يسكن الواحد نفس الآخر…
       رواية ”نزهة الخاطر”، نصٌّ في الدين الشعبي البسيط والمتفتح على الحياة والاختلاف والثقافات، ومن خلاله تتبدّى الحياة الاجتماعية بكلّ عنفها الجميل.
      رواية ”نزهة الخاطر”، هي نصٌّ يعرض أيضا لتاريخ الجزائر في العشر سنوات الأولى من الاستقلال، وهي أول رواية جزائرية تستحضر شخصية مصالي الحاج، مؤسس الحركة الوطنية الجزائرية الحديثة، وتحاول أن تقرأ ما عاناه هذا التيار السياسي بعد الاستقلال…
    
     قلت إنّ الروائي العربيّ مفصولٌ عن تراثه، فهو يريد أن يكون مخنّثًا في الكتابة..، هل نستطيع القول إنّ الروائي العربي صار بلا موقف سياسي، خاصة إزاء جغرافيا التحوُّلات الاجتماعية الحاصلة عربيًا، فهو إذن مخنّث سياسيًا أيضا ؟
       لماذا أخفقت الحداثة الروائية في الأدب العربي؟ أعتقد أن هذا الإخفاق في الرواية، كما في الفكر، سببه أنّ ما أسس في العقل العربي الإبداعي أو التفكيري هو من ”المنقول” أساسًا، فالعطب الذي يُصيب النص الروائي العربي يعود في بعض ذلك إلى كون الروائي غير مثقف معرفيًا، الرواية العربية تأسّست على الخطاب السياسي الغاضب، ولم تتأسّس على الخطاب الاجتماعي العارف، ولو كان الروائي العربي قارئا معرفيا، لعاد أساسا إلى التراث الفقهي الشجاع لاستثماره في مواجهة السلفيات الجديدة والتعصُّب المرضي في السياسة وفي الدين، ما في ذلك شك فقد حاول الروائي جمال الغيطاني مشروع العرفانية في الرواية، ولكن تجربته لم تأخذ البعد الذي تستحقُّه، من هنا أقول إنّ أية حداثة قادمة من قطيعة مع الذات وقائمة على قراءة مشوشة للآخر، وهذا نظرا لعطب في الترجمة إلى العربية، حيث إنّها متخلّفة لا تواكب ما يجري حولها، وأيضا تعيش رقابة ومقصا لا يرحم، هذه حداثة روائية معطوبة، وهو ما نحن أمامه الآن، إذ أصبح المثقف العربي لا يقرأ تراثه الشجاع، ولا يعرف تراث غيره أو يعرف قشوره أو المشوّه منه، القادم في ترجمات غير أمينة وخاضعة لرقابة أخلاقية وأمنية.
      لذلك فما هو قائمٌ في الأدب من تخنيث، قائمٌ أيضا في السياسة، فالروائي العربي اليوم الذي كان ذات يوم يساريًا، تراه يتلهّف على المال ويكتب لذلك نصوصًا مليئة بالغموض السياسي والمراهقات الأيديولوجية والاجتماعية والانتفاخ اللُّغوي.

في حوار نادر أُجري مع مولود معمري منذ أكثر من ثلاثين سنة، سُئل عن مشكلات الكاتب الجزائري الذي يكتب بالفرنسية، فأجاب بأنّ أهمّ مشكلة هي مشكلة القُرّاء، لارتفاع نسبة الأميّة، ولذلك فأغلب قرائنا في الخارج..، من دون شك تغيّرت المعادلة اليوم، ومع ذلك يلجأ الروائيون الجزائريون الذين يكتبون بالفرنسية، إلى دور النشر الفرنسية، هل الدخول إلى القارئ الجزائري عبر البوابة الفرنسية ضرورة ؟
      شخصيًا أقول، وأنا الروائي الذي يكتب باللُّغتين العربية والفرنسية، وهذا ثابت من خلال ما أشهده في لقاءاتي مع القرّاء في المدن الجزائرية، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، بأنّ القارئ باللُّغة الفرنسية وبعد أربعين سنة من التعريب، هو الأكثر حضورا والأكثر فاعلية وتفاعلا مع الرواية، ولم يعد القارئ بالفرنسية من الجيل القديم، بل إنّ ما ألاحظه وفي كلّ لقاءاتي ومناقشاتي وبيعي بالتوقيع، بأنّ القارئ للرواية الجزائرية بالفرنسية، أصبح خلال العشر سنوات الأخيرة من الشباب، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تفكير وقراءة سوسيولوجية وسياسية وثقافية ولغوية،
       هناك عودة إلى اللُّغة الفرنسية بشكل واضح في القراءة الروائية والأدبية بشكل عام، وبعيدا عن التفسير السياسي البسيط إني أقول إن المجتمع الذي يُقبل على اللغات الأجنبية مجتمعٌ ديناميكي، وقابل للتقدُّم، ولكن دون التفريط في لغاته الوطنية، للأسف فالكتابة بالعربية لا تحظى بذات الاهتمام في بلادنا، مع أنّ لنا كتابا متميّزين من الجيل الجديد، ولكنّهم يعانون نوعًا من التهميش، ولعلّ ما نقرأه هنا وهناك من بعض مظاهر الغضب التي تأخذ شكلا لغويا يؤكد بداية انقسام جديد في المجتمع الثقافي الجزائري على أساس لغوي.
      ما هو مطلوب اليوم، هو إعادة ربط الجزائر بمحيطها الثقافي العربي، وخاصة محيط الكتاب، إعادة ربطها المتواصل بالكتاب العربي التنويري الجيّد، خارج مناسبة معرض الكتاب الدولي، الكتاب حياة مستمرّة ويومية، ونحن نعيش قطيعة واضحة مع سوق الكتاب العربي، سواء بالتصدير أو الاستيراد، فلا الكتاب الجزائري بالعربية المنتج في الجزائر يصل إلى المكتبات العربية، ولا الكتاب العربي يصل إلينا، وحال الكتاب بالفرنسية ليس أفضل من الكتاب بالعربية، لكن هناك عدة قنوات متاحة لتوصيل الكتاب بالفرنسية، منها العلاقة المعقّدة اجتماعيًا ولغويًا بين الجزائري والمجتمع الثقافي الفرنسي.

      أمين الزاوي يكتب باللُّغتين العربية والفرنسية، هل ينطلق الزاوي من خلفية معيّنة عندما يكتب لقارئ يستهلك بالحرف العربي، وهل ينطلق عند الكتابة لجمهور يستهلك الإبداع بلغة موليير، من المنطلقات نفسها؟
      أنا لا أخون قارئي، كان بالعربية أم بالفرنسية، أكتب بذات الحسّ التكسيري في اللُّغتين، أطرح ذات المشكلات وأقاربها بذات الرؤية دون خوف، أحترم القارئ العربي كثيرا، ولكنه يخيفني كثيرا، لأنني أشعر بأنّ له أحكامًا مسبقة، فهو يُصنّف النص الإبداعي من زاوية نظر غير أدبية، ونظرا لطغيان الثقافة الدينية الأيديولوجية الاستهلاكية، فالقارئ بالعربية ينطلق من هذه القاعدة لمقاربة النص الروائي الذي له منطقه الخاص به، لذا حين أقارن ما بين قارئ بالفرنسية وآخر بالعربية، في بلد كالجزائر، أشعر وكأنني أمام شعبين، وهذا ناتج عن غياب الثقافة النقدية في الثقافة الرائجة بالعربية عندنا.

      عندما يقول الزاوي ”إنّه ليس المهمّ أن تُعجب رواياتي القرّاء.. المهمُّ أن أكون حرّاً..”، هل معنى ذلك أنّ الزاوي لا يرى في قارئه ما يدفع إلى هذه الحرية ؟
       أنا أكتب لا لأُرضي القارئ، أكتب لأقلقه، لأثير فيه أسئلة قد يخاف مواجهتها، الرواية التي لا تُعلّم النقد رواية فاشلة، الرواية التي لا تساهم في صناعة قارئ قادر على الاختلاف وقبول الآخر ورؤية نفسه في المرآة، هي رواية لا تُقدّم كثيرا للمجتمع الإبداعي. يهمُّني خلق ”تشويش” لدى القارئ العربي الذي أصبح يعيش حالة من الطمأنينة الكاذبة، يهمُّني خلخلة القارئ الذي أضحى يتعامل مع الدين بطريقة سياسية، أن أجعله يطرح أسئلة أخرى ولكنّها من داخل المرجعيات التاريخية والمعرفية والإيمانية نفسها.

ازدهرت في فترة ما نقاشات حول موضوع المجايلة الأدبية في الجزائر، وأوشكت تلك النقاشات أن تتحوّل إلى عداوات، لكن ماانفكّت تخبو، هل معنى ذلك أنّ الأجيال الروائية تصالحت فيما بــــينها ؟
      الأدب لا يتقدّم أو يتأخّر في علاقة طردية مع عُمر الكتّاب، الأدب يتطوّر مع صناعة النصوص الجيّدة، يتطوّر أو يتأخّر مع دَرَبَة التجربة الفردية والتجربة الجماعية أيضا، لاتزال نصوص أدبية شعرية أو روائية تعود إلى عصور قديمة أو حديثة، حيّة ومعاصرة تُقرأ وتثير الأسئلة والتأويلات وتؤثر في الذائقة الفردية والجماعية.
        أسمعُ بعض النقاشات الفارغة حول صراع الأجيال الأدبية، حيث كلُّ طرف يريد أن يعلّق إخفاقه على الآخر، أقول بأنّ ما يُميّز الكتابة هو الإبداع، فكم من الشيوخ يعيشون بعقلية مستقبلية ويُبدعون نصوصًا حداثية، وكم من الشباب عمرًا يعيشون بعقلية قروسطية تقليدية متجاوزة.


     من الغريب أن يقف النقد الأدبي في الجزائر عاجزا عن مواكبة الحركية الإبداعية الروائية في الجزائر، ما الأسباب وراء ذلك برأي الدكتور أمين الزاوي؟
         أعتقد أن الجامعة الجزائرية من خلال أساتذة النقد والأدب المعاصرين لا تقوم بدورها، فالنقد الجامعي غائب، والأستاذ الجامعي للأسف تحوّل إلى ”معلّم” يكتفي بتلقين معلومات قالها ذات يوم طه حسين أو شوقي ضيف أو زكي مبارك أو محمود أمين العالم (مع احترامي لهؤلاء جميعا)… وانتهى الأمر، الجامعة معزولة، غائبة عن الحركة الأدبية الروائية في الجزائر، وهذا الغياب جعل النقد الصحفي البسيط يأخذ مكان النقد الجامعي، وأصبح الصحفي هو من يصنع الأسماء، والجامعة تتبع هذه الصناعة دون قراءة أو إعادة قراءة، بل تُكرّسها في كثير من المرّات دون مُراجعات. الجامعة الجزائرية عليها أن تتفتّح وتنفتح على الرواية وعلى الروائيين، خاصة أقسام اللغة العربية وآدابها، فهم على قطيعة شبه عدائية، في عموم المشهد، لا أتحدّث عن استثناءات بسيطة، فهناك أساتذة يحاولون ملاحقة المشهد الروائي كالأستاذ وحيد بن بوعزيز وعامر مخلوف ومونسي حبيب واليامين بن تومي ورشيد كوراد ولكنّهم قلّة، على قطيعة مع  الإنتاج الروائي بالعربية وعلى العكس من ذلك، نجد أقسام اللغة الفرنسية وآدابها مرتبطة بالإنتاج الروائي الجزائري بالفرنسية، في النقد باللُّغة الفرنسية للرواية الجزائرية باللُّغة الفرنسية، نجد تجاوبًا ما بين النقد الجامعي الأكاديمي والنقد الصحفي، بل إنّ النقد الصحفي تابعٌ للنقد الجامعي.

      طرح الزاوي في وقت سابق سؤالا هامًّا مفاده لماذا لم يُتوّج الأدب الفرانكفوني المغاربي بنوبل، وطُرح في محاولة الإجابة مشكلتان، أولاهما تتعلّق بكون هذا الأدب ظل أدب استهلاك موسميًا، وثانيهما تقلُّص إشعاع اللُّغة الفرنسية والآداب التي تكتب بها أمام ما يكتب، من رواية وشعر، في لغات صعدت فجأة كالصينية واليابانية والكورية والتركية.. هل معنى ذلك أنّ الأدب المغاربي المكتوب بالعربية أوفر حظًّا في التتويج بنوبل يوما ما؟
       بدا لي من خلال قراءاتي للرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية منذ الجيل الأول الذي مثّله محمد ديب وإدريس شرايبي وألبير ميمي وكاتب ياسين ومالك حداد ومولود معمري ومحمد خير الدين وغيرهم، وحتى جيل أزمة العشرية الدموية في الجزائر، بدا لي بأنّ هذا الأدب مرتبط كثيرا بالمواسم السياسية والأيديولوجية من موقف المساندة أو موقف المعاداة، وشعرتُ بأنّ الرواية المغاربية تنقصها الرؤية الفلسفية، تفتقر إلى التأمُّل كأساس للكتابة الروائية، وأشعر أيضا أنّ الروائي المغاربي مثقّفٌ سياسيًا وتنقصه الثقافة الفلسفية والنفسية واللُّغوية التي بها يستطيع تقليب العالم على قراءات معقدة، بدا لي أيضا أنّ الرواية المغاربية بسيطة، والبساطة فيها ليست بساطة إبداعية، بل هي نتاج خلل ثقافي فلسفي، وربما هذا الخلل أيضا ناتج عن انقطاعها عن تراثها العربي والبربري، فغالبية الروائيين لا يقرأون بالعربية ولا يقرأون بالأمازيغية، فهم يمرُّون إلى عالمهم عن طريق الترجمة. كما أنّ الموضوعات التي تطرحها الرواية المغاربية هي موضوعات محليّة جدا، والمحلي هنا ليس ذلك الذي يدهش بارتباطاته الإثنية والدينية والنفسية، بل ذلك المحلي اليومي الاستهلاكي السياسي. وحين أقول هذا حال الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية، فإنّ الرواية بالعربية ليست أفضل حالا، فهي أيضا عاشت ولاتزال رهينة السياسي الموسمي، والرواية الجزائرية بالعربية، مع استثناءات قليلة متميّزة تتمثل فيما يكتبه كلّ من بشير مفتي وسمير قسيمي وعبد الوهاب بن منصور وإسماعيل يبرير وربيعة جلطي، باستثناء هذه الأسماء فالرواية الجزائرية بالعربية فيها كثير من المراهقات السياسية والاجتماعية، و فيها كثير من الانتفاخ اللُّغوي الذي لا يخدم الفنّ الروائي.
      بقي لي أن أقول بأنّ الروائية أحلام مستغانمي حقّقت شيئا أساسيًا في الأدب الروائي العربي، لم يسبقها إليه سوى نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، إذ أنها صالحت ما بين القارئ العربي والرواية، وهذا إنجاز حضاري كبير.

مَنْ مِن الروائيين المغاربيين يصنع الاستثناء بالنسبة لأمين الزاوي؟
       بالفرنسية تُعجبني تجربة بوعلام صنصال لما فيها من عمق أسئلة جديدة، خلَّصت الرواية الجزائرية من ”محليّتها” العابرة، ودفعت بها إلى الموضوعات العالمية.
      وبالعربية ما زلت أعتبر الروائي المغربي المرحوم محمد شكري واحدا من أساتذتي بجرأته وثقافته الانسانية العالية.

      سؤال أخير، هل صار المثقف العربي يعيش على ضفاف المؤسّسات الثقافية الرسمية، وهل معنى ذلك أنّنا دخلنا زمن الفردانية إبداعيًا؟
       الدولة لا تصنع ثقافة، الدولة تحافظ على مؤسسات الثقافة التي من المفروض أن يعيش فيها المثقفون بنشاطهم ونقاشهم وكتبهم وتفكيرهم وتفكيراتهم، لقد مضى زمن ثقافة بريجنيف، وأشعر أنّ بلادنا لم تتخلّص بعدُ من مرحلة الممارسة البريجنيفية في الثقافة، فهيمنة الدولة وغياب المجتمع المدني واستقالة المثقفين وانتشار الثقافة الرسمية التي لا يثق فيها المجتمع، كلُّ هذه من مظاهر البريجنيفية الثقافية، مؤسسات الدولة لا تصنع ثقافة، مؤسسات الدولة تساعد المثقفين على إنتاج ثقافات (بالجمع) وتكون الحكم العدل بين الجميع، بهذا نستطيع أن ننتج ثقافة ومثقفًا يقف فيه المجتمع الذي يعيش فيه وله، على مؤسسات الدولة أن تعمل على تحويل الثقافة إلى أساس المواطنة بمفهومها الراقي الحضاري، حيث يتحقق الاختلاف والنقاش والاستماع والاحترام والعيش المشترك فكريًا واجتماعيًا وسياسيًا.
      أمام هذا الوضع نجد النجاح الإبداعي العربي أو الأوروبي الذي يحقّقه بعض المبدعين الجزائريين لا يتحقّق من خلال مؤسسات الدولة ولا برعايتها، فما ترصده الدولة الجزائرية وبإرادة سياسية عالية، وهذا شيء إيجابي، يجب التأكيد عليه وتكريسه، من دعم للثقافة لا مثيل له في دول العالم العربي وحتى في بعض الدول الأوروبية، ولكن مع ذلك لم نستطع فرض الكتاب الجزائري في السوق العربية، ولا في السوق المتوسطية الأوروبية، ولا حتى الإفريقية، لا نسمع بدار نشر جزائرية حقّقت صوتًا في المكتبات العربية أو الفرنسية أو السينغالية، مع أنّ ما يُدفع لها شيء خارق للعادة، وكلّ ما حقّقه بعض الكتّاب وبعض السينمائيين الجزائريين من نجاحات يعود إمّا إلى دور نشر أجنبية عربية أو فرنسية، أو شركات إنتاج خارجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشروق اليومي :27-11-2013
حـــوار: ميلــــود بن عمـــار


الخميس، 28 نوفمبر 2013

كتابات فضيلة الفاروق.. من تاء الخجل إلى تاء المواجهة

كتابات فضيلة الفاروق.. من تاء الخجل إلى تاء المواجهة
د. بلكبير بومدين   
أعترف بأنني تبنّيت موقفاً غير إيجابي من كتابات فضيلة الفاروق، على كل حال هذا الموقف ليس وليد الصدفة بل تشكل في ذهني (على امتداد سنوات طويلة) نتاج آرائها المثيرة للجدل ومواقفها المحيرة من الطابوهات، وجرأتها الزائدة عن الحد في الكثير من أعمالها الروائية. وبذلك ظلت صورة هذه الكاتبة (في منظوري) حبيسة إطار الخطيئة سواء في ممارستها لفن الرواية أو في حياتها كفرد داخل المجتمع، وهذا ما لم يشكل حافزا قويا لدي (كقارئ نهم) لولوج العالم الإبداعي الخاص بالكاتبة بقدر ما نفرني أكثر من الاقتراب من إنتاجها الأدبي، خصوصا وأن أعمالها كانت متاحة أمامي في الكثير من الفرص في الجزائر أو في العديد من البلدان العربية التي زرتها.
       قبل فترة قرأت على الفيس بوك خبر قدوم الكاتبة فضيلة الفاروق المقيمة بلبنان إلى مدينتي “عنابة”، كما اتصل بي الصديق عبد الحق بوشيخ مدير دار الوسام العربي (المستضيفة للكاتبة) من أجل دعوتي للقاء الكاتبة، فقررت حضور هذا اللقاء من باب أن أتيح لنفسي مساحة أوسع لفهم الرأي الآخر وإعلاء لقيم الحوار والاختلاف.
       السبت الأخير من شهر أكتوبر (2013)، كان الجو حارا والرطوبة مرتفعة بعض الشيء، الكاتبة تأخرت ساعة تقريبا عن الموعد المعلن بسبب لقاء إعلامي. لم نفاجأ كثيرا لأننا معتادون على هكذا ظروف وأوضاع.
       بعد لقاء الكاتبة تبددت من ذهني الكثير من سحب سوء الفهم والخلط بين ملامح حياة الكاتبة كإنسانة وشخوص أعمالها الروائية، لأنني كنت أعتقد أن الكاتبة تلجأ إلى الرواية هروبا من السيرة الذاتية كوسيلة للاعتراف بخطايا الجسد وذكر المغامرات والمكبوتات الجنسية، فكان ظني أن هناك استغلالا يقع ضحيته القارئ من خلال محاولة الكاتبة تغليف القضايا الاجتماعية بتفاصيل الممارسة الحميمية لغرض اصطياد القارئ واستغفاله بإطلاق العنان للحديث دون حدود عن تجارب الكاتبة المحرمة من باب كل ممنوع مرغوب.
     على الرغم من أن الصورة اتضحت أمامي أكثر وشاهدت ذلك الخط الفاصل بين فضيلة الفاروق وأبطالها، لكن لم يمح هذا اللقاء كل نقاط الاختلاف (في الرؤى والتصورات الفكرية) بيني وبين الكاتبة، وبعد أن ودعتها ما زال في نفسي شيء، وهذا أمر طبيعي لا يفسد للود قضية.
      أذكر أن هذا اللقاء ساهم على نحو كبير في إزالة اللبس الذي وقعتُ فيه وكشف ما وراء أسوار وجدار فضيلة الفاروق. تلك المرأة الأمازيغية التي فضلت الاغتراب عن بلدها هربا من الأطر الضيقة التي تفرضها المجتمعات التقليدية على المرأة، وبحثا عن مساحات أوسع من الحرية وسعيا خلف فضاءات أرحب من التنوع والاختلاف.
      فصاحبة “تاء الخجل” فتحت باب جهنم على كل العادات والممارسات الخاطئة التي تنظر للمرأة نظرة دونية تحتقر كل قدراتها وامكانياتها في جسدها المحرم. هذا الجسد الذي أثقلها حمله وازداد عبئه حتى تمنت لو كانت ذكرا في مجتمعها أو ولدت أنثى ولكن في مجتمع آخر يحترم إبداع المرأة ويعطيها مكانتها من خلال ما تقوم به من مساهمات وما تقدمه من قيمة مضافة في الحياة لا من خلال جسدها. لأن المجتمع الذكوري يضطهد المرأة لأنها ببساطة أنثى. تاء مربوطة على رقبتها تخنقها إلى حد فقدان التنفس ملء رئتيها. وبالتالي استحالت إلى “تاء المواجهة” (من دون أن تعرف حتى جذور تاء المواجهة في الأدبيات والدراسات الخاصة باللغة العربية)، بدءا من تغيير المسار المسبق الذي وضعه لها والدها لدراسة الطب وتحولها وبإرادة منها إلى الأدب وممارسة الصحافة بعد ضياع سنتين في مدرجات كلية الطب، على أساس أن الوالد (رحمة الله عليه) كان يريد أن يجنبها مشاق الأدب والصحافة باعتبارها أنثى لا تقوى على التحدي والمواجهة، وبالتالي دراسة الطب تعني في النهاية فتح عيادة خاصة والتفرغ لشؤون البيت.
        في هذا المناخ الذكوري الموبوء لم تسلم الكاتبة من سماسرة النشر في العالم العربي، عانت كثيرا في بداياتها خصوصا عند تقديم رواية تاء الخجل للنشر، فلم يكلف الناشرون أنفسهم قراءة وتقييم العمل ثم الحكم عليه على أساس قيمته الأدبية ودرجة الإبداع فيه، بل حاولوا مقايضة نشر الكتاب بمغازلة ثم دعوة للعشاء ثم... وهذا ما جعل الكاتبة تنفر أكثر من النظرة القاصرة لجسدها وتنقم على هذا المناخ الذي وجدت فيه. إلى أن وصلت أعمالها إلى “دار الريس” ولقيت حقها من النقد والانتقاد والتعديل ثم النشر. هذا المناخ الموبوء زاد من حساسيتها بصفة كبيرة جدا، ما جعلها تحتمي بابنها الصغير في حلها وترحالها، فأصبحت تصطحبه معها في الندوات والمؤتمرات التي تدعى لها في مختلف الدول العربية كمحرم لها.
       لقد احتاجت هذه الأمازيغية الأصل زمنا كي تتصالح مع اللغة العربية في البداية ولاحقا مع اللغات الحية، وقد خدمتها اللغة العربية (التي كانت لا تفقه منها كلمة وهي تلميذة في السنة أولى ابتدائي) كلغة إبداع نقلت بواسطتها هواجسها ومخاوفها للعالم العربي ومنه للغرب، ثم خدمت هي بدورها اللغة العربية في مرحلة ثانية من خلال ما قدمته من إبداع ومن دراساتها كباحثة في اللغة العربية وآدابها.
       وقد اعترفت فضيلة الفاروق أنها كانت ضحية لصراحتها وآرائها في الكثير من المرات، وأن الساحة الثقافية مليئة بالعداوة بين المثقفين والكتاب، ففي إحدى المرات أعلنت صراحة إعجابها بأدب وكتابات “عبد العزيز غرمول”، فلم تسلم من وابل من النقد رماها به أشباه الكتاب والمثقفين. هذا يعني أن الجزائري يسامحك في كل شيء إلا النجاح. فالحالة الاجتماعية والاقتصادية للكثير من المثقفين والكتاب في الجزائر لا تدعو على الاطمئنان ولا تبشر بخير.
وهناك الكثير من المفارقات التي قد تحدث وإن تجتمع في مكان واحد، إذ بقدر انقسام قرائها بين محبين وكارهين لها، بقدر ما نجدها تنهل زادها الأدبي من تناقضات مجتمعها الجزائري وحالته التراجيدية، عندما تزور الكاتبة بلدها الأم تمتلئ بالمشاكل المحزنة والأحداث المفرحة في الوقت ذاته، وفي رحلة العودة إلى بلد الإقامة (لبنان) تفرغ هذه الشحنة في صورة نصوص إبداعية.
       ساهمت سنوات الخبرة والنضج في إسقاط الكثير من قناعات الكتابة من مشجب الدكتورة فضيلة، فالكاتبة لم تكتب نصها بعد، إذ أدركت في لحظة ما من التوازن النفسي والفكري أهمية أن تكتب بنفس جديد، لأن قلم العقل والحكمة عند الروائية بدا يحل تدريجيا (بفعل التجارب والزمن) محل قلم النزوة العابرة والمزاج المضطرب. فصاحبة “مزاج مراهقة” تقرّ بأنها ستكتب نصوصها القادمة بحبر مختلف يتجاوز حبر أوراق المراهقة الأولى والنزعة المزاجية المباشرة إلى فلسفة إنسانية أكثر عمقا في أبعادها المبنية على قوة العقل ورحابة فضاءات التأمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزائر نيوز ليوم : الاثنين, 25 نوفمبر 2013

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

" الدولة الإسلامية " واقع تاريخي أم نموذج وهْمي؟
«... فلا مخرج ينتشل هذه المجتمعات من مستنقع التخلّف ، والغيبيات ، والخرافات ، والفساد إلاّ بالحسْم في اتجاهٍ ديمقراطيٍّ ، لا انتخابوي تعدّدي شكلي ؛ فهو الكفيل بأن يخلّص الدين من الاستعمال السياسي ، فلا يبقى سلاحًا في أيدي الأصولية ، ولا متّكأً للنظام أيضًا .
      بذلك فقط يتحرّر الدين من مستنقع التدنيس ليرْقى إلى أفق التقديس ؛ فإمّا الديمقراطية ، وإمّا الشريعة ، وكلّ مسْعى توفيقي لا يزيد الوضْع إلاّ انتكاسًا وتدهورًا .» ( الدكتور مخلوف عامر )
                                               من كتابه : الدولة الإسلامية ..واقع تاريخي أم نموذج وهمي ؟

                                           ( الصادر أخيرا والذي عُرض في معرض الكتاب الدولي بالجزائر)

الأحد، 24 نوفمبر 2013

لا خوف على اللغة العربية كونها مؤمّنة بالملايين

لا خوف على اللغة العربية كونها مؤمّنة بالملايين
قال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، عزالدين ميهوبي، بخصوص واقع اللغة العربية في الجزائر، أن هناك حروبا لغوية رهيبة تحدث في العالم لكن اللغة العربية لا خوف عليها كونها مؤمنة بالملايين الذين يدرسون بها.
وأوضح ميهوبي، في برنامج ”سجالات” للإذاعة الثقافية، أنه يوجد 11 مليون في الجزائر يدرسون باللغة العربية، مليون وثلاثمائة ألف في الجامعات، إلى جانب الإعلام الذي أعطى حيزا كبيرا لهذه اللغة، وكذا أكثر الناشرين ينشرون كتبهم باللغة العربية، دون التركيز على بعض الحالات الشاذة التي تحدث في كل الدول، والتي تطغى بها اللغة اللاتينية، بسبب الانبهار وليس بسبب التخلي عن الهوية العربية. كما تأسف ميهوبي أن الحضور العربي في الانترنيت لا يساوي سوى 3 بالمائة من المشترك العالمي داخل هذه الشبكة رغم الكم الهائل من الجامعات الموجودة، الأمر الذي يتطلب إستراتيجية وطنية لاقتحام هذا العالم باشتراك الجميع.
وأضاف المتحدث أن الرقمنة حاليا حتمية وليست خيارا، وهو ما يعتمد عليه المجلس من خلال فريق المحتوى الرقمي من جهات عديدة من الوطن.
وأوضح ضيف الثقافية أنه من آليات المجلس الأعلى في ترقية اللغة العربية متابعة تطبيق تعميم استعمال  .هذه اللغة في كل القطاعات، وتقديم تقريرا مفصلا حول واقع اللغة العربية لرئيس الجمهورية من اختلالات ومقترحات في هذا الشأن، مع هامش من الاجتهاد في تحديث اللغة والذي يجب تثمينه، حيث لايوجد بلد ليس فيه هيئة لحماية لغته.


الروائي الكويتي مسعود السنعوسي


هناك شبه قطيعة بين أدباء المشرق والمغرب العربيين
الأدب الجزائري يحتل مرتبة ريادية بين بلدان المغرب العربي
     اعترف الكاتب والروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي، بالهوة الموجودة بين الأدباء المشارقة ونظرائهم من الجزائر وتونس والمغرب رغم الفعاليات الثقافية المقامة في كل بلد من الوطن العربي. وعلى حدّ تعبيره، فإنّ الإشكالية تبقى مسؤولية الجميع حيث لا يمكن لوم وعتاب طرف على حساب أخر واتهامه بعدم الاحتكاك والتواصل.
       صرّح الروائي الشاب، سعود السنعوسي، الذي زار الجزائر مؤخرا، في إطار فعاليات معرض الكتاب الدولي الذي أسدل الستار على فعالياته الـ18 قبل ثلاثة أيام فقط، في تصريح لـ”الفجر”، بوجود شبه قطيعة بين المشرقي العربي  المغربي بما فيها الجزائر فيما يتعلق بالأدب وتبادل التجارب في هذا الميدان الذي يفترض أين يكون التعاون فيه أقوى كما قال. وقال السنعوسي إنّه لا يدري من يلوم.. أيلوم ويعاتب أدباء الخليج والمشرق العربي أم يعاتب كتاب وأدباء المغرب العربي أو الناشرين من كلا الطرفين على عدم التواصل وتفعيل اللقاءات وتبادل التجارب المهنية والخبرات فيما يخص عالم الرواية والشعر المغاربي والمشرقي.
     وتساءل الكاتب سعود في السياق ”كأنّ الحدود الثقافية والأدبية امتدت إلى الشام ووصلت إلى مصر وتوقفت هناك وانقطعت، وبالتالي - حسب قوله - فإنّ هناك تغييب لكثير من الأمور والتجارب في مجال الأدب.
      وفي السياق ذاته لم يخف المتحدث تجربته الجميلة مع الروائي واسيني لعرج، خلال فترات متكررة، مشيرا إلى أنّه قرأ للرواية المعروفة في الشرق الأوسط أحلام مستغانمي، وكذا اطلاعه على مؤلفات الراحل المرحوم الطاهر وطار في السابق، وأكدّ عن احتكاكه بالأدب الجزائري وقراءة ما ينتج من ورايات جزائرية وكتابات شعرية، أنّ الأدب الجزائري له تجربة ريادية ومميزة على الصعيد العربي والعالم، كما يضم أسماء لامعة وكبيرة أثبتت حضورها في الساحة العربية والعالمية رغم القطيعة الموجودة بين المشرق والمغرب العربيين. وفي سياق متصل أوضح السنعوسي في معرض حديثه أنّ كتابات أدب الشباب في الوطن العربي بدأ يعول عليها وتسوق لنفسها خلال العصر الراهن، حيث تمكنت بشكل ما من التخلص من الأسماء المكرسة وبرزت وجوه شابة لامعة في مختلف دول العالم العربي بما فيها الخليج، مشيرا إلى أنّه يرى توجد هناك موجة قادمة ويكون لديها جديدا ولا تكتفي بأن تكون امتداد  للكبار، لكن امتدادها للكبار لا يعني مطلقا أنّها خالية من بصمات خاصة لهؤلاء المبدعين الشباب، والتي تعكس أحلامهم وتواجدهم ورغبتهم وتميزهم في عالم الكتابة الروائية والأدبية بصفة عامة.
      وعن إمكانية وجود لإقصاء معين للشباب من طرف الكبار، قال المتحدث:”لا أستطيع أن أتكلم بالمطلق لأن لكل شاب تجربته الخاصة، وبالنسبة لي في الكويت هناك نماذج كبيرة، حيث لا تستطيع أن تصدق إلى أي مدى أخذوا بيدي وقرؤوا  مخطوط العمل ويقدمون النص، وحسب اعتقادي يغيب الإقصاء في الكويت،   وطالما هناك كتاب كبار يساندون فالوضع مريح.
        أمّا عن جائزة البوكر التي توج بها عن روايته ”ساق البامبو”، اعترف السنعوسي أنّها أضافت له الكثير بالنظر إلى استفادته منها كونه في بداية تجربته وصغر السن مقارنة بالكتاب الآخرين، كما أنّ منجزه الأدبي يقتصر على عملين فحسب. وكما قال، فالأمر يختلف معه قبل الجائزة حيث لم يكن معروفا كفاية أو له صدى إلا من طرف المهتمين بالقراءة، كما لم يكن له  تمثيل خارج الكويت، أو يطبع العمل في طبعته الـ11 في ظرف اقل من سنة.

      وأشار إلى أنّ مشاركته في صالون الكتاب الدولي بالجزائر خير دليل على ذلك، حيث ساهمت الجائزة بشكل كبير والبريق الإعلامي الذي أعقبها بتواجده هنا.

سوف أوراق ثقافية: مكانة الرواية العربية

سوف أوالروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل يرى بأن الرواية العربية بلغت مستوى العالمية ، إذ لا تقلّ عن غيرها من حيث الكم أو الطرح ، قد تجاوزت حدودها الضيّقة ..مشكلتها في عائق سيادة اللغة الإنقليزية التي تسود العالم والتي تُعطي الشهرة العالمية للرواية ..إشكالية الرواية العربية في أن الآخر لا يتقن لغتنا ؛ وبالتالي : " نحن مكبّلون في خانة اللغة العربية " ..ما رأي الاختصاصيين في الرواية وفي النقد ؟

مكانة الرواية العربية

الرواية العربية
بشير خلف
الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل يرى بأن الرواية العربية بلغت مستوى العالمية ، إذ لا تقلّ عن غيرها من حيث الكم أو الطرح ، قد تجاوزت حدودها الضيّقة ..مشكلتها في عائق سيادة اللغة الإنقليزية التي تسود العالم والتي تُعطي الشهرة العالمية للرواية ..إشكالية الرواية العربية في أن الآخر لا يتقن لغتنا ؛ وبالتالي : " نحن مكبّلون في خانة اللغة العربي " ..ما رأي الاختصاصيين في الرواية وفي النقـــــــد ؟

أصابع لوليتا تتوج وسيني الأعرج

أصابع لوليتا تتوج وسيني الأعرج
     توجت رواية “أصابع لوليتا” للروائي الجزائري واسيني الأعرج بجائزة أهم “كتاب عربي 2013” للدورة الرابعة لجائزة الإبداع العربي، التي تنظمها مؤسّسة الفكر العربي بمساهمة “الخبر”.
      أعلنت مؤسّسة الفكر العربي خلال المؤتمر الصحفي عُقد في بيروت، عن أسماء الفائزين بالدورة السابعة من “جائزة الإبداع العربي” والدورة الرابعة لجائزة “أهم كتاب عربي 2013”. وفاز في جائزة الإبداع الإعلامي حبيب حداد من لبنان عن مشروع “ومضة”، وفازت بجائزة الإبداع المجتمعي مؤسّسة النيزك للتعليم المساند والإبداع العلمي من فلسطين، وفاز بجائزة الإبداع الفني الثلاثي جبران، وهم الإخوة سمير ووسام وعدنان جبران من فلسطين.  
        وأما جائزة أهمّ كتاب عربي للعام 2013، فقد فاز بها نادر سراج من لبنان عن كتاب “الشباب ولغة العصر: دراسة لسانية اجتماعية”. وقد حجبت جائزتا الإبداع التقني والاقتصادي لهذا العام. كما تمّ الإعلان عن البرنامج التفصيلي للمؤتمر السّنوي الثّاني عشر لمؤسّسة الفكر العربي “فكر 12” والذي سيُعقد في دبي بالإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان: “تحدّي سوق العمل في الوطن العربي: 80 مليون فرصة عمل بحلول 2020”، وذلك في الفترة من 4 و5 من شهر ديسمبر 2013.


الروائية أحلام مستغانمي

”لن أكرر حماقاتي في مسلسل ذاكرة الجسد”
     أكدت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي أنها اعتذرت للعرض الذي تلقته من الشركة اللبنانية لتحويل رواية ”الأسود يليق بك” إلى عمل تلفزيوني، وأشارت أحلام إلى أنها تلقت إلى غاية الآن عرضين لتحويل روايتها الأخيرة إلى مسلسل.
      وأوضحت مستغانمي، لـ«الخبر”، أنها رفضت من ناحية المبدأ العرض الذي قدّمته لها الشركة اللبنانية والتي اشترطت عليها، كما قالت، ”ضبط العمل على نسق لبناني”، وذلك من خلال تعديل شخصية ياسمين الجزائرية في رواية ”الأسود يليق بك” إلى شخصية لبنانية.
وقالت أحلام: ”ربما هم على حق بمنطق السوق، ولكن وفق مبدئي فأنا أرفض الفكرة بشدة”، وأضافت ”لم أتقبل الفكرة، لأن قوة الرواية في هويتها الجزائرية”. وأوضحت أحلام أن الرواية عندما تنسب إلى شخصية لبنانية سيكون لها صدى أكبر في المشرق ولكن على حساب الحقيقة، كما قالت، في معرض تأكيدها على أنه يجب أن يعكس المسلسل روح الشخصية الجزائرية.
     وعن العرض الثاني الذي تلقته صاحبة رواية ”الأسود يليق بك”، قالت أحلام: ”إنه من إحدى دول الخليج، وأنا أدرس الموضوع”. وفي هذا الإطار أكدت أحلام أنها تسعى إلى تحويل الرواية إلى فيلم عالمي بميزانية ضخمة، وقالت: ”أريد من رواية ”الأسود يليق بك” أن تكون عملا عالميا ضخما وسأصل إلى ذلك”، مؤكدة أنها غير مستعجلة، وأنها لن توافق أبدا على العروض التي تحاول أن تضعها أمام الأمر الواقع، وصرحت: ”لن أكرر حماقاتي في مسلسل ذاكرة الجسد”.
     وعن رهانها الدائم على الفنانة آمال بوشوشة، التي تشير مصادر إعلامية إلى أنها تعكف الآن على قراءة نصيين سينمائيين، أوضحت أحلام: ”آمال تنطبق فيها مواصفات الشخصية، لأنها من منطقة بطلة الرواية نفسها، ومن الممكن أن تغني باللهجة الشاوية في نهاية الفيلم”.


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

سوف أوراق ثقافية: قيمة الحرية

قيمة الحرية

قيمة الحرية 
بشير خلف
إن المجتمعات العربية بطبيعتها ليست مجتمعات " للحرية " بقدْر ما هي مجتمعات " للخوف " بامتياز ، حيث ينشأ الفرد منذ نعومة أظفاره على سوْط السلطوية التي تتمثّل في الإذلال، والامتثال للكبار، والترهيب ، والقهر؛ ممّا يُولّد في الفرد العربي منذ الصغر " الخوف" و " الجبن " ، وإخضاعه لخطاب " الرّعب " ؛ وبالتالي قيمة " الحرية " التي تحرّر الفرد من نفسه أوّلاً ، ثم من سلطوية المجتمع فيكون قويّ الإرادة ، مبادرًا يدافع عن حقوقه الشاملة مثلما يدافع عن حقوق غيره وفْقًا لما تنصّ عليه كل الشرائع السماوية ، ومواثيق حقوق الإنسان مثلما تنصّ عليه فكرة " المواطنة " ، ووفْقًا أيضًا لحقّ الإنسان أينما كان في ممُارسة كينونته وفْق ما يرتضيه لنفسه طالما أنه لا يضرّ بحريّة الآخرين.. الحرية هي مفقودة ، متى يحين وقت العثور عليها ؟

الأحد، 17 نوفمبر 2013

بين التجديد والترميم: بوصلة الثقافي إلى أين؟

بين التجديد والترميم: بوصلة الثقافي إلى أين؟
أسماء بن قادة
 تمثل معارض الكتب في العالم مؤشرا هاما على مستوى الحراك الثقافي والإبداع الفكري، ونوعا من التدشين للجديد في الحياة العلمية والثقافية للأمم. الأمر الذي أفتقده كلما توجهت نحو أحد المعارض في عاصمة من العواصم العربية، حيث بات يلازمني الإحباط عند كل زيارة، لاسيما عندما أعود منها بخفي حنين. وكلما جئت أحصي كم كتابا عربيا قرأت في الفترة الأخيرة، وجدت العدد لا يكاد يعد على الأصابع، وربما لو أحببت أن أقرأ شيئا جديدا باللغة العربية، لحصلت عليه في بعض كتب التراث التي مازلنا وبسبب الاطراد الحضاري لعهد مضى نكتشف فيها الكثير من الإشراقات الإبداعية الهامة. أما كتبنا الفكرية المحدثة فجل ما فيها معهود ومتكرر بصيغ مختلفة، لا يحتاج قارئها إلى إعمال عقل أو تساؤل ولا حتى الاستفادة منها كمرجع لورقة يعدها أو بحث يقوم به، الأمر الذي يجعلني أتذكر ذلك الشغف الذي يتملكني كلما دخلت مكتبة في باريس أو لندن أو غيرها من المكتبات الغربية، حيث يمرّ الوقت وأنا لا أكاد أفرق بين ليل أو نهار لولا أوقات الصلوات. ويا لها من متعة تلك التي أعيشها وأنا أتنقل من رف إلى رف ومن قسم إلى قسم، أتصفح الفهارس والفصول والعناوين، فأجدني ألتقي مع هذا الكاتب في نقطة وأختلف مع غيره في أخرى، تخص الإشكاليات المتزاحمة في ذهني، فأسعد بصحبة أولئك الفلاسفة والمفكرين المبدعين، الأحياء منهم والأموات. فالتواصل على صفحات الكتب يرسم مساحة للتثاقف قد تكون أكثر أهمية من مؤتمرات الحوار. ويكتمل المشهد بطلبة العلم من حولي، بعضهم يجلس على الأرض يتصفح، والبعض الآخر يجثو على ركبتيه ينتقي كتبا من الرفوف السفلى، وآخر يصطحب دليلا يدله على ضالته إن وجد صعوبة في الحصول عليها، والجميع تغشو وجوههم حالة من التعطش والقلق العلمي، تتوثبهم روح البحث والتساؤل، إنه مشهد مليء بالمعاني، وهو بالنسبة لي كلوحة الموناليزا، من حيثما وجهت نظرك إليه تستأنس به وتندمج فيه وتعيش معانيه.
        ولكن ذلك لا ينسيني الحال الذي باتت عليها مواسمنا الاستعراضية للكتاب، والفرق بينها وبين تلك المكتبات في الغرب، الأمر الذي يدفعني إلى التساؤل عن تلك المفارقة بين العدد اللامتناهي من الإشكاليات والأزمات والتحديات الفكرية التي نعيشها في العالم العربي، والعجز عن مواجهتها من خلال دراستها والتجديد في منهجية البحث فيها. ولماذا مع هذا العدد الهائل من حملة الشهادات العليا الذين يهم بعضهم الترقيات أكثر مما يشغلهم البحث العلمي، وهذا العدد الكبير من الكتاب الذين يحددون مسبقا حصيلة الكتب التي ينبغي أن تنشر لهم في السنة، لما نأتي لنبحث عن الجديد لا نكاد نحصل على شيء؟
     لا بد من التفكير في أسباب نفور النخبة المفكرة من التأمل المجرد الذي يتطلب تراكما معرفيا كبيرا وعزلة وخيالا خصبا وتحررا من كل الوصايات، وإرهاصات علمية عسيرة يعيشها الباحث سعيا وراء القبض على لحظة الحقيقة العلمية، التي مازال غالبية علمائنا ومفكرينا غائبون عن شروط الفوز بها. فعلى الرغم من كل حركات الإحياء والإصلاح والبعث والنهضة وتعبيرات تتقاطع مع مفهوم التجديد اسما وتفارقه معنى، صحونا على حقيقة مفادها أن كل الذي كان، لم يتجاوز في نتائجه النهائية نوعا من محو الأمية الدينية والثقافية، إنه العجز عن الخروج عن المزاج الفكري العام وطرح أسئلة العتبات التي تفتح الباب نحو ممرات التجديد الفكري الذي يحتاج إلى القدرة على التجريد وإخصاب الخيال في آن، والخيال المقصود هنا ليس خيال المتاهات والأساطير، ولكنه الخيال العلمي الذي يعرفه الفلاسفة المختصون في مفهوم التجديد بمجموع مركب يصنعه مزيج المعارف المختلفة والكفاءة في البحث والملكة والفضول والإبداع والملاحظة العلمية.. الخ.
       إنه ذلك النوع من الخيال الذي يعتبره آينشتاين أهم من المعرفة والذي يعبر غاستون باشلار عن أهميته بقوله: “إن المعرفة محدودة أما الخيال فإنه يطوق العالم”.
      إن مثل هذه الاشتراطات هي التي جعلت ابن خلدون يخرج عن الإطار السردي الذي كان سائدا ويفترض للتاريخ قوانين جعلت نظرياته تدرس في جامعة هارفارد، لقد خرج ابن خلدون من نسق الأخبار إلى طرح الفرضيات والبرهنة عليها واستخراج القوانين منها، وهي قوانين الأرض التي تفتح الباب لاستيعاب خطاب السماء. وغير بعيد عنه مواطنه فيلسوف قرطبة ابن رشد وقاضي قضاتها الذي ألهمت أسئلته القلقة فلاسفة التنوير في الغرب، عندما سعى إلى إرساء العقل النظري في قلب الشريعة فوضع بذلك حدا لبعض التهافت على العقل، حرصا منه على بناء ثقافة للتجديد  بدل الترميم ليحافظ على صيرورة تطور الاجتهاد. أما إيمانويل كانط الذي اعتبر كاتبه “نقد العقل الخالص” أفضل كتاب في الفلسفة منذ أرسطو وأفلاطون، فإنه وبعد أن ألّف عشرين كتابا فكر في حذفها وإلغائها، ليغيب عن مجتمعه العلمي عشر سنوات، ولينتهي صمته الطويل بولادة كتابه المذكور.
     إن حال الثقافة يؤشر دوما إلى المستوى الذي بلغته عملية التمدن والعمران، وقد صدق مالك بن نبي عندما قال: الحضارة هي العلم عندما يصبح ثقافة. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخبر: الأحد يوم 15 سبتمبر 2013      


                  السمعُ أبو الملكات اللِّسانية؟ كتب: بشير خلف العلّامة المرحوم ابن خلدون في مقدّمته: «إن أركان اللسان العربي 4، هي: ...