الإبداع
الأدبي الشبابي.. ومسافة الألف ميل
بقلم: بشير خلف
الإبداع
الأدبي كما هو معروف لدى النّقّاد والمتخصّصين هو عملية ذهنية واعية، قِوامها مجموعة
من البُنى الفنية واللغوية ، والتي تُــسهم في توليد الجديد من النصوص ،فيأتي النص
الجديد ليختزن خلاصة التجربة الإبداعية للمبدع الذي أنتج هذا النص، ويصبح هذا النتاج
اللغوي والمعنوي نصا جماليا فيه متعة وجمال للمتلقّي الذي هو جزءٌ من العملية الابداعية، بما لديه من
قراءات، ومخزون فكري وثقافي.
فإذا كان المتلقي في حالات كثيرة وهو أمام
نصٍّ إبداعي سواء أكان سردا، أم شعرًا تعتريه الدهشة، وربما لمتعة النص عدم القدرة
على توضيح السبب الذي يجعله متماهيا مع النصّ الإبداعي، أهي اللغة التي يوظفها
المبدع بمهارة وحنكة؟ أم هو الأسلوب الجذّاب المشوٍّق؟ أم هي الصور الفنية ؟ أم الخيال الخصب للمبدع ؟ أم الموضوع ؟أم كل هذه
العناصر مجتمعة ؟؟؟
ما يجرّنا هنا إلى الحديث عن ما يبدعه
الشباب عندنا؛ بل حتى الكبار، هل العوامل السالفة الذكر التي قد نعتبرها شروطا
أساسية لكل نتاج أدبي؛ بل نغالي إن قلنا بأن الزاد اللغوي الذي يُفترض أن يكون لدى
كل مبدع؛ بل كل كاتب هو العصا السحرية، ولا نغالي إن قلنا بأن هذا الزاد اللغوي
الثريّ جدا بكل ما تحمله قواميس المعرفة الإنسانية كأرضية تمكّن المبدع من أن يأتي
بالجديد، وقد يتوفّر هذا القاموس، وهو متوفّرٌ لدى الكثيرين من المثقفين،
والأكاديميين، وأساتذة الجامعات، ولكن القلة منهم من صار مبدعا؛ القدرة على توظيف
اللغة وتطويعها لطرح المواضيع، أو الإتيان بنصوص إبداعية إنسانية راقية ليس في
متناول الجميع، وعماد اللغة وزادها هي القواعد وحسْن توظيفها حتى يكون النصّ سليما
غير مشوّه، واضحًا بما يحمله من زُخْمٍ معرفي، جمالي، وبما يتضمنه من متعة ،ودهشة
تهزّان المتلقّي.
ما يبعث على الحسرة في واقعنا اليوم، ونحن
نطالع نصوصا متنوعة مسرحية، شعرية، سردية لشباب وشابات سواء في الصحافة المكتوبة،
أو يتقدمون بها إلى هذه الهيئة، أو تلك طمعًا في قبولها ونشرها؛ فإذا هي نصوص مليئة
بالأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية، وجمل ركيكة، وتراكيب مهلهلة، وأفكار
مشوّهة، وكلهم يتسرّعون نشْر نصوصهم ، ومباركة هذه النصوص ممن سبقوهم إبداعا
وتجربة؛ بل منهم ومنهن لم يُطبع له، ولها غير عملٍ واحدٍ فيتلهف، أو تتلهّف على الحصول
على الريادة، أوالرتبة الأولى في الجوائز والمسابقات.
في رأيي الشخصي أن أغلب النصوص الإبداعية
لهؤلاء الشباب تفتقد إلى الثقافة الموسوعية، والثقافة المتخصصة إنْ كانت مسرحًا،
أو شعرا، أو سرْدًا ، إضافة إلى ضعف الرصيد اللغوي، وتنوّعه، والقدرة على توظيفه
وتطويعه خدمة للنص المبدع، وكذا الضعف في التحكّم في القواعد.. وليس معنى هذا أنّ
الساحة الشبابية تخلو من مبدعين يبدعون نصوصا في مستوى متميّز مقبول ..إنهم قلّة
القلّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق