الجمعة، 15 أغسطس 2014

عالمٌ يمور بالأحداث المتسارعة ..المثقف العربي عنه غائبٌ ومغيّبٌ

                            
مساهمتي في الملفّ الثقافي " ديوان الحياة " الذي يشرف عليه الإعلامي الروائي الخير شوار بجريدة الحياة الجزائرية ليوم الأربعاء 13 أوت 2013 ..الملف موضوعه ( المثقف صاحب موقف..أم مراوغ ؟)



                               عالمٌ يمور بالأحداث المتسارعة ..
                               المثقف العربي عنه غائبٌ ومغيّبٌ
بقلم: بشير خلف
       الجدل حول المثقف لم ينتهِ ولن ينتهي .. نعوم تشومسكي أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأمريكي يرى أن المثقف هو: من يحمل الحقيقة في وجه القوة . والمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري يُـضفي عليه صفة موسوعية، فيصفه بأنه: منْ غادر حقل الاختصاص إلى ما هو أوسع في مجالات المعرفة الإنسانية، أي الإيمان بدور المثقف وقدرته.. البعض يعمد إلى تقسيم مَجَـازٍ بين مثقف "حقيقي"، وآخر غير ذلك.. فالمثقف "الحقيقي" بناء على ذلك، هو من يرسم مصيره بنفسه.. مختارا، وبوحْيٍ من دوره، ومهمته التي ارتآها لنفسه، غير منقاد إلاّ لما يؤمن به، ويدافع من أجله.     
        المثقف  إذاً هو الإنسان المفكر أولا، هو طليعة المجتمع فكرياً، واجتماعيا، هو الذي يثير الأسئلة، ويتبنى قضايا المجتمع وهمومه. لا يكون ــ انتهازياً ــ .. يقف مع هذه الجهة أو تلك، أو يبدّل الدور بين عشية وضحاها، أو نفعيا  ينحاز للسلطة، أيّ سلطة ليس بالضرورة السلطة السياسية، فقد يكون التحيّز للجهوية، أو لرجال المال، أو لشخصية ما، أو لاتجاه فكري ما  ضدّ أغلبية المجتمع ! إن انحاز إلى الحق والعدل، ووقف في وجه القوة، تأكيدا ليس بالضرورة أن تسْلم الجرّة دائمًا كما يقول المثل العربي ؛ فقد يُقتل بإحدى طريقتين: إما أن تتم تصفيته جسدياً، أو يتم اغتيال أفكاره اجتماعياً في لعبة الصراع الفكري بينه، وبين أطراف كثيرة مؤثرة في المجتمع، أو يؤثر الاغتراب.
     إذا توقفنا عند تعريف تشومسكي للمثقف وهو الذي يحمل الحقيقة في وجه القوّة؛ يتبادر على الذهن السؤال التالي: أيوجد أيامنا هذه مثقفون بإمكانهم توظيف الحقيقة في وجه القوة التي تفْــتِــكُ بعالمنا المعاصر، وتخلق الصراعات والحروب، والأزمات المستمرّة متسببة مآسي للإنسانية سيّما في ربوع العالم العربي ؟ وهل لدى هؤلاء المثقفين من الوزن ما يجعلهم مؤثرين في عالم يصنعه المال وإغراءاته، والسياسة ومفاتنها، والإعلام بكل تقنياته ووهجه، وفي صدارته الصورة التي تشكل المعرفة الإنسانية في كل لحظة؟
       في اعتقادي الشخصي أن المثقف سيّما في العالم العربي لم يتخلّ عن القيم التي آمن بها، وتشبّع بها، ودافع عنها وطنيا وعربيا؛ إنما الموازين اليوم تغيّرت لتحلّ محلها وسائط أخرى همّشت المثقف، ولا يعني هذا أننا مع أطروحة " موت المثقف " التي هي أقلّ وحشية؛ إنما نحن مع أطروحة " انتحار المثقف إراديا واختيارا منه ".. المثقف العربي انتحر عندما ألْقى بنفسه في دوّامة الغموض، والبعد عن الواقع، والبحث عن مظلة إيديولوجية يلج تحت ظلّها؛ فانقطعت لغة الخطاب بينه وبين السلطة من ناحية، حيث وقفت ضدّ تحقيق طموحاته ومشروعاته، سواء بتدجينه بمنصب إداري كما هو الحال عندنا في الجزائر، أو بإرهابه، وإبعاده عن ساحة التأثير الاجتماعي..
     والخيبة الكبيرة أن المثقف العربي رضي بهذا الدور المرسوم له، ونقصد هنا المثقف الذي يحمل همًّا معرفيا يريد به إصلاح ما يجب إصلاحه، أو حتى استشارته في العديد من القضايا المفصلية، ولذلك لم يستطع، أو يُــفسح له المجال في تغيير الواقع العربي بقــدر ما ساهم هذا المثقف في تثبيت دعائم هذا الواقع، وإقامة أوتاده، وإلاّ فالنفي والاغـــتراب بشكليْهما الجسدي، والنفسي هما البديل .
       واقعنا المعيش هذه الأيام والعالم العربي تفتك به الفتن الطائفية، والحروب الأهلية، وآخرها مأساة غزّة.. هذه المأساة البشعة فضحت المثقف العربي، وعرّته، وكشفت ضعفه، وانسحابه من الساحة، ولمّا نتكلم عن المثقف يتسع تعريفنا له كي يشمل كل من يحمل المعرفة، أو ينتجها، أو يطبقها مجتمعيا.
       أين هم صنّاعها، والمنفذون لها من أساتذة الجامعات، الأطباء، المحامين العرب، الكُتّاب العرب، رجال المال والأعمال، المثقفين ..وغير هؤلاء؟ أين أصواتهم ؟ هل نظموا احتجاجات هنا وهناك ؟ هل أظهروا أنفسهم وأبدوا مواقفهم مما جرى ويجري؟ هل أوصلوا أصواتهم إلى المنابر الدولية، والمنظمات العالمية ؟
      المثقف العربي اكتفى ببُكائيات منفردة على صفحات التواصل الاجتماعي في شكل تأسّفٍ وحسرة، أو في شكل قصائد يغرّد بها كما غرّد بها غيره في كل نكساتنا، وهزائمنا التي تتناسل، ولا أخال أنها ستنتهي.
         المثقف العربي فقد مكانته بفعل السُّـــلط المختلفة التي تجاهلته، ورضي بذلك لأنه آثر السلامة على الوقوف في وجه القوة، وتماهى مع القيم المثالية التي يحملها، والتي لا السلط تؤمن بها ولا الجماهير الشعبية التي تعالى عليها  تسمعه ..فتخلّت عليه بدورها.
         الكثير من مثقفينا المساكين قانعون بالاستكانة إلى قيم يدونونها في مؤلفات يطمحون إلى طبعها، وإصدارها، واللهث وراء رجال الأعمال ، أو السلط  لمساعدتهم في ذلك ، ثم التباهي بها أمام نظرائهم، والبعض منهم يتلهّف على منصب إداري مرموق بمجرّد أن يتحصّل عليه ينقلب على كل المبادئ والقيم التي كان يتظاهر بها.
       هي الحقيقة أحببنا أم كرهنا منْ يصنع عالم اليوم ليس المثقف، وليس أستاذ الجامعة، ولا غير هؤلاء ممّن نضمّهم إلى فئة المثقفين ..من يصنعه، ويوجهه هو المال الذي تغلغل في كل مفاصل المجتمع، المال ورجاله وحدهم وراء رجال السياسة الذين بدورهم في خدمة المال.. ومن يصنع العالم اليوم أيضًا هو الإعلام بكل أطيافه وخاصة الصورة ..إعلام وراءه المال ورجاله في خدمة السياسة والمال والاقتصاد.

... مصالح مشتركة، وأدوار مختلفة في الغرب كما في الشرق .
/www.elhayat.net/IMG/pdf/pdf_215.pdf

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...