الأربعاء، 4 يناير 2017

بشير خلف، الوادي وجائزة مسابقة الرواية

          كتب الدكتور محمد ساري في النادي الأدبي بجريدة الجمهورية الصادرة بوهران يوم الإثنين 26 / 12 / 2016 :
                بشير خلف، الوادي وجائزة مسابقة الرواية
        بدعوة كريمة من الكاتب القاص بشير خلف، رئيس الرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي للمشاركة في فعالية توزيع جائزة الرواية القصيرة في طبعتها الثالثة. زرت مدينة وادي سوف، وكانت الإقامة ثريّة جدا برغم قصرها، أوّلا لقائي مع الصديق القاص، والمثقف المجاهد بشير خلف، بعد سنوات عديدة من الانقطاع، أتذكّر أنه كان كثير التردّد على مقرّ جمعية الجاحظية، ونشر بها مجموعتيْن قصصيتيْن، وكانت تربطه برئيسها الطاهر وطار علاقة صداقة متينة، وكنت ألتقي بها هناك، وكم مرّة طفنا في نقاشات تتعلق بمسائل الحياة، والأدب، والثقافة، والسياسة.
       ولمن لا يعرف بشير خلف أقول في كلمات مقتضبة إنه من مواليد 1941 بقمار، بوادي سوف من عائلة فقيرة، حفظ القرآن الكريم وعمره 12 سنة، توفي أبوه، وهو يزال شابا، فسافر إلى مدينة عنابة فاشتغل في البناء، والتجارة، واكتشف العمل الثوري، فانضمّ إلى الفدائيين، وشاركهم في عمليات ثورية كثيرة إلى أن تمّ اعتقاله في 20 / 08 / 1960، وخضع لتعذيب واستنطاق بشعيْن في ثكنة عسكرية في أعالي مدينة عنابة قبل أن تحكم عليه المحكمة العسكرية بخمسة عشر عاما سجنا، قضى منها 21 شهرا في سجن  لامبيز( تازولت حاليا)، وتمّ إطلاق سراحه عند استقلال البلاد، التحق بالجيش الوطني الشعبي، ثم التعليم إلى أن تقاعد، وهو مفتش للتربية، وأثناء ذلك كتب في الثقافة، والفكر، والأدب، ولكنه عُرف قاصّا، حيث خصصت له مجلة " آمال " في عددها 39 / 1977 عددا كاملا لنشر أول مجموعة قصصية له بعنوان " أخاديد على شريط الزمن "، ثم تلتها خمس مجموعات قصصية آ آخرها مجموعة  ظلال بلا أجساد ( 2007)، وقد جمعت كلها في عدد خاص نشرته دار الثقافة بالوادي ( 2015).
      وقد نعود إلى عوالم بشير خلف  القصصية في حلقة قادمة من هذه " الوقفات"، وبعد تقاعده أسّس بشير خلف الرابطة الولائية للفكر والإبداع بالوادي، واشتغل في ترقية الفكر والأدب بالمدينة بتنظيم ندوات، وملتقيات، ونشر أعمال المبدعين بالولاية. ثمّ أسس جائزة الرواية القصيرة، وقد أُقيمت طبعتها الأولى في سنة 2011 .
     وقد تساءلت بعض الأقلام الجامعية المُولعة بالتصنيف النوعي للخطابات الأدبية عن جدوى هذه التسمية، إذ الأبجديات النقدية تتكلم عن الرواية، والقصة، والحكاية كأجناسٍ سردية فقط؛ ولكن هدف بشير خلف، ومؤسسي الجمعية كان تربويا، ولم ينشغل بالتصنيفات الأكاديمية. أوّلاً الجائزة تخصّ الشباب دون الأربعين، فهؤلاء في العادة لا يكتبون أعمالاً كبيرة الحجم، لذلك حدّدت اللجنة أن لا تتجاوز صفحات الرواية ستين صفحة في العموم، ولكن نيّة وسعة رؤية بشير خلف تمثّل في ضرورة نشْر هذه الأعمال، وهو الذي يتحدث دوما عن أهمية التوثيق، أي نشْر الأعمال الفائزة، مع كل ما يستتبع من إمكانية مالية، وتقنية قبْلية لإعداد الكتاب للنشر.
      وهنا يجدر التنويه بمبادرة الكاتب، وهو المخضرم، والمنتمي إلى جيل الورق، والمداد والقلم القصبي إلى تعليم، وإتقان الإعلام الآلي، ودخول تقنيات الحاسوب، والكتابة الرقمية، والتصفيف، وإعداد الصفحات، والتصحيح اللغوي.كيف لا وهو حافظ القرآن الكريم يُعدّ بنفسه نصوص الروايات الفائزة قبل تقديمها إلى المطبعة، تصفيفا، وتصحيحا، فوجد يد العون عند مديرية الثقافة،والمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، ودار الثقافة لطباعة الأعمال الفائزة لكُتّاب برزوا مع الجائزة، وهم اليوم كتاب يشقون طريقهم باقتدار أمثال عيساوي عبد الوهاب، ومحمد الأمين بن الربيع.
      المبادرة الجميلة الأصيلة في هذه الطبعة أن الرابطة نشرت الأعمال الفائزة، وسلمتها لإصحابها، وللجمهور الحاضر مجانا يوم الحفل، ولا أظنّ أن جهة أخرى مهما كانت قد سبقت المناضل المبدع بشير خلف إلى مثل هذا العمل الجليل، وقد سلّمت للفائزين شهادة بها صورة الكاتب، وغلاف روايته؛ إنها لشهادة حقا تستحق أن يحتفظ بها الفائز، ويفتخر بإظهارها، وتعليقها إن شاء على جدار من جدران بيته.
      الفائزون هم على التوالي عبد الرشيد هميسي بروايته " ما تشتهيه الروح"، وحواء حنكة لروايتها " عايشة"، وآسيا بودخانة لروايتها " زوايا الصفر" وقد طُبعت النصوص الثلاثة، ووزعت على جميع الحاضرين، وهي أكرر مبادرة حميدة يجب أن تُحتذى لقيمتها المعنوية والأدبية، ولا يسعني هنا إلاّ قوْل كلمات حول رواية " عايشةّ " لحواء حنكة من الوادي، رواية بـ 67 ص، والتي قرأتها بدفعة واحدة أثناء رحلة العودة. بدأتها في قاعة الانتظار، وأنهيتها داخل الطائرة، ولم أشعر بالسفر إلاّ واهتزازات الهبوط بأرضية مطار هواري بومدين تُوقظني وأنا في الصفحة الأخيرة، وهي قصة مأساوية لفتاة معاقة بكماء تُسمّى " العقونة "( بوضع ثلاث نقاط على القاف)، محنة طفولة لفتاة بالغة، واغتصاب بشع، فحمل وولادة في ظروف أقلّ ما يقال عنها إنها مريعة.
      القصة كتبت باحترافية كبيرة، واقتضاب في السرد، وحوارات قصيرة معبّرة بإدخال اللغة الدارجة الصحراوية القريبة من الفصحى، زيادة إلى تركيب الحكاية التي تبدأ من النهاية( الولادة العسيرة بمكان قفْرٍ فوق الرمال، ولدغة العقرب)، ثم العودة عبر استرجاع جميل إلى سنوات الحيف، وتلك الحادثة المأساوية المتمثلة في الاغتصاب.

 قصة تشدّ بتلابيب القارئ، ولا يتركها إلاّ مع نهايتها. صاحبة القصة امرأة في الثلاثين متزوجة، وأم لأطفال جلبتهم معها يوم الحفل برفقة زوجها الذي يبدو أنه عامل بسيط، وهي حسب المعلومات المتوفرة لديّ شبه عصامية التحقت بالجامعة  بعد المرور على جامعة التكوين المتواصل، وهي تشتكي من قلّة الوقت للقراءة والكتابة. صدق القدماء حينما قالوا إنه يوجد في النهر ( الوادي) ما لا يوجد في البحر( المدن الكبرى)، ولا يمكنني أن أختم هذه المقالة إلا بالإشارة إلى مترجم عصاميٍّ أكتشفه لأول مرة ألا وهو عبد القادر ميهي الذي ترجم معظم كتابات إيزابيل إبراهاردت، ونشرها بالوادي، وهي على التوالي " على الرمل أثر، والطريق إلى القنادسة، وتاعليت" ، زيادة إلى ترجمات أخرى لكتابات الفرنسيين حول الصحراء، قد نعود إليها لاحقا.
       بالفعل كانت زيارتي إلى وادي سوف اكتشافا رائعا، فإلى جانب مدينة الوادي الرائعة التي تعتبر محور التجارة والفلاحة في المنطقة الجنوبية الشرقية، فهي أيضا مشتلة مثمرة لأقلام أدبية وفكرية، وترجمية مبهرة، دون أن ننسى أن مدينة قمار اللاصقة بالوادي هي مسقط رأس العلامة أبو القاسم سعد الله، والمفكر الطاهر بن عائشة رحمهما الله، ولنا عودة إلى النصوص المذكورة في حلقات قادمة.

      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...