الثلاثاء، 17 يونيو 2025

 

مجلّة " ُأفُق" الثقافية في عددٍ جديدٍ

 قراءة وعرْض: بشير خلف

    صدر العدد الجديد 44 من مجلة " أفق الثقافية" بتاريخ 17 اجوان 2025، مُتضمِّنًا عديد المواضيع الفكرية الراقية، وفي صدارتها الموضوع الرئيس:( الفلسفة والأدب ما بعد الحداثة)

     منذ بدايات الفكر التأملي، كانت العلاقة بين الأدب والفلسفة وثيقة جدًا لدرجة يمكن وصفها بعلاقة أبوية.. على الرغم من أن أفلاطون أدان الأدب، فقد خصص له في سلسلته الأنطولوجية مكانة النسخة عن النسخة.

    أما أرسطو فقد أعاد التأكيد على قيمة الأدب، ونسب إليه تأثيرًا أخلاقيًا، بل ومنحه بُعدًا فلسفيًا معينًا، لكنه في الوقت نفسه أخضعه للخطاب التأملي. على مدار ما يقرب من ألفي عام، ظل هذا الحكم على الأدب موجهًا للانشغالات النظرية بشأن العلاقة بين المجالين، سواء من جانب الفلاسفة أو الأدباء، مع اختلاف التركيز عبر العصور.

     يوجد تعريف محدد ومتفق عليه لما بعد الحداثة، ومع ذلك فقد كان لها تأثير هائل على الفن، والعمارة، والموسيقى، والسينما، والأدب، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والاتصال، والموضة، والتكنولوجيا. يمكن النظر إلى جوهر هذا العمل على أنه تقدير وإعجاب بالقيم والمثل المرتبطة بفلسفة ما بعد الحداثة وكذلك أدب ما بعد الحداثة.

     يتجلى تأثير الفلسفة في الأدب ما بعد الحداثي من خلال تبني أساليب سردية مبتكرة تُبرز تعددية المعاني، وتفكيك الأنماط في السرد. إذ يصبح النص الأدبي مسرحًا للتجريب، حيث تتداخل مستويات الواقع والخيال، وتتشابك الأصوات والوجهات النظرية المختلفة في لوحة واحدة تعكس تعقيدات العصر.

      هذه المقاربة تعكس روح التشكيك والتحرر من القيود المفروضة على التعبير الفني والفكري، مما يفتح المجال لإعادة تأويل الخبرات الإنسانية بطرق غير مسبوقة.

     من هنا، نجد أن الأدب ما بعد الحداثي ليس مجرد تعبير فني، بل هو أيضًا حوارٌ مستمر مع مفاهيم الفلسفة المعاصرة؛ حوار يتناول قضايا الوجود، واللغة، والسلطة، والهوية، ويسعى إلى تسليط الضوء على غموض الواقع.

  استخدم العديد من الكتاب الأدبَ كوسيلة لنقل الأفكار الفلسفية المعقدة بطريقة يمكن للقارئ العادي فهمها.

     استخدم مثلًا نيتشه، وسارتر.. الأجناس الأدبية (كـ”هكذا تحدث زرادشت”) لِـنشر أفكارهم، معتمدين على الصور الشعرية لتفادي جمود اللغة الفلسفية التقليدية.

  كما قام ألبر كامو في أعماله مثل “الغريب” بطرح مفاهيم العبثية، والوجودية بطريقة سردية متقنة.

 


   بهذا العدد الجديد من المجلة:

ـــ التفاعل الجدلي بين الفلسفة الغربية والفلسفة العربية الإسلامية.

ـــ سيكولوجية العقل: الأحلام

ـــ الصحوة بعد الصحوة

ـــ مناهج المحدثين: منهج الإمام البخاري

ـــ السرديات العربية والهيمنة الاستعمارية

ـــ مستقبل البشرية بعيون الذكاء الصناعي

ـــ جسور الترجمة وأعمدتها

ـــ محمد عابد الجزائري وجابر عصفور وتأسيس حداثة عربية

ـــ فقه ردّ الفيلسوف على المتكلّم..

 

سيكولوجية العقل ــ الأحلام ــ

     تمضي بك الأحداث والصور، تحملك إلى عوالم حاضرة منسية، يحلق فيها عقلك ويتحرر من قيود الواقع، ثم يبدأ رواية سرديته التي تحول الواقع إلى حكايات، وأساطير. مواقف تشعر فيها وكأنك منفصل عن ذاتك، تراقب الأحداث، وتحاول إعادة روايتها، وقد تنساها، أو لا تتذكر تفاصيلها، ولكن أثرها يبقى معك. إنها الأحلام، وما تتضمنه من صور ورموز، وأفكار وانفعالات، حيث كانت، وما زالت، مصدر إلهام، ومصدر حيرة للبشر عير قرون من الزمن، لما لها من تأثير جلي على حياة الإنسان حال يقظته. الأحلام تحدث فقط أثناء النوم، وللنوم مراحل أو دورات، تتراوح ما بين النوم الخفيف، والنوم العميق، ودورة نوم حركة العين السريعة، ويتم تحديد هذه المراحل بناءً على تحليل نشاط الدماغ أثناء النوم، والذي يظهر أنماطًا محددة تميز كل دورة. وتحدث الأحلام عادةً في مرحلة حركة العين السريعة (Rapid Eye Movement- REM)، حيث يكون الدماغ في قمة نشاطه.

 مستقبل البشرية بعيون الذكاء الصناعي

    صحيح أن للذكاء الاصطناعي فوائد جمّة وأهمية بالغة في الحياة البشرية لا يمكن لنا إنكارها، فهو يساهم في تحسين وتطوير المجالات الحياتية كافة وذلك من خلال تطوير الأنظمة الحاسوبية، لتعمل بكفاءة فائقة تشبه كفاءة الإنسان الخبير، وفي المحافظة على الخبرات البشرية المتراكمة بنقلها إلى الآلات الذكية، كما يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في كثير من الميادين الحساسة مثل: المساعدة في تشخيص الأمراض ووصف الأدوية، والاستشارات القانونية والمهنية، والتعليم التفاعلي، والمجالات الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى المجالات الحياتية الأخرى التي أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا فيها، ناهيك عن تخفف الآلات الذكية عن الإنسان الكثير من المخاطر والضغوطات النفسية، وتجعله يركز على أشياء أكثر أهمية وأكثر إنسانية، وذلك بتوظيف الآلات للقيام بالأعمال الشاقة والخطرة، والمشاركة في عمليات الإنقاذ في أثناء الكوارث الطبيعية، كما وسيكون لهذه الآلات دور فعال في الميادين التي تتضمن تفاصيل كثيرة تتسم بالتعقيد، والتي تحتاج الى تركيز عقلي متعب وحضور ذهني متواصل وقرارات حساسة وسريعة لا تحتمل التأخير أو الخطأ.

     وفي ميدان البحوث العلمية قد يكون الذكاء الاصطناعي أكثر قدرة على إجراء تلك البحوث، حيث يسهل الوصول إلى مزيد من الاكتشافات، وبالتالي يعد عاملًا مهمًا في زيادة تسارع النمو والتطور في الميادين العلمية كافة. لكن هذا الأمر لا يعفي الذكاء الاصطناعي من وجود مجموعة من المخاطر بالغة الخطورة على مستقبل السلوك الإنساني جراء الاستخدام المتزايد لمفرزاته في شتى مجالات الحياة.

     في حقيقة الأمر باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤثر على حياتنا أكثر من أي وقت مضى، وربما تتدخل فيها أيضًا، ولذا يرى فريق من الخبراء أن الوقت قد حان لأن يتدخل مفكرو علم الاجتماع وعلم الأخلاق وفلاسفته لضبط هذا الأمر.

 محمد عابد الجابري وجابر عصفور… وتأسيس حداثة عربية

     ما هو الجامع المشترك بين محمد عابد الجابري وجابر عصفور؟ الأول مثقف مغربي تخصص في الفلسفة العربية الإسلامية، والثاني مثقف مصري تخصص في التراث النقدي والبلاغي؛ فضلًا عن مساهماته في النقد الأدبي نظريًا وعمليًا.

    هذا السؤال عن أوجه التشابه بينهما قد يفقد وجاهته أو مشروعيته على الرغم من التباين الظاهر بين ميدان اشتغالهما إذا تم النظر فيه بعناية وتدقيق. ذلك أن القراءة الفاحصة المتأنية لكتابات كل من الجابري وعصفور ستكشف أن الرابط بينهما لا يقتصر فقط على الموقف من إشكالية التراث وتأثيره على الفكر العربي المعاصر، بل يتعدى ذلك ليشمل توافقًا فكريًا وتكاملًا في مشروعيهما. وكأن كل منهما قد اشتغل في مجاله الخاص – الجابري في الفلسفة والفكر، وعصفور في النقد الأدبي – لتحقيق هدف واحد، هو تأسيس حداثة عربية من خلال تجديد، ونقد التراث من الداخل، قراءة التراث بعقل نقدي على ضوء معطيات ومكتسبات المناهج العلمية المعاصرة.

 

 

 

الجمعة، 13 يونيو 2025

 

                                            السياحة المستدامة

قراءة وعرْض بشير خلف

     السياحة ذلك القطاع النابض بالحياة، والألوان.. قوّة جبّارة، قادرة على:

ـــ تحريك الاقتصاد. ـــ بناء الجسور الثقافية.

ـــ إثراء حياة الملايين في العالم.

       لكن وراء بريقها الجذّاب، تحمل هذه القوة في طيّاتها بذور تحدّيات بيئية، واجتماعية قد تهدّد ذات الموارد التي تعتمد عليها.

    كيف يمكننا إذن الاستمتاع بفوائد السياحة دون أن نضحّي بجمال كوكبنا، وتنوّع تراثنا، هنا.. وفي قلب هذا التساؤل المحوري يبرز مفهوم (التنمية السياحية المستدامة)، كمنارة ترشدنا نحو مستقبل أكثر توازنًا، ومسؤولية.

   

      المنظمة السياحية العالمية تُعرّف التنمية السياحية المستدامة على أنها تنمية تعتمد، وتقوم على تحقيق احتياجات السيّاح، والمناطق المُضيفة لهم، وفي الوقت نفسه ترمي إلى حماية، وتعزيز الفُرص، والإمكانات المتوفّرة من أجل  المستقبل.

    أصبحت السياحة تندرج ضمن المفهوم الأوسع للتنمية المستدامة، وتُصوّرُ على أنها التنمية التي تلبّي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرات أجيال المستقبل، لتلبية احتياجاتهم الخاصة، ولاستدامة السياحة يجب توفّر العناصر الأساسية التالية:

·     السلامة البيئية: الحفاظ على العمليات الأيكولوجية الأساسية، والمساعدة في الحفاظ على التراث الطبيعي، والتنوّع البيولوجي؛ أين يكون الاستخدام الأمثل للموارد البيئية التي تشكّل عنصرًا أساسيا.

·     العدالة الاجتماعية: احترام الأصالة الاجتماعية، والثقافية للمجتمعات المُضيفة للحفاظ على تراثها الثقفي المبني، والمعيشي وقيمته التقليدية، والمساهمة في التفاهم، والتسامح بين الثقافات.

·     الازدهار الاقتصادي: ضمان عمليات اقتصادية قابلة للاستمرار، وطويلة الأجل، وتوفير المنافع  الاجتماعية، والاقتصادية لجميع المشتغلين في المصلحة.

 

      في هذا المجال السياحي صدر هذه الأيام كتابٌ من تأليف الدكتور فتحي بن عمر، باحثٌ وأكاديمي متخصّص في العلوم التجارية والتسوّق، أستاذ بجامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، صدر الكتاب عن دار" سامي" للطبع والنشر بالوادي.

    الكتاب  بعنوان: ( دليل التسويق السياحي  المستدام من النظرية إلى التطبيق الناجح) من الحجم 24 سم في 16 سم، 202 صفحة:

        بعد هدف الكتاب، المقدمة تأتي الفصول:

1 ــ الفصل الأول: التنمية السياحية المستدامة

2 ــ استراتيجية التسويق السياحي

3 ــ التسويق السياحي الإلكتروني

4 ــ دراسات متقدمة حول استراتيجية التسويق السياحي

 

محتوى الكتاب:

   أكثر من وجهات نظر ماتعة، وجميلة ...سياحة مستدامة، وتسويق ذكيٍّ .

      هذا الكتاب يأخذك في رحلة عميقة لاستكشاف فنّ وعلم التسويق السياحي المستدام من فهْم أُسس التنمية المستدامة وتحدّياتها إلى إتقان استراتيجية التسويق الرقمي، والتقليدي، وتحليل دراسات حالة عالمية مُلهِمة.

     يقدّم المؤلف الدكتور فتحي بن عمر خارطة طريق عملية للمهنيين، والطُلّاب، والباحثين، مُزوِّدًا إياهم بالأدوات اللازمة لتصميم حملات تسويقية مبتكرة تحترم البيئة والمجتمع، وتُحقّقُ النجاح.

الأحد، 25 مايو 2025

 

التاريخ الاجتماعي للجزائر والشخصية الوطنية

خلال العهد العثماني:(1519 ــ 1830)

قراءة وعرْض: بشير خلف

     عُـرِفت الجزائر عبْر مراحلها التاريخية بأمجادها الحافلة، وإنجازاتها الناصعة، والمنبعثة من أفكارٍ، وأيادي أبنائها البررة، فصارت نبراسًا مُنيرًا في صفحاتها الخالدة؛ وتجلّت، وتتجلّى الحياة الاجتماعية بمظاهرها الثقافية، والدينية البارزة في مختلف طبقاتها، والتي نبعتْ منها:(الشخصية الوطنية في العهد العثماني.)

في هذا الإطار البحثي ضِمْن التاريخ الحديث، والمعاصر:

صدر للبروفيسور الأكاديمي، النشط، الباحث، المؤلف، المتخصص في التاريخ بجامعة حمة لخضر بالوادي منذ أيام كتابٌ عن دار " سامي" للطباعة والنشر لصاحبها الأستاذ المثقف رضا درّاجي كتابٌ من الحجم المتوسط 24. 16 سم، في 217 صفحة.

    بعنوان: (التاريخ الاجتماعي للجزائر، والشخصية الوطنية خلال العهد العثماني:(1519 ــ 1830)

   بعد الإهداء، والمقدّمة، كان المتْنُ في أربعة أقسام:

1 ــ الخلافة وعناصر الشخصية الجزائرية في العهد العثماني.

2 ــ الدور الاجتماعي للعلماء في الجزائر، وإفريقيا وأثرهم الدعوي والصوفي.

3 ــ تأثيث المجتمع المحلّي، وعلاقته ببايلك الشرق الجزائري.

4 ــ المجتمع الجزائري والعلاقات الداخلية والخارجية في العهد العثماني.

    الأستاذ الدكتور علي غنابزية الباحث، المعروف بجديته، وأبحاثه العميقة في أغلب مراحل تاريخ المجتمع الجزائري، كعادته من حرصه على أن تكون أعماله البحثية، وتآليفه العديدة سندًا للباحثين، والطلبة، والطالبات، كما هي نوافذ معرفية للقُـرّاء، والشغوفين بالمعرفة عامة، وتاريخ الجزائر العزيزة بخاصة.

 

     وممّا جاء في مقدّمة الكتاب:

« إن العهد العثماني للجزائر يمثّل منعطفًا هامًّا تبلور فيه المجتمع الجزائري، وأخذت الشخصية الوطنية تتجذّر من خلال الوحدة الترابية للوطن الذي كان سابقًا، موزّعا بين الدول المجاورة في الشرق الحفصي، والغرب المريني ضمن التداخل، والصراع الذي مثّل حركة المدّ، والجزر، وحُسِم في هذا العهد بتحرير حدوده الحالية، بعد كفاحٍ مرير، وجهود بُذِلتْ ممّنْ سهروا على تحقيق الوحدة الكاملة.

     وسهر الحُكّام الأتراك في الجزائر على حماية البلاد، وصيانتها، فتركوا اللغة العربية سيّدة في أرضها تنمو، وتترعرع، يتمّ بها التحصيل العلمي، وتُدوّن بها المعارف، وتُؤلّف بها الكتب والمصنّفات، وهي إلى جانب ذلك لغة الخطاب، والبلاغة، والمعاملات اليومية؛ كما صانوا الدين الإسلامي الحنيف، ورفعوا مقامه عاليا، مجّدوا ذكْره، وشجّعوا الزوايا، والمساجد في نشاطه الدؤوب، وخاضوا تحت رايته الغرّاء (الجهاد) في سبيل الله، والذي صار نعْتًا على الجزائر التي عرفها الناس يومئذ باسم (دار الجهاد).

     وكان الشعور بالانتماء للجزائر راسخًا لدى الأتراك، فلم يتنكّروا للبلد قيد أنملة؛ بل دافعوا عليها إلى آخر رمقٍ، وبذلوا أقصى ما عندهم من جُهْدٍ؛ ولكنّ الخصم كان أقسى، فسقطت البلاد، ولم تسقط الهُوّيّة. » ص:06

   ...هي الشهادة الصادقة.. شهادة الباحث، الوطني الذي همُّه الحقيقة، كما همُّه إثبات مكوّنات هُوّيّة الأمة الجزائرية.

 (كتابٌ قيّمٌ للمهتمّين بتاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، والراغبين في معرفة  حقيقة العهد العثماني بالجزائر.)

 

    

 

 

 

     

الأربعاء، 7 مايو 2025

 

البسملة

قراءة وعرض: بشير خلف

     البسملة هي قول "بسم الله الرحمن الرحيم"، وقد تناولها العلماء بتفسيرات متعددة، بينما هناك اختلافاتٌ بين الفقهاء حول كونها آية مستقلة، أو جزءًا من السور القرآنية.

   بعض العلماء يرون أنها آية من كل سورة، بينما يرى آخرون أنها آية منفصلة تُقرأ للتبرك، والاستعانة باسم الله.

في هذا المجال صدر هذه الأيام كتابٌ من الحجم الصغير  A5  عن دار "سامي" للطبع والنشر والتوزيع لصاحبها رضا درّاجي بالوادي بعنوان:(تعليق في حُكْم البسملة والتقليد).. تأليف الشيخ إبراهيم بن محمد الساسي بن عامر السوفي في 120 صفحة، دراسة، وتحقيق، وتوثيق أ.د محمد الأمين رحماني عميد كلية العلوم الإسلامية بجامعة حمة لخضر بالوادي.

     الكتاب بعد المقدمة في قسمين:

1 ــ القسم الأول: التعريف بالشيخ إبراهيم بن عامر السوفي وبمخطوطه " تعليق في حكْم البسملة والتقليد"

2 ــ القسم الثاني: التحقيق، والتوثيق لرسالة "تعليق في حكْم البسملة والتقليد"

     تعالج صفحات الكتاب مسألة قديمة، جديدة لا يزال صدى الاختلاف بشأنها يُحدِثُ التوتّر لدى شرائح اجتماعية واسعة، تنطلق من حكم البسملة في الصلاة، لتصل إلى حكم التقليد، وبيان موقف العامي من قضايا الاختلاف بين الأئمة الفقهاء، وهل ينتقل العامي في ممارسته الفقهية بين المذاهب كما يحلو له؟

    إنه سجالٌ متواصل، وعنادٌ متأصِّلٌ بين جمهرة المقلّدين،  يسعى كلُّ طرفٍ لأن يكسب الغلبة، ولو على حساب الحقائق العلمية.

    وكاتب الرسالة (مؤلف هذا الكتاب) يستنكر على المقلّدين أن يخوضوا فيما لا يُحسنون، أو يشنّوا غارات على مخالفيهم لِمُجرّد أنّ مسلكهم في التديّن مغايرٌ لِما هم عليه؛ فلا يحقّ لهم أن يُنصّبوا أنفسهم أوصياء على أحكام الشّرْع، أو ناطقين باسمه، وبضاعتهم الفقهية مزجاةٌ، ورصيدهم تقليدٌ في تقليدٍ.

 من مقدّمة الكتاب

«...قد يشاطرني القارئ الكريم الرأي إنْ قلتُ إن مظاهر التعصّب التي كانت سائدة لدى بعض مريدي الطرق الصوفية أوائل القرن الماضي ــ العشرين ــ نجدها اليوم أشدّ، وأنكى أثرًا عند بعض المنتسبين للجماعات الإسلامية، أو الأحزاب السياسية

    ولو كانت ثقافتنا الاجتماعية تتّسم بالعمق، وبالأصالة لكنّا تخلّصنا منذ أمدٍ من تلك المسالك البائسة؛ ذلك أن الثقافة المغلقة داخل الإطار المرجعي الوحيد، لا تُولِّدُ إلّا شخصيات لا تعترف بالتنوّع، ولا تتسامح مع الاختلاف المشروع، ولو كنّا نستفيد من دروس التاريخ المحلّي، والوطني ابتداء، لما وصلنا إلى هذا التفكّك المجتمعي، وشيوع مظاهر التنافر البغيض باسم الدين، وباسم الوطنية. ص:06»

 «نضع بين أيدي القرّاء هذه الرسالة: " تعليق في حُكم السملة، والتقليد" للشيخ إبراهيم بن عامر ــ يرحمه الله ــ بعد أن بقيت مخطوطة مُدّة قرْنٍ، أو أكثر، واجتهدنا بتوفيقٍ من الله لخدمتها، وإخراجها في ثوْبٍ مُدقّقٍ، ومُوثّقٍ مع التقديم لها بالتعريف بكاتبها، مع بيان منهجه. ص8»

    ولئن كانت المسألة ذات بُعْــد فقهي له اعتباره؛ إلّا أن العوام لا طاقة لهم بالتدقيق في الأدلّة، وما تفيده في الموضوع، فيتعصّبون للرأي الذي ألِفوه، أو اطمأنّوا إليه عن طريق المشايخ الذين يقلّدونهم.

    ويظهر وجه الصلة بين البسملة، والتقليد في أن الشيخ ابن عامر رأى أن يعالج مظهرًا من مظاهر التعصّب في زمنه يخصّ حكم لزوم الجهر بالبسملة من عدمه بين بعض مريدي الطرق الصوفية، فأراد الشيخ أن يوصل رسالة مفادها أن المسألة قديمة اختلف فيها الكبار منذ عهد الصحابة، والتابعين، ومَن جاء بعدهم؛ وأحدثت سجالًا علميا رفيع المستوى بينهم، ممّا يستدعي من العامي أن يُسلِّم، ولا يجادل فيما هو غير مؤهّل للنظر فيه؛ فما عليه إلّا اتّباع مذهب إمامه، أو شيخه دون أن يحشر أنفه في دائرة السِّجال، أو التعصّب لهذا الموقف الفقهي، أو ذاك؛ فضلًا أن يحكم ببطلان الصلاة من عدمها.

    ولأجل الغرض المذكور عمد الشيخ ابن عامر إلى ذِكر الأقوال، ونماذج من المؤيِّدات الفقهية دون أن يكلِّف نفسه بيان أوجه الدلالة من كل نصٍّ مرْويٍّ.

    وبناء عليه ناسب أن يتوقّف العامي عن الخوض بجهل، وتعصُّبٍ في هذه المسألة الفقهية، ونظائرها، وأن يلتزم تقليد المفتي الذي يرتضيه.

    واجتهد الشيخ في توثيق الأقوال الفقهية، ونسبتها إلى أصحابها.

    نظرًا لأهمّية موضوع البسملة، وارتباطه بكتاب الله تعالى من جهة، وعلاقته بأعظم عبادة، هي الصلاة؛ فإن الكتابة فيها كثيرة، ومتنوّعة سواء في المدونات، أو في مصنفات التفسير، وعلوم القرآن.

 وبعد:

 البسملة، أو التسمية؛ وتُعرَف أيضًا بأصلها:

«بِسْمِ ٱللَّهِ»، هي العبارة الإسلامية: "بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ"  يبتدئ المسلم بالبسملة عباداته كالغسل، والوضوء، والتيمم.

   تُسمى البسملة تاج السور، وتبدأ سورُ القرآن الكريم كلها بالبسملة، عدا سورة التوبة، هي مفتاح القرآن، وأول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ، وأول ما أمر الله به جبريل أن يُقرِئَه النبي محمدًا صلّى الله عليه وسلّم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق:1]، فكان أول أمرٍ يُنزَل عليه.

     معنى بسم الله أي: أبدأُ قراءتي باسم الله، أو باسم الله أبدأ قراءتي، والغرض من التسمية حصول البركة.

    اختلف العلماء هل هي آيةٌ من القرآن، أو آيةٌ من سورة الفاتحة. ذهب جمهور المسلمين على إثباتها في أول سورة الفاتحة، واختلف القُراء السبعة على الإتيان بها عند ابتداء القراءة بأول أيّة سورةٍ من سور القرآن، عدا سورة التوبة، فمنهم من قرأ بها، ومنهم من قرأ بحذفها.

    ما أجمع عليه العلماء، والفقهاء أنّ المسلم في صلاته مُخَيَّرٌ في الإتيان بها.

 

 

 

 

 

 

    

الأربعاء، 30 أبريل 2025

 

معجم كُتّاب ولاية تقرّت

قراءة وعرض: بشير خلف

        لقد رحل هذه الأيام عن دنيانا، وغادرنا إلى الأبد أحدُ مثقفي ولاية تقرت الكبار؛ بل أحدُ صُنّاع مسارها الثقافي، والإبداعي، وناشري الإبداع الأدبي، وجمالية التذوّق الفنّي المرحوم: بشير قيطون، وقد دوّن اسمه، وسيرته الشاعر المبدع، والناشط الثقافي، الحركي الدكتور سعداوي محمد الأخضر في كتابه:

(معجم كُتّاب ولاية تقرت)، الذي أصدره شهر أفريل 2023، كتابٌ قيّم، نفض فيه الغبار عن المشهد الثقافي بولاية تقرت الفتيّة، وأبرز إلى العلن صُنّاع الحركة الثقافية الحديثة، والمعاصرة.

      ما قام، ويقوم به المثقف العضوي، مؤسس المقاهي الأدبية وباثّها في ربوع مدن، وبلدات الولاية الفتية" تقرت" بصنيعه هذا، وذاك يواصل مساره الثقافي الإبداعي، والتثقيفي بوعْيٍ، وعقلانية، وصبرٍ.

    إذ كنتُ محظوظًا بإهدائي الكتاب، وباعتباري أعرف عديد مثقفي، وكُتّاب منطقة وادي ريغ؛ بل منهم أصدقاء لي منذ سنوات العقود الماضية، وأعرف المنطقة، وقد عملتُ فيها مدرسا أواخر الستينات من القرن الماضي في بلدة سيدي خليل، ثم مفتشا للتعليم أواخر السبعينات في مدينة تقرت؛ فهي من محطّاتي الحياتية كربوع وادي سوف.

   الدكتور المبدع، الحركي سعداوي الأخضر، مثقّفٌ عُضويٌّ؛ وفق رؤية المفكر الإيطالي أنطونيو قرامشي، إذ لم يكتفِ بالانطواء، والاستكانة داخل شرنقة بيته؛ بل تغلغل في تمفصلات المجتمع، ومنها التمفصل المعرفة: تواجدا، تأسيسا، إبداعا شعريا، تأليفًا.

 الثقافة سلوكٌ

    الثقافة سلوك، وبغير هذا السلوك لا يمكن أن نطلق صفة المثقف على أيّ إنسان، عندما ينتفي السلوك، فالشخص المثقّفُ هو مَحْــضنٌ للمعارف. فما الفارق بين العلم، والثقافة.. إن العلم معرفة، في حين أن الثقافة سلوك، الثقافة صانعة للحياة، صانعة للفكر وصانعة للإبداع.

.. أن تبدوَ" مثقفا"؟: إليك ما قاله الأمريكي، ديفيد بروكس عالم الحاسوب، ومهندس البرمجيات في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز:

«الأمر لم يعدْ يتعلق بـما تقرأ، وبـما تعرف، ولا بـمقدار قدرتك على فهْم ما تقرأه، وتستهلكه من مواد ثقافية؛ بل يتعلق الأمر بأن تـجد لنفسك مكانا في فضاءات الضجيج الثقافي»

 معجم كُتّاب ولاية تقرت

(تراجم ونصوص في الإبداع الأدبي)

     صدر هذا الكتاب في شهر أفريل 2023 عن دار سامي للطبع والنشر والتوزيع بالوادي لصاحبها المثقف رضا درّاجي، تصميم الغلاف، الفنان إسماعيل عبد الجواد، تأليف، وإشراف الدكتور محمد الأخضر سعداوي.  الكتاب من الحجم المتوسط، في 148 صفحة.

 لئن كان الاستهلال بالإهداء الذي توشّح بالروحانيات، وتوجّه به المؤلف إلى والديْه، وأحبّته، ثم إلى رفاق الثقافة، وأصدقاء الدرب الإبداعي، والقرّاء عشّاق المطالعة.

    أبرز المؤلف في مقدّمة الكتاب مُبرّرات تأليفه له، منها:

ـــ في ذات لقاء أدبي محلّيٍّ صدم أحدهم الحضور من اكتشافه شعراء، وكتابا من المنطقة لهم من التجارب المختلفة، إذ هو الطالب الجامعي، وقد كان يجهل ذلك.

ـــ حالة الشتات، والضياع للرصيد الثقافي الذي زخرت، وتزخر به منطقة تقرت قديما، وحديثا.

ـــ تجاهل أهمّية التدوين، والكتابة لكلّ فعْلٍ ثقافيٍّ.

ـــ منطقة تقرت عرفت، وتعرف في ماضيها، وحاضرها عددا مهمّا، معتبرًا من المبدعين في المجال الأدبي، منهم من حظي بجوائز وطنية، وأخرى دولية في الأجناس الأدبية.

     كلّ هذا الزخم، يقول الدكتور سعداوي الأخضر مؤلف الكتاب:

« يجعلنا كممارسين للنشاط الأدبي، وباحثين في الأدب الجزائري، ودارسين له، نشعر بنوعٍ من المسؤولية التي تتمثّل في ضرورة جمعه، وتدوين ما أُنجِز فيه، اعترافًا بجهْد من اجتهد، وحفظًا لِما تمّ إنجازه من عوامل النسيان، والضياع، وإنصافًا للكثير من الأسماء التي تكتفي أحيانا بممارسة العملية الإبداعية.ص01»

     بعد الإهداء، والمقدمة، وإطار البحث، والعرض التاريخي استعرض المؤلف التراجم والنصوص، فكانت لـــ: 48 كاتبًا، و08 كاتبات، من هؤلاء جميعا: 25 شاعرا وشاعرة.

     في الكتاب ترجمةٌ للكاتب، أو الكاتبة، ونماذج من إبداعه الشعري إنْ كان شاعرا، أو السردي، إنْ كان ساردًا.

      جُهْدٌ كبير في أن تتصل بهذا الكمّ المعتبر من شتات الكُتّاب المبدعين، ومن الجنسين، وأن تُدوّن حيواتهم، وحيواتهن، وأن تأخذ منهم، ومنهن نصوصهن؛ بل وأن تُقنعهم، وتقنعهن بالمشاركة، لعمري ليس بالأمر السهل.

      شخصيا، قرأت الكتاب ـــ حال صدوره ـــ، وقد أهداه إليّ المؤلف مشكورا، وها أنذا أعدتُ قراءته للمرة الثانية، عندما كنتُ أبحث عن سيرة المرحوم الكاتب، المثقف بشير قيطون بن مدينة تقرت الذي رحل عن دنيانا هذه الأيام.

     استفدتُ من قراءتي للكتاب، اطّلعتُ على الحركة الثقافية في ولاية تقرت الفتية، وتعرّفت على رصيدها الثقافي، والإبداعي، وعلى صُنّاع هذا الرصيد، فالشكر، والتقدير لكل كُتّاب، ومبدعي ولاية تقرت، وأخصّ بالذكر الدكتور الشاعر، الكاتب، الباحث، الناشط الثقافي، المثقف العضوي محمد سعداوي الأخضر.

    فيما يخصّ ترتيب الكُــتّاب، حبذا لو كانت ترجمات الكُتّاب، والمبدعين مصنفة كالآتي بدلًا من الترتيب الأبجدي:

ــــ شعراء الفصيح تراجم ونصوص

ــــ شعراء الشعبي تراجم ونصوص

ــــ مبدعو المسرح تراجم ونصوص

ــــ مبدعو السرد الروائي تراجم ونصوص

ــــ مبدعو السرد القصصي تراجم ونصوص

         إن هذا التصنيف المنهجي يساعد الباحث، والطالب في الإلمام بما يبتغيه في أسرع وقتٍ.

      وفي كلّ الحالات، ليس بالسهل جمْعُ الرصيد الثقافي لمنطقةٍ رصيدُها مشتّتٌ، ولم يسبقْ أن وُجّهتْ له الأنظارُ، فمنْ يتصدّى لهذا غيرُ المثقفين، الصبورين، الغيورين على الثقافة الوطنية، وعلى مُكوّنات هُوّيّة الأمة الجزائرية.

 

 

       

 

          

 

 

 

الجمعة، 25 أبريل 2025

 

               رواية" طلاق عاطفيٌّ"

 قراءة وعرْض بشير خلف

    الطلاق العاطفي: هو هجْـرُ الزوج لزوجته سواء كان هجرًا في العلاقة العاطفية أم هجرًا في المحادثة، وفقدان المودة، والسكن النفسي بين الزوجين مع قيام الزوج بالحقوق الزوجية الأخرى كالنفقة وتأمين السكن بحيث يظهر للناس استقامة العلاقة الزوجية ولكن في الواقع هما على خلاف.

 


رواية" طلاق عاطف

الإعلامي الكبير، والدكتور الأكاديمي القدير قعيد خليفة بحكم ثقافته الواسعة، واطلاعه على ثقافات عديد الشعوب، وهو يجيد اللغتين العربية والفرنسية، وغوْصهُ في تمفصلات حيوات الجزائريين والجزائريات، مكّنته من معرفة الكثير، الكثير عن ظاهرة " الطلاق العاطفي" المتفشّية في كل شعوب الأرض قديمًا، وحديثًا، تزيد، أو تنقص عند هذا الشعب، أو ذاك.

    الرواية من الحجم المتوسط، في 264 صفحة، في خمسة فصول،وكلّ فصل إلى أجزاء. صدرت عن دار هيبوجوريوس بعنابة في السداسي الثاني سنة 2024.

   العنوان: "طلاق عاطفي"

عتبة العنوان: تطرح أكثر من دلالة، فلو اكتفى المؤلف بـ (الطلاق العاطفي)، لفهم القارئ أن الطلاق العاطفي في حياة البشر واحدٌ، وكلّما وُجدت أسبابه يحصل، فالمؤلف يُـشعِـرُنا بأن النص الروائي الذي بين أيدينا يتحدّث عن طلاق عاطفي من بين آلاف الطلاقات العاطفية.

  الإهداء

 المؤلف بواسطة الإهداء يضع بين أيدينا مفاتيح الدخول إلى نصّ الرواية.

ـــ هل أنتما حبيبان، أم عشيقان، أم متساكنان تحت سقفٍ واحد، وحسب؟

ـــ هل أنت بعْـلٌ، أم زوْجٌ ؟

ـــ هل أنت امرأةٌ أم زوجةٌ ؟

ـــ إلى كل امرأة لها بعْلٌ وتريد تحديث نفسها لتتجنّب الوقوع في الهاوية، للوصول إلى نسختها الجديدة لتصبح زوجة لزوج بالتمام، والكمال.

ـــ إلى كل زوج نجح بالحبّ، والثقافة في تحديث نفسه، والتخلّص من  البعولة حتى يعيش كل يوم مع زوجته بنسخته الجديدة.

ـــ إلى كل زوجة نجحت بالحب والثقافة في تحديث نفسها لتعيش كل يوم مع زوجها بنسختها الجديدة..

          أُهدي هذه الرواية.. 

  النصّ الروائي الذي بين أيدينا نصٌّ ثريٌّ بالأحداث، والمواقف، والأفكار الفردية، والجماعية، والظواهر الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، مُشكِّلة سلوكات منها ما هو غريب، ومنها ما هو دراميتيكي من شخوصٍ عاديين من الطبقة المتوسطة بالمجتمع الجزائري،

       الرواية تطرح قضايا عدّة في عالم معاصر، متسارع، تكتنف التغيرات والتغييرات في كل المجالات، منها:

     ـــ تطلُّعُ الطبقة المتوسّطة إلى مستوى أعلى من المعيشة، والكسب المادّي للعيش من المنزل اللائق، المؤثث بكل ما تستلزمه الحياة المعاصرة، وامتلاك السيارة، والغذاء الجيد الصحي، مع التنشئة السليمة للأبناء، وتوفير ما تستلزمه هذه التربية تأثُّرًا بما في الحياة العاصرة .

ـــ شخوص الرواية عديدون؛ لكن الشخصيتين الرئيستين في الرواية هما:( لدهم.. لويزة).

    لدْهم، الزوج أستاذ في التربية، منضبط سلوكيا، ملتزم قـيْميا، محترم اجتماعيا، يتصرّف وفق حالته المادية، ولا يهفو إلى ما أعلى؛ عكس زوجته لويزة الماكثةٌ بالبيت، صديقاتها الكثيرات تستقبلهن بمنزلها، وتكرمهن، كما أنها معهن يوميا في أفراح، وأعراس، متخلية عن زوجها، وأبنائها.

     منجذبة إلى جارتها كريمة الأرملة التي انخرطت في بزنسة بيع اللباس النسوي،الراقي، وظاهرة الربح بدأت تظهر عليها، فجرّت لويزة معها  دون علم زوجها لدهم، انغمست بدورها وبدأ زوجها لدهم يشاهد لباسها الرّاقي، والحُلي التي لم يرها، ولم يشترها لها في العرس، صارت تتهرّب منه، ومن الجلوس معه، والحديث معه، والنوم مع الأبناء، فراوده الشكّ، حتى أنه وظّف وسائل التواصل الاجتماعي، بل طلب صداقتها باسم آخر.

    ورّطتها جارتها كريمة في مرافقتها عديد المرّات إلى تونس في جلْب الملابس النسوية الراقية، مُدعّية لزوجها أنها في زيارات علاج، وأوشكت كريمة أن تضها فريسة في فم الذئب، سائق السيارة في الاعتداء على شرفها، لولا تنبُّهها إلى المكيدة في آخر لحظة.

     بعد رجوعها انكشفت الحقيقة، سارع الزوج لدهم إلى الطلاق. حصل الطلاق، لتعيد لويزة الزواج من عمّار الميكانيكي الذي عاملها بقسوة، وإهانات فخلعـته.

     لويزة عانت من الوحدة، والحرمان العاطفي، بإيعاز من ابنتها الكبرى حياة المتزوّجة، سجّلت في المدرسة القرآنية، والتعليم العام عن طريق المراسلة، ونتيجة اجتهادها سرعان ما تحصلت على شهادة الإجازة من المدرسة القرآنية، وشهادة الكفاءة في تنشيط دورات التكوين الاجتماعي، والإرشاد الأسري من مركز التكوين، عادت لها الراحة، وشعرت بالفخر، واستعادت الثقة بنفسها، وشعورها بشخصيتها الجديدة على أنها لم تبق عالّة على أحدٍ.

  لدهم في جحيم الوحدة، وابتعاد الأبناء، يجد الملاذ اليومي في المقهى المجاور، والأنس لدى صاحبه عمّي علي الذي أشار عليه بتقديم دروس الدعم للتلاميذ، فيستجيب بعد رفضٍ طال، كما يلتقي بعديد الأساتذة، والأستاذات، ويندمج تدريجيا في حركية الحياة، كما ينخرط في تعلّم عديد المهارات بمركز التعليم المهني بالحي، فيزداد معرفة، وفهِمًا لمغزى الحياة، وهو الأستاذ المثقف، والمدرّس القدير، تسترعي انتباهه السيدة لطيفة مسؤولة مكتب المحاضرات، والدورات في المركز، بدورها تتعرّف عليه عن قُــرْب، فتُعجب بكفاءته التدريسية، وثقافته الواسعة.

   أيّام قليلة ويتزوّجان، هي الأستاذة والأرملة، والأم لبنتين، اعتبرهما لدهم بنتيه، وعاملهما معاملة الأب، وقرّبهما من أبنائه من زوجته الأولى لويزة، بل أحبّهما أكثر بعد وفاة أمهما لطيفة فجأة.

     في الذكرى الأولى لرحيل السيدة لطيفة نظّم المركز ملتقى كبيرا حضره التلاميذ، والأساتذة، والعمّال، والأولياء، وقُــدّمت فيه عديد المحاضرات المتعلقة بالحفاظ على تماسك الأسرة، وطرق تنشئة الأطفال الصحيحة، والسليمة، ومن بين المحاضرين والمحاضرات: السيدة لويزة، والأستاذ لدهم، فكان اللقاء بين الزوجين المنفصلين منذ سنوات، وتحت لوعة الاشتياق، وإلحاح الأبناء عليهما تمّ الرجوع إلى البيت الزوجي الذي كان يقطنه لدهم وحيدا، عادت إليه الحياة من جديد.

 

1 ــ من سرْد الرواية:

" ها هي شمس الضحى تطل من زجاج النافذة مسلطة خيوط أشعّـتها  مباشرة على وجهه، يستشعر بعض الألم في رأسه، فيستيقظ من نومه، يقوم متكاسلا ثقيلا من مكانه لشدّة السهر وحيدا، ويتجه إلى الحمام عساه يستردّ بعض حيويته" ص127

 2 ــ من شعرية النص الروائي

" لدهم غزالي المنيع، وفارسُ أحلامي المختفي في غيوم الحياة...هل يمكنك الظهور، فتطلّ عليّ كما يطل القمر المنير على الكائنات العاشقة في ليلة مظلمة؟ فقد طارت الغيوم بالفارس الأبيض" ص: 141

  أخيرًا

      النصّ الروائي "طلاق عاطفي" للكاتب الروائي صاحب رواية" فجْر الغيطان" الدكتور قعيد خليفة نصٌّ ناضجٌ، ماتعٌ، مكتمل في مضمونه الفكري، تقنياته، فالقارئ يتفاعل معه، بل بفضل سرده السلس، وعذوبة لغته العربية الفصيحة، الرقراقة، ينقاد القارئ، معايشا تحرّكات شخوص الروايةـ وصراعاتهم، وتوافقاتهم.

 

  

 

 

   

 

 

 

    

  مجلّة " ُأفُق" الثقافية في عددٍ جديدٍ   قراءة وعرْض: بشير خلف      صدر العدد الجديد 44 من مجلة " أفق الثقافية" بتا...