الإسلاميون في الجزائر
وأزمة القيادة
البحث عن ”المهدي
المنتظر”!
عبد القادر جمعة
يطرح مشكل القيادة
لدى الإسلاميين ابتداء على مستوى التصور، حيث إن النمط السائد والمطلوب داخل الجماعات
والتنظيمات الإسلامية هو النمط السائد في عموم المجتمعات العربية والإسلامية، نمط القائد
العظيم، القائد الملهم ”المهدي المنتظر”، وهذا النمط من القيادة يعدّ تعبيرا عن تراكمات
تاريخية وثقافية معقّدة، ليس هذا مجال التطرق لها، لكن هيمنة هذا التصور للقيادة يطرح
مشاكل متعددة.
ففي حال وجود القائد
العظيم (في تصور أتباعه على الأقل) تتجه الجماعة أو الحزب إلى الفردية وغياب المؤسسية،
وربما تجنح الأمور إلى نوع من عبادة الشخصية (نموذج الراحل محفوظ نحناح)، وفي حال غيابه
يجد القائد العادي (في نظر أتباعه دائما) نفسه محل احتجاج وانتقاد دائمين، ويواجه التمرد
والعصيان وأحيانا انفضاض الناس من حول الحركة أو الجماعة (نموذج أبو جرة سلطاني).
ويمكننا القول إنه
عندما تكون درجات الذاتية والفردية مرتفعة، في أي مجتمع أو منظمة وبخاصة في جانبهما
السلبي، تزداد درجة اللامؤسسية والاستعداد لانتظار القائد العظيم، ومن جهة أخرى كلما
زادت درجة المؤسسية أصبحت الذاتية والفردية مقيدتين، وقلّت الحاجة لظهور الرجل العظيم،
لأن العظمة تصبح للجماعة والمؤسسات والقوانين والعمليات السياسية الاجتماعية.
المشكلة الثانية،
هي في كون معظم القيادات الحالية للحركة الإسلامية تعاني عدة أزمات متقاربة، منها ما
يتعلق بشرعية وصولها للقيادة، ومن ثمّ بأحقية وجدارة استمراريتها فيها، ومنها ما يتعلّق
بطغيان الشعور بـ«الندّية” بين هذه القيادات، خاصة من الجيل الثاني (نموذج الشيخ عبد
اللّه جاب اللّه، والانقلابات المتكررة عليه داخل الأحزاب التي أسسها وقادها، وكذلك
الأزمة التي عصفت بـ«حمس” عقب وفاة الشيخ نحناح، والتي انتهت بانشقاق عبد المجيد مناصرة
وتأسيسه لجبهة التغيير، قبل أن ينشق عنه رفاقه مجددا ويؤسسوا حركة البناء الوطني. دون
أن ننسى الصراعات التي مزقت حركة الإصلاح، رغم أن نظامها الأساسي ينصّ صراحة على مبدأ
التداول على القيادة وعلى تحديد مدة توليها!).
ومن ناحية ثالثة:
تطرح القيادة في الحركات الإسلامية معضلة أخرى تتعلق بشرعية الإنجاز الذي تحققه، وكفاءة
الأداء في الأدوار التي تقوم بها، فمنذ إقرار التعددية، قبل ربع قرن، لم يحدث أن قدّمت
قيادة حزب ما (من الإسلاميين أو من غيرهم!) استقالتها عقب هزيمة انتخابية أو فشل سياسي،
وبطبيعة الحال تجد هذه القيادات في المحيط السياسي المغلق الذي تسيره إرادة السلطة
وأجهزتها، والمواعيد الانتخابية التي طغى عليها التزوير والرشوة والعزوف الشعبي، مبررات
لعجزها وقلّة حيلتها، وهو وضع يجعل من الصعب جدا إجراء تقييم موضوعي لأداء القيادات
الحزبية. فتصبح الأقدمية والتواجد (La disponibilité)،
وحتى القدرات الخطابية معايير للترقية القيادية في غياب الكاريزما الحقيقية.
يضاف لكل ذلك مشكل
غياب القيادات الفكرية المرجعية، وهذا مشكل مزمن وتاريخي يواجه عموم التيار الإسلامي
في الجزائر، لكنه أصبح أكثـر بروزا وحدّة في السنوات الأخيرة، خاصة منذ دخول الإسلاميين
زمن التعددية والمشاركة السياسية، لنجد أننا اليوم في مواجهة وضع ”قاحل” على مستوى
الإنتاج الفكري والنظري مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات (ومن الإنصاف القول هنا أيضا
إنه وضع يشترك فيه الإسلاميون مع غيرهم، وربما كان حال الآخرين أكثـر سوءا في هذا المجال!)،
وهو الأمر الذي عبّر عنه بعضهم، بأن الحركة الإسلامية في الجزائر جيش يضمّ جنودا وضباط
صغار، لكنه بلا جنرالات! أو أنها أضحت جسدا كبيرا ليس له رأس، وبالأصح ليس له عقل فكري
قائد ناضج. ونحن وإن كنا نرى أن زمن المرجعيات الفردية الفذة المجتهدة قد تراجع وتقلّص،
فإن طبيعة العصر ومقتضياته تقول إنه من الممكن التصدي للعمل في هذا المجال، من خلال
مؤسسات ومراكز متخصصة للبحث والتفكير والدراسات.
تمثّل معضلة القيادة
قضية محورية في رسم حاضر ومستقبل الحركة الإسلامية، وهذا ما يضعنا أمام عدد من التساؤلات
تفرض نفسها، بصدد قدرة الإسلاميين على التحوّل مستقبلا من نمط ”المشيخة” إلى نمط ”الرئاسة”
بأسلوب الإدارة، وعلى التحرر من سلطة الشرعية المستندة إلى ”الخبرة التاريخية”، وسبق
التأسيس، والقدرة على الخطابة وحتى مجرد التواجد!! إلى الشرعية المرتبطة بـ«الإنجاز
الفعلي” في مجالات العمل الفكري والتنظيمي والسياسي، والالتزام ببناء مؤسسات حقيقية،
وليست شكلية وورقية على النمط الذي تقيمه الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي
وبلدان العالم المتخلف ككل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: يومية الخبر ليوم الجمعة 23 أوت 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق