النصّ الأدبي النسوي الجزائري في الريادة
بقلم: بشير خلف
إن المُتـتبع للحركة الأدبية في الجزائر قـبل
الثورة التحريرية يلاحظ غياب مساهمة المرأة في الحركة الثقافية، ويعود ذلك في رأْي
أكثر النقّاد والمتابعين للموضوع إلى أسباب عـدّة منها ظُـلْمُ سلطات الاحتلال
الفرنسي الذي انتهج سياسة مناهضة لهُوّيّة الأمة الجزائرية من بينها محاربة اللغة
العربية، حيث وضع الثقافة الوطنية في وضْعٍ شلّ فاعليتها وحركتها، ممّا نتج عنه
تأخّر الأدب الجزائري عن مثيله في المشرق العربي، بل وحتى في تونس والمغرب؛ ومن
ثمّ تأخر ظهور الحركة الأدبية النسائية نتيجة الحصار المضروب على الثقافة والأدب
العربيّيْن، في حين شجّع لغـته الفرنسية، الأمر الذي سمح لكثير من الأسماء النسائية التي اتخذت من اللغة الفرنسية وسيلة
للكتابة بالظهور في الساحة الأدبية خارج الجزائر.
كما يعود تأخر الكتابة النسوية بالجزائر
إلى التقاليد الاجتماعية التي كانت تنظر إلى المرأة نظرة دونية، ولا تزال إلى
أيامنا هذه في بعضٍ من مناطق الوطن.. نظرة دونية تنطوي على كثير من الاحتقار، وترى
أن تواجدها في الحركة الاجتماعية، والثقافية، والأدبية يثير الفتنة، ويشجع
الانحلال، ممّا كبّلها وفرض عليها ظروف العزلة، والتجميد لطاقاتها الإبداعية، بل
ومحاربتها حتى وإنْ حاولت ذلك.
والملاحظ لدى الباحث أن الكتب التي تناولت
الأدب الجزائري العربي الحديث لم تذكر اسم شاعرة أو أديبة سوى "السيدة زهور
ونيسي"، وكان ذلك مروراً عابراً، وإن كانت هناك كُـتـبٌ تناولت الأدب
الجزائري بالفرنسية، وتعرضت للأديبات الجزائريات اللواتي كتبن بالفرنسية، وهن لسن
أكثر ممن كتبن بالعربية..
الحديث عن التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر حديث يشوبه الارتباك، لأنه مرتبط بحقيقة المجتمع الجزائري قبل كل شيء، فالإبداع فـنٌّ.. ومن أهمّ ركائز الفن بعـد الموهبة:
الحرية، والحرية
عنصرٌ غير واضح الملامح في الأجواء الجزائرية خاصة فيما يتعـلق بحرية المرأة؛ ولأن
الكتابة قبل أن تكون تركيبا لغويا فهي تعبير وبوْحٌ فإن الأمر يـتعـقّـدُ أكثر حين
تأخذ الكتابة منحى البحث عن الخلاص من الوضع الاجتماعي الذي تعاني منه. ذلك أن المُخْتـلف
بالنسبة للمرأة الكاتبة هو أنها تحارب من أجل قضيتها التي هي قضية نصف
المجتمع..
إن وضْع المرأة الكاتبة في مجمله متشابه
من شرق الوطن إلى غربه ؛ وهذا يعني أن المشكلة الأولى لدى الكاتبات هي أنوثتهن لا
كعقبة جسدية، ولكن كعقبة تعبير فقد بلغنا مستوى ثقافيا، معرفيا، تعليميا لا بأس به
سمح للمرأة عموما بإدراك لغة جسدها: طبيعة الجسد.. متطلباته.. تغيراته....إلخ.
لكنها لم تستطع إيجاد جسدٍ كتابي يُــترجم كل ما أدركته بعـقـلها وحواسها كامرأة،
ولعل المتـتبع للمادة الإعلامية الأدبية يلاحظ أن الكتابات النسائية كثيرة ولكنها
تـتسم بعدد من الصفات التي تُـقـلِّـل من وزنها.
في تقديري الشخصي: الأدب هو واحد لدى
الإنسان أكان ذكرًا أو أنثى. ولكن قـضية الاختلاف موجودة. فإذا عـدنا إلى ما تكتبه
المرأة فإننا نجد الخصوصية تكمن في التكوين الفكري لا في الشكل الفني . وهذا يتطلب
منا أن نقرأ نتاج المرأة بشكل جيد حتى نقـف على معاناتها وليس على شكْـل الكتابة؛
فالمبدع فنياً لا علاقة له بالذكورة أو الأنوثة.. أي أن المرأة ليست ناقـصة إبداع
بدليل أن عدداً كبيراً من اللواتي أبدعن في السياسة، والأدب والثقافة ليس على
مستوى الوطن العربي فحسب؛ إنما على المستوى العالمي، لأن الأدب وقْــعٌ إنسانيٌّ،
أما الاختلاف فيتعلق بالمضمون الفكري لكل جنس.
إن النص الأدبي النسوي المعاصر في
الجزائر أخذ مكانه في المشهد الثقافي العربي، وانتـزع الجوائز، والمراتب الأولى
سواء من خلال جيل السبعينات، وما بعده كالروائية والقاصة زهور ونيسي، المرحومة
زليخة السعودي، مبروكة بوساحة، المرحومة صفيّة كتّو، آسيا جبار، أحلام مستغانمي،
زنير جميلة، فضيلة الفاروق، ياسمينة صالح، ربيعة جلطي، زينب الأعوج، راوية يحياوي،
الإعلامي الثقافية جميلة طلباوي، نفيسة الأحرش، الإعلامية الثقافية الشاعرة نوارة
الأحرش، حسيبة موساوي، مليكة مقدم، لطيفة عثماني، جبالي، زهرة ديك، آمال بشير، الإعلامية
الثقافية الشاعرة علياء بوخاري، أحلام
الأحمدي، عائشة بنور، شنة فوزية، حنكة حوّاء،هاجر قويدر، آمال بن عبد الله، آسيا
رحاحلية،
لكن
في كل الحالات وفي مجتمع عربي إسلامي يحفظ للمرأة كرامتها وحقوقها، ويصونها كأنثى
وكسيدة مجتمع، وكأم، وكمربية ..
لا أقول: هناك خطوطٌ حمراءُ، إنما هناك
قيمٌ وتوجهات.. المرأة الحكيمة الواعية بدورها الحقيقي من تلقاء نفسها تلتزم بها،
ولا تتعدّاها، وحتى وإنْ أُعطيت حريات بدون حدود فقـد تكتفي ببعضها.. إن الادعاء
بأن المرأة لا تزال حقوقُها مهضومة، وخاصة في عالم الكتابة والإبداع بزعم أن الرجل
يقـف في طريقها، نقول: إن هذا الزعم باطل من أساسه..
في السرد العربي أيامنا هذه.. المبدعات
العربيات وحتى المسلمات في غير بلاد العرب فـقْن الرجل، وبلغن مستوى عاليا سيّما
في الرواية العربية، وتحصّل بعضهن على أحسن الجوائز، واحتلال الرُّتب الأولى..
إنما ما يُعاب على بعضهن أن يسعيْن وبإصرار على الاشتغال بالأدب الإيروتيكي،
وتكسير الطابوهات بدعوى ممارسة الحرية في الكتابة، لأن الكتابة تنطلق من حرية
الكاتب في قوْل ما يؤمن به، وما يدعو في إطار القيم.
الجدل لا يزال مستمرّا، وسيبقى حول وجود أدب
نسائي، وأدب رجالي لأن العديد من المبدعات العربيات والجزائريات يريْـن أن النص
النسوي له خصوصياته، والنص الرجولي له خصوصياته.. والقارئ الذكي وحده يميّز ما بين
النصّيْن حتى وإنْ قُــدِّم له النص الإبداعي خلوا من اسم كاتبه. ولا يمكن أبدا
التوحيد بين ما تؤمن به وتفكر به المرأة وما يفكر به الرجل ويدعو إليه، وكأن هؤلاء
يتماهين مع ما قالته الكاتبة جيني هيربكورت قبل مئة عام:« سادتي لا أستطيع أن أكتب
إلا كامرأة بما أن لي شرفٌ كوني امرأة »
شخصيا ومن خلال تجربتي الإبداعية، وخبرتي
..وقراءاتي الكثيرة للنصوص الذكورية والأنثوية أرى أن الملامح الأنثوية المنتِجة
للنص الأدبي لا تنتقص من قيمته الفنية ، ويجب في رأيي ألاّ تكون مقياسًا يُصنّف
الأدب بسببه إلى أدب نسوي، وأدب ذكوري لأن ذلك عمليا لا يخدم القيمة الفنية للنص
الأدبي المنتج، بل هو تصنيف نظري أكثر، ولعلّنا إنْ أخفيْنا في بعض الإبداعات
هُــوية منتجة النص الأدبي تمامًا، أو استبدلنا اسم الأنثى باسم ذكر لما تنبّه
المتلقّي لذلك، فالنص المميّز ذو المقومات الإبداعية الراقية يفرض نفسه بغـضّ
النظر عن جنس منتِجه..
الاختلاف فقط يكمن في أن الرجل في نصوصه
يغوص في الفضاءات المعرفية المتـنوعة يوظفها لخدمة نصّه كالتاريخ،
والأنـــثروبولوجيا، وعلم النفس، والاقتصاد، والمعلوماتية، والحروب، وعلم النفس
وتفرعاته.. بينما الأنثى غالبا ما تنكفئ في عالمها الخاص، وتطلعها إلى الحرية،
ومقاومتها للرجل، وتنديدها بالحدود الحمراء التي فرضها، ويفرضها المجتمع عليها،
وعلى بنات جنسها.