الاثنين، 16 مايو 2016

تأبينية "الشروق" تجمع تلامذة ومحبي الشيخ المرحوم الفيلسوف بو عمران


 الشيخ بوعمران.. عاش معلما ومات فيلسوفا زاهدا
    تأبينية "الشروق" تجمع تلامذته ومحبّيه
فقدت الجزائر واحدا من رموز التجديد والفكر الوسطي..
  رحلة فيلسوف من البيّض إلى السوربون .. أستاذ ومفتّش ونقابي ووزير
بوعمران الشيخ هو فيلسوف ومفكر إسلامي  جزائري من مواليد مدينة البيّض سنة 1924. درس المرحلة الابتدائية بمسقط رأسه مدينة البيّض (1934-1940) لينتقل بعد ذلك إلى مدينة وهران حيث أتم دراسته الثانوية بها (1941-1944)، بعد حصوله على البكالوريا توجّه نحو مدينة الجزائر العاصمة من أجل الدراسات العليا بكلية الآداب.
أتمّ دراسة ليسانس في الفلسفة سنة 1948 ثم ليسانس في الأدب في 1954، ثم توجه نحو باريس وأتم شهادة الدراسات المعمقة بجامعة السوربون سنة 1956 ثم تربص سنة واحدة بالمدرسة العليا للأساتذة بباريس 1956-1957.
عاد مرة أخرى إلى جامعة السوربون حيث نال شهادة دكتوراه دولة في الفلسفة بدرجة مشرّف جدا سنة 1974.
بدأ بوعمران الشيخ سيرته المهنية مدرّسًا بمدينة البيّض، ثم منها إلى مليانة ثم بوفاريك ثم الجزائر العاصمة، وذلك في الفترة الممتدة بين 1945 و1954، ثم أستاذًا بثانوية وهران 1957-1959، ثم التحق بالتعليم العالي بصفته أستاذًا للفلسفة بجامعة الجزائر 1965-1991.
كفاءته المهنية رشَّحته ليتمّ تعيينُه مفتشا للتعليم بمدينة مستغانم، ثم وهران ثم الأغواط وذلك في الفترة الممتدة بين 1959 و1962.
بعد الاستقلال عُيِّن سنة 1962 مديرًا للتربية بمدينة الشلف، ثم ملحقًا بديوان وزارة التربية بين سنتي 1963 و1965، ثم أمينًا عاما للجنة الوطنية لليونيسكو سنة 1963.
شغل بوعمران الشيخ منصب أمين عام لاتحاد نقابة المعلمين (1969-1975) ثم مستشارًا وطنيا في الثقافة 1990 ليتم تعيينُه سنة 1991 وزيرًا للثقافة والاتصال، ثم بعدها رئيسًا لاتحاد الكتاب الجزائريين بين 1995و1996.
       كان رئيسًا للمجلس العلمي لمؤسسة الأمير عبد القادر للفترة الممتدة بين 1991 و1999، ثم نائبًا لرئيس نفس المؤسسة منذ 1999. منذ 31 ماي 2001 وحتى وفاته في 12 ماي 2016 م شغل منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
        رجل استلهم من كتاباته حكام إفريقيا واتخذه أبناء الجالية المسلمة في الخارج مرجعا.. قارع مفكري الغرب في عددٍ من الملتقيات الدولية فأفحمهم بالحجّة الشرعية واللغات الأجنبية.. انطلق بسيطا من مسقط رأسه بالبيّض وتكوّن في جامعة السوربون وعاش بالعاصمة الجزائرية وتقلد عديد المناصب المهمة؛ من أمين عام لنقابة المعلمين، إلى رئيس للجنة العلمية لمؤسسة "الأمير"، ثم وزيرا للثقافة والاتصال، ورئيسا لاتحاد الكتاب الجزائريين، وأخيرا رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، ولكنه ظل بسيطا ومتواضعا.. وكما دأبت "الشروق" دائما، أبت إلا أن تنظِّم تأبينية تجمع رفقاء دربه وتلامذته وأصدقاءه بفندق السلطان للوقوف عند أهمّ محطات هذه القامة الفكرية الكبيرة.

ثمّن المفكر الكاتب الصحفي ممثل مجمع "الشروق"، الأستاذ صالح عوض، احتفاء الأمة بعلمائها ومفكريها، واعتبره دليلاً على أنها تسير على خط الاستقامة والصواب، وأنها تتلمّس بذلك طريق النهوض والصعود، وفي الجزائر أدى العلماء دورا أساسيا في النهضة خلال الاستعمار وواصلوا بعده.
وعزى المتحدّث باسم مجمع "الشروق" والمدير العام علي فضيل الأمة في فقدها الدكتور أبوعمران الشيخ، ودعا إلى تكريس التكريمات المتواصلة لكبار العلماء والمشايخ.
وأكد الأستاذ صالح عوض أن المفكر الفيلسوف المثقف الشيخ بوعمران ساهم في النهضة، وأعطى للتجديد الإسلامي معناه، فاهتمّ بالتجديد في القاعدة وليس في القمة فقط، على عكس علماء المشرق العربي الذين يقتصر تجديدُهم فقط على النخبة "في الجزائر يتحرك الشعب أيضا، فلهذا رد الإسلام على الهيمنة الغربية التدميرية وهو انتصار للجزائر ضد الاستئصاليين".

نائب رئيس مجلس الأمة جمال ولد عباس:
"الفقيد أهمّ من أثرى قانون المصالحة الوطنية"
شدد الوزير السابق نائب رئيس مجلس الأمة جمال ولد عباس على ضرورة القضاء على ثقافة "النسيان" التي طالت– حسبه- الأحياء والأموات من رجالات الأمة. وأكد في كلمة على هامش تأبينية "الشروق" لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبوعمران الشيخ "آن الأوان لمحاربة ثقافة النسيان التي ترسخت في المجتمع الجزائري، كثير من علماء ومفكري الجزائر في حاجة إلى أن نتذكرهم ونبحث في أعمالهم ونستخلص الدروس منها".
وأضاف: "أبوعمران الشيخ كان مثالا في التواضع والرزانة وكان مزدوج اللغة، جمعتنا لقاءات وندوات كثيرة وكان يبهر الفرنسيين بلغته الفرنسية السليمة الراقية. أذكر له الكثير من المواقف النبيلة والأدوار المهمة وكيف لا نذكر بجهوده سنة 2004 بعد فوز الرئيس بوتفليقة في الانتخابات، وكلفني بملف التائبين وكان الشيخ أبوعمران مكلفا بالشق الاجتماعي لستة آلاف عائلة كانت في الجبال. أشهد أنه أدى دورا مهما في التحضير لقانون المصالحة الوطنية، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته".

الدكتور الروائي أمين الزاوي:
"فيلسوف أتقن اللاتينية ومجتهد لا يكتفي بإعادة إنتاج ما يقرأ"
عرّج الدكتور الروائي أمين الزاوي على أبرز المحطات الحياتية والثقافية التي جمعته بالدكتور أبوعمران الشيخ وهو من عرفه عن قرب وحاوره وأضافه في عدد من الملتقيات الاجتهادية خلال إدارته المكتبة الوطنية "أبوعمران الشيخ قامة كبيرة جدا وكنت من الذين عرفوه عندما كان وزيرا للثقافة والاتصال سنة 1991، وكان وهو يقود هذا القطار لا يفرّق بين الرؤية السياسية والمحتوى الثقافي للمهمة. قليل جدا من يعرف أن الرجل كان مُجيدا اللغة اللاتينية وهي المفتاح الأساسي للفلسفة. كان الفيلسوف الذي يقرأ الواقع السياسي والثقافي. وأذكر أنني عندما التقيت أركون ذكر لي الشيخ أبوعمران وقال: "إنه مثقف غير معروف، ولكنه أهم ما أنتجته الجزائر. أبوعمران كان مجتهدا لا يكتفي بإعادة إنتاج ما يقرؤه".
وأضاف: "استضفته عندما كنت على رأس المكتبة الوطنية للمشاركة في ملتقى حول الاجتهاد في الفكر الإسلامي، وقدَّم يومها محاضرة في صميم ما نعيشه اليوم؛ لقد نبّه قبل 10 سنوات إلى خطر المزايدين على الدين والمهرّجين والمتعصّبين على الأمة الإسلامية".
وأشار إلى الدور الثقافي الذي لعبه الدكتور أبوعمران الشيخ "قاد اتحاد الكتاب الجزائريين، وكانت من أهم فترات الاتحاد، وطلبتهُ رئاسة الجمهورية لإعطاء رأيه في تعديل الدستور سنة 1996 إيمانا من الدولة بأهمية الهيئة التي كان على رأسها مفكرٌ فيلسوف مثقف اسمه الدكتور أبوعمران، وما أحوج هذه الهيئة اليوم إلى شخصية في مستواه للعودة إلى الساحة. أبوعمران قدّم في أزيد من 20 صفحة لرواية "إدريس" لعلي الحمامي التي كتبها في أربعينيات القرن الماضي، وكان التقديم يتمحور حول علاقة الشرق بالغرب، ومن أهمِّ من كتب عن مفهوم "المثقف المغاربي".
وتوقف الدكتور أمين الزاوي عند مآثر الراحل: "لقد كتب عن الأمير عبد القادر ومدى تسامحه مع الأديان الأخرى خاصة موقفه مع المسيحيين، الذي كان رسالة قوية إلى المثقفين الغربيين. كان أبوعمران الشيخ متواضعا كثيرا محبا للغة مدققا في سلامتها.. كان شاعرا بمعنى الحياة في أسرته وفي هندامه وفي أناقته وفي حكمته".

سفيان مهاجري رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية في جنيف:
"الفقيد مرجع للجالية المسلمة في الغرب"
أكد سفيان مهاجري، رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية في جنيف أن بوعمران الشيخ كان مرجعا حقيقيا للجالية المسلمة في الغرب لأنه رائدٌ من رواد الفكر ونجمٌ من نجوم الفلسفة. كان ينصحنا ويوجِّهنا ويعطينا من وقته. تولَّد من هذا التواصل ملتقى مهم للجالية المسلمة في المهجر وهناك التقيته مرة أخرى. كان مستشارَنا ومعلمنا، وكلما واجهتنا مشاكل وتحديات كنا نتصل به ويفيدنا.. رحيله ترك ثغرة لن يكون سهلاً سدُّها".

مولود سلمان إطار سابق في وزارة الثقافة:
"كان يحضر النشاطات وهو على كرسيّ متحرك"
قال الأستاذ مولود سلمان إن علاقته بالشيخ بوعمران تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عرفه أستاذا في الفلسفة، ساهم مع عدة أسماء أخرى أمثال سليمان الشيخ وعبد الله شريط في الرد على الهجمة المشكِّكة في قدرات الجزائر المستقلة. وكشف المتحدث أنه عرف بوعمران الشيخ عندما كان في المجلس الوطني للثقافة حيث عرف بالتواضع والحنوِّ على الموظفين الذين تقاسموا معه المهمة في المجلس الأعلى للثقافة.
وإلى جانب تواضعه يقول مولود سلمان إنه كان منظِّما وإداريا ممتازا وصارما في إدارة عمله، لا يتسامح فيما يتعلق بمواعيد الاجتماعات. وعندما انتقل الراحل إلى اتحاد الكتاب الذي صار في عهده منارة وفرض نفسه كهيئة ثقافية محترمة، عاد مجددا إلى وزارة الثقافة بنفس العزيمة ليواصل مهامه بنفس الانضباط والصرامة والتفاني في تأدية رسالته.
وأضاف مولود سلمان قائلا إن بوعمران الشيخ قدّم الكثير للجزائر التي آمن بها وترك مكتبة تعبِّر عن ثقافته الموضوعية التي جمعت بين شتى دروب المعرفة من الفلسفة والأدب، فمكتبة المجلس الإسلامي الأعلى تعكس الروح التي كان الراحل يعمل بها.
وذكر مولود سلمان أن الراحل لم يتخلف يوما عن قضايا عصره، ولم يتوقف عن التفاعل معها، وواصل حضور النشاطات وهو على كرسي متحرّك؛ إذ كان حريصا على الإشراف على أدقّ التفاصيل في النشاطات والحوارات التي كان المجلس الإسلامي الأعلى يديرها ويشرف عليها، من منطلق أن الرجل جعل الهيئة التي يشرف عليها في قلب القضايا التي تهمّ مجتمعه.

محمد علي بوغازي مستشار لدى رئاسة الجمهورية:
"بوعمران موسوعيٌ ولا يقلّ شأنا عن ابن خلدون وابن رشد"
 قال الدكتور محمد علي بوغازي المستشار لدى رئاسة الجمهورية إن رحيل بوعمران الشيخ يشكل خسارة كبيرة من الصعب تعويضها في الساحة الثقافية والفكرية الجزائرية نظرا للخصال التي اجتمعت في الرجل والتي قلما تجتمع في شخص واحد ومنها التواضع وحسن الإدارة والموسوعية، فبرغم أن الهيئة التي كان يديرها - يقول بوغازي - كانت في قلب الجدل والصراعات، لكنه حرص دوما على توخي الهدوء والحكمة في طرح الأفكار وإدارة النقاشات، زيادة على أن الرجل كان موسوعة فكرية مختصّة في إنتاج وتحديد المفاهيم التي تحتاجها الأمة في إدارة قضاياها وشؤونها؛ فأبو عمران الشيخ لا يقلّ في زماننا شأنا عن ابن خلدون وابن رشد وغيرهم من العلماء والفلاسفة.

عبد القادر برِّيش:
"بو عمران تميّز بالصرامة الأكاديمية"
 قال عبد القادر بريش إن  بوعمران الشيخ عُرف بصرامته الأكاديمية في كل ما تولاه من أعمال ومهامّ بما في ذلك إدارة جلسات الملتقيات والندوات، إذ سبق للراحل أن أشرف على إدارة جلسة نقاش في ملتقى حول الاقتصاديين؛ فكان يجاريهم في النقاش الفكري والمفاهيم كأنه أحد المختصين في الميدان، وقد عُرف عنه دقة ملاحظته وحرصه على التوقف بالتدقيق عند المفاهيم التي تُعتبر وعاءً للأفكار والنقاشات، لذا كان بوعمران يحرص دائما ويولى أهمية كبيرة في تحديد المفاهيم وتأطيرها قبل  الدخول في أيّ مناقشة.

أحمد رباج الباحث في الشريعة والقانون:
"بوعمران فيلسوفُ الفقهاء وفقيه الفلاسفة"
قال الباحث أحمد رباج إنه عرف أبوعمران الشيخ انطلاقاً من كتبه، إذ اكتشفه في "معجم علماء المغاربة" الذي اشتراه على الرصيف، وتعرّف بفضله على عددٍ من الأسماء المغاربة في الدين والفلسفة والفكر.. فكانت بداية الإبحار في عوالم الفيلسوف بوعمران الشيخ الذي كان  يدير مؤسسة مثل المجلس الإسلامي الأعلى الذي ناقش عبره كل القضايا التي تهمّ المجتمع الجزائري من قانون الأسرة إلى البيئة والتطرف وغيرها من الموضوعات التي كانت في قلب الاهتمامات اليومية للجزائريين. وأشار المتحدث إلى أن بوعمران الشيخ حرص دوما على الدعوة للاجتهاد خارج القطعيات في القران والسنة؛ فهو كان فيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة، وانطلاقا من تكوينه ونظرته الفلسفية للكون كان رجلا جامعا ينظر إلى القضايا الدينية من منظور شامل وليس جزئياً".

شيخ الطريقة القادرية بالجزائر وعموم إفريقيا:
.. كان مدرسة للعلم والفكر والتصوف والحكمة
قال الأستاذ حسن حساني بن محمد بن إبراهيم الشريف شيخ المشيخة العامة للطريقة القادرية بالجزائر وعموم إفريقيا، إن الجزائر لم تنجب شخصية من عيار الفقيد الدكتور الشيخ بوعمران الذي وفاته المنية عن عمر ناهز 92 سنة، وقد لا تنجب مثله مستقبلاً.
وذكر ذات المتحدث "لقد جمعتني بالرجل مواقف مشرّفة وظل يعمل حتى وفاته بالرغم من رفض رئيس الجمهورية طلب الفقيد إعفاءَه من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى بسبب المرض، لقد كانت لي عدة لقاءات مع الفقيد، حيث عرفته دائما متزنا وصابرا وفقيها مميزا، يعرف الوقت الذي يتحدث فيه، فهو مشبّع بالثقافة العربية والإسلامية، وعندما تتحدّث إليه يجب أن تراقب نفسك جيدا" .
وكشف الشيخ حساني، أنه تقرّر إقامة ختمة قرآنية في شكل تأبينية على روح الفقيد بمقر المشيخة الكائن ببلدية الرويسات بورقلة، ودعوة جميع المريدين ومحبِّي الفقيد، الذي كان مُلازما للصوفية والزوايا على اختلافها، حيث لا يرفض لها دعوة كلما دعته، فهو حقا صوتٌ للحكمة في الجزائر والوطن العربي عموما يضيف الشيخ حساني، كما وصف الدكتور بوعمران بمدرسة العلم والفكر والتصوّف والحبر العلامة، ناعتًا وفاته بالخسارة لشعوب المغرب العربي والمسلمين، إذ ظل ما يربُو عن نصف قرن يناضل بفكره وورعه وحبه للوطن، فهو رجل إجماع وطني ومسؤول سابق من العيار الثقيل وشخصيته قد لا تتكرر مستقبلا، على حدّ قوله.

الأمين العام للنقابة المستقلة للأئمة الشيخ جلول حجيمي:
عاش معلما ومات معلما وعلينا الأخذ بتجاربه
تأسف  الأمين العام للنقابة المستقلة للأئمة وموظفي الشؤون الدينية الشيخ جلول حجيمي، لتكريس سياسة الإقصاء والتهميش لرموزنا وهم على قيد الحياة ثم تذكّرهم وتكريمهم بعد رحيلهم. وفصل حجيمي في حكايته مع الشيخ بوعمران، مذكرا بأنه  تعرَّف به في الجامعة عندما كان طالبا؛ إذ كتب ردا على مقال للشيخ الفقيد، ففرح به، ولما التقاه وجده منبسطا ومهتمًّا بمن يخالفه الرأي.
وأكد له أن مثل هذا النقاش لا بد أن يكون في مستوى أعلى، وهو مشهود له، فالشيخ بوعمران من سيدي الشيخ بولاية البيّض، ومن عائلة ثورية، فقد كان معلما قبل الثورة، وهو يجمع بين العلوم ويجيد اللغة العربية والفرنسية واللاتينية ما سمح له بالتعرف على الآراء الأخرى.
وذكر الأمين العام لنقابة الأئمة ببعض الأخطاء الشائعة عندما يقدِم أحد على دراسة الديانات الأخرى وهولا يعرف لغته، لكن الشيخ بوعمران تفادى الوقوع في هذا الفخ، لأنه اقبل على تعلم اللغات، ولكونه من بيئة بسيطة عاشت معه البساطة في كل مراحل حياته. ومن مميزات وخصال الشيخ الفقيد يقول حجيمي انه صبور عند مخالفته الرأي ومثله قليلون في أيامنا هذه، فالكل يرى نفسه على صواب والآخرين مخطئين.
ووصف الشيخ حجيمي المرحلة التي فقدنا فيها الشيخ بوعمران بالصعبة والحساسة؛ فالفقيد كان يكتب للنخبة وليس للعامة بمصطلحات دقيقة مرتبطة بالجانب النفسي السوسيولوجي في الأدب، وفي الجانب الشرعي في كل مرة تفقد الجزائر أدباء وعلماء، والشيخ بوعمران رجل قامة مثقف بامتياز، وكان من المفترض الأخذ من تجاربه في الحياة، فهو معلم عمل في فترة 1944 و1945 ودرس في فرنسا أيضا. 

محمد شنقيطي مدير بالمجلس الإسلامي الأعلى:
الفقيد رجل متفتح دافع عن الإسلام وردّ على المتهجمين عليه
أكدّ محمد شنقيطي رفيقه وإطار بالمجلس الإسلامي الأعلى أنّ الراحل الشيخ بوعمران رجل متفتح ومدافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية وردّ على المنتقدين والمهاجمين للدين الإسلامي الحنيف.
وأضاف أنّ المرحوم الشيخ بوعمران إنسان متفتح ويعتبر أستاذا بالنسبة إليه وليس رئيسا فقط للمجلس الإسلامي الأعلى.
وأضاف شنقيطي في مداخلته أنّه عرف الشيخ بوعمران خلال مسيرته المهنية في المجلس الإسلامي مع تولي المرحوم رئاسة المجلس قبل سنوات، حيث شرّفه وكلفه وأسند إليه وقتها ثلة من المهمات العلمية والمعرفية، واصفا إياه بالأستاذ الكبير باعتبار أنه علّمه الكثير ونهل منه معارف شتّى في الدين والفكر والفلسفة.
وأكدّ أنّ المرحوم بوعمران كان قد قرأ له بعض المحاولات الكتابية وهنأه عليها، كما كان يحثه على القراءة والكتابة، وأسند إليه مهمة مدير تحرير مجلة "دراسات إسلامية" التي كان يصدرها المجلس الإسلامي الأعلى. وفي السياق أوضح محمد شنقيطي أنّه قال له بالحرف الواحد: "لديك موهبة ويجب أن تنّميها من خلال القراءة والكتابة".
وعن صفات وأخلاق المرحوم بوعمران، أشار شنقيطي أنّ الرجل كان متفتحا على الآخر، يتحدّث باستمرار عن الحوار سواء الحوار بين الديانات أو مع الطرف الآخر، ويحاور حتّى الناس المتواضعين والبسطاء، فلا مكان للتفرقة والتمييز عنده، لافتا إلى أنّ من شِيم الفقيد أنّه دائما ما يذكّر بتواضع العلماء، فضلا عن دفاعه عن الإسلام والحضارة الإسلامية، بحيث يُعتبر واحدا من الذين ردّوا على مهاجمي الإسلام.
وذكر بإحدى مقولاته في هذا الإطار: "كان يقول إنّ الإسلام جاء بأشياء كثيرة وسبق الحضارات الأخرى سواء الغربية أو غيرها". واسترجع شنقيطي بعض الذكريات مع المرحوم من خلال تنظيم ملتقى حول العولمة وأثرها على الثقافة، ووقتها المرحوم بوعمران كان يقصد تأثيرها على الثقافة الإسلامية بمعنى أنّ المفكر بوعمران كان يرى أنّ الحضارات الغربية الأخرى تؤثر بل وتقضي على الهوية والتاريخ والثقافة والتراث الوطني وغيرها.
وعاد شنقيطي إلى ملتقى نظمّه المجلس الإسلامي الأعلى حول البيئة في الإسلام، لكن الشيخ بوعمران كان يقول ويؤكد أنّ الإسلام سبق الحضارات الأخرى المختلفة، وبالتالي وجب علينا إعادة دراسته بصورة دقيقة وجيدة من أجل العمل به وتطبيق ماء جاء فيه بغية أن نستمد منه سلوكاتنا ومناهجنا في الحياة والمجتمع.
أمين رابطة علماء دول الساحل يوسف مشرية:
وقفت على آثار بوعمران في نيجيريا وأمريكا
قال، يوسف مشرية، الأمين العام لرابطة علماء ودعاة وأئمة دول الساحل الإفريقي إنّ بوعمران الشيخ، كان يتعامل مع مختلف الأطياف الدينية من دون إقصاء أو تفرقة أو تمييز، مؤكدا أنّ الاهتمام بفكره ومؤلفاته ضرورة خاصة في ظلّ الظروف العصيبة التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم والهجمات الشرسة التي تطال الدين الإسلامي.
وأشار مشرية إلى أنّه عرف المرحوم من خلال كتاباته ومؤلفاته الغزيرة ورئاساته للمجلس الإسلامي الأعلى، ولفت إلى أنّه في هيئة رابطة علماء وأئمة الساحل البعض يعرف علماء ومفكري المشرق العربي بينما يجهل مفكري وقامات المغرب العربي، وربما الكثير منهم لا يعرف المرحوم الشيخ بوعمران الذي أفنى حياته في خدمة الوطن بعلمه وفكره.
واستعرض مشرية ثلاثة مواقف بقيت راسخة في ذهنه حدثت له مع بوعمران بشكل مباشر أو غير مباشر، أوّلها حينما كان في قلب دول الصحراء التي عاشت حراكا ثقافيا ودينيا كبيرا، من خلال نزوله ضيفا على حكامها، حيث وهو في حوار مع حاكم نيجيري سابق راح الأخير يسأله عن علماء الجزائر ومفكريها، لكن ما حدث أن "الحاكم" أخرج كتابا عن الأمير عبد القادر ألّفه الشيخ بوعمران وكان هذا الحاكم يقرأ لبوعمران بشكل كبير ومذهل.
أمّا الحادثة الثانية تتعلق باستشارته لدى رئاسته للمجلس الإسلامي الأعلى حول تأسيس "رابطة علماء وأئمة الساحل" فرحب بوعمران بالقرار وسُرّ به كثيرا، ودعا دعاة التنوير إلى أن يبرزوا على دعاة الفقهية البدوية والنصيّة، مؤكدا أنّه شعر آنذاك بسماحة الوالد في بوعمران، وكل الأطياف الدينية والمذهبية تشعر بالتواضع والروحانية في شخص المرحوم.
وفي مناسبة تأسيس منتدى حوار الأديان في مخيمات اللجوء الصحراوي سنة 2006، (اليوم بلغ طبعته 11) سُرّ الشيخ بوعمران بهذا العمل، وبالتالي يصفه يوسف مشرية بالرجل المحاور "حوار الأديان" والقامة الكبيرة، لكن يتأسف اليوم على الهجمات الشرسة التي تطال المسلمين وربط الإسلام بالتطرف والإرهاب. وفي السياق يوضح المتحدث أنّ كتابات بوعمران بلغت أصقاع العالم على غرار أمريكا من خلال ما لمسه في دورته التدريبية بالولايات المتحدة، حيث اكتشف أنّ مواطنا أمريكيا يُدعى جاكسون يقرأ لبوعمران، في الوقت الذي يحتقر الجزائريون علماءهم. ودعا في ختام حديثه إلى ضرورة الاهتمام بالعلماء وبفكرهم باعتبارهم مرجعية مهمّة خاصة في ظلّ الظروف العصيبة التي يمرّ بها المسلمون في وقتنا الراهن بسبب الترويج للفكرة المغلوطة على أنّ الدين الإسلامي دين عنف وتطرف، لكن قال: "الإسلام هو إسلام أبو عمران الشيخ".
مراد عروج رئيس حزب "الرفاه" قيد التأسيس:
يجب نشر فكر الفقيد في المؤسسات التربوية
شدد، مراد عروج، رئيس حزب "الرفاه" قيد التأسيس، على ضرورة العودة إلى مناهج وفكر أمثال المرحوم بوعمران الشيخ ومالك بن نبي وغيرهما، وكذا تعميم فكرهما على المؤسسات التربوية والجمعوية وغيرها.

ودعا عروج إلى تبني فكر ومؤلفات المرحوم أبو عمران الشيخ بطبعها ونشرها وتوزيعها على المكتبات ليستفيد منها القارئ، فضلا عن تعميمها على المؤسسات التربوية والمداشر والقرى من خلال تنظيم ملتقيات وندوات فكرية حول المرحوم وآثاره.
في السياق أشار عروج إلى أنّ بوعمران الشيخ ومفكري المغرب العربي والجزائر مجهولون ومغيّبون رغم أعمالهم الكثيرة والمهمّة. وحمّل المتحدث مسؤولية عدم انتشار معارفهم إلى تلاميذهم وقال: "العيب ليس في علمائنا لأنّهم مجتهدون، لكن العيب في تلامذتهم، لأنّهم قصرّوا ولم ينقلوا ما تعلموه من شيوخهم"، وأضاف عروج في تأبينية "الشروق" أنّه للأسف من النخبة من لا يعرف علماءنا ولا يقرأ لهم، وإذا فقدنا فكرهم وعلمهم فقل عن أمتنّا السلام.
وأكدّ أن بوعمران يعدّ نخبة النخبة ومكوِّن المكونين، ووجب تلقين معارفه ونشرها في المؤسسات التربوية منها المدارس وكذا بالقرى والمداشر ولو بقطرات، لأنّ المهم إحياؤها والعمل بمحتواها القيّم. داعيا إلى الاقتداء بهم والسير على دربهم.
الدكتور لوط بوناطيرو:
الفقيد شخصية عالمية ويجب تنظيم ملتقى دولي لمناقشة فكره
دعا العالم الفلكي والمختص في الجيوفيزياء ورئيس منظمة المبدعين في البحث العلمي والعلماء الجزائريين لوط بوناطيرو، إلى تنظيم ملتقى دولي حول فكر الشيخ بوعمران، وأعرب المتحدث عن سعادته لوجوده وإدلائه بشهادته في المفكر الكبير بوعمران، ووصفه بأنه قامة من قامات العالم وليس الجزائر فقط، فقد تجاوز حدود البلاد منذ زمن، فالفقيد شخصية علمية عالمية قبل أن تكون وطنية، غير أنها لم تخرج إلى العلن فبمجرد تقلد الشيخ بوعمران منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى اتصل بعلماء الجزائر وطلب من المتحدِّث إرسال كل بحوثه كي يعيد طباعتها ويضيفها إلى المكتبة أو بنك المعلومات.
وأردف بوناطيرو أن الشيخ كان شخصية مثالية، وكان حريصا كل الحرص على الحفاظ على مكونات الشخصية العربية في الجزائر، وله كل المقومات للدفاع عن هذه الشخصية، فارتقى إلى درجة مفكر، وتجاوز مرحلة تكوين الأجيال، فالعرب ومنذ 7 قرون فقدوا مناقشة القضايا الحساسة فطرح الغرب علينا عدة قضايا هامة كحوار الحضارات، لكنهم لم يجدوا من يناقشها باستثناء الشيخ بوعمران الذي لعب دورا هاما مثل مولود نايت بلقاسم، ومالك بن نبي، وابن خلدون واتصف بصفاتهم.
وذكر بوناطيرو أن العالم الحقيقي لا يتخصّص في علم واحد فالعلماء يجمعون بين العلوم المرتبطة ببعضها البعض، وحمد المتحدث المولى عز وجل أن ترك الفقيد كتبا عديدة وأفكارا هي مرجع للأجيال القادمة.  
الأستاذ بوعموشة محمد الطاهر
الشيخ بوعمران كان يرفض النقاش في المبادئ الأساسية
صرح الإطار بوزارة التربية سابقا، تلميذ بوعمران الشيخ الأستاذ بوعموشة محمد الطاهر، بمعرفته المرحوم خلال دراسته بالجامعة المركزية، حيث كان الفقيد أستاذا لمادة الفلسفة وذلك في سنة 1978، فكان رجل مبدأ لا يقبل النقاش حول المبادئ الأساسية خاصة الثوابت الوطنية، وفي عام 1979 قام الطلبة بإضراب دفاعا عن اللغة العربية، وكان الشيخ بوعمران آنذاك رئيسا لقسم الفلسفة فساندهم في إضرابهم ووقف إلى جانبهم، لكون اللغة العربية تمثل ثابتا وطنيا لا يقبل النقاش.
ومع أن ثقافته فرنسية وبحوثه أيضا، لكنه متمسك بالعربية وكان له كتاب "العقل عند المعتزم" بالفرنسية وكان ينتظر إحالته على التقاعد كي يترجمه إلى اللغة العربية، غير أن إسناد مهمة تولي المجلس الإسلامي الأعلى حال دون ذلك وطالب المتحدث العمل على ترجمته.
وسرد لنا تلميذ الشيخ واقعة حكاها لهم الشيخ بوعمران لما كان أستاذهم، ففي إحدى المرات كان يتجوّل رفقة صديقه الطبيب بحي بلكور متجهين نحو ساحة أول ماي، وهناك التقيا والد صديقه الطبيب الذي كان برفقته فسألهما: هل الرئيس بن بلة متزوّج؟ وكان في تلك الأثناء قد ألقى خطابا فوق عمارة الاتحاد العام للعمال الجزائريين ودعا فيه النساء إلى "التحرّر"، واستجابت شرذمة قليلة من النساء التغريبيات المنسلخات عن قيم مجتمعهن للدعوة وتجمّعن أمام قصر الحكومة ونزعن الحايك ثم صببن البنزين فوقه وأضرمن فيه النار... فرد الشيخ بوعمران وصديقه بأن الرئيس ليس متزوجا، فغضب والدُ صديقه، وسأل الشيخ بوعمران تلاميذه: أتعرفون لماذا غضب والد صديقي؟ فردوا: لا. فقال الشيخ: لأن الرئيس لا يعرف النساء ويريد تحريرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: يومية الشروق اليومي ليوم : الإثنين 16 ماي 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...