الجمعة، 30 يناير 2015

  السينما الجزائرية عليلة.. ! ! ؟

  السينما الجزائرية عليلة.. ! ! ؟
بقلم: بشير خلف         
           صُنّاع السينما وعشاقها في بلادنا يُقرّون أن الشاشة الكبيرة في الجزائر تعيش أزمة  سينمائية مزمنة طال أمدها، وهي بحاجة إلى إرادة قوية من جميع شركائها لإعادة بعْـث مشروع ثقافي يعيد مجدها السابق الذي عاشته في الستينات والسبعينات من القرن الماضي . ويبدو أن الأسباب عديدة منها انعدام وجود مشروع ثقافي وطني يتخذ من الــقطاع السمعي البصري بما في ذلك السينما أداة ثقافية على غرار المجالات الأخرى من خلال تنشيط هذا القطاع، برصْد الموارد البشرية والمادية الكافية، وتشجيع ربْط الاتصال بين المنتجين، والمخرجين ، والكُتّاب، وتشجيع المخرجين الشباب على إنتاج أفلام تتطرّق لقضايا المجتمع المستجدّة، وهي كثيرة، فمن غير المنطقي والإنسان الجزائري في يومياته المعاصرة يعيش ويعايش قضايا اجتماعية، وسياسية لا حصْر لها، ونتكلّم فقط عن الأفلام التاريخية والثورية، ولعلّ من هذا المنطلق يمكن لهؤلاء المخرجين الشباب التفاعل مع النصوص الأدبية الجزائرية المعاصرة.
         نجاح السينما في الجزائر منذ الاستقلال حتى منتصف الثمانينات، وأخصّ بالذكر الأفلام التاريخية، والثورية يعود في رأيي حينذاك إلى الروح الوطنية المتوهّجة، والقرب تاريخيا من سنوات الثورة التي أحداثها، ومآسيها لا تزال حاضرة في المخيال الشعبي، وغلبة نسبة المواطنين الجزائريين الذين صنعوا، وعايشوا تلكم الأحداث، والتأثّر ببطولات ثورة التحرير، وبالتالي فأفلام تلك الفترة كانت متماهية، ومعبّرة بصدق عن الشعب الجزائري، بغضّ النظر عن ماهية النصّ، وإنْ كان النصّ الإبداعي لكُتّاب معروفين أكثر نجاحًا من غيره كما هي نصوص محمد ديب، وعبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطّار.
          لكن بعد الزلزال السياسي والأمني الذي هـــزّ الجزائر في كل المجالات، وقلّب القيم والاتجاهات رأسًا على عقب، وبروز أجيال جديدة لا تؤمن بما كانت تؤمن به الأجيال التي قبلها، تسبّب في فقْد السينما مكانتها. إضافة إلى أن أجيال ما بعد الاستقلال كانت السينما بكل أطيافها تشكّل حيّزًا من يومياتها ولياليها في كل المدن الجزائرية، من أفلام ثورية جزائرية، وحربية عالمية، وأفلام اجتماعية، وأخرى عاطفية أجنبية وخاصة العربية. قاعات عرض الأفلام كانت متواجدة في كل أحياء المدن، بل في الشارع الواحد بالكاد تتواجد أكثر من قاعة، وحتى في الجزائر العميقة كانت لا تخلو بلدة من قاعة للعرض، فمدينة الوادي الحالية المتواجدة بالجنوب الشرقي الجزائري قبل أن تكون ولاية سنة 1984 كانت بها قاعتان لعرض الأفلام أسبوعيا، واليوم ولا قاعة بها، ويشبه حالها حال المدن، والبلدات الجزائرية كلها.
        السينما أزمتها متأتٍّية من أسباب أخرى تُضاف إلى ما سبق، وهي  توافر أدوات أخرى معرفية صارت بين أيدي الإنسان الجزائري مثل غيره في كلّ بقاع العالم، بضغط زرّ وهو في بيته تنفتح أمامه عوالم عديدة ومغرية حسْب اختياره، ووفق رغبته وذوقه : أفلام، فيديوهات، مسرحيات، برامج، محاضرات، سهرات فنية.. ولمّا نتحدث عن هذه العوالم الجديدة ليس معناه أن الجزائري المعاصر اختار هذه العوالم الجديدة اقتناعا منه بأنها الأفضل من غيرها كالكتاب والمجلّة ، والمحاضرة؛ بل تدخل في تدنّي المقروئية والتكاسل في التثقّف، والتثاقف. الجلوس أمام شاشة التلفزة والارتخاء والبحلقة في الصور المتتالية، أو الإبحار في الشبكة، أو دغدغة الهاتف الذكي هي التي تجلب هذا الإنسان، بل تخدّره.
                 في بلادنا ومنذ أواخر الثمانينات نكصت السينما عندنا في الجزائر على عقبيْها عندما تخلّت عن النصّ الأدبي، وتحوّل المنتج، أو المخرج إلى سيناريست يكتب باللهجة الهجينة، أو بالفرنسية، وأعرض عن النصّ الأدبي الجزائري، ممّا أفقد الأفلام السينمائية الجزائرية المنتجة أخيرا مكانتها محليا، وعالميا، بعد تألق الأفلام الجزائرية الثورية الرائدة بعد الاستقلال وحصولها على الجوائز لأنها كانت تستمدّ من نصوص لأدباء جزائريين معروفين، ومخرجين ذوي قدرة وكفاءة.
       الأمر لا يتعلّق فقط في عزوف المنتجين والمخرجين الجزائريين، ونظرتهم الاستعلائية عن النصّ الأدبي الجزائري فيكتفون بوضع السيناريو بأنفسهم؛ لأنّ أغلب مستواهم في اللغة العربية ضعيف من ناحية، وليس لهم نيّة في الاتصال بروائيين جزائريين لهم روايات رائدة يتعاونون معهم في كتابة السيناريو، أو يوكلون الأمر كله للروائي نفسه تفاديا لتشويه النصّ الأصلي من ناحية أخرى.

       في تقديري ليست المشكلة في ضُعْف النصوص الروائية التي تفتقر إلى مقومات العمل الدرامي . النصوص الجيدة كثيرة عندنا ، والمطابع تقذف في كل سنة نصوصا روائية جيدة لكُتّاب جزائريين لهم شهرتهم محليا وعربيا، وعالميا؛ ونصوصًا لروائيين شباب أبدعوا نصوصا معاصرة تألقوا فيها داخل الوطن، وخارجه إلاّ أنّ قلة القادرين عندنا على تحويل النصوص الروائية إلى سيناريوهات ناجحة تقترب فيها الصورة مع النص بنسب مقبولة، ولا يتشوّه فيها النصّ الأصلي تحُول دون تطوّر السينما والمسلسلات التلفزيونية عندنا. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمشاركة أو التعليق: اضغط على ( روابط هذه الرسالة) ثم على ( إرسال تعليق ) واكتب تعليقك داخل المربع ، وارسلْه.

الأربعاء، 21 يناير 2015

تاريخ الكاميرا

تاريخ الكاميرا
       قليلون يعرفون أن "الكاميرا" التي يستخدمها الملايين ويرددون اسمها في العالم كل يوم، اشتقت اسمها من كلمة "القمرة" العربية، لأن عالما عربيا ولد قبل 10 قرون في العراق، استخدمها كثقب في غرفة مظلمة أجرى فيها أبحاثه عن الضوء والبصر، فتذكرته "اليونيسكو" لمناسبة افتتاحها "السنة الدولية للضوء وتكنولوجيا البصريات" المنعقدة فعالياتها منذ أمس في باريس وتنتهي اليوم الثلاثاء، وقامت بتكريمه كما يستحق.
      ابن الهيثم، الممهور رسمه على العملة الورقية في العراق، واسمه أطلقوه على كويكب في الفضاء اكتشفه عالم الفلك السويسري ستيفانو سبوزيتي قبل 16 سنة، وسماه العلماء 59239 Alhazen تقديرا لما قدمه من ابتكارات، هو الحسن أبو علي بن الحسن بن الهيثم، المولود في البصرة عام 354 هجرية، المصادف للعام 965 ميلادية، والذي برع في علم البصريات وعبّد الطريق لاختراع "الكاميرا" باستخدامه "قمرة" في " غرفة سوداء" ليجري فيها أبحاثه عن الضوء والبصر والنظر فأفاد البشر.
      يكتبون عن ابن الهيثم أنه كان عازفا عن اللهو، مقبلا على القراءة والاطلاع وكثير التساؤل. ولأن خطه كان جميلا، فقد بدأ العمل باكرا بنسخ الكتب للآخرين. أما في شبابه، فقيل إنه كان زاهدا بالدنيا، يمشي على طريق العلماء، وسافر يطلب العلم في بغداد وسوريا ومصر، فدرس الطب في عاصمة العراق، واجتاز بنجاح قلّ نظيره امتحانا مقررا لكل من يريد مزاولة المهنة، فمارسها متخصصا بأمراض العيون، أو ما كانوا يسمونه "طب الكحالة" بعراق ذاك الزمن، لذلك سعى إليه المشاهير.
     بين من قصدوه كان الحاكم بأمر الله، بعد أن سمع عن قدرته في تنظيم أمور نهر النيل، وإمكانية أن يجعله صالحا للري في جميع أوقات السنة، لذلك استدعاه الى بلاطه وزوده بما يحتاج للقيام بالمشروع، فأمضى ابن الهيثم وقتا في الموقع الذي تشاء الصدف التاريخية أن يكون نفسه الذي بنت فيه مصر سدها العالي زمن جمال عبد الناصر، ثم أدرك استحالة قيام المشروع بإمكانات عصره، فاعتذر للحاكم، ولم يخدعه ليفيد نفسه بشيء من المال الحرام، وراح يتابع حياته بالتأليف وبالتجارب العملية على الضوء وتوابعه.
     كان ابن الهيثم يتقن لغات عدة، وأنفق وقته في التعليم والتأليف والتجربة، من طفولته حتى وفاته في القاهرة عام 1040 ميلادية، فألف طوال 75 سنة عاشها على الأرض 237 مخطوطة ورسالة في مختلف العلوم والمعرفة، ومن آرائه التي طالعت بعضها "العربية.نت" في ما سماه "تضارب الآراء" أنه الطريق الوحيد الى الحقيقة، لأنها تتصارع وتصل الى الجميع، فيفرزونها ويكتشفون الصحيح منها مع الوقت.
      ووضع ابن الهيثم بالبصريات والرياضيات 37 مؤلفا، منها "كتاب المناظر" الشهير، فاعتبروه "مؤسس علم الضوء" لدرسه فيه مدى علاقته بطب العيون وبالنظر، بل درس انعكاساته وأطواله وعروضه وكيف يتحول الى طيف، ودرس سرعته أيضا، وسبق آينشتاين بقوله إنها محددة، وإنه ينكسر وينعطف، لذلك مهد الطريق فيما بعد لاختراع الكاميرات بأنواعها، حتى قالت عنه موسوعة "سارتون" العلمية إنه أول مخترع حقيقي للكاميرا، ولم يسبقه إليها سواه.
     وأشهر إسهامات ابن الهيثم الذي كان يتقن لغات عدة، هو تصحيحه في علم البصريات لكثير من المفاهيم العلمية التي كانت سائدة في عصره كالمعميات، وأهمها إثباته أن الضوء هو الذي يأتي من الأجسام إلى العين فتراها، وليس العكس "وإلا لكنا نرى في الظلام". كما قال: "وما كنا نتألم إذا ما نظرنا الى الشمس". وهذه حقيقة اكتشفها بالتجربة، ومهدت فيما بعد لاختراع الكاميرا، إضافة أنه أول من قام بتشريح العين تشريحا كاملا ليدرس وظيفة كل عضو فيها.
      وبرع ابن الهيثم بالهندسة والفلسفة والفلك والفيزياء وعلوم الدين والنفس والموسيقى، فكتب عن تأثير الألحان على "أرواح الحيوان" وعن سرعة الجمل وكيف تزيد وتقل مع استخدام موسيقى "الحداء" المعروفة في شبه الجزيرة العربية. كما أعطى أمثلة عن كيفية تأثير الموسيقى على سلوك الحيوان وحالته النفسية عبر تجارب أجراها على الطيور والخيول والزواحف، وهناك من قرأ ما كتب بعد ألف عام، فراح يستخدم موسيقى موزارت بشكل خاص في مزارع المواشي، وفوجئ بأن الأبقار تدر المزيد من الحليب.
        أما عن احتفال اليونسكو بالسنة الدولية للضوء والبصريات، فإن مشاهير في حقول علمية متنوعة يشاركون فيها، كما ومنظمات معروفة على مستوى دولي، ومنها "ألف اختراع واختراع″ المعنية بالعلوم والتراث الثقافي، والتي قرأت "العربية.نت" ما نقلته الوكالات قبل 3 أشهر عن المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، حين عبرت عن سعادتها للتعاون معها بتكريم ابن الهيثم، واصفة العالم العربي بأنه "رائد وإنساني عاش قبل ألف عام ولم تكن حياته وأعماله مهمة كما هي الآن" وكانت محقة الى حد كبير.(العربية)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمشاركة أو التعليق : اضغط على " روابط هذه الرسالة"، واكتب تعليقك داخل المربّع.

الجمعة، 9 يناير 2015

     أعمال سنغور الشعرية: أنا أفريقيا باللغة العربية

     أعمال سنغور الشعرية: أنا أفريقيا باللغة العربية
          صدرت الترجمة العربية للأعمال الشعرية الكاملة للشّاعر الرئيس، ليوبولد سيدار سنغور (1906 - 2001)، عن "الدّار التونسيّة للكتاب"، بتوقيع الشّاعر والرّوائي التونسي جمال الجلاصي، الذي قال حول أجواء وظروف ترجمة هذا الكتاب: " لقد قضيت قرابة أربع سنوات في رحاب أفريقيا، من خلال عالم شاعر عميق وإنساني، يعتبر الأدب وسيلة لردم الحفر التي تفصل بين الأجناس والعقائد. سنغور الذي يكتب كي يعبّر عن الإنساني المشترك عن السلام والإخاء، حفر عميقاً في بيئته المحليّة، وفي ذاكرته الجماعية كي يصل إلى الإنسان".
        ليوبولد سيدار سنغور الذي ولد في مدينة شاطئية صغيرة تقع جنوب العاصمة داكار، ينتمي إلى قبيلة قريبة جداً من الطبيعة، إحيائية ومسيحية في آن واحد. والإحيائية هي أقدم الديانات الأفريقية، وتعتقد بوجود روح أو قوّة حيوية تحرك جميع الكائنات الحية، وكذلك تحرّك عناصر الطبيعة كالحجارة والريح. وربما بسبب هذه الجذور استطاع الشاعر أنْ يعبّر عن أعماق الشخصية الأفريقية.
        أما استخدامه للغة الفرنسية فلم يكن تبعيّة للاستعمار، بمقدار ما كان مقاومة ثقافية، فقد عمل على أفرقة اللغة الفرنسية، إن جاز التعبير، لشدة ما كان يستعمل مفردات محلّية للتّعبير عن المناخ الشّعري الخاص، وقد أسّس بذلك مدرسة "الزّنوجة"، أو ما سمّي "الخصوصيّة السوداء"، هذا المفهوم الذي أسّس له مع رفيق دربه إيميه سيزير (1913 - 2008). إذ يتجلّى ذلك في قصائده التي تحتفي بالإرث والحضور الأفريقي في مواجهة للهيمنة الاستعمارية والكولونيالية الأوروبية.

     يتنقّل شعر سنغور، الذي كان رئيساً لبلاده طوال عقدين، بين عاطفتين، حبّه الشديد للثقافة الفرنسية، هو الذي تعلّم في فرنسا، وشارك إلى جانب رفاق أفريقيين في الجيش الفرنسي أيام الحرب العالمية الثانية، وقضى ثمانية عشر شهراً في المخيمات النازية. وأيضاً تعلّقه وإيمانه ببلده السنغال وهويته الأفريقية، التي عاد إليها من فرنسا أيام موجة التحرر الوطنية في 1960.

ملاحظة : للتعليق أو المشاركة يُضغط على ( روابط هذه الرسالة)

الخميس، 8 يناير 2015

النصّ الأصلي المكتوب .. ليس نصًّا مقدّسًا

مساهمتي في ملف : " ديوان الحياة " الموسوم بـ (عندما "يسرق" الكاتب نفسه! ) بيومية الحياة الجزائرية ليوم 06 جانفي 2015 الذي يشرف عليه الإعلامي والكاتب الروائي الخير شوار.
                      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشير خلف: النصّ الأصلي المكتوب .. ليس نصًّا مقدّسًا
الثلاثاء 6 جانفي 2015
      الكاتب إنسان يمارس إنسانيته، وكينونته ضمْن الجماعة الإنسانية، يتفاعل مع ما حوله، ومن حوله فينفعل بتقلّبات الأحداث، وأصداء الوقائع، فيتأثر بها، وتؤثر فيه.. قد يكون مسارها في الاتجاه الذي يرتضيه، فيلتقي مع تطلعاته، ونظرته إلى الحياة، أو يكون في الاتجاه المضاد تمامًا بعيدا عمّا ارتضاه، وعمّا اصطفاه من قيم واتجاهات.
       يقول لوكيه في كتابه البحث عن الحقيقة :« كيف أقوم بأي خطوة في البحث عن الوجود؛ بل كيف أتردد ما لم يكن ذلك بواسطة حركة أفكاري حركة حرة ».لا يوجد إبداع دون حرية, ولا يمكن للمرء أن يكون مبدعا دون أن يعيش في بيئة حرة طليقة.» فالحرية للمبدع تعني الحركة, تعني الانطلاق, وتعني التفتح والانفتاح على الحياة والناس والطبيعة لكي يعبّ من مناهلها، وسحرها وحكمتها، وسرها الملهم دون أن يتقيد بقيود، أو يحدّ تطلعاته سدود أو حدود.
      هذه الحرية في نظرنا تجعلنا نطرح الآتي:
بعد أن يدفع الكاتب بنصّه كيفما كان هذا النص نثرا، أم شعرا إلى المتلقّي.. أبقي هذا النصّ ملكا له وحده، أم صار ملكا للمتلقّي ؟ وهنا ربّما تطرح قضية نظرية "موت المؤلف " النظرية التي تحسر العلاقة بين النص، وكاتبه إلى أضيق حدٍّ بحيث تصبح سلطة المؤلف لا تتعدى الانتساب إلى النص، وليس بإمكانه الدفاع عن آرائه، أو مقاصده لأنها غير مهمة في نظر القراء والنقـاد، أو من حقّه التعديل، أو الإضافة..
       عندما يقوم كاتب، أو مبدع بكتابة أو إبداع نصٍّ ما سواء كان أدبيا، او ثقافيا عامًّا، فان السؤال يكون على الشكل التالي: هل تنتهي سلطة المؤلف والكاتب بمجرد انتهائه من ولادة النص ؟؟
       بمعنى هل تصبح المهمة بكاملها ملقاة على عاتق القارئ، والمتلقي من أجل ممارسة الفهم والـتأويل لقصدية النص، وكذلك قصدية المؤلف من وراء النص ؟؟
        النص الأدبي هو عصارة فكْر الأديب وروح تجربته، عصارة تترجم رأيه في الوجود، وهي مرآة حياته، يستمد الأديب النص من الحياة التي عاشها، أو مما طالع من الكتب، أو ممّا عاش مع الناس في هذا المجتمع مصدره البصر والبصيرة، وهما ملتحمان لا انفصام بينهما، ولا حدود في ذلكـ ترى الأديب بشكله الخارجي، وعالمه الداخلي، يبرز نفسيته وخوالجه، وعواطفه فيصوغها جملاً، وتعابير تحمل تلكم العصارة، تستهوي القارئ، وتشدّ المتلقّي.
        الكاتب إنسان يعيش في مجتمع متحرّك، يرصد هذه الحركية، يعايشها، يتأثر بها، يصدر أحكامًا قيميا في شأنها، يعبر عن ذلك بقلمه في نصوص قد تكون ثابتة، وقد تتغير تبعا لتغير المجتمع في حركيته المتسارعة، فما كتبه أو أبدعه قبل عقْـد من الزمن قد يعود إليه فيثريه بما استجدّ من رؤى وأفكار؛ حيث مع تطور النقد، ووسائل النقد الأدبي وُجد أن أغلب النصوص الادبية والفكرية تحمل طابعا مفتوحا ليس مغلقا ؛ أي انك نادرا ما تجد نصا أدبيا منطويا على نفسه، ويخبرك بحقيقة مجردة، وبشكل مباشر اللهم الا إنْ كان نصا علميا بحتا.
       مِن هذا المنطلق في تقديري الشخصي فالنص الذي يخطّه الكاتب، أو المبدع ليس نصّا مقدسا يحرم تأويله، أو المسّ ببنيته الشكلية والضمنية. منشئ النص حرٌّ في أن يغير، أن يعدل، أن يقتبس من نصوصه كيفما يشاء، أن يمدّد، أن يقلص.

        لا نغالي إنْ قلنا إننا نعرف العديد من الكتاب والمبدعين وظفوا نصوصهم السابقة في سياقات أخرى لأسباب بعضها ذاتي، وبعضها بتشجيع من النقاد، أو تلبية لرغبات أصدقاء كتوسيع قصة قصيرة إلى رواية، أو قصيدة شعرية، أو قصة قصيرة جدا إلى قصة أطول، أو مقال نقدي أو أدبي كي يكون مشروع كتاب...في تقديري هذا يدخل ضمن حرية الكاتب التي لولاها لما كتب، ولما أبدع طالما نؤمن بعدم " موت المؤلف "، وبالتالي لا علاقة لها بما يشبه السرقات الأدبية، ولا علاقة لها بالأخلاق؛ بل تصرّفا كهذا في نظرنا يعتبر ممارسة للحرية الفكرية، والإبداعية ومقدرة للكاتب، أو المبدع في التكيّف مع الأوضاع المستجدّة، وتطويرا في عالم الكتابة والإبداع.

ملاحظة:  للتعليق أو المشاركة اضغط على ( روابط هذه الرسالة)

الثلاثاء، 6 يناير 2015

مظاهرات 11 ديسمبر 1960 مفخرة الثورة الجزائرية

 مظاهرات 11 ديسمبر 1960 مفخرة الثورة الجزائرية
بشير خلف
 مقــدمة    
       يُجمع المؤرخون والمهتمون بالثورة التحريرية الجزائرية على أن أحداث 11 ديسمبر 1960 كانت إحدى المنعرجات الحاسمة في الانتفاضة المسلحة للشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، نقلت المواجهات من الجبال إلى المدن والشوارع، وأثبتت للجنرال ديغول، وللمعمرين الفرنسيين أن الجزائر لم تكن يوما فرنسية ولن تكون أبدا تابعة لها.
       إلى غاية 1960 كان ديـغـول يعتقـد أن بإمكان فرنسـا أن تـحـقـق نـصـرا عـسـكـريـا في الجزائر، وكـانـت سـيـاسـتـه تـسـتـنـد إلـى هـذا الاعـتـقـاد، ولـكـنـه أمـام الانـتـصـارات الـتـي حـقـقـتـهـا جـبـهـة الـتـحـريـر، وجـيـش الـتـحـريـر الـوطـنـي اقـتـنـع أن طـريـق الـنـصـر أصـبـح مـسـدودا، وقـد لـمـس هـذه الـحـقـيـقـة عـنـدمـا زار الـجـزائـر فـي ديـسـمـبـر 1960 لـشـرح سـيـاسـتـه الـجـديـدة فـاسـتـقـبـلـه الـجـزائـريـون يـحـمـلـون الـعـلـم الـجـزائـري، ويـنـادون بـشـعـارات الـجـبـهـة فـيـمـا عـرف بـمـظـاهـرات 11 - 12 - 1960 وتـعـود أسـبـاب هـذه الـمـظـهـرات إلـى :
1 – الـتـعـبـيـر عـن مـدى تـمـثـيـل جـبـهـة الـتـحـريـر الـوطـنـي لـلـشـعـب الـجـزائـري، والـتـعـبـيـر عـن تـزكـيـة قـيـادة هـذه الـجـبـهـة، وتـوجـيـهـاتـهـا الـسـيـاسـيـة الـتـي كـانـت تـصـدرهـا لـلـشـعـب الـجـزائـري.
2 – الـردّ الـفـعـلـي والـعـنـيـف عـلـى الـمـتـطـرفـيـن الأوربـيـيـن الـذي نـظـمـوا يـوم 09 – 12 – 1960 مـظـاهـرات كـان الـهـدف مـنـهـا تـهـيـئـة الـظـروف لانـقـلاب عـسـكـري وذلـك بـإثـارة حـوادث واصـطـدامـات تـحـمـل الـجـيـش عـلـى الـتـدخـل.
3 – الـسـعـي لإفـشـال الـقـوة الـثـالـثـة الـتـي حـاول الـجـنـرال ديـغـول تـكـويـنـهـا مـن الـحـركـى، والـقـومـيـة لـلـتـفـاوض مـعـهـا، وبـالـتـالـي إنـكـار وجـود جـبـهـة الـتـحـريـر الـوطـنـي.
4 – إن اسـتـقـرار الأوضـاع فـي الـجـزائـر والـتـحـكـم فـي زمـام الأمـور حـسـب مـا يـدعـي جـيـش الاحـتـلال فـكـرة خـاطـئـة، وأن الـتـقـاريـر الـتـي تـقـدم لـديـغـول مـزيـفـة لا تـعـبـر عـن الـحـقـيـقـة.
      وكـانـت لـهـذه الـمـظـاهـرات نـتـائـجـهـا الإيـجـابـيـة خـاصـة بـعـد أن اتـسـعـت رقـعـتـهـا لـيـجـبـر ديـغـول عـلـى الـتـصـريـح : " إن هـذا الـوضـع لا يـمـكـن أن يـجـلـب لـبـلادنـا سـوى الـخـيـبـة، والـمـآسـي، وإنـه حـان الـوقـت لـلـخـلاص مـنـه ". وجـلـوسـه إلـى طـاولـة الـمـفـاوضـات والاعـتـراف بـجـيـش وجـبـهـة الـتـحـريـر الـوطـنـي كـمـمـثـل وحـيـد وشـرعـي لـلـشـعـب الـجـزائـري.
       ويتذكر الجزائريون ذكرى تلك المظاهرات التي انطلقت من الأحياء الشعبية للتعبير عن الالتفاف حول الثورة ، والإصرار على تحقيق الاستقلال مهما كلف ذلك من تضحيات، ونجحت هذه الهبة الشعبية في كسر شوكة الاستعمار، وكذّبت أسطورة الجزائر فرنسية، ودفعت إلى تدويل الثورة، وأكسبتها المزيد من التعاطف والتضامن الدوليين.
       وتمثل تلك المظاهرات بالنسبة لجيل الثورة محطّة فخْـر في التاريخ النضالي من أجل التحرر من نير الاستعمار، كما تشكل لأجيال الاستقلال مصدر إلهام، وستكون للأجيال القادمة رمز إشعاع ينير دربها ويجعلها تستلهم تلك البطولات لمواجهة التحديات.
        لقد كانت تلك المظاهرات رسالة قوية لفرنسا الاستعمارية التي أدركت قوة الإرادة للتحرر، كما مكّـنت من تعزيز صوت الثورة التحريرية في المحافل الدولية، وازداد مناصروها في كافة بقاع العالم، بعد أن تجلّت الصورة الحقيقية التي ظلت تغيبها الإدارة الاستعمارية عن تلاحم الشعب الجزائري لنصرة قضيته التي رسمها بيان أول نوفمبر 1954 .
       ففي 11 ديسمبر 1960 خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية لتأكيد مبدإ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا، وضدّ موقف المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية، وأخذت منحى التشدد والإصرار منذ شهر ماي 1958 حين تم توجيه نداء استغاثة للجنرال ديغول للعودة إلى الحكم بغرض إنقاذ الجمهورية.
أسباب المظاهرات:
         عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة ديغول والمعمرين معًا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960 ، وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات، وفرض الأمر على الجزائريين للردّ على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي ، ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة؛ بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار (الجزائر مسلمة مستقلة) ضد شعار ديغول ( الجزائر جزائرية ) وشعار المعمرين ( الجزائر فرنسية).
سيْـر المظاهرات:
         بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة ديغول يوم 9 ديسمبر، ومظاهرات المعمرين يوم 10 ديسمبر، جاء زحْـف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعـبّر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام .
         خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات ( أول ماي حاليا ) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني، وشعارات الاستقلال، وحياة جبهة التحرير ، وعـمّت شوارع ميشلي ( ديدوش مراد حاليا ) وتصدت لها القوات الاستعمارية والمعمرون المتظاهرون، وتوزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية في بلكور وسلامبي ( ديار المحصول حاليا)، وباب الوادي، والحراش ، وبئر مراد رايس ، والقبة ، وبئر خادم، وديار العادة ، والقصبة ، ومناخ فرنسا (وادي قريش )، كانت الشعارات متحدة كلها كرفع العلم الوطني، وجبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة وتحيا الجزائر ، وتوسعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائرية كوهران ، الشلف ، البليدة و قسنطينة وعنابة، وغيرها حمل فيها الشعب نفس الشعارات، ودامت المظاهرات أزيد من أسبوع .
تصدي المستدمر الفرنسي للمتظاهرين:
        في مدينة وهران الواقعة غرب الجزائر خرج غلاة الفرنسيين ينددون بديغول، ويتمنون له المشنقة مرددين شعار الجزائر فرنسية ، ومن جانبهم خرج الجزائريون ينادون باستقلال الجزائر، ومع تدخل القوات الاستعمارية في عمق الأحياء العربية ، سقطت العديد من الأرواح الجزائرية دون أن تمنع خروج المتظاهرين إلى الشوارع في اليوم الموالي هاتفين بالاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني .
        وبعيدا عن العاصمة ووهران ، دامت المظاهرات أزيد من أسبوع شملت قسنطينة ، عنابة سيدس بلعباس، الشلف ، البليدة ، بجاية ، تيبازة وغيرها ، بينّت كلها بفعل الصدى الذي أحدثته على أكثر من صعيد ، حالة الارتباك التي أصابت الاستعمار وعن مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة، وبالمناسبة ألقى فرحات عباس في 16 ديسمبر 1960 خطابا في شكل نداء أشاد فيه ببسالة الشعب، وفضح فيه للعلن وحشية وغطرسة الاستعمار .
مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بمثابة "استفتاء شعبي"
        كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بمثابة "استفتاء شعبي" من أجل استقلال الجزائر وصفها المؤرخون ب" ديان بيان فو سيكولوجية حقيقية". وقد خرج الشعب الجزائريون في هذا اليوم في المدن الرئيسية للجزائر لمعارضة مخطط الجنرال شارل دي غول الهادف الى فرض حل اعتمد في اطار لامركزية الادارة الاستعمارية مع منح "حكم ذاتي" لللأراضي الجزائرية تحت شعار "الجزائر جزائرية".
       وأكـد السيد رضا مالك الناطق باسم الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان ان مظاهرات 11 ديسمبر كانت منعرجا "حاسما" في الكفاح من اجل استقلال البلاد حيث سمحت لجبهة التحرير الوطني من عـزْل فرنسا على الساحة الدولية.
      ويرى السيد رضا مالك أن هذه المظاهرات كانت بمثابة "استفتاء شعبي حقيقي" من أجل استقلال الجزائر اوقفت نوايا ديغول الذي أدرك حينها أن " الانتصار العسكري" على جيش التحرير الوطني الذي تباهى به عقب مخططه العسكري لـ"القضاء على معاقل المجاهدين" لا يمكنه أن يتحول إلى "انتصار سياسي". وسرعان ما أثر هذا "الاستفتاء الشعبي" على المستوى الدولي وحتى على الرأي العام الفرنسي.
        وكان المرحوم كريم بلقاسم قد صرح فور بدء المظاهرات بالجزائر العاصمة أنه حان الوقت لكي " تدوي صرخة بلكور في مانهاتان (نيويورك-الامم المتحدة)".
     وهذا ما تأكـد فعلا بعد أسبوع بمناسبة انعقاد الدورة ال15 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمّ خلالها تبني في 20 ديسمبر 1960 لائحة "قوية جدا" تعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال، وضرورة إجراء مفاوضات جزائرية - فرنسية لإيجاد حلٍّ سلمي على أساس السلامة الترابية".
نتائج المظاهرات:
        أكدت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم، وعبر عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة ( الجزائر جزائرية ) وفكرة المعمرين ( الجزائر فرنسية)
       أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني ، واقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملفّ القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.
       اتساع دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها ، خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد ،كان لها تأثير على شعوب العالم و دخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب ،الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الجزائري ، وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الانهيار الكلي .


  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...