الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

 

تجلّيات طين الصّمْت

بشير خلف

       وصلتني هذه الأيام هديّة رائعة جدّا من الصديق العزيز؛ الصديق منذ ما يقارب الأربعة عقود البروفيسور الشاعر الكبير، والناقد القدير مشري بن خليفة.. الهدية تمثّلت في آخر ديوان شعريٍّ صدر له، توشّح بعنوان:( تجلّيات طين الصّمْت)، من الحجم المتوسّط في 95 صفحة، ضمّتْ 47 نصًّا.. صدر أخيرًا عن دار خيال للنشر والترجمة ببرج بوعرريج، لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية الجزائرية فرجاني مسعودة.

     لئـــن ْكان الشعر في صدارة الفنون الجميلة، فقد قالوا فيه:

« ما هو الشعر إنْ لم يكن لإثارة الأحاسيس الناعمة لدى كاتبه أو سامعه أو قارئه على حد سواء؟ ما هو الشعر إن لم يكن ذاك الشعور الفياض الذي يداعب عيون وآذان وعقول ووجدان البشر.. ليس كل البشر وإنما فقط أولئك الذين يملكون حظاً من الحس الموسيقي.. والحس اللغوي.. والقلوب التي تتوق لتذوق الجمال في مخلوقات الله.»

     بعد قراءتي المتأنّية للديوان الذي وصلني.. الديوان في الصفحة الأخيرة من غلافه، جذب الشاعر مشري بن خليفة القارئَ برفْقٍ ليلج حديقة الديوان، مرحِّبًا به:

أحمل في يدي زنبقة الماء

نلتقي في نقطة ضوْءٍ

وفي وجع الرؤيا

أبوح بسرّي: أنا الِـمرْآة

دعيني أكسٍّ عنقَ هذا الصّمْتَ

وأُشْعلُ النار في حقول القلب

دعيني ألـمْلمُ شتاتَ الجسدِ.

     من جماليات الديوان تلكم التجليات الخمس التي تفّع إليها متْنُه:

1 ـــــ كم هو عظيمٌ ألمي، كم هي عظيمة نجواي

2 ــــــ أنا أشبّه أنا، وأحدنا يشبِّه الآخر.

3 ـــــ كنت أسمع نفسي، ولا أرى نـفسي .كنت منشغلا بنفسي.

4 ــــــ لا تجزعْ من جرحك، وإلّا فكيف للنور أن يتسلّل إلى باطنك.

5 ــ ثمّ صوْتٌ لا بستخدم الكلمات...فانصتْ

       من قصائد الديوان قصائد " الهايكو" ( شعْر الومضة والتأمّل)

1 ـــــ

الوطن هشيمًا

تذروه الجيوبُ

أبوابُ الفساد

2 ـــــ

نصُّ الغواية

وأنا نبيٌّ يدسُّ في قلبه

رسالة

3 ــــــ

أحدِّقُ في الفراغ

يتصاعد الغبارُ

مُبلّلًا بالصّمْت

4 ــــ

 مائلٌا مثل حائطٍ

ظلّي يتمسلق

الحائطَ شجرًا 

      هذا الديوان المتميّز يحمل إبداعا مغايرا: رؤية، وبنية، وطرْحًا، وجمالياتٍ؛ وليس هذا بمستغرب من شاعر كبير، وناقد قدير في حجّم مشري بن خليفة، حيث سبقت هذا الديوان أعمالٌ شعرية وإبداعية عديدة، ودراسات نقدية تشي بجلاء عن سعيه إلى قراءة الواقع الجزائري، والعربي، والوجود، والتاريخ، والحياة بشاعرية متوهّجة.

 

 

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2021


 سُوفْ ..دراسة في الجغرافيا البشرية

عرْض: بشير خلف

   صدر هذه الأيام كتابٌ بعنوان:( سُوفْ..دراسة في الجغرافيا البشرية)، عن دار سامي للطباعة والنشر والتوزيع بالوادي تأليف البروفيسور عالِمُ الجغرافيا" كلود باطيون". من مواليد شهر أوت 1931م، نشأ في أسرة علماء، كان والده مختصًّا في الشؤون الإسبانية، وأخته لها أعمال كثيرة في الترجمة. جاء كلود باطيون إلى الوادي سنة 1953م لإجراء دراسة في الجغرافيا البشرية للمنطقة، للحصول على على شهادة الماجستير من جامعة البليدة.

        قام بترجمة الكتاب المترجم القدير عبد القادر ميهي، أصيل منطقة سُوفْصاحب الترجمات العديدة التي تقارب العشرين عملًا.

     الكتاب من الحجم الكبير في 173 صفحة، هو دراسة في حواضر " سُوفْ"، وانتشار السكان في المنطقة، وأسباب هذا الانتشار الاقتصادي، والاجتماعي، وتمركز القبائل في منطقة سُوفْ، تُعطي الدراسة وصْفًا لتضاريس المنطقة، ومياهها، ومسالكها.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب:

« جاء هذا العمل نتيجة تحقيق قمْتُ به في ملحقة الوادي في شتاء 1953م، تحضيرًا لشهادة الدراسات العليا في الجغرافيا. تمثِّل دراسة بلدٍ يتمتّع بجمال بهذا العُمُق: في اللحظة حين يغمرك غروب الشمس، يقف خلفك طفلٌ لا يكذب، بكل تأكيد:" أنا جائعٌ..أنا فقير"، يعود المرْء إلى سكنه مطأطئ الرأس. على حافة حديقة بجريدها الرائع يصعد مراهقٌ يلهث بقفّة الرّمْل؛ حين نقوم بتحقيق عن البشر يصبح كل الناس الذين نصادفهم شهودًا، علينا أن نشكرهم كلهم.»

       قام بالتصدير للكتاب الأستاذ الباحث في التاريخ، ورئيس الجمعية التاريخية أول نوفمبر 1954م بولاية الوادي طليبة بوراس؛ وممّا جاء في التصدير:

« في رحلة القراءة هنا بين طيّات هذا العمل الكريم الذي يطوف بنا على معالم شاهدة من تاريخ سُوفْ، نجد توازنًا رائعا بين التنوع الثري، ووحدة الموضوع، عملٌ بديع ينمو، ويكتمل شيئا، فشيئا بغير تعمّدٍ، يشعر به القارئ. شعرت أن هناك روحا واحدة تدبّ في هذا العمل القيّم أثناء تنقّلي الممتع بين واحاته التاريخية.»

        تحت عنوان:" محاولة للتعريف بالمنطقة"

       يقول كلود باطيون في كتابه هذا:

« في الأقاصي الجنوبية للعرق الشرقي تمتدّ كتلةٌ من غابات النخيل، تُسمّى د" سُوفْ"، يسكنها ما يقارب المائة ألفٍ من البشر. كلمة" سُوفْ" هي اسم " بلد"، ولا تشير إلى منطقة طبيعية يمكن أن نعرّف بها بموضوعية من الوهلة الأولى ، لكنها منطقة بشرية.»

 

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...