نصّ الحوار الذي
أجرته معي مجلة " قطوف ثقافية " التابعة لمديرية الثقافة بالوادي في
عدديْها : 1 ، 2 لشهري جويلية وأوت 2014
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو هامة من هامات الفكر والثقافة ، هو ركن من
أركان الأدب و التحبير ، قدم للجزائر عصارة ما يملك من تصور ورأي وحصافة ، ساهم و لا
يزال في ترسيخ مبدإ الحركية المستمرة و التأسيس
لعقيدة القلم المتعفف الفاعل .
ضيف قطوف ثقافية لهذا العدد هو الكاتب
والاديب الاستاذ : بشير خلف.
1
1~ الأستاذ بشير خلف شخصية أدبية معروفة ببصماتها في
الساحة الثقافية؛ إلا أن جيل الشباب يجهل عنكم الكثير، من هو بشير خلف وكيف كانت بدايات الكتابة عندكم [ من فترة الطفولة
إلى اليوم ] ؟
ج : البداية كانت في
1972 حينما ظهرت في كتابة مواضيع تتعلق بمنطقة سوف كمشاكل النقل، والصناعات التقليدية،
وغيرها، تُرسل هذه المواضيع إلى ركن القراء بصحيفة المجاهد الأسبوعي، وصحيفة النصر
التي عُرّبت سنة ,1972.
إن أول قصة قصيرة كتبتُها كانت في سنة 1972،
بعد أن حبرتُ عدة مواضيع اجتماعية أرسلتُها إلى صحيفة " المجاهد الأسبوعي
" التي كانت يومئذٍ هي وصحيفة " الشعب " تملآن الساحة المعرّبة، وأيضًا
صحيفة: النصر" بدرجة أقلّ، والتي عُرّبت سنة 1972.
كانت صحيفة " المجاهد الأسبوعي
" تنشر لي هذه المواضيع الاجتماعية، وبدأت من خلالها أيضًا أتعرّف على القصة الجزائرية
القصيرة المعاصرة، وأتتبع مسارها الموضوعاتي، والاتجاهاتي، والفنّي ممّا حرّك في نفسي
نزعة الكتابة الإبداعية، وبالتحديد القصصية، ووهج ثورة التحرير المباركة لا يزال في
أوجّه، فساعدتني الذاكرة التي أعادتني إلى هذه الأحداث، فجأة وجدتًني أكتب أول قصة
مستوحاة من هذه الأحداث، قصة بعنوان " الأبيّ " وهي قصة واقعية وقعت أحداثها
في السجن، بطلها يُستدعى من قبل الإدارة الفرنسية للسجن، وتُعرض عليه مزايا، وعطايا،
وهدايا مقابل أن يكون مُخبِرًا داخل السجن، يبلّغ الإدارة الفرنسية عن رفاقه في كلّ
ما يقومون به من كبيرة، أو صغيرة، وبإباء ونخوة الجزائري يرفض، فيُعاقب بوضعه في زنزانة
منفردة...هذه هي القصة الأولى نُشرت لي في مجلة آمال في شهر فيفري 1972 لتتوالى بعدها
القصص، وتتفتق القريحة، وأدخل هذا العالم الإبداعي الجميل.
وكانت في الساحة أيضًا صحيفة الشباب الأسبوعية
أرسلت إليها القصة الأولى بعنوان: "التحدّي". صدرت في العدد 48 بتاريخ:01/03/1973
في باب نادي الشباب الأدبي، تليها قصة:" العودة" في نفس النادي بالعدد
109 سنة 1974 ثم قصة " سيول جارفة" في العدد:130 بتاريخ:26/02/1974 .
أمّا يومية النصر الجديدة المعرّبة نشرت لي بتاريخ
12/01/1974 قصة بعنوان:" الجرح الغائر" وبتاريخ06/03 / 1975 نشرت لي القصة
الثانية بعنوان " الذكرى" ليتواصل النشر بالصحيفة .
في تلك الأثناء كانت تطلّ علينا مجلة"
آمال" الشهرية التي تصدرها وزارة الثقافة، وهي مجلة أدب الشباب ...كانت تأتينا
تباعًا، وتصدر بانتظام، وسعْر مقبول يساوي دينارا ونصفًا للعدد الواحد.. سعْرٌ مثبّتٌ
في واجهة المجلة. كنت أتلهّف إليها بشوقٍ وحنينٍ، حيث كنت أقرأ محتوياتها من الألف
إلى الياء، وغالبا ما أعود إلى قسم القصة القصيرة المنشورة بها، فأعيد قراءة كل قصة
مرّة أو مرّتيْن، وكوّنتُ أصدقاء حميمين يبدعون في هذا الجنس الأدبي دون أن أعرفهم
بأشخاصهم، ودون أن أقابلهم، ثم عرفتهم عن قُرْبٍ والتقيتُ أغلبهم، وتكوّن منّا منْ
يُطلق عليهم بجيل السبعينيات فيما بعدُ.
تأثّرًا بما كنتُ أطالعه في صحيفة الشعب، وصحيفة
المجاهد الأسبوعي، ومجلة آمال بخاصة دفعني إلى المغامرة ..نعم أسميها مغامرةً، فلماذا
لا أُدلي بدلوي مثل هؤلاء الذين تنشر لهم مجلة" آمال" حيث هناك من تنشر لهم
في كل عدد، وهناك من تنشر لهم أحيانًا.. ضفْ إلى ذلك أن المجلة وهي تُعرّف بنفسها تؤكد
في الصفحة الثالثة من كل عدد بما يلي:
« آمال.. مجلة أدبية
ثقافية تهتمّ بأدب الناشئين. تصدر مرّة كل شهريْن عن وزارة الثقافة والإعلام.»
ما دفعني إلى طرْق بابها ما طرأ على المجلة
من تغيير في الشكل والحجم، والمحتوى.. إذ صدر العدد التاسع عشر في حلّة جديدة مغايرة
تمامًا للشكل السابق.. جاء الشكل الجديد بتغييرات هامّة فالغلاف لم يعد ذاك الغلاف
الجامد الجاف الخالي من البصمة الجمالية، إذ تمّ اللجوء الرسّامين الفنانين التشكيليين
للكشف عن مواهبهم، وإبداعاتهم وخاصة منهم الفنان المبدع الطاهر أومان..فالفن مهما كانت
صوره ووجوهه وسيلة من وسائل التعبير، وأداة فعّالة للتثقيف والتوعية، ولمسة روحية تهذّب
النفس وتغرس أريحية التذوّق الراقي.
محتوى المجلة تغيّر في نوعية المواضيع المنشورة،
وتنوّعها ومستواها من دراسات ونصوص شعرية، إلى نصوص سردية، ودراسات لكل عدد سابق، والتطرق
إلى بريد المبدعين المراسلين والحوار معهم كتابيا فيم أرسلوه إلى المجلة. إن القائمين
على المجلة بعد هذا التغيير أحسّوا بالرضا بدليل الإقبال على المجلة مقروئية، وتواصلاً
مع المجلة ، فتهاطلت المواضيع التي تعددت وتنوعت من الأدباء الشباب، كنتُ واحدا من
هؤلاء، وكنت متخوّفًا علّ ما أرسله لا ينال الرضا فلا يُنشر، أو حتى لا يحظى حتى بالردّ
أو التوجيه.. أو في أحسن الأحوال يكون الردّ في ذلك الجدول الذي تعلوه عبارة
" أعمال نعتذر عن عدم نشْرها" وذلك في باب حوارٌ مع أصدقاء مجلة آمال"
في آخر المجلة.
كم كانت فرحتي كبيرة جدا.. بل كانت مفاجأة
لي وأنا أتطلّع إلى اسمي بجانب أسماء مثل: خلاص الجيلالي، عمار بلحسن، محمد أمين الزاوي،
د. خير الله عصّار، أحمد منور، عبد الحفيظ بوالطين، السائح الحبيب، مولود عاشور، بشير
سعدوني ،مصطفى فاسي، جروة علاوة وهبي، حميدة العياشي، واسيني لعرج وغيرهم...وكانت أول
قصة تُنشر لي في المجلة في عدد فيفري 1972 بعنوان: " الأبي"وتنشر لي أيضا
في العدد الواحد والعشرين بتاريخ اجوان ـ أوت 1974 عمليْن في عدد واحد.. قصة قصيرة
في باب القصة بعنوان" القدر الساخر"، وقصيدة شعرية في باب الشعر عنوانها:"
صرخة جرْحٍ" ..ويتتالى نشْرُ القصص القصيرة لي بالمجلة في أغلب أعدادها المتوالية:25
،26 ،27 ،28 ،30 ،33،43،44... ولم تُرفض لي أيّ قصة.
كان يتولّى رئاسة تحرير مجلة" آمال"
حينذاك الأستاذ المجاهد عبد الحميد السقّاي، والذي تولّى فيما بعد رئاسة تحرير مجلة"
أول نوفمبر"، وكان وزير الثقافة والإعلام حينذاك الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي
الذي كان المشرف على المجلة والراعي لها.
في أوائل جانفي 1977 اتصل بي الأستاذ بشير
قاضي الموظف بديوان الوزير يعلمني بأن الوزارة قرّرت جمْع كل القصص التي صدرت لي بمجلة
آمال، وعمّا إنْ كنت موافقًا على أن تصدر لي في عدد خاص من المجلة، فأبديتُ موافقتي
في الحال، حيث صدرت في العدد 39 بتاريخ ماي ـ اجوان 1977 مجموعة قصصية تحمل عنوان"
أخاديد على شريط الزمن.. عدد به 19 قصة، وخمسُ قصص قصيرة جدا.
2~ روائي صامت و حروف تذوب
على شفاه الكلمات ، ماذا تريد قوله في كل كتاب يصدر لك ؟
ج: في البداية دخلت
الكتابة كما أسلفت بالقصة القصيرة التي كانت مع الشعر يتصدران الإبداع في الجزائر
في مرحلة السبعينات، والثمانينات.. فالرواية حينها ظهرت باحتشام في اللغة العربية
عن طريق الراحليْن عبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطّار ، عكس الرواية باللغة
الفرنسية التي كانت موجودة، ولها فرسانها من الجزائر، نتيجة ذلك انحزت كغيري من
مبدعي جيلي .. لماذا القصة القصيرة بالذات ؟ اخترت القصة بالدرجة الأولى ولمّا تمكّنتُ
منها آثرتُ يومها ولوج " عتبة الشعر " ونشرت لي مجلة " آمال "
بعض القصائد، لكن بتأثيرٍ من الدكتور الراحل محمد مصايف أستاذ النقد بجامعة الجزائر،
وبقناعة منّي طلّقتُ الشعر إلى غير رجعة، إذْ أني أقرب إلى القصة منّي إلى الشعر.
أخذت القصة
القصيرة من القصيدة شعريتها، وموسيقاها، وتكثيفها وقوتها وأخذت من الرواية الحدث والشخصيات،
ومن المسرح الحوار والصراع السريع الخاطف. وتعتبر فن اللحظات المفصلية في الحياة فلا
تتناول الحدث من خلال مساحته الواسعة وزمانه المطلق بل تختطف اللحظة كومضة أو كسهم
ينطلق سريعا إلى هدفه وبكل قوة.
القصة
هي إبداع استثنائي، فيها يكون القاص في مواجهة مباشرة مع الآخرين وعليه أن يتقن صنعته
جيدا. القصة الناجحة هي التي تصل إلى الناس دون حواجز وعقبات إضافة إلى توفر شروط نجاحها
الفنية الأخرى ..
أعتبر القصة القصيرة حالة من المتعة لا نظير
لها، ورغم مروري بكل حالات الكتابة وأجناسها الأدبية من شعر ورواية ومسرح كقارِئ وناقد
لعدة أعمال إبداعية ونقد، وكتابات أخرى في شكل دراسات في مجالات الجمال والفنون، والكتابة
للطفل، وقضايا التربية وغيرها، فإن شوقي للإبداع القصصي لا يزال قويا، للقصة القصيرة
عندي مكانة خاصة. ذلك أنها فن جميل وصعب وممتع في آن. فن يشتغل على الإنساني ويدخل
الذات فيهزها هزًّا ويحكي عن المكابدات التي يمرّ بها الإنسان؛ وما أكثر مكابدات الإنسان
الجزائري!!
كل كتاب أريد أن أتماهى فيه مع الإنسان
العادي في يومياته، فإن كان النص سرديا أتوغّل في ثنايا هذه اليوميات، أشخّصها بأسلوب
فنيٍّ، ولغة سليمة سلسة، أرافق فيها هذا الإنسان المهموم، الذي تلاحقه المحن
المختلفة، وأحاول أن أرسو به إلى شاطئ النجاة، وإن كان النص غير سردي فهو ينحو
منحى تربية الذوق ، وتهذيب السلوك من خلال مواضيع الجمال والفن، والدعوة إلى ترسيخ
الهويّة، والتعلّق بالوطنية، والدفاع عن حقّ المواطنة.
3~ هل يفقد الكاتب طفولته أو أنها ميزة لم يبلغ الأديب
فيها سن الرشد بعد ؟
ج: من خلال تجربتي
الشخصية، ومتابعتي لأعمال الكثير من الكُتّاب شرقا وغربا أن الكاتب الموهوب ل يفقد
طفولته البتّة؛ بل هذه المرحلة الجميلة تبقى ملتصقة به، منها ينهل أجمل نصوصه،
لأنها تمثّل مخزون تنشئته الثريّ بالموروث المحلّي لمكان التنشئة، كما تمثل المعين
الذي استقى منه الكاتب خبراته الطفولية المشبعة بالجمالية المكانية المحلية،
والارتباط بالوالديْن، والأقارب، والأصدقاء، وأصدقاء الدراسة.. الطفولة واحة ظليلة، وأيكة استراحة
يلجأ إليها الكاتب المبدع كلّما جفّت الينابيع الأخرى.
4~ كيف لذهنك أن يرى وجه الصباح برؤية خاصة بمنهجك
في الكتابة ؟
ج : الكتابة فعْل واعٍ
..فاعل وفعّال من وعن حالات المجتمع، وترجمة لأفراحه، وآلامه، وكشْفٌ لانتصاراته وهزائمه،
وإضاءة لمستقبله وتوثيق فكري للآتين. وكلما كانت الكتابة واقعية ، لا بمعنى التسليم
للواقع أو التقاطه صورة طبق الأصل ، بل بالمعالجة الواقعية ، ومحاولة إعطاء شحنة مقوية
لإعادة الإنسان إلى وعيه المتوازن ، بأسلوب فني راقٍ كلما ازداد شفافية ، كان أدْخلَ
إلى القلب وأفْعلَ في النفس .
الكتابة ليست بالأمر السهل، بل هي نشاط فكري
مُضْنٍ يتطلّب الكثير من الجهد والتوتر العصبي والأرق والبحث الدؤوب المتواصل، من أجل
العثور على الفكرة وتنظيم العبارة وتكوين النصّ كيفما كان جنسه ، وصبّ ذلك في قالب
أخّاذ يستهوي المتلقّي ويمتعه ويبعث في نفسه الراحة والأمل .ولا يتصوّرنّ أحدٌ أن الكتابة
مطواعةٌ تنصاع في كل لحظة، وبالإمكان الإمساك بها كلما رغبنا، وتنقاد لأيّ مخربش بيسْرٍ .وقد قال الجاحظ قديما
:
(( ...المعاني مطروحة
في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدويّ والقرويّ و.....)) لكن مَنْ يلتقطها ويقدمها
لنا ثمرة ناضجة يانعة ؟
الكتابة عندي رسالة بقدر ما هي لوعة، وشوقٌ
..لمّا أكتب أشعر أني ألبّي رغبة داخلية لديّ ما تفتأ تلحّ في الاستجابة لها، كما
أني من خلال الكتابة أتجاوز ذاتي وأتفتّح على الآخر في حوار معرفي معه، بغضّ النظر
عن الإشكالية الزمكانية، بالفعل الكتابي قد أساهم في التدوين للواقع الثقافي الآني
كي يدخل ضمن السجل التاريخي لحراك المجتمع الجزائري.. لا وقت أحبّذه للكتابة
وأنعزل فيه.. الفكرة حينما تخطر في الذهن، أحبرها في حينها.
5~ الكتابة
القصصية في ظل روابي وادي سوف ، ماذا أودعتها و بماذا عادت عليك ؟
ج:عشت شطرا كبيرا
من حياتي خارج منطقة وادي سوف، في الشمال الجزائري، وخاصة عنابة قبل الاستقلال،
وبعده، ووجودي في الجيش الوطني قبل دخولي سلك التعليم، وخاصة كمفتش، ثم انضمامي
إلى اتحاد الكُتّاب الجزائريين سنة 1973 م.. هي كلها فضاءات ساعدتني على أن يكون
يراعي يمسّ الإنسان الجزائري أينما تواجد.. ولا ينفي هذا أن قصصي تخلو من المحلية.
إنّ منْ يقرأ المجموعات الخمس التي صدرت إليّ سيجد أن لا تخلو أي مجموعة من قصتين
أو ثلاثة؛ قصصي وهذا بشهادة النقّاد أنها تنتمي إلى الواقعية، وبالتالي كل من
يقرأها في أيّ منطقة من الجزائر يحسّ أنها تعبّر عنه.
6~ لماذا منطقة الصحراء في الجزائر تعتبر من أغنى المناطق
من حيث الإبداع الثقافي وحتى على المستوى الديني [ الصوفي ] ؟
ج: الغنى الثقافي
والصوفي بالصحراء الجزائرية يعود في رأيي إلى عدة عوامل منها: العوامل الطبيعية
المكانية ،والعوامل التاريخية، والعوامل الدينية، فالعامل الطبيعي المكاني في
الصحراء لما يشكّله من رحابة المكان، وامتداد الأفق، والهدوء يساعد على التدبّر،
والتأمّل، وبالتالي يحفّز على الكتابة والإبداع، ثم إن الصحراء الجزائرية
بشساعتها وجغرافيتها شكّـلت عبر التاريخ
ممرّا لنشْر الإسلام عبر أقاليمها ومرورا لما وراءها جنوبًا ممّا ساعد على وجود
الثغور، والرباطات التي شكّلت فيما بعد زوايا لنشر الدين، وتحفيظ القرآن الكريم،
ونشر اللغة العربية، وبطبيعة الحال سكون نتيجة ذلك حركة في التدوين والتأليف؛ كما
أن بُعد هذه الحواضر الصحراوية، وتلكم الزوايا عن الشمال أين تواجد الاستعمار
الفرنسي طوال فترة الاحتلال بقوة، وتغلغل في كلّ مفاصل المجتمع الجزائري، شكلت
تلكم الزوايا قلاعًا دينية ثقافية نتج عنها الجانب الديني الصوفي.
7~ تعتبر الجزائر من الدول التي تجد صعوبات للارتقاء
بالأدب العربي، والتي عانت الأمرين في بلوغها ركب الفن بجميع أطيافه ، السينما و الأدب
و الإنتاج المسرحي ، خصوصا في دور النشر و الدعاية الأدبية ، إن كنت مع هذه المقولة فما السبب برأيك يا ترى ؟
ج: إن المرحلة
الاستعمارية أغلقت كل اتصال ثقافي، وإبداعي بين الجزائر والعالم العربي..
فالكتابات، والإبداعات القليلة التي ظهرت خلال مرحلة التحرير كانت تركز على
الأفكار، وليس على الجانب الفني، هدفها الدفاع عن الوطن، وليس بوْح الذات.. بعد
الاستقلال توجّهت الدولة بكل ثقلها إلى تصفية تركة الاستعمار، وبناء الدولة،
والاهتمام بالجانب الاجتماعي أكثر من الجانب الثقافي، فكان النتاج الثقافي ضعيفا
إلى أن جاءت السبعينات لتظهر كوكبة من المثقفين، والكُتّاب، والمبدعين الجزائريين
كفرسان الطليعة يحملون الهمّ الثقافي الجزائري داخليا وخارجيا.. وكذا وجود العديد
من الكتاب والمبدعين العرب من مصر، وسوريا، والعراق الذين استقرّوا بالجزائر في
إطار التعاون التربوي والتعليمي، أعطى حركية للفعل الثقافي.
دون أن نغفل نظرة المشارقة الدونية إلى
المغاربة ككل، وحتى العلاقات الثقافية بين الدول المشرقية والمغاربية، والجزائر
خصوصا يعتريها دائما الجفاء.
في رأيي الشخصي صعوبات الارتقاء بالفنون
والآداب تعود إلى قلة التعاون مع البلاد العربية سواء بين المؤسسات الرسمية، أو
الهيئات الأخرى كاتحادات الكتّاب، ودور النشر، والمسارح، والجمعيات الثقافية،
وتسلّط السياسة، ووجود أفراد تشبّعوا بالنظرة الدونية لكل ما هو عربي، وإلاّ كيف
نفسّر غلْق أبواب الجزائر أمام المجلات العربية والتي بلغت مستوى راقيا في الفكر،
والإخراج، وإرفاق كل عدد بكتاب يوزع مجّانًا.. لا يدخل الجزائر من هذه المجلات غير
اثنتين: العربي، دبي الثقافية.. كل دولة عربية لاها مجلتها الثقافية المعروفة بها.
وفي مسارحنا تعتمد النصوص الأجنبية المترجمة، وتقدم باللهجة الدارجة، وتفس الشيء
سينمائيا.
إن الارتقاء بالأدب العربي في إبداعيته
الشعرية والسردية كسّر الطّوق المضروب عليه، وحلّق في السنوات الأخيرة يرتاد
المشهد العربي في الدخول في المنافسات العربية، وهو يحصد الجوائز بامتياز.. هؤلاء
المبدعون الجزائريون أوجدوا مكانة للنص الجزائري بامتياز، ولا أحسب أن السينما،
والمسرح سيكون لهما شأن ضمن الساحة العربية إلاّ إذا تحرّرا من النص المترجم،
وتوخّيا اللغة العربية البسيطة التي يفهمها الإنسان العربي أينما تواجد، وتخلّص
المسرح من رسميات المؤسسة الرسمية.
8~ هل الرواية مرهونة نجاحها بالفكرة أم الأسلوب وهل
يؤثر تباعد زمن اتمامها خصوصا وأننا نعلم أن فكر الراوي وخياله ينمو من سنة إلى أخرى
، فهل لهذا نتيجة سيئة على فكرة الرواية الاولى ؟
ج :نجاح الرواية
مرهون بالفكرة والأسلوب معًا ..كل رواية ناجحة من الضروري أن تحمل في طيّاتها
أفكارا إنسانية راقية قد تكون تاريخية، وقد تكون وطنية، وقد تكون إنسانية تتحدث عن
تحدّي الإنسان للظلم، والإذلال، والإقصاء، والسعي نحو الكرامة الإنسانية، والحقوق
الفردية والجماعية، وكذا الحرية ..أي تحمل قيمًا سامية، هذه الأفكار، وتلكم القيم
تقدم للمتلقّي في تقنيات مشوّقة جذّابة، وبلغة سليمة مشبعة بالجمال السردي. وفي
اعتقادي أن الرواية الناجحة ما أنضجها مبدعها على نارٍ هادئة، وأخضعها إلى
المراجعة عدة مرّات، ولا يتسرّع في طبعها؛ ومن الكتّاب العالميين منْ خصّص العشر
سنوات وأكثر لنشر رواية؛ كما أن مبدع الرواية في هذا التريّث، وهو يعايش الأحداث
العالمية، والحراك الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي ببلده تتسع دائرة أفكاره،
واستيعابه لِــما يجري تغتني تجربته الذاتية، وتتطور تقنياته ممّا يجعله إبداعه
يتطوّر، ويرتقي أكثر؛ وبالتالي فمتلقّي أعماله سيتمتع بما يقرأ .
9~ ما مدى
تقييمك لأداء هيئة اتحاد الكتاب وهل يخدم أجندات أخرى أكثر من خدمة الابداع ؟ وهل ألغت
الشبكة العنكبوتية والمواقع الاجتماعية باختلافها دورهذه المؤسسة بدليل أن معظم الملتقيات
العربية أصبحت تدعو مشاركيها من خلال اكتشافهم على هاته المواقع ؟.
ج:انتسبت إلى اتحاد
الكتاب الجزائريين في ماي 1973 م ، كما أني كنت عضوا في اللجنة المديرة به لمدة
خمس سنوات يوم أن كان تابعا للحزب الواحد، وهو يضمّ الكُتّاب، والصحفيين،
والمترجمين، كما كنت في ذلك العهد رئيس فرعه بالوادي.. كان هيئة لها مكانتها في
صُنع المشهد الثقافي بالجزائر، وكانت كلمات أعضائه مسموعة، وعلاقاته، وتعاونه مع
اتحادات الكتاب العالمية رائدة.. ومنذ ترسّخت التعددية الحزبية في سنة 1989 م فقد
مكانته لأكثر من عامل، ولعلّ من هذه العوامل اتّخاذ الاتحاد مطيّة من أجل التموقع
السياسي، وقد حصل فعلا، حيث هناك من صعد إلى مناصب سياسية.. قيادته الحالية هدفها
التموقع السياسي وحسب، قيادة عاجزة عن إبداء رأي حول الكثير من القضايا الجوهرية
التي تتعلق بالوطن، اتحاد لا يُطلب من قيادته المساهمة بآراء حتى فيما يتعلق بالملفّ
الثقافي.. اتحاد عاجز عن طبْع ديوان شعري، أو رواية، أو كتاب نقدي.. منذ ست سنوات
نشرتُ مقالاً لي بعنوان: " اتحاد الكُتّاب تجدّدْ أو تبدّدْ " بيّنت فيه
عجز هذا الاتحاد وضرورة اختفائه من الساحة الجزائرية.. لأنه بإمكانه لو كانت
قيادته تغار على الثقافة لتوازى على الأقل مع الوسائط الحديثة.
10~ التلوث
الفكري مشكلتنا الكبرى [ أدب المرتزقة ]، كيف للأديب الخالص أن يساهم بطريقته في الحد
من هذه الظاهرة ؟.
ج : طغت على المشهد
الثقافي عندنا في الجزائر مثلما في العالم العربي ظواهر خطيرة أضرّت، وتضرّ
بالأدب، وبخاصة الإبداعية الشعرية والسردية، وكذا المجال النقدي.. ففي المجال
الأول نحن مع تفتّح الأدب الجزائري على الآداب الأخرى، والبحث عن مكانة له خارج
الحدود، لكن أن يتحوّل الكثير من المبدعين إلى لاهثين وراء الجوائز البترو دولارية،
أو أن يتحول ابداع إلى " أدب استعجالي" من أجل المشاركة، ويفاخر البعض
من هؤلاء بأنه أنجز الرواية في مدة شهر، أو ديوانا شعريا في أسبوع.. وهذه السرقات
الأدبية التي تعددت وجوهها، وأساليبها، ووصلت حتى إلى الحرم الجامعي، يقوم بها
أساتذة يُفترض فيهم الأمانة العلمية، يستغلّون أبحاث طلبتهم في مادة تخصصهم، ويصدرونها
كتبًا يبيعونها في المكتبات، كما يرغمون طلبتهم الجد على ابتياعها من هذه
المكتبات، لآن الأستاذ المحترم اعتمدها مرجعًا لهم.. لا نبالغ فيما نقول ولكنه
الواقع الذي نعرفه، ويعرفه غيرنا. إن الأديب الصادق، والرداءة تفشّت يصعب عليه
الحدّ من الظاهرة وحده، كما أن الردع القانوني لا يفيد.. يبقى الضمير الأخلاقي
الفردي وحده المقلّل من الظاهرة أوّلاً، وفضح هؤلاء أمام الرأي العام ثانيا.
11~ ما هو تقييمك
لأداء القطاع الثقافي بالوادي بصفة خاصة وأداء المؤسسات الثقافية على المستوى الوطني
بصفة عامة ؟ .
ج : في ولاية الوادي
منذ سنوات ظهرت تسمية " المهمشون ثقافيا " تبنّاها بعض المبدعين الذين
كانوا حسْب دعواهم مهمّشين من القطاع الثقافي، لا يُشركون في الفعل الثقافي، ولا
تُطبع أعمالهم الإبداعية، ومنذ ما ينيف عن الخمس سنوات فتح القطاع الثقافي
بالولاية المجال لكل المثقفين والمبدعين كي يساهموا في المشهد الثقافي من خلال
الإشراف، والتسيير، والمشاركة في ملتقى الشعر الفصيح، وملتقى التراث، ومهرجان
الأغنية السوفية، والانتفاع بالمكتبة المتنقلة التي تجوب بلديات الولاية دوريا،
وكذا المكتبة الرئيسة بفروعها، والتي تضمّ آلاف العناوين في كل مكوّنات المعرفة
الإنسانية.. وكذا احتضان كتابات المثقفين، والمبدعين بالولاية، وطبعها، ونشرها،
وتوزيعها على المثقفين، والهيئات الثقافية وطنيا بتكفّل تام من مديرية الثقافة
بالولاية دون أن يدفع الكاتب، أو المبدع دينارًا واحدًا، وقد بلغت الكتب المطبوعة
حتى هذه السنة 2014 م سبعين كتابًا ..ليُتوج هذا الأداء بجائزة التميّز الثقافي
التي بعثت الأمل في المثقفين، والمبدعين، وحفّزتهم على الكتابة والإبداع، وهي
جائزة مميّزة بقدْر ما هي معتبرة ماديا، فإنها ثقافيا تدفع بمستحقّها إلى الصدارة
الثقافية محليا، ووطنيا .. هذا الحراك الثقافي يعود الفضل فيه إلى الله أوّلاً ثم
إلى الأستاذ الدكتور حسن مرموري الذي منذ أن حلّ بالولاية كان له الفضل في كل هذه
الحركية الثقافية بالمديرية، دون أن نمرّ على المساهمة الفعّالة في صُنْع هذا
المشهد الثقافي الذي تساهم به دار الثقافة في احتضان الندوات الفكرية، والملتقيات
المختلفة، والمسابقات، وتقديم المساعدة لكل منْ يقدم عملاً ثقافيا، وفكريا، وفنيا،
وتنفيذ نشاطات مختلفة وفق رزنامة شهرية طوال العام.. كما أن دار الثقافة تساهم
مساهمة فعّالة في احتضان المؤلفات التي لها علاقة بالموروث الشعبي كالشعر الملحون،
والعادات والتقاليد لمنطقة وادي سُوفْ، وطبعها، ونشرها وتوزيعها مجّانًا.. كما
أنها تشرف على الأسابيع الثقافية التي تشارك بها الولاية كل سنة مع ولايات أخرى
..أسابيع تبادلية تتضمن كوكتيلا منوّعا من مكونات ثقافة الولاية، وإبداعاتها
الأدبية المختلفة.. القطاع الثقافي بالولاية يشكل سمفونية جميلة متكاملة تعزف
لحنًا واحدا هدفه ترسيخ الجمال في الإنسان الجزائري، ورفع مستواه.
هذه السمفونية تتماهى مع أداء المؤسسات
الثقافية الأخرى والهيئات، والجمعيات عامة، وخاصة وزارة الثقافة، ومديريات الثقافة
وطنيا.. وزارة الثقافة التي ومنذ سنة 2007
م سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية أعطت حركية كبيرة، ومتسارعة للمشهد الثقافي
بالجزائر إنْ على مستوى العاصمة، أو على مستوى الوطن ، أو من خلال التعاون مع
الخارج، مرورا بتلمسان سنة 2011 عاصمة للثقافة الإسلامية، وتحضيرا لقسنطينة عاصمة
للثقافة العربية سنة 2015 م.. المجال يضيق لو نتكلم عمّا قامت به الوزارة، وتقوم
به.
12~ كلمة
الختام .
ج : إن أغلب أعمالي
التي صدرت منذ مجموعتي القصصية الأولى " أخاديد على شريط الزمن " سنة
1977 م من طرف وزارة الثقافة حتى آخر كتاب " مؤانسات ثقافية " الذي صدر
سنة 2013 م تكفّلت بها وزارة الثقافة ممّا يجعلني مُدينًا لها، وخاصة أنّ لديّ
ثلاثة مؤلفات أكاديمية أخرى أودعتها لدى الوزارة كي تصدر ضمن إصدارات قسنطينة
عاصمة للثقافة العربية، كما أني أتوجه بجزيل الشكر لمسيري القطاع الثقافي بالوادي
الذين لقيت منهم الاحترام، والتقدير، وحسْن المساعدة، والتعاون لي شخصيا وللجمعية
الثقافية " الرابطة الولائية للفكر والإبداع ".