الاثنين، 23 ديسمبر 2019

خرجة الرئيس الأولى صادمة


     بشير خلف
 تفاءل الجزائريون الذين راهنوا على رئيسهم الجديد في أن يخلّصهم من فرنسا وقيودها، وفرملة بلدهم، والتآمر عليه، والسعي باستماتة من عرقلة انتخابه شخصيا للجزائر؛ وإذا بهؤلاء الجزائريين الذين انتخبوه واختاروه من بين الخمسة المترشّحين يفاجئهم في أول خرجة رسمية له إلى معرض الإنتاج الوطني.

       يفاجئهم بمخاطبتهم بلغة العدوّ، لغة فافا، وكأنه يخاطب مواطني فرنسا، وليس أغلبية الشعب الجزائري الذي يتعامل، ويتخاطب بالعربية، أو الدارجة القريبة من العربية.. إنها الصدمة؛ بل إنها الصّفعة.

الأحد، 22 ديسمبر 2019

   ..العيب فينا


  
بشير خلف   
       إن للمدينة أيِّ مدينة، أو للبلدة أيّة بلدةٍ شخصيةً، وملامحَ نعرفها من خلال سماتها الخاصة التي تميّزها عن غيرها؛ أليست كلها أبنيةً، وفضاءات، وشوارعَ، وأزقّةً، ودروبًا، وأناسي يعيشون، ويتعايشون فيها؟
      المكان في المدن، والبلدات، والقرى ليس مساحة جغرافية نتحرّك فيها؛ إنما فراغات نملأها من خلال تحرّكاتنا، وسلوكياتنا.. وارتباطنا الحميمي بها، أو العكس.
      الإنسان الجزائري لا تربطه بالفضاءات المدينية، أو البلداتية علاقات حميمية، يعيش فيها، وكأنه عابر سبيل، مدننا، وبلداتنا، يعيش فيها الإنسان الجزائري مجرَّدا من ثقافة المواطنة التي هي حقوق وواجبات، تهمّه غير الحقوق.
      مدن الجزائر وبلداتها، وقراها تفتقد جمال البيئة، التنسيق، والترتيب، المواطن علاقته بالمكان (عدوانية)، وسيلته: التلويث، التوسيخ، التبشيع، الحفر، التكسير، التحطيم، وضع النفايات كيفما يحلو له، ووقت ما يريد، وأينما يبغي.

     مدننا، وبلداتنا شوارعها، أزقّتها امتلأت بأكوام النفايات، رائحتها تُزْكم الأنوف.. الشوارع النظيفة فقط بها التي يمرّ بها المسؤولون ذوو المناصب العليا.. كلنا نطالب بالحرية والحقوق، والعيش الكريم؛ بالمقابل المعول بأيدينا نهدّم به ما يحقّق لنا البعض من العيش الكريم. 

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

غنائم القبيلة..؟



بشير خلف   
     فاجأني صديقٌ كهْلٌ بسؤال:
ـــ يا صاح، الْــتبس عليّ الأمر في راهن أحزابنا، لمّا يقع وطننا في أزمات، ويحتاج للجميع، تخنس الأحزاب، وتتوارى في انتظار الآتي، وعندما تنقشع الغيوم تظهر متقدّمة الصفوف متلهِّفة إلى المآدب القادمة.. أليس لها مواقف ثابتة تجاه الوطن؟
أجبته وأنا أكثر منه جهْلًا:
ـــ صاح..: الأحزاب قبائل سياسية، لا تختلف في رأيي عن القبيلة، والعشيرة في العهود السابقة. الانتماء إلى القبيلة لقرابة الدّم، والحصول على الغنائم، بالتقرّب من رئيس القبيلة للحماية المتبادلة؛ بينما الانتماء إلى قبيلة الحزب وقيادته بفعل الحماية المتبادلة، والتموقع في المجتمع، وحصْد المكاسب، والمناصب، والتشبّث بالكراسي.


الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

العبرة ليست بالتصريحات الصالونية..


بشير خلف
خريطة الاستحقاق الرئاسي الأخيرة أفرزت واقعًا حزبيا جديدا، مغايرا تمامًا للخريطة السابقة. أحزاب الموالاة (المترهِّلة) التي عاثت في الجزائر فسادًا، وراهنت على" الزّردة الخامسة" كي تُكمل عبثها؛ لفظها الشعب في الحراك، كما رفضها يوم 12 ديسمبر 2019 برغم تحالفها في الساعات الأخيرة من الاستحقاق الرئاسي.
     أحزاب المعارضة منذ انطلاقة " الحراك" سعتْ إلى التموقع، وركوب ظهره (لفظها) الحراك، ولاحق قياداتها في الشوارع فــــــ "خنست" في جحورها، وأوهمت نفسها قيادة، ومنتمين أنّ بإمكانها التأثير في الأحداث، وبين الحين والآخر تُصدر تصريحات صحفية يتيمة كالأسد العجوز البئيس. قضت على مكانتها بالزعم أنّ لها شعبية، وأنّ اقتراحاتها للخروج من الأزمة أفضل من اقتراحات الآخرين، وكذا بالامتناع عن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي.

        حلّ محلّها بجدارة حزْبٌ أكثر تشبُّبًا.. أكثر تفتّحًا، ووعيا بالمرحلة، ورغبة في الدفاع عن الجزائر الجديدة (حركة البناء الوطني)..إنها السياسة ( فنّ الممكن)، منْ لم يتقن هذا الممكن ذهب ريحُه.

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

رواية" كازا".. ملحمة الجلال، وسحْرُ الحكي



بقلم: بشير خلف
        اقتنيت أخيرا من جناح دار النشر ( خيال) لصاحبها الشاب رفيق طيبي بمعرض الكتاب بالجزائر سنة 2019، رواية بعنوان" كازا" للكاتبة الشابّة أحلام الأحمدي، توسّمت بإهدائها الشخصي. الرواية من الحجم المتوسط في 147 ص. رواية حديثة الصدور مثلما هي حديثة التأليف.( 1 أغسطس 2019)..ما أعرفه أنّ كلمة" كازا" يدلّل بها أشقّاؤنا المغاربة مدينة الدّار البيضاء الجميلة.. أتساءل عن سبب إطلاق الكاتبة الكلمة على نصّها السّردي الروائي؟
        استهلّت الكاتبة نصّها بإهداء جميل جدا اعترافًا بالجميل لوالدها، نصٌّ شعري يطفح عذوبة، ورقّة، منه:
العالم الذي صنعته لي..
بدأ بصوتك الرّخيم يا أبي..
حكاياتك العجيبة والمدهشة..
خلقت داخلي حروفًا أعْجب..
      النصّ الروائي اتكأ على التاريخ الجزائري المعاصر بدْءًا من ربيع 1936 المكان سانتارنو( العلمة حاليا)، وانتهاء بتاريخ 21 نوفمبر 1987 باغتيال الشخصية الرئيسة المحورية بالرواية. شخصيات الرواية تعدّدوا، تنوّعوا من حيث حركتهم، وكمونهم، هناك الشخصيات النامية في الحكاية، وهناك  الشخصيات المحورية الأكثر تحركا في مضمار السرد، والأكثر تأثيرا في تصاعد، وتأزّم الحدث الحكائي، أبرزهم الطفل الصغير مسعود زغّار، البطل  رشيد كازا فيما بعد؛ الأم نوّارة، الوالد بوزيدي. بوصوف القائد الثوري الذي أطلق على مسعود رشيد كازا خلال تواجدهما أثناء الثورة بالمغرب. بومدين القائد الثوري، رئيس الجزائر فيما بعد.دليلة أخت مسعود، ماشينو عشيقها الفرنسي الذي هرّبه إلى كندا في خطة كيدية من فرنسا انتقاما من أخيها رشيد كازا، جاكلين الزوجة الثانية. الموضوع الرئيس في الرواية المسار الحياتي لرجل المخابرات العبقري الجزائري المعروف مسعود زغار. المُلمّ بالتاريخ الوطني الجزائري المعاصر سيّما تاريخ الحركة الوطنية، والثورة الجزائرية لا يُفاجأ بالأحداث الكبرى التي صنعها ذاك العبقري كمناضل، قاوم منذ صغره، ومُعدٍّ للثورة، وضابط عسكري، ومخابراتي حتى ما بعد الثورة، ورحّالة لأغلب دول العالم جلبًا للسلاح، ودفاعا عن الجزائر بماله، ومؤسساته الصناعية للسلاح في المغرب لتزويد جيش التحرير به. أحلام وهي تؤثث لسرد مسيرة البطل العبقري بفضح فرنسا الاستعمارية في إلحاق الغبن، والظلم بالشعب الجزائري بكل أعماره، وأطيافه، والطفل مسعود تفطّن لذلك وهو في سن العاشرة من عمره: " كانت تلك المدينة التعيسة التي يسكنها الفقر والفقراء، حيث صنع المحتلّ فيها حصارًا يهمّش الحياة، والرغبة فيها، ويقيّد الطامحين بأغلال كانت تظنها باريس الوسيلة المثلى كي تجعل من هؤلاء البؤساء يطأطئون رؤوسهم، ويقزّمون هاماتهم، ويرمون الجزائر من أذهانهم.ص9
       تساءل الطفل الصغير القاطن مثل غيره في بيوت سانتارنو البائسة ذات السقف القرميدي المخروم: ( هل يمكن أن أملك سقفا أجمل يا يمّا سقف يبنيه المحرّرون، حيث الأنامل الثائرة التي لا تحدّها الحدود؟، ولا يخرمها ظلم الفقر؟ولا ظلم فرنسا؟
     الاستثناء أن الكاتبة أحلام الأحمدي توغّلت في مسيرة هذا الطفل العبقري، وهو يتدرّج عُمُريا بكل التفاصيل، والزوايا المخفية التي لم يتفطّن إليها منْ كتبوا عنه ..المسيرة الكبرى الإنسانية الثورية، المخابراتية العاطفية، والعلاقاتية الأسرية، وغير الأسرية، والنفسية، والمؤامرات التي حيكت ضدّه من أصدقائه الثوريين حسدا، ثم انتقاما منه لعديد الأسباب، ووضعه في السجن العسكري بالبليدة، ثم ملاحقته حتى وهو خارج الجزائر في سويسرا، والقضاء عليه بدسّ السّم له في عشاء مع صديق له باسبانيا.
       تماهت في الرواية معاناة، وبطولة مسعود زغار مع معاناة الوطن الجزائر، وبطولة شعبها؛ فكان مسعود الجزائر، والجزائر مسعود، وأراني أتمثّل الجزائر بالأم نوّارة التي أنجبت مسعود، نوّارة القويّة، الصلبة، الجلدة، الصبورة، التي تحرّرت قبل الأوان مثل حرائر الجزائر مبكرا:
" كانت نوارة أمًّا قويّة وصلبة، جلدة، وصبورة، فالنساء في هذا الوكن قد تحرّرن من نكهة فرنسا، وزال طعمها بين كلماتهنّ وعواطفهنّ؛ بين فينة وفينة تتحوّلْن لمقاتلات شرساتٍ، رحْن يحرّضْن على البطولة في قلوب أطفالهنّ..ص11 "
      ونحن نقرأ رواية" كازا" ربّما يقفز تساؤلٌ أمامنا: أيمكن اعتبار الرواية مصدرا موثوقا للمعلومة التاريخية؟
      الجواب على التساؤل بمدى إلمام القارئ بتاريخ الجزائر المعاصر، وكذا بتآريخ أبطالها القياديين، وما دٌوّن عنهم، ومنهم البطل العبقري مسعود زغّار. ما جاء في رواية كازا عن هذا البطل كان غزيرا، متطابقًا تمامًا؛ بل بالرواية الكثير ممّا لم يدوّنه المؤرخون لأن الكاتبة أحلام الأحمدي لم تكتف بما في المراجع التاريخية، بل اقتربت من عائلة البطل، وأقربائه، وأصدقائه، ومن يعرفونه عن قُرْبٍ؛ بل استقت حتى من أعدائه.
        قد يقول لي قارئ: لقد ألهيتنا بتحدثك عن الأحداث التاريخية في النصّ، أين الفنّ الروائي طالما النصّ نصٌّ سردي روائي؟
       قد تجد نفسك وأنت تتمتع بقراءة النص مع التاريخ في جديته، ومع الفن في سلاسته، وعذوبته، وجمالياته:
( ..نزول الحلفاء على أرض سطيف، وبالضبط في ستارنو، فتح عيني كازا على عملاقٍ سيحلق قريبا فوق كل العالم، بعد أن اعتكف هذا التنّين بعيدًا عن الأحداث، والسياسات الخارجية، ها هو قد عاد مجدّدًا، إنها الولايات المتحدّة الأمريكيّة. ص) 27
" ..مسعود داخله شجنٌ مخفيٌّ في الأعماق لا يدركه غيرُ خالقه، كان السبب نظرة عينيْه رغْم بسْمته التي لا تفارق مبسمه، ولا خفّة روحه المتوهّجة، والنّادرة، كان مبدعًا..ص44 "
" ..كان كازا يحلم بوطن نقيٍّ من المحتلّ، خامة غالية استخرجها الاستقلال من بين أنياب باريس، ولصقلها لا بدّ من صائغٍ مبدعٍ يعرف قيمة هذا الحجر الكريم، يتقن أسلوبه، ويعرف أين يستخرج مكامن الجمال..55"
        السّرد في النصّ الروائي جاء بصيغة ضمير الغائب الأمر الذي جعل الراوية أحلام تسيطر على تحرّكات البطل العبقري المخابراتي، كما تسيطر على كلّ الشخوص جميعا، بسرْدٍ هادئٍ، واضحٍ سلسٍ. وقد يميل في أحايين إلى الحكي الجميل الجاذب، الأخّاذ للقارئ: "هناك..كان يعيش طفلٌ صغيرٌ في العاشرة ينظر من فراشه الذي يلتصق كل إخوته وراءه يحتمون به من زخّات البرد تحت لحاف من الصوف الملوّن الذي نسجته نوّارة بنفسها، وهو يرتعش من مكْر الصقيع..ص10 "
        وظّفت الراوية في نصّها ما كان يجري في أعماق الشخوص الروائية، وما يدور في أذهانهم من إحساسات غامضة، ومن ترقّبٍ، أو تحسُّبٍ لمآلات مهما كانت نتائجها:
  " ..نام ولم ينم، كل همّه كان إرجاع دليلته، الثأر أراده الرجوع إلى حضن نوارة..ص70"
" ..لم سيفعلون هذا بي؟ لا يمكن أن يحدث هذا، وأنا منْ صنعتُ الثورة، ولا زلتُ أخدم وطني، ولا زلتُ أموتُ لأجله، ولا زلتُ أعطيه من مالي، ومن دمي، ومن روحي..ص100 "
       وتطعّم الراوية النصّ بين الفينة والأخرى بقيم إنسانية ،أو باستنتاجات ذاتية خبراتية من الحياة:
" العبرة الحقيقية هي نعمة الرضا في راحة تنبعث من قيمة وجودنا من طريقٍ نسلكه، وقرار نقرّره.ص80"
"..فتنة المال والنفوذ مهلكة، ونهايتها قبرٌ مظلمٌ، ولعنةٌ من أوجاع الفقراء والمساكين..ص28 "
" ..المجد والنفوذ والسلطة في منطق السياسة مثل منطق قانون الغاب، البقاء فيه للأقوى فقط، والأقوياء أيضًا البيادق تتحرّك فوق لوحة الشطرنج من يدٍ عليا..ص91 "
" حقّك في الحريّة داخل وطنٍ محتلٍّ، لن تفتكّه إلّا بموتٍ ، أو حياة، العالم الذي لا تكون فيه حرًّا فلا تعشْ فيه؛ بل اقتلعْ حريتك، وإنْ كان موتُك لا بدّ منه..ص48 "
      تتناثر في الرواية عديد من لوحات وصفية وشّحت بها الراوية نصّها لشدّ انتباه المتلقّي:
" ..كان البحر جميلا وشاسعا لا يشبه التراب، ولا الصخر، ولا القرميد، لا يشبه كل ساتارنو..جميل كأن هذا الشاطئ حدّ نحو عالمٍ آخر..ص18 "
"..جنيف مدينة الجمال والفتنة، والتي خلف ثيابها المزركشة بشمس مدورة ترميك بنور، يخفي ظلام السّأم، وخضرة تفتح أمام عينيْك ملاذًا نحْو راحة وسكينة للبال..ص114 "
       نصٌّ سرديٌّ مفعمٌ بحبّ الجزائر، والذّود عنها بالنفس والنفيس، وتعرية فرنسا البلد الحقود، الظالم، وكيدها تجاه هذا البلد، وتجنيد عملائها ماضيا، وحاضرا ومستقبلا، النص يزخر بنكران الجميل، وخذلان الأصدقاء، والرفاق. أسلوب النصّ سلسٌ منسابٌ ، بكثافة الجملة ودقّة المضمون.
        ممّا هو شبه مؤكّدٍ في النقد العربي المعاصر، ولدى متّتبعي السّرد الروائي، ومُحبّيه أن الكتابات النسوية السّرديه تنزع إلى الذّاتية، ذات الكتابة التي تلجأ فيها المرأة المبدعة إلى توظيف الأدب كأداةٍ للاحتجاج على أوضاعها الأسرية، الاجتماعية، التعليمية، السياسية؛ وعلى أوضاع المرأة عمومًا داخل المجتمع الذّكوري؛ فقلّما في كتاباتها تتجاوز هذه الذات في كتاباتها إلى موضوعات مجتمعية عامة، إنّما أحلام الأحمدي كسّرت هذا المؤكّد، لتنغمس في التاريخ الوطني المعاصر، وبطلات روايتها، لسْن بطلات في رومانسية العشق، ولا متشكّيات من تسلّط الذكورة؛ بل هنّ بطلات أسطورات في صناعة تاريخ الجزائر المعاصر الوضّاء.
       هذا النصّ الروائي الذي بين أيدينا نصٌّ حديث ناضجٌ، ينضاف لنصوص روائية أخرى للروائية أحلام الأحمدي: ( قلْبُ الجاسوس ـــ رواية)، ( مئا شعاريم ــ رواية" 100 باب).صوتٌ نسائي جزائريٌّ شابٌّ له من المواهب والقدرات ما يؤهله الصدارة في الأدب الجزائري المعاصر.

        

الأحد، 15 ديسمبر 2019

جرثومة التزوير


بشير خلف

      من تعوّدوا على تزوير الانتخابات، ومصادرة أصوات أبناء الشعب، وملء الصناديق في الساعة الأخيرة، عصابات حزبي التزوير والفساد طوال عشرين سنة، وعرّابو (الزردة الخامسة) الذين نهبوا الجزائر واستحلّوا كل شيء لهم، وأوصلوا الجزائر إلى ما وصلت إليه، ما خجلوا ولم يخجلوا؛ فحاولوا يوم الخميس 12 ديسمبر، يوم الانتخابات التسلّل إلى بعض مراكز الانتخابات لممارسة خبثهم بالطلب ممّن يتولّون تسيير المكاتب تحويل أصوات ( المصوّتين) إلى مرشّحهم؛ لكن أولئك الأحرار من كانت بأيديهم الصناديق رفضوا، وأبلغوا في الحين السلطة الوطنية للانتخابات التي عاهدوها على أنّ صوت المصوّتين أمانة ..خسئ الفاسدون اللصوص الذين دمّروا الجزائر، وانتصر صوت الشعب.. وليحي الشرفاء حارسوا الأمانة، وموصّلوا الأمانة.

الخميس، 28 نوفمبر 2019

الكذب.. شيطان الغواية، والحيلة، والخداع



عرض: بشير خلف
      يبدو الكذب من المناطق التي عادة ما تغفلها المعرفة المعقلنة، إذ يكاد يغيب المصطلح من الكتابات الفكرية حتى القرن العشرين، حين بدأت تظهر محاولات لتفسير الظاهرة، كانت في البداية ضمن علم النفس ثم سرعان ما تلقّفتها اختصاصات أخرى.

      للكذب أوجه كثيرة، فيما للصدق وجه واحد، أمّا لماذا هو كذلك؟، فهذا يفتح الباب على تقديرات كثيرة، لا نهاية لها، إذ أن الأمور متعلقة بمعنى الكذب ودوافعه، ومتى يكون القول كاذباً، وهل يتعلق الأمر بأذية، أو ضرر يقع على الآخر، أو حتى على الأنا. أم أن الكذب كذبٌ لمجرد أن يكون القول غير صحيح أو ربما لمجرد السكوت عن قول الصدق، وهل يمكن التوصل إلى تاريخ للكذب، وما علاقة الكذب بالسياسة والحقيقة ؟
      في كتابه" "تاريخ الكذب" الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا،( ترجمة: رشيد بازي. المركز الثقافي العربي.) حاول طرْح سؤال الكذب من منظور البحث عن تاريخ له، أو بالأحرى جنيالوجيا له (أصول)، ليس بما هو سلوك وسرديات ووقائع فحسب، وإنما بمفهومه وبالتفكير حوله أو فيه.. ولو أن جُلّ كتابه يناقش أفكار الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت أو أحد نصوصها وهو "الحقيقة والسياسة"، مفتتحاً نقاشاً أخذ يتسع حول العلاقة بين الحقيقة والسياسة، وبين الأخلاق والسياسة، ودور الإعلام والتقنية في عالم الأفكار والصور والمدارك في عالم اليوم.
        اعتمد دريدا على مقاربة سيميو – لغوية، إذ لاحظ أن ألفاظاً ومفاهيم عدّة التبست بالكذب، مثل الخطإ والحماقة والخبث والإيديولوجيا، وحتى الشعر. هذه الملامسات صنعت، وتصنع فضاءً ضبابياً حول الكلمة. هذا على صعيد أول، قبل أن يتساءل إن كان تمثُّل الظاهرة يحدث بالشكل نفسه بين حضارة وأخرى، وخصوصاً في مستويات مختلفة من الحضارة نفسها، كما هو الحال في الحضارة الغربية التي هي تراكم إغريقي، روماني، يهو – مسيحي.
      تعرّض في كتابه إلى عديد الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين، منهم أرسطو الذي يقول عن الكذاب:( الكذّاب ليس فقط هو الذي يملك القدرة على الكذب، بل هو الذي يميل إلى الكذب)، ومنهم أيضًا مونتاني الذي يقول:( لو كان الكذب كما هو الشأن بالنسبة إلى الحقيقة وجهٌ واحدٌ لكانت العلاقات بيننا أحسن ممّا عليه، فيكفي أن نحمل محْمل صدْق نقيض ما ينطق به الكاذب منّا؛ إلّا أن نقيض الحقيقة له مائة ألف وجْهٍ، ولا يمكن الإلمام كليا بالحقل الذي يشغله).على أنّ الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو شخْصن الكذب بأمثلة واقعية أكثر وضوحًا:( أن تكذب لصالح نفسك، فهذا مستحيل، وأن تكذب لصالح الغير فهذا تدليسٌ، وأن تكذب قصْد إلحاق الأذى بالغير فهذا افتراءٌ، وهذا هو أسوأ أصناف الكذب، وأن تكذب دون قصْد جلْب مصلحة، أو إلحاق الأذى بك، أو بغيرك، فأنت لا تُعتبر كاذبًا، وما تقول ليس بكذبٍ، بل مجرّد تخيّلٍ.)
           يشكك دريدا بإمكان التوصل إلى تاريخ خاص بالكذب.
      فهل نحن إزاء مدلول ثابت للكذب، وبالتالي هل نحن قادرون على كتابة تاريخه؟ هنا يوقفنا الفيلسوف دريدا أمام ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخ الكذب كظاهرة.
    من المفكرين المتخصّصين من يروْن الموضوع يقتضي أن نلغي القياس البسيط على ما هو صحيح أو خاطئ، فالكذب هو عملية محاكاة لهما يجعل من الصحيح نموذجاً لإطلاق الخاطئ. الأكاذيب إذن ليست سوى محاكاة.
       في رأينا الكذب موجود طالما وُجد الإنسان، وأينما تواجد، بغضّ النظر عن وجود تاريخ له أو عدمه. الديانات السماوية وضعته ضمن الموبقات البشرية لأنه يلحق الأذى بالفرد والجماعة؛ بل بالأمم.
       عالمنا اليوم، وبتأثير الترسانة الإعلامية، صار يعيش على الكذب، حتى أن الأيديولوجيات تظهر بوصفها تقنيعًا( القناع) للكذب بهالة الحقيقة. الصورة اليوم في الإعلام، هي أخطر من أي سلاح آخر، فيمكن بصورة واحدة فقط تُبثّ تتغيّر في لحظاتٍ حدودُ الحقيقة والكذب. الجميع يكذب، لهذا التاريخ يتدحرج إلى الهاوية، وتتهاوى القيم، ويختفي العدل، والشيطنة سادت، وتسود.
الكتاب: تاريخ الكذب
المؤلف: الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا
المترجم إلى العربية: رشيد بازي
عدد الصفحات: 116 الطبعة الأولى 2016
الناشر: المركز الثقافي العربي. الرباط


الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

الموسيقى تصدح في دار الثقافة بالوادي



بشير خلف
نظّم نادي " الياسمين" التابع لدار الثقافة بالوادي الذي يشرف عليه الموسيقي العازف، الملحّن علي لعبيدي مساء أمس الثلاثاء 26 نوفمبر 2019 أمسية موسيقية فنية كان ضيفها الفنان الكبير الموسيقار قمّاط عبد الرحمن أصيل مدينة بوسعادة.


       أحْيى الأمسية عديد الموسيقيين، والفنانين بوصلات موسيقية، وأغاني طربية أصيلة؛ كما كان للضيف حصّته في عزْفٍ متميّزٍ على العود شدّت إليها الحضور بالقاعة التي امتلأت بمحبّي الفنّ الأصيل، والموسيقى العربية بألحانها الشجيّة.
       الفنان الموسيقار قمّاط قدّم كتابه بالبيع بالإهداء إلى الحضور، الكتاب الموسوم بـــــ ( قوالب الموسيقى العربية.. الغنائية والآلية) ذي صفحة  235 الذي استعرض فيه قوالب الموسيقى الشرقية، والعربية، روّاد الموسيقى في الجزائر، روّاد الموسيقى العربية.

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

من كتابي ( بحثًا عن ثقافة الحوار مع الذات ومع الآخر الصادر سنة 2018)


...لنلاحظ غياب ثقافة الحوار في المجتمع الجزائري اليوم ، وما وصل إليه الفرد الجزائري من توتّرٍ، وقلقٍ، وحالة نفسية مهزوزة، وعدم ثقة في الحاضر والمستقبل، ولهفة على المادّة ، وانتهاج كل السبل المشروعة ، وغير المشروعة للوصول إليها، وانعكس ذلك على القيم التي من المفترض أن تُعقْـلِـن السلوك الفردي، والجمعي، وهي تختفي، وتتآكل بمرور الوقت ليحلّ محلّها الخصام، والشحناء، والعداء حتّى بين الأقارب بدلاُ من الحوا، والتسامح، والتفاهم، والتكافل المجتمعي كي يعيش الكلّ في أمْنٍ، وسكينة، وسلام.

الأحد، 17 نوفمبر 2019

أيّها المارّون ارحلوا عنّا..


... فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا
وعلينا، نحن أن نحرس ورد الشهداء
وعلينا، نحن أن نحيا كما نحن نشاء
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا

( الشاعر المرحوم محمود درويش)

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

هوية مجروحة من أبنائها..؟ !


بشير خلف

      ..جُرْحُ الهُوّيّة عندنا ينفتح وجعًا أكثر كلما تمّ التلويح ب" الهوية اللغوية " التي يُراد منها تمزيق وحدة هذا البلد جغرافيا من ناحية، وزرْع ذلك في ذهن المواطن بأن هذه هي الحقيقة للخروج من تيْه " الهوية " واقعيا هذا المواطن يكتوي يوميا بنار تبعات هذه " الهوية اللغوية " ليس في إطار اللغتيْن الوطنيتيْن: العربية والأمازيغية، إنما في إطار اللغة الأخرى الدخيلة التي تغلغلت في كل المرافق ووسائل الاتصال والتواصل، والمحيط، والنُقل، وغيرها وعقّدت المواطن ،إذ أصبح يشعر بأن هناك عدوّا غير مرئي يتربص به، ويضيق عليه حياته يوميا وكأنه قدره الذي لا فكاك منه.. الحراك في راديكاليته الأسبوعية منذ شهور غفل عن هذا جذور العدوّ الاستعماري الذي عشّشت في العقول، مثلما عشّشت بيادقه الخبيثة في كلّ تمفصلات الجسم الجزائري، ونغّصت عليه يومياته.

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

...؟ ! !

...؟ ! !

     ممثّل نقابات التربية في لقاء تلفزي مع إحدى القنوات افتخر بنجاح الإضراب الذي قام به معلمو، ومعلمات التعليم الابتدائي، وأصرّ على تواصله مستقبلًا حتى تُلبّى المطالب المادّية والاجتماعية.
       مُحاوِرُه الإعلامي ذكّره بأن نقاباتكم التي تتكلّم باسمها لا تعترف بحكومة تصريف الأعمال، فمن سيلبّي لكم المطالب؟ أجاب: ( الشعب السيّد) هو منْ يلبّي مطالبنا وأداتنا الفعّالة هو " الحراك الشعبي المستمرّ"
        الشعب المغبون الذي جعلت هذه النقابات أبناءه ( رهينة الإضرابات) كل سنة، وتراهن ـــ لستُ أدري ــــ عليه في تلبية شرهها المادّي تريد منه التضحية بأبنائها..

         أين حقٌّ التلاميذ التعليمي التعلمي، والمعرفي؟ وأين حقُّ المجتمع الجزائري من تعليم راقٍ يحافظ على أصالته، وهُوّيته، ويندمج في عالم" معولم" متسارعٍ لا مكانة فيه للكسالى، ومنْ أيديهم ممدودةٌ دايمًا لــــ( الرّغيف السّهل).

الخميس، 24 أكتوبر 2019

الظلم نارٌ لا تنطفئ..


 قيل: لمّا صار المأْمون أميرًا استدعى معلّمه، ولمّا حضر سأله:
ـــــ لِمَ ضربتني بالعصا عندما كنتُ صبيًّا دون سببٍ.
     أجابه المعلم:
ــــــ ألمْ تنس ؟ !
        فقال:
ــــــ والله لم أنس.
       فردّ عليه المعلّم وهو يبتسم:
ــــــ حتّى تعلم أنّ المظلوم لا ينسى.
       وعاد ينصحه  قائلًا:

ـــــــ لا تظلمْ أحدًا، فالظلم نارٌ لا تنطفئ في قلْبِ صاحبها، ولو مرّتْ عليه الأعوامُ

السبت، 19 أكتوبر 2019

..الشخصيات الوطنية؟


      
بشير خلف
      منْ يُطلق عليهم "بالشخصيات الوطنية" الذين يطلعون علينا بين الفينة والأخرى بـــ ( مبادرة)، نثمّن مسارهم الوطني، والتسييري لِما قدّموا للوطن سواء خلال الثورة المباركة، أو بعدها حينما  كانوا في سدّة المناصب العليا، لكن نقول لهم: الفساد ونهْبُ المال العام بدأ في عهدهم، فماذا فعلوا حينذاك؟
       هذه الشخصيات عليها أن تفهم أن جزائر اليوم ليست جزائر عهد الهاتف الثابت، وآلة الكتابة( الداكتيلو قراف)، إننا في زمن العولمة، والتكنولوجيا، وتقنيات الاتصال السريعة كالهاتف الذكي، والحاسوب، والطاقات المتجدّدة، زمن التكنولوجيات الخلوية، واقتصاد المعرفة.
       جزائر اليوم ليست جيل شخصيات 70، 80 ، 85 ، 90 سنة ..إنها جزائر جيل الاستقلال، وما بعد الاستقلال، ..جيل القرن الواحد والعشرين بكل معطياته العولمية المتسارعة، المتفاعلة، جيل الحراك والحركية، جيل عالم المعرفة، جيل التثاقف، جيل الحاضر، والمستقبل.
        كل واحد من هذا الجيل الجديد ( شخصية وطنية) يملك من الرؤى، والأفكار أضعافا مضاعفة من أجيال ما يُطلق عليهم ( شخصيات وطنية) لعشريات مضت. لنتحرّرْ من الماضي{دون التخلي عن عناصر هويتنا، ومرجعياتنا التاريخية}، وشخصياته، ولنيمّمْ وجوهنا نحو المستقبل بأجياله الجديدة.

الخميس، 17 أكتوبر 2019

..وجوهٌ مدّعيةٌ غوغائية


بشير خلف
تطلع علينا كل يوم وجوه جزائرية جديدة لا أثر لها عندنا لا سياسيا، ولا إعلاميا، ولا مجتمعيا.. تطلع علينا في قنوات تلفزية شرقا وغربا: الجزيرة، العربية، فرانس24، R.T، D.W، B.B.C محللة في كل قضايا الجزائر، هذا خبير في الطاقات المتجددة، وهذا خبير في المحروقات، ذاك خبير في القانون، ذاك خبير في السياسة، هذا خبير في المالية،... كلهم يروْن الجزائر (سواد في سواد)، وأغلبهم لم يؤلفْ كتابًا واحدًا فيما يزعم أنّه متخصّصٌ فيه.
      تساءلتُ:

ــــ لــِــمَ هذه الوجوه المدّعية تكون في مقدّمة المساهمين، الباحثين برويّة، وحُسْن تفكير في خروج الجزائر من أزْمتها، عوضًا عن استعراض بطولاتهم الغوغائية في هذه القناة الخارجية، أو تلك..

الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

الكتابة أقدس وأرفع...




كانت الكتابة ولا تزال وسيلة للمعرفة، والتثاقف، والمتعة، واستكشاف الآخر، ومكنونات الذات، وارتياد فضاءات المجتمع، والعالم، سيّما في عالمنا المعاصر، المتسارع التحوّلات.. ليس هناك حدود للكتابة سوى احترام القيم الإنسانية الرافضة للاحتقار، والعنصرية، والاستبداد، وإلّا صارت الكتابة هرطقة، وسفاهةً، واستعراضًا للنرجسيّة المرضية، ونيْلًا من مكانة الآخر.

الاثنين، 14 أكتوبر 2019

لسْتُ إلهًا..ولا أيْقونةً...


الرئيس الجديد لأوكرانيا مخاطبا شعبه:

ـــــ لا أريد منكم أن تضعوا صُوري في مكاتبكم، فأنا لسْتُ إلهًا، ولا أيقونة للتبرّك؛ ولكنّي مُوظّفٌ لخدمة شعبي لا غير.. ضعوا صُور أطفالكم على مكاتبكم لتروْنهم قبل اتّخاذ أيّ قرار.

الخميس، 10 أكتوبر 2019

الكاتب

   

 الكاتب إنسان يـمارس إنسانيته، وكينونته ضمْن الجماعة الإنسانية، يتفاعل مع ما حوله، ومن حوله فينفعل بتقلّبات الأحداث، وأصداء الوقائع، فيتأثر بها، وتؤثر فيه.. عليه أن يجهر برأيه، ورؤاه.

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

...غيابه ستــتولّاه بقايا العصابة


شباب الحراك بكلّ أسفٍ لم يقدّمْ مرشّحًا توافقيا للانتخابات الرئاسية، وأغلبه لم يدعّمْها؛ بدلًا منه تقدّمت أحزاب الموالاة سابقا والدّاعمة للعهدة الخامسة بعد أن استردّت أنفاسها، وبدون حياءٍ، داست على كل مطالب شباب الحراك، وتقدّمت إلى الانتخابات الرئاسية..

على شباب الحراك أن يعي خطورة الوضْع، غيابه ستتولّاه بقايا العصابة، عليه أن لا يمكّنها.. 

الأحد، 6 أكتوبر 2019

الاقتصاد.. وليس الخُطب العصماء...



في عالمنا المعاصر الاقتصاد" هو (مخّ الهدرة)، الجزائر في حاجة إلى رئيس يقلع بقاطرة الاقتصاد بكلّ مكوّناته،  ومن خلال اقتصاد قويٍّ تتسيّد " التنمية الشاملة" فتلبّى مطالب الشعب، سيّما الشباب، حينذاك يعمّ الاستقرار، والعيش الكريم، وتسود روح المواطنة.. الجزائر ليست في حاجة إلى رئيس مهووس بالنرجسية، والخُطب العصماء المشبعة بالبلاغة..يا ناس عالمنا اليوم عالم التنافس المالي والاقتصادي؛ بل الحروب الاقتصادية، دقّقوا جيّدا..انتهى عالم الكلام الذي يُنوّم الشعوب بالوعود الكاذبة.

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

حوار ثقافي

نصّ الحوار الثقافي الذي أجراه معي الأستاذ حسن خليفة رئيس تحرير صحيفة ( الصائر) وصدر بها يوم الإثنين    23 /09/ 2019، في العدد 978:
1ـ نبذة غير يسيرة عن حياتك ومسارك الأدبي والمهني..
ج 1 ـــ  بشير خلف من مواليد 28 اجوان 1941 م بقمار.. ولاية الوادي، بالجنوب الشرقي الجزائري. نشأ في أسرة فلاحية فقيرة جدا كسائر سكان المنطقة، في أوْج الحرب العالمية الثانية، حيث الثالوث الخطير الذي فتك بالجميع، من فقرٍ مدقعٍ، وأمراضٍ وجهْلٍ، وتسلّط استعمار وحشيٍّ. رفض والده إدخاله المدرسة الفرنسية خشية فرنسته روحًا وفكرًا، فتلقّى  تعليمه في الكُتّاب، فحفظ القرآن الكريم في سنّ اثنتي عشر سنة، وصلّى به التراويح في ذلك السنّ في مسجد " الطُّلْبة" بقمار، لم يمكِّنْه والده من الالتحاق بمدرسة النجاح التي فتحت أبوابها في أكتوبر سنة 1948؛ مدرسة النجاح في ظاهرها مدرسة حُرّة أنشأها الأولياء تفاديَ غلقها من الاستعمار الفرنسي؛ إلّا أنها سرًّا تابعةٌ لجمعية العلماء الجزائريين في اتجاهاتها، وبرامجها، وكتبها. أدارها العلّامة المرحوم الفقيه، الشاعر، المصلح الشيخ محمد الطاهر تليلي حتى مرحلة استقلال الجزائر.
        بشير خلف لم يُمكِّنْه والده أيضا من الالتحاق بهذه المدرسة ليس عدم رغبة في المعرفة خاصّة باللغة العربية؛ إنّما لمساعدته في النشاط الفلاحي منذ كان عمره ثماني سنوات، نشاط فلاحي بسيط يُدرّ مدخولا بسيطا. في سنة 1957 بعد وفاة الوالد، رحل إلى عنابة عاملا بسيطا عند أحد التجّار كي يُعيل أمّه الأرملة، وأخويْن أقلّ منه سنًّا مقابل أجرة تافهة تساوي 30.000 سنتيم للعام. في أول سنة 1959 استطاع أن يفتح متجرا صغيرا له بمدينة عنابة. وفي أواخر سنة هذه السنة انضمّ إلى الثورة كفدائي داخل مدينة عنابة، وشارك مع شباب آخرين في القضاء على عملاء خونة جزائريين. ألقت عليه القوات الاستعمارية الفرنسية القبض يوم 20 أوت 1960 رفقة عديد الفدائيين والفدائيات.
       بعد محاكمة دامت ثلاثة أيام في المحكمة العسكرية بعنابة، حُكِم عليه بــ 15 سنة سجنا، وعمره 19 سنة.. قضى منها سنتيْن في سجن تازولت ( لامبيس) بباتنة، وأُفرج عنه بحكم اتفاقيات " إفيان " في شهر ماي .1962
       في السجن أخذ قسطا كبيرا من التعليم على أيْدي أساتذة أجلاّء مسجونين أيضا، أغلبهم من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سجن " لامبيس " تازولت حاليا قُرْب باتنة ..حيث اكتشف حلاوة المعرفة في كل مجالاتها، وخاصة اللغة العربية لدى الأساتذة، والكتب وما بها من معارف مختلفة؛ ومنها  الإبداع من نثْرٍ وشعْرٍ. بمجرّد خروجه من سجن الاستعمار الفرنسي انضمّ إلى الجيش الوطني الشعبي في شهر اجوان 1962 لتكون محطته النهائية بهذه المؤسسة السيادية في الناحية العسكرية الثالثة ببشار، أين شارك كجندي في الحرب الجزائرية المغربية سنة 1963 في سنة 64 وهو جندي شارك في امتحان " الممرنين" للتعليم، فكان النجاح حليفه.. قرّر مغادرة الحياة العسكرية. عُرِض عليه البقاء في الجيش، والتكوين كضابطٍ سامٍ بالاتحاد السوفياتي؛ فآثر التربية والتعليم بدلا من ذلك. معلمًا من سنة 64 حتى سنة 78 ثم مفتشا حتى أكتوبر2001 سنة تقاعده.
2 ــ كمثقف وأديب جزائري ..كيف تقرأ الأوضاع العامة في بلادنا خلال العقود القليلة الماضية ؟
2 ـــ ج :لقد قيّض الله لي والحمد لله أن أُعايش أوضاع بلادي الجزائر من سنة 1964 حتى يوم الناس هذا، وأن أتأثر بكل الأحداث التي مرّت بها كغيري من جيلي؛ يمكن لي أن أقول بصدق وبدون مبالغة، وبدون تطاول: أننا منذ البداية لم نؤسس لبناء دولة، متكاملة الأركان؛ بدلًا من ذلك كانت بداية منْ تولّوا  الأمر التفرّغ إلى الصراع على السلطة، ونقْل الخلاف في ذلك من مؤتمري الصّومام وطرابلس إلى أرض الواقع، وفرْض أولوية العسكري على السياسي؛ ممّا انعكس على إبعاد المدني مهما كانت درجته الأكاديمية وتحصيله المعرفي ليس في المستويات العليا فحسب؛ بل في كل القطاعات، تمّ تحييد المعرفة، ونُصِّب مكانها الجهل الذي فُتحت له الأبواب في كل القطاعات ومفاصل المجتمع.
       غاب الحوار الراقي المؤدي إلى احترام الآخر والاستماع إليه، وتقبّل الاختلاف ممّا يساعد على تكوين مجتمع مدني راقٍ يؤمن بالوطن الواحد للجميع، وبالتعاون في بنائه، واحترام الكل، وفتْح المجال للجميع في توظيف القدرات، والحرص على تكوين مجتمع مدني منه تبرز الأحزاب، والمنظمات، والجمعيات التي تؤسس لمواطنة واعية من خلالها تظهر الحقوق والواجبات، فتبرز الروح الديمقراطية، وحرية التعبير، والوصول إلى الحكم في إطار شفّاف؛ ممّا يساعد على مشروع مجتمع في كل القطاعات لا يزول بزوال الأشخاص، مشروع مجتمع، وليس مشروع فلان أو فلتان، أو برنامج الرئيس...وما أزماتنا المتكرِّرة، ومنها أزمتنا الحالية هذه السنة 2019  إلّا نتيجة انعدام المشروع المجتمعي: مشروع الهُويّة، المشروع التربوي، الثقافي، الاجتماعي، الصحي، الاقتصادي، البيئي،...   
3ـ وما ذا تقول في الشأنين الثقافي والأدبي؟
3 ــ ج: ـــ إذا رجعنا إلى الوراء قبل سنة 1988 كان الشأنان الثقافي والأدبي أحسن حالا؛ في تلك الفترة، ظهرت إلى الساحة الثقافية أسماء لها مكانتها في الإعلام كما الثقافة، المجلات الثقافية، الفضاءات، اتحاد الكتاب وفروعه، الجامعة، المسرح، السنما، الفنون التشكيلية، المتعاونون المشارقة المقيمون في إطار التعاون، زيارات كتاب ومبدعين من القارات الأخرى، كان بالإمكان ترسيخ هذا الزُّخْم الثقافي الذي أبرز أسماء في الساحة الثقافية من جيلٍ نذر نفسه للثقافة في كلّ مكوّناتها، والإبداع في كل تجلياته؛ كان بالإمكان تجذيره، والمحافظة عليه، بعيدا عن اهتزازات السياسة، وصراع العُصب في التكالب عليها. إلّا أنّ غياب المشروع الذي ينبثق من فلسفة المجتمع بداية، ثم إن المجتمع وكل الهيئات المُشْرفة عليه والمتحرّكة فيه تُؤْمن بهذا المشروع بدْءا وتخطّط له، وتعمل من أجل تجسيده عمليا بنفَسٍ طويلٍ وباستمرارٍ، كيفما كانت الظروف ومهما تغيّر الرجال والطواقم المسؤولة.. المشروع الثقافي بقدر ما تكون السلطات التنفيذية مسؤولة عنه وعن تنفيذه، فإن الجماعات الفاعلة والضاغطة في المجتمع مسؤولة عنه كالأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني، بما في ذلك الجمعيات وغيرها...لننظرْ  إلى مشاريع الأحزاب التي تهفو إلى الحكم، وقيادة المجتمع حتى في الاستحقاقات الانتخابية، هلْ نحن واجدون فيها ولو نُتفا بسيطة عن مشروع ثقافي،! وانظرْ إلى النقابات بكل ألوانها، هل أنت واجدٌ في أدبياتها ما يدلّ على تكوين المنتمين إليها ثقافيا ومعرفيا ؟ وهلمّ جرّا.
3 ــــ كيف تفسّر انحسار "الإبداع " في ساحتنا الثقافية على النحو الذي نراه منذ سنوات ؟
3 ـــــ ج :في السبعينات والثمانينات، وكما أسلفتُ نشط المشهد الثقافي وفي إطاره انتعش الإبداع الذي أوجده وساهم فيه، وواصل، ورسّخ مكانته اليوم في الساحة الإبداعية العربية، جيل أُطلق عليه جيل" السبعينات"، بعد هذا الجيل انحسر الإبداع، واختفى المشهد الثقافي إلّا في زوايا ضيّقة بفعل الزلزال السياسي والأمني الذي هزّ البلاد؛ إلّا أنه وبداية من سنة 2007 سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية عاد الإبداع إلى مكانته حيث طبعت وزارة الثقافة 1259 عملا إبداعيا، ومعرفيا، وتواصلت الطباعة في كل سنة حتى 2011 أين خُصصت الإصدارات لتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، كما العديد من المبدعين طبعوا على حسابهم الخاص، ومنهم منْ طبعت لهم بعض الجمعيات الثقافية، وكذا مديريات الثقافة، ودُور الثقافة، والمكتبات الرئيسة الولائية للمطالعة العمومية...
        ومن يزور معرض الكتاب السنوي بالعاصمة يُفاجأ بعشرات العناوين الجديدة الصادرة خاصة في مجال السّرْد الروائي. وما وصل إليّ أن معرض هذه السنة 2019 سيكون مميّزا من حيث الإصدارات الإبداعية الجزائرية، وللتذكير أن دور النشر التي تكاثرت، وتواجدت في أغلب ولايات الوطن ساهمت وتساهم في الإصدارات، والترويج لها.
4ـ خصصت كثيرا من المؤلفات للشأن الثقافي والفكري الوطني ..حدثنا عن مؤلفاتك ..
4 ــــ ج : البداية كانت في أواخر سنة 1970م تفاعلتُ مع مجلة المجاهد الأسبوعية، وخاصة مع "بريد القرّاء" ساهمت بمواضيع تخصّ منطقة وادي سُوفْ: مشكلة المواصلات في الواحات، الصناعات التقليدية دور رجل الدين، شباب ضائع وسلطة محلية نائمة، رأْيٌ في الشعر، افتقارنا الى المكتبات، وغيرها، نتيجة قراءاتي لهذه المجلة من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة، وتوقّفًا طويلًا مع القسم الثقافي بها: شعر، قصص قصيرة، أخبار ثقافية؛ جذبني الأدب من قصص قصيرة، وشعْرٍ.
        أولُ قصة قصيرة كتبتُها كانت في سنة 1972، بعد أن حبرتُ عدة مواضيع اجتماعية أرسلتُها إلى صحيفة " المجاهد الأسبوعي " التي كانت يومئذٍ هي وصحيفة " الشعب " تملآن الساحة المعرّبة، وأيضًا صحيفة: النصر" بدرجة أقلّ، والتي عُرّبت سنة 1972؛ كانت صحيفة "المجاهد الأسبوعي" تنشر لي هذه المواضيع الاجتماعية، وبدأت من خلالها أيضًا أتعرّف على القصة القصيرة المعاصرة، وأتتبع مسارها الموضوعاتي، والاتجاهاتي، والفنّي مـمّا حرّك في نفسي نزعة الكتابة الإبداعية، وبالتحديد القصصية، ووهج ثورة التحرير المباركة لا يزال حينذاك في أوْجـه، فساعدتني الذاكرة التي أعادتني إلى تلك الأحداث، فجأة وجدتًني أكتب أول قصة مستوحاة من هذه الأحداث، قصة بعنوان " النفس الأبيّة " قصة واقعية أحداثها وقعت في سجن" لامبيس"، بطلها استُدعي من قبل الإدارة الفرنسية بالسجن، وعُرضتْ عليه مزايا، وعطايا، مقابل أن يكون مُخبِرًا داخل السجن بين إخوانه، يبلّغ الإدارة الفرنسية عن رفاقه في كلّ ما يقومون به من كبيرة، أو صغيرة، أو حديثٍ عن الثورة؛ وبإباء ونخوة الجزائري رفض، فعُوقب بوضعه في زنزانة منفردة...هذه القصة الأولى لتتوالى بعدها القصص، وتتـفتّـــق القريحة، وأدْخلَ هذا العالم الإبداعي الجميل.
        مجلة آمال.. إضاءةُ الإشراق: في فاتح جانفي 1977م اتّصل بي وزارة الثقافة تُخبرني  بأنها قرّرت جمْع كل القصص التي صدرت لي بمجلة آمال، وستصدرها في عدد خاص من المجلة،  حيث صدرت القصص في العدد 39 بتاريخ ماي ـ اجوان 1977م مجموعة قصصية تحمل عنوان" أخاديد على شريط الزمن".. عدد به 19 قصة، وخمسُ قصص قصيرة جدا. الـمفارقة أني لم أستلم هذا العدد الخاص من وزارة الثقافة مباشرة، أو عن طريق البريد، إنما ابتعــتُه من مكـــتبة ابن باديس بمدينة الوادي كانت في كل شهر تصلها المجلات الثقافية العربية من تونس(الفكر، الحياة الثقافية)، مـصر( الهلال، إقرأْ)، لبنان ( الآداب، الأديب)، العراق( الأقلام، الطليعة الأدبية)، ليبيا( الثقافة العربية)، السعودية (الفيصل)،قطـر (الدوحة)، وكذا مجلة " الثقافة" و" الأصالة "، ومجلة " آمال" من الجزائر العاصمة.. وكأنني غير مصدّق أن يصدر لي عددٌ خاصٌّ بي.
     ثم صدرت لي المجموعة القصصية الثانية الموسومة بــ "القرص الأحمر" سنة 1986 المؤسسة الوطنية للكتاب. وغيرها فيما بعد من الإصدارات لتوشّح مساري الفكري والإبداعي السّردي ، ففي إطار نشْرٍ مشترك، وباقتراح من المرحوم الطاهر وطّار صدرت لي عن الجمعية الثقافية الوطنية" الجاحظية" سنة 1999م مجموعتان قصصيتان: "الدِّفْء المفقود"، "الشموخ". ثم في سنة 2007م صدرت لي المجموعة الخامسة " ظلالٌ بلا أجساد"، عن وزارة الثقافة في إطار الجزائر عاصمة للثقافة العربية. منذ 2007م بعد أن استهوتني الكتابة في مجالات أخرى غير القصة القصيرة؛ في سنة 2017م، عدتُ إلى القصة القصيرة؛ تحديدا القصة القصيرة جدًّا، العصيّة الكتابة، إذ أصدرتُ مجموعتيْن قصصيتيْن على حسابي الخاص: "ترانيم في حضرة القبح"،" لا قليل من الفرح"، عدد المجموعات القصصية التي صدرت لي سبعة.
     مؤلفاتي حتى سبتمبر 2019
ــ في القصة القصيرة
1 ـ أخاديد على شريط الزمن ( في عدد خاصٍّ  عن وزارة الثقافة سنة 1977 )، ثم في سنة 1982 عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع.
2  ـ القرص الأحمر ـ مجموعة قصصية ـ ( عن ش. و. ن. ت 1986) .
3 ـ الشموخ ـ مجموعة قصصية ـ (عن الجاحظية  1999.)
4 ـ الدّفْء المفقود ـ مجموعة قصصية ـ ( عن الجاحظية سنة1999 .)
5 ـ ظلالٌ بلا أجساد ـ مجموعة قصصية ـ (وزارة الثقافة 2007 )
6 ـ لا قليل من الفرح ..قصصٌ قصيرة جدًّا. ( 2017)
7 ــ ترانيم في حضرة القبح. ومضات قصصية ( 2017)
8 ـ الأعمال غير الكاملة ..مجموعات قصصية خمسٌ ( دار الثقافة بالوادي 2015)
ــ في الجمال والفـــــنون
9 ـ الجمال فينا وحولنا ـ دراسةٌ ـ( وزارة الثقافة2007 )
10 ـ الجمال رؤيةٌ أخرى للحياة ـ دراسة ـ ( وزارة الثقافة2007 )
11 ـ  الفنون لغة الوجدان ـ دراسة ـ (وزارة الثقافة 2009 )
12 ـ الفنون في حياتنا ـ دراسة ـ (وزارة الثقافة 2009)
ـــ في الفكر والإبداع الأدبي والنقد ــ مقالات
13 ـ وقفات فكرية.. حوارٌ  مع الذات، ووخزٌ للآخر. مقالات(وزارة الثقافة 2009)
14 ـ  مرايا.. حديث في الثقافة والجمال والفنون .( مديرية الثقافة بالوادي 2012 )
15 ـ مؤانسات ثقافية ـ مقالات ـ (وزارة الثقافة 2013)
16 ـ على أجنحة الخيال  ـ مقالات ـ (وزارة الثقافة 2015 )
17 ـ تغاريد قلم . حديث في الفكر والأدب ـ والفن.( 2017 )
ــ دراســــــات
18 ـ الكتابة للطفل بين العلم والفن ـ دراسة ـ ( وزارة الثقافة2007)
19 ـ المجتمع المدني وحقوق الإنسان .2018
20 ـ بحثا عن ثقافة الحوار مع الذات ومع الآخر 2018
ــ حــــــوارات
21 ـ حوارات في الفكر والثقافة والأدب والتربية (مديرية الثقافة بالوادي: 2015 ).
ــ السيرة
22 ــ حياتي في دائرة الضوء ..سيرة ذاتية لبشير خلف ( جاهز للطبع).
كُتُبٌ أخرى، إعداد وإشراف بشير خلف
23 ـ " إضاءات ..نقد " للمرحوم شرادة الجيلاني( دار الثقافة بالوادي 2016)
24 ـ " تواشيح .."حوارات ثقافية للإعلامية جميلة طلباوي ( رابطة الفكر والإبداع2016)
25 ـ " هذه حياتي "للمرحوم العلاّمة محمد الطاهر تليلي(دار الثقافة بالوادي2017)
26 ـ المُقتطَفات المنظومة مِن مؤلَّفاتي المعلومة للمرحوم العلامة الشيخ م. الطاهر تليلي2019
5ـ كتبت القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي والمقال الثقافي ان صحّ التعبير ...كيف يمكن توصيف "غياب" النقد في ساحتنا الأدبية الوطنية ؟
5 ــ ج:أ ــــ يقول الدكتور إبراهيم رماني تعريفا للنقد الأدبي:« ..النقد الأدبي إنما يسعى إلى "معرفة الصور الجمالية، للقطعة الأدبية، وتقدير الصفات الأساسية التي يجب توفرها ليكون النص أثراً فنياً خالدا» ؛ إذا كان الإبداع الأدبي يحتاج إلى الإضاءة النقدية، فإن النقد يحتاج لبيئة إبداعية خصبة تكفل له التفاعل والتواجد، والاستمرارية، كما تحفز الناقد على الرصد والمتابعة للأعمال الإبداعية في الساحة الثقافية، أيضا تحفز هذا الناقد على العطاء، والمثابرة، وإبراز قدراته الإبداعية كراصد، وموجه؛ فالأدب كإبداع، والنقد كمقيّم لعملية الإبداع كلاهما يسيران جنبا إلى جنب في خطٍّ واحد ليتمم كلاهما الآخر، ويدفع كلاهما الآخر نحو صناعة إبداع راقٍ يحفظ ذاكرة الأمة، ويستفزّ قريحة المبدع، ويعبر عن طموح المتلقّي كــــطرفٍ آخر في عملية تغذية أطرافها ثلاثة : مبدع، ناقد، متلقٍّ.
      في بلادنا وفي السنوات الأخيرة وقد انحسرت المقروئية رغم تواجد الإبداع، وحلّت محلّ المقروئية الوسائط الحديثة، وسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي، والعزوف عن حضور الفضاءات الثقافية، والمنابر الإبداعية، والإعلام الثقافي، كما غياب الحصص الثقافية، واستضافة المبدعين أدّت بالنقد الأدبي أن يغيب عن الساحة الثقافية، ويتواجد في الجامعات لا في المنابر، إنما في بحوث ومقالات في مجلّات محكّمة هدف أصحابها الترقية بدل الكشف عن المواهب، ومساعدتها. في غمرة هذا الفراغ، خلا المجال لظهور لون جديد من النقد هو (النقد الجامعي) الذي يستخفّ بالنقد خارج الجامعة دون أن يقدّم البديل المقبول، لأنّ أصحابه باحثون وأساتذة جامعيون منزوعو الذّائقة الجمالية في كثير من الأحوال... يلوكون أفكارا مجرّدة ونظريات مثالية، ويستجمعون ركاما من الأقوال الشرقية والغربية وأثقالا من الهوامش والإحالات، وحين يبلغون النصوص الممتعة الخلاّقة تغلق دونهم، لأن من سمات النّاقد إنْ لم يكن مبدعًا يكون ذوّاقًا للإبداع، مهووسًا بالجمال، باحثًا عنه في ثنايا النصّ، مثمّنًا مبدعه الذي من المفترض أن يتعرّف على المبدع شخصيا، لا على نصّه فحسبْ.
6ـ المنجز الإبداعي في الجزائر متعدد ومتنوع (سرديا وشعريا ..) هل يمكن أن نعرف منك "تقييما" لهذا المنجز ..وبمً يعد في تقديرك ؟
6 .ج :المنجز الإبداعي يدخل ضمن المنجز المعرفي الشامل في البلاد، وتأكيدا فمن يرغب في معرفة هذا المنجز عليه بزيارة معرض الكتاب الدولي السنوي، ويطوف في أجنحته، ويغوص في أغواره، ويتوقّف عند العناوين سيفاجأ بالإصدارات الجديدة في كل المجالات الفكرية؛ إلّا أن الحديث عن المنجز الإبداعي طاغٍ منذ ما قبل المعرض في الإشارة إلى العناوين الجديدة التي ستكون حاضرة. إن المتتبع للمنجز الإبداعي لا يُفاجأ بسيطرة المنجز السردي الروائي في السنوات الأخيرة كما هو الحال في أغلب بلدان العالم. قيل قديما:( الشعر ديوان العرب)، وحاليا " الرواية ديوان العرب.. بل العالم"، هذا المنجز نافست فيه الأنثى الرجل، وتبوّأت فيه مكانتها؛ أمّا الشعر فقد انحسر متلقّوه إلّا في مبدعيه، وأصدقائهم، وفقد مكانته، ومنابره، ومواقعه، وحتى دور النشر تتحاشى إصداره.. ولمّا نتحدث عن المنجز السردي الروائي في الجزائر الذي كانت بوادره الحديثة سنة 1973 برواية " ريح الجنوب" للمرحوم عبد الحميد بن هدوقة، وما تلتها من روايات، وحتى شعْرٍ كانت نصوصا مشبعة أيديولوجيا بالواقعية الاشتراكية، معبّرة عن الثورة، وواقع المجتمع الجزائري بعدها، وما يطمح إليه أفراده؛ وأثناء الأزمة السياسية وما بعدها ظهر الإبداع الاستعجالي الذي وثّق للمآسي اليومية دون النظر إلى الجانب الفني والجمالي، وحتّى البناء اللغوي في عديد النصوص السّردية؛ بعدها ظهرت نصوص من حيث العدد كثيرة، ومن حيث المضمون أغلبها ذاتية عاطفية مغلقة، الساحة أخيرا برزت فيها أسماء شبابية من الجنسين أبدعت نصوصا إنسانية راقية أهّلتها للفوز بجوائز وطنية وعربية؛ دون الإشارة إلى الأسماء التي سبقتها والتي وصلت إلى الريادة ولا تزال.
7 ــــ نالت بعض الأقلام الجزائرية جوائز عربية مقدورة في المجال الإبداعي (رواية ، شعر ، أبحاث أدبية ونقدية)...لكن في الوطن ليس هناك ما يكافئ هذا النجاح ..إلام يعود ذلك في تقديرك ؟
7 ـــ ج: لا ننفي أنّ هناك جوائز سنوية في الرواية، المسرح، الإعلام، الأبحاث ذات مستوى مادي معتبر ترصدها مؤسسة الرئاسة، ومؤسسات أخرى، ويُحتفى بالفائزين بها؛ ومن المفارقات أنّ العديد من الشباب المبدع الجزائري لمّا يتألق، ويتحصّل على الجوائز والمراتب المتقدمة خارج الجزائر؛ حينها يُحتفى به داخليا، وينتهي كل شيء، ويُتناسى وكأنه ليس مكسبا جديدا يُثمّن ويرعى.
      الاهتمام بالمواهب، والكشف عنها، بل وتهيئة كل الظروف لوجودها، ومساعدتها، ووضعها مكانها اللائق الذي تبدع فيه فتفيد نفسها ووطنها يأتي من ثمرات المشروع الثقافي الوطني الذي لا نقول (  معطّلًا)؛ بل معدوما لم يظهر إلى النور منذ الاستقلال.
8 ـــ كان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين دور في النهضتين الثقافية والأدبية ، بشهادة دارسين ومؤرخين كعبد المالك مرتاض وغيره.. كيف تنظر اليوم إلى دور الأدب والثقافة في صناعة الغد المنشود للمجتمع الجزائري.. وكيف تتصوّر إسهام الأدب في نهضة المجتمع ؟
8 ـــ ج :كل وطني نزيه غيور على هذا البلد يثمّن الدور الرائد التاريخي الذي أدته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولا تزال. إن الأدب والثقافة يدخلان ضمن عوامل مكوّنات هوية الأمة، كما يشكلان الغذاء الروحي، والجمالي، والتوازن النفسي، ممّا يساعد على السلوك السوي للفرد المنسجم مع نفسه، غيره، مجتمعه، ومن هذا المجتمع المنسجم يكون الغد المنشود الذي يكون قوامه الاحترام، والعيش المشترك في وطن واحد المجتمع تحتضنه " المواطنة".
9ـ لوحظ من الدارسين وجود "تجاوزات " إن صحّ التعبير في مجال الكتابة الإبداعية خاصة، بالسخرية من المقدسات والعدوان على القيم والمبادئ (لدى البعض حتى من كبار الكتاب ) كيف تقرأ ذلك ؟ وهل يرتبط الأدب والابداع بالضرورة مع "الجرأة " على الدين والقيم ؟
9 . ج: ظلّ، ويظلّ الأدب مستمَدًّا من تجارب الإنسان، باعتباره كائنًا حيًّا مكوّنًا من الروح، والمادة، والعقل، والوجدان، وهو يحتاج إلى ما يُشبع احتياجاته المتعددة التي تتعلق بمكوناته تلك إشباعًا ماديًّا وروحيًّا متوازنًا في إطار القيم الإنسانية الرّاقية، وفي إطار احترام كرامة الإنسان نفسه ومجتمعه؛ لأنّ الأدب بما يعبر عنه من فنون الشعر، والنثر يعبر عن حقيقة شعور الإنسان الجمالي، والذّوْقي، وطبيعة إحساسه تجاه غيره، وتجاه الطبيعة بمختلف مظاهرها؛ بحيث تحكمه رسالة الأديب الذي يُسْكب أحلامه، وأفكاره، وآلامه، وآماله بلغة ملك ناصيتها، وطوّعها ، وحمّلها من قيم الجمال، والحقّ، والخير ما يرفع من مستوى المتلقّي، فالمجتمع. إنّ أيّ أدبٍ لا يصبّ في هذا المنْحى هو هدْمٌ للقيم، وخطرٌ على المجتمع. بكلّ أسفٍ ظهرت في بلادنا كتابات شعرية وسردية ليس في هذا القرن فحسب، بل بداية من القرن الماضي، وإنْ كانت قلّة لتتغوّل نفس الأسماء، وتنضاف إليها أسماء جديدة من الجنسيْن كتبت، وتكتب نصوصًا سردية وشعرية، سيّما السردية ضمّنتها، وتضمّنها دعوات للتحلّل من القيم الروحية، والدينية، ووصف المتمسكين، والمدافعين عنها بالجهل، والتخلّف؛ بل والدّعوة إلى التحرّر الجنسي، والمثلية من خلال ما يُطلقُ عليه بالأدب الإيروتيكي، وسعْيُ هؤلاء العمل على تفشّي هذا الأدب، ومن هؤلاء أساتذة أكاديميون معروفون؛ إلّا أنه في تقديري من خلال رصْدي لتحرّكاتهم أنهم فشلوا، وسيفشلون أمام تصدّي المجتمع الجزائري المسلم لدعاويهم.
10ـ الجوائز الأدبية ..هل هي فعلا معيار حقيقي للحكم على قدرة وصدارة كاتب أو مثـــقف ما ؟
10 ـــ ج: إن انتشار الجوائز الأدبية والثقافية في العالم العربي بما في ذلك الجزائر،  بادرة تستحق الالتفات، إذْ هي مهمّة لتشجيع الكاتب على مواصلة إبداعه، وانتشار الكتاب بشكل أوسع. وهذه المبادرات التشجيعية وُجدت في أوروبا منذ قرون، وصاحبت الحركات النهضوية الفنية والأدبية. وفي العالم العربي هناك جوائز تمنحها سلطات الدول، وأخرى تمنحها مؤسسات تجارية، وبعضها تقوم برعايتها هيئات ثقافية مدعومة من جهات عديدة كما هو في دول الخليج. من حقّ أيّ مبدعٍ التقدّم إلى هذه الجوائز لكن وفق شروطٍ مضبوطةٍ ، في رأيي ليست هذه الشروط دائمًا متوفّرة ممّا  أدّى إلى بروز لهفة جديدة لدى كل من يكتب، ومنْ يحاول أن يكتب، في الركض للحصول على الجائزة، ولذلك نجد عديدا من الأعمال المقدمة للجوائز الأدبية، حتى من كتاب كبار، متسرّعة غير ناضجة، لتركض في سباق الجائزة. كما العديد ممّن لم ينشرْ، أو تنشر نصًّا في حياته، أو حتّى مقالًا أدبيا، يطلب منك، أو تطلب صداقة بمجرّد موافقتك ترسل، أو يرسل إليك نصًّا أسماه( رواية)، لا ليطلب منك تقييمه، بل الاطلاع عليه، وتزكيته كي يشارك به في جائزة من جوائز " البترودولار".
ـ كلمة اخيرة .
ــــــ أتقدّم لصحيفتكم بالشكر والتقدير، ولهيئة تحريرها التي منحتني هذه المساحة كي أُدلي بآرائي الشخصية في قضايا بلادي.. آراء شخصية خاصّة بي، أرجو ممّن يطّلع عليها أن يجد فيها ربّما ما يشغله فكريا، والله الموفّق.



  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...