الاثنين، 27 فبراير 2017

الشاعر الكبير عاشور فني ضيفٌ على المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بالوادي



الشاعر الكبير عاشور فني ضيفٌ على المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بالوادي
بقلم: بشير خلف
          نظّمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الوادي أمسية أدبية بمقرّها مساء يوم السبت 25 / 02/2017 .     
        كانت من أروع الأمسيات الأدبية.. حيث كان ضيف الشرف الشاعر الكبير الأستاذ عاشور فني الذي تميّز في هذه الأمسية بالحديث عن ارتباطه الحميمي بربوع وادي سوف منذ شهر فيفري 1987 لمّا استدعته حينذاك الجمعية الثقافية محمد الأمين العمودي إلى أحد ملتقياتها الفكرية.
      كان منشّط الأمسية الشاعر المثقف، والناشط الثقافي الحركي الشاب بشير غريب، كما كان في المنصة الأستاذ تامة التجاني مدير المكتبة الرئيسية والذي يعود إليه الفضل دائما في استضافة هكذا وجوه ثقافية إبداعية، والذي كان بدوره رفيق دراسة للأستاذ عاشور فني في الثمانينات بالعاصمة، رحّب بالضيف، وبالحضور وعرّف بالضيف، وبمساره الأكاديمي، والإبداعي، وإصداراته. 

      أعادنا الشاعر الكبير عاشور فني إلى رحاب الشعر الجميل، كان الحضور نخبويا، أغلبه من الشعراء الذين أسسوا المشهد الثقافي والأدبي الإبداعي بالوادي، ولا يزالون في قمّة عطائهم ينافحون عن الكلمة الجميلة، وغرْس الذوق الرفيع بكبرياء، وبتواضع أيضا، عكس ما حاولت وتحاول بعض الأطراف ــ وإن كانت محدودة العدد والمستوى الشعري ــ  أن تظهر في الساحة أنها تمثل الشعر، والشعر النسوي بصفة خاصة، والحقّ أن لا علاقة لها بالشعر، ولا بالأدب..
        الشاعر الكبير عاشور فني في البداية ثمّن ربوع وادي سوف، وادي الإبداع والفنون، وادي الشعر، وادي النضال، وادي المآثر التاريخية، وادي الثورة الخضراء، وادي الخير، وادي الإنسان السوفي العملاق الذي قهر الرمال القاحلة، رمال الموت والفناء الذي حوّلها إلى جنة فيحاء تدرّ الخيرات، وتساهم في قوْت الجزائريين..
      منطقة الوادي( صنعها الإنسان، وهي صنعـتْه)..هذه المنطقة معجزة الحياة في كل المجالات، في الإصدارات الثقافية خصوصا ما تصدره هذه المدينة سنويا أكثر الذي تُصدره وزارة الثقافة.. منطقة متميزة ثقافيا: شعر أصيل، فن أصيل، مبدعون كُــثّر، مبدعون جدد شباب أضافوا إلى الساحة، وتفاعلوا مع الحياة المعاصرة.
       تحدّث الشاعر عاشور فنّي عن بداياته الشعرية، وولوجه عالم الكتابة، وهو يعود بالحاضرين إلى الوراء عقودا من الزمن، حينما أدّى واجب الخدمة الوطنية في الجنوب الكبير بمنطقة تمنراست، حيث وجد نفسه في عالم آخر يختلف تماما عن شمال الجزائر، خاصة عن منطقة مسقط رأسه "سطيف"، فضاء صحراوي وأرض مختلفة، تضم تكوينات بركانية منحوتة بفعل الرياح، مدهشة بأشكالها الغرائبية، كما لو أن الطبيعة تطلق العنان لخيالها الجامح في تلك الجغرافيا السحرية، حتى يخال زائرها أنه على أرض كوكب آخر.. أفواج من سياح مأخوذين بهذه الطبيعة الخلابة.. سياح مختلفو الجنسيات، الأعراق، والثقافات، تأثّر شاعرنا بهذا كله، فهام حبا بهذا الفضاء من الجزائر، ولمّا أكمل واجب الخدمة الوطنية، وعاد إلى مسقط رأسه وجد نفسه في فضاء آخر شبه غريب عنه، وكأنه غير مسقط رأسه، ومرتع صباه، فلم يتمكّن من التأقلم معه لا طبيعة، ولا بشرا فكان الانعزال والصمت رفيقيْه.
        وفجأة وجد نفسه يفكّ العزلة عنه عن طريق الشعر، وولوج عالم الكتابة، ورفقة القلم والقرطاس، إذ انفتح أمامه باب الكلمة، باب الإبداع، الجمال، فكان الشعر متنفسه.. وبحكم تأثره المستمر بمنطقة الهقار ورجلها الأزرق كان ديوانه: " أحدثكم عن سماواته" الذي صدر سنة 2013 عن المؤسسة الوطنية للاتصال، والنشر والإشهار.. ديوان جعله ينحت كلماته، ومقاطعه الشعرية لمدة 15 سنة وفاء لربوع تمنراست، وجبالها السامقة، الشامخة، ورجالها الزرق.
     حديث الشاعر عاشور فني للحضور في قاعة المحاضرات بالمكتبة الرئيسية تخللته قراءات شعرية منها : قصيدة " شمس الأصيل" التي تماهى فيها مع طبيعة وادي سوف، وساكنيها، وغروب الشمس بها وراء كثبان الرمال الذهبية بها.. قصيدة تعود إلى شهر فيفري 1987 أول زيارة له إلى المنطقة:
مساء ، وعيناك واسعتان
وفي الرمل ضاعت يداك
تعلمت كيف أحدق في رزقة الأفق حتى أراك
وكيف أهيم بكل البلاد
وأضرب في كل واد
ولكنني لا أعود إلى أي واد سواك
       ثم أمتع الحاضرين بقصيدة أخرى" رجلٌ من غبار":
قهوة فاسدة
دسها نادل لا يحب الزبائن
وعلي المائدة
ملك في عباءة خائن
نسيته عروسته مرة واحدة
في المنام …
لتأتي القراءة الأخيرة في ديوانه" أحدثكم عن سماواته" ويقصد هنا الرجل  الأزرق، كانت قراءة مقطعية تفاعل معها الحضور سماعا، وتمتعا بشعر جميل يسمو بالذوق الرفيع:
عادة،
تحمل الأرض أشياءها وتدور
وأعبر تلك المسافه
بين يومي وبين الخرافه
عادة ما تكون السماوات صامتة
والنشيد يفيض من القلب
أمضي إلى هدف واضح فأضيع
وتعلو السماء
وتزداد ضحكتها زرقة
وكثافه
      كما كان حضور الأستاذ الشاعر، الملحن المطرب فريد مخلوفي مميزا، وهو الذي كان رفيق الأستاذ عاشور فـني في الدراسة الجامعية خلال الثمانينات بالجزائر العاصمة.. الأستاذ فريد أضاف للأمسية لمسة جمالية ممتعة بأداء أغنية ( ضمّ الحبيب حبيبه) قصيدة عاشور فني التي أبدعها وهو طالب في الجامعة ..حضر أيضا المطرب المتألق غزال عبد الرحمن.

       كما كانت للقراءات الشعرية مكانتها في هذه الأمسية الرائعة: السعيد المثردي، بشير ونيسي، فريد مخلوفي، بشير غريب، صالح خطاب، صوالح محمد مصطفى الحاج ميهي، لتنتهي الأمسية بتكريم الشاعر الكبير عاشور فني، وبيْع ديوانه " أحدثكم عن سماواته" مع الإهداء.


عاشور فنّي
عاشور فني واحد من أبرز شعراء الجزائر الذين لهم باع جميل في الشعر والكتابة والترجمة أيضا، أصدر عدة مجموعات شعرية منها "زهرة الدنيا" العام 1994 تجربته البارزة التي قدمته بقوة و جمالية إلى المشهد الشعري، وبعدها بحوالي عشر سنوات صدرت مجموعاته التالية: "رجل من غبار" العام 2003 . "الربيع الذي جاء قبل الأوان "العام 2004، و"أعراس الماء" التي كتبها باللغة الفرنسية وصدرت عن دار نشر فرنسية بمدينة مرسيليا.
        وفي عام 2007 وعن دار القصبة للنشر وفي إطار منشورات الجزائر عاصمة الثقافة العربية صدرت له المجموعة الخامسة والتي حملت عنوان: "هنالك بين غيابين يحدث أن نلتقي". وما ميز هذه المجموعة ،هي أنها تجربة أخرى مغايرة عن التجارب الشعرية السابقة التي كان يعتمد فيها الشاعر على الشعر العمودي فقط في حين جاءت نصوص هذه الأخيرة بنفس/طقس الهايكو القوي المركز الذي يعتمد على الومضة بأقل ما يمكن من كلمات و مفردات و بأكثف ما يمكن من معنى و إيحاءات. الشاعر قام أيضا بترجمة الكثير من المجموعات والكتب الأدبية إلى اللغة الفرنسية منها :"عراجين الحنين" للأخضر فلوس "معراج السنونو" لأحمد عبد الكريم، "اكتشاف العادي"، لعمار مرياش، "ما يراه القلب الحافي" لعياش يحياوي ، "سين" لمشري بن خليفة، "الأرواح الشاغرة" لعبد الحميد بن هدوقة.
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...