مساهمتي في ملف " ديوان الحياة" الأسبوعي بيومية الحياة الجزائرية
حول ( الملتقيات الأدبية) الذي يشرف عليه الكاتب والروائي والإعلامي الخير شوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا تراجعت الملتقيات الأدبية في الجزائر؟
بشير خلف: الملتقيات الأدبية.. تبقى فضاء
للتواصل والتعارف والتثاقف
الأربعاء 10 ديسمبر 2014
يبدو
لي قبل أن نبحث عن تواري الملتقيات الفكرية والأدبية المتميّزة التي كانت تختصّ بها
بعض الحواضر الجزائرية؛ بل حتى بعض المدن الداخلية من الجزائر العميقة كما كان حال
ملتقى القصة القصيرة بمدينة سعيدة، وملتقى الرواية بقسنطينة، وملتقى محمد العيد آل
خليفة للشعر ببسكرة وغيرها؛ أن نتساءل: هل كانت هذه الملتقيات مرتبطة بجمهور مثقف كان
حريصا على حضورها من نفس الحاضرة، أو من جهات كثيرة كان يحجّ إليها المثقف، والكاتب
والمبدع؛ وعلى حسابه الخاص، وكانت القاعات عامرة بالكتاب، والمبدعين كما هي عامرة بالجمهور
المثقف الذي يعشق الإبداع، ويتذوّقه، ويناقش بعقلانية، وبذوق راقٍ ممّا كان يُعطي للملتقيات
والندوات ألقًا وفعالية.. هل لا يزال هذا الجمهور المثقف موجودا؟
نحضر اليوم ملتقيات ثقافية في هذه الولاية، أو تلك لا نجد أثرا للجمهور المثقف
من المجتمع، تنظمها هذه الهيئة أو تلك، وكم يشقى منظموها في توجيه الدعوات، والاتصال
بمن يروْن أنهم أهلٌ للحضور، وفي غالب الأحيان يكون الحضور مخيّبا للآمال. وليس الأمر
في الجامعات أحسن حالا، فبمجرّد أن تتمّ مراسيم الافتتاح، وتبدأ الجلسات العلمية يبقى
في القاعة غير المُحاضرين الذين أغلبهم غايتهم الحصول على شهادة المشاركة للاستفادة
منها في الترقية، أو الطلبة الذين عادة ما يحضرون تلبية لأمر أستاذة الاختصاص، أو الأستاذ.
أتذكر أن المحاضرة، والندوة في السبعينيات وحتى الثمانينيات في قاعة الموقار،
أو في قاعة النفق الجامعي، أو قاعة اتحاد الكتاب الجزائريين، أو فروعه خاصة فرع وهران،
وقسنطينة ،وكذا المركز الثقافي الإسلامي، أو في جامعة الجزائر المركزية خلال مناقشة
رسائل التخرج، كانت القاعات تضيق بالجمهور من أطياف متعددة من المجتمع. كما كان الطلاب
يتسابقون على المقاعد مع الأساتذة، والجمهور أيضا من خارج الجامعة يظل فارضا حضوره
حتى انتهاء المناقشة، أو المحاضرة.
في السنوات الأخيرة وحتى في أيامنا هذه تنظم هذه الجامعة، أو تلك ملتقى يتعلق
بالشعر، أو بالسرد، أو المسرح ،أو بالنقد، أو ما يتعلق بالإبداع الأدبي فلا تستدعي
أي مبدع من خارجها، ومن يحضرون من المبدعين فقد يكونون أساتذة، وما هو مؤكد أن الطلبة
فيهم من سلكوا درْب الإبداع، ولهم مواهب وبإمكان الجامعة اكتشافهم، ورعايتهم، وإبرازهم
في هكذا ملتقيات، ولكن لا يُلتفت إليهم؛ والعكس أن الملتقيات التي ينظمها القطاع الثقافي
مركزيا، أو محليا لا يحضرها أساتذة الجامعات، ولا يُوصون الطلاب بحضورها حتى يبرزوا،
ويشاركوا في الفعل الثقافي في المجتمع، ومنهم سيتكون المجتمع المثقف الذي يُعوّل عليه
مستقبلا. .حتى النوادي الأدبية بأغلب الجامعات اختفت.
قد يقول قائل : غياب الجمهور المثقف من الساحة
يعود بالدرجة الأولى إلى انتشار وسائل المعرفة الحديثة التي صار في إمكان الكبير والصغير،
المتعلم والمثقف، الطالب والأستاذ الحصول عليها من مصادرها، وبأسرع وقت، ولا حاجة لهكذا
ملتقيات وندوات. . ومن ثمّة يرى عدد من المثقفين أن هذه الملتقيات الأدبية فقدت قيمتها
وأهميتها، ولا أمل منها في التأثير على المشهد الثقافي. كما أن العديد من هذه الملتقيات
هي تكرار مُــمِلٌّ لبعض المواضيع والوجوه، التي همّها في الحضور على المتعة السياحية
أكثر من ممارسة الثقافة في الملتقى، كما أن تلك الملتقيات هدرٌ للمال، الذي من الأولى
صرفه على المثقف والثقافة؛ كما أن التوصيات التي تخرج بها تلك الملتقيات كل عام مكررة
ودون متابعة لتوصيات الملتقيات التي سبقتها، ودون أن يحمل هم تنفيذ التوصيات الجديدة.
السؤال الجدير بالطرح : هل نحن فعلا
بحاجة لمثل هذه الأنشطة والفعاليات الثقافية في الوقت الذي يفترض أن تصرف الأموال المخصصة
لها في قضايا أكثر أهمية؟ .
في تقديري الشخصي ونتيجة التجربة والمعايشة الشخصية، وإشرافي المتعدد في التنظيم
والإشراف على العديد من الملتقيات والندوات، وكذا المشاركة في العديد من الملتقيات
المحلية، والجهوية، والوطنية تبقى هذه المنابر الثقافية فضاءً ضروريًا يلتقي فيه بعض
الكُتّاب والمبدعين، وخاصة المبدعين الشباب، والباحثين لتبادل التجارب والاستفادة من
هذا الاحتكاك الثقافي.. احتكاكٌ أبانت الوقائع جدواه لهم من حيث الظهور، والاستفادة،
وصقْل التجربة، وخاصة في الإبداع الشعري حينما يلتقي جمْعٌ من الشعراء يتفاوتون جيليا
وتجربة شعريا في خيمة في الهواء الطلق.. إن أغلب الكتاب والمبدعين في الجزائر إنْ لم
أقلْ كلهم تكوّنوا واستفادوا، وأنا واحد من هؤلاء أُقرّ أني استفدت من هذه الملتقيات،
وتكوّنت فيها وفيها تعرّفت على الكثير من الكتاب والمبدعين، والمثقفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق