رحيل القاصة العراقية ديزي الأمير بعيدا عن بلدها الذي تحبّ
بشير خلف
نصوصها الإبداعية
القصصية، الروائية، الشعرية؛ كانت مميّزة، كانت تصلنا في الستينات، والسبعينيات،
والثمانينيات في المجلات العراقية، والبيروتية: الأقلام، الطليعة، الآداب، لمّا
كانت المجلات العربية في تلكم الفترة تصل مطلع كل شهر إلى بلدنا الجزائر، مرحّبًا
بها عهد ذاك.
إنها الكاتبة، والشاعرة،
والروائية العراقية، زيري الأمير التي
رحلت من دنيانا أخيرا، وتحديدا يوم 22/11/2018 عن 83 سنة.
كأغلب الكبار عاشت الكاتبة
العراقية ديزي الأمير في صمت ورحلت بمنتهى الهدوء. ولم تتداول وسائل الإعلام خبر
رحيلها سوى بعد أيام بمدينة هيوستن الأمريكية حيث تقيم، حيث اختارت المنفى، كانت
توصف بكاتبة الحزن، وهي التي تقاطعت سيرتها الإبداعية الذاتية مع مسار الحداثة
الأدبية في العراق فهي من الكتاب الذين برزوا في مرحلة الستينات والسبعينات من
القرن الماضي.
بدأت تخط نصوصها الأولى في شكل
زفرات على الورق تروي من خلالها وجعها الطفولي جراء افتقادها لحنان الأم التي رحلت
مبكرا وكان بياض الورقات ملاذها الذي تشكو إليه قسوة زوجة الأب وإساءاتها
المتكررة.
ولم تكن تعلم وهي تلوذ إلى القلم، شغوفة بالكتابة أنها ستصبح ذات يوم من
أهمّ الكاتبات العربيات من بنات جيلها. وهي التي نالت الإجازة في اللغة
والآداب العربية من جامعة بغداد قبل أن تسافر إلى لندن لتدرس بجامعة كامبريدج .
وتعد ديزي الأمير من أبرز و أهم الأصوات النسائية من جيل الـتأسيس في
مجال الكتابة .انخرطت ديزي مثل بنات جيلها في الحداثة الإبداعية كما، انحازت لوجع
المرأة في سياق ذكوري جدا في تلك المرحلة التاريخية. كانت الكتابة لحظتها ضربا من
ضروب النضال النسائي لتأكيد الوجود وتأصيل الكيان والتعبير عن المخاض الذي تميزت
به مجمل المجتمعات العربية .
تميزت بنبرة هادئة وصوت خافت
في نصوصها القصصية التي تعبر من خلالها عن القلق الوجودي والمعاناة الإنسانية
بمختلف أوجهها؛ كما لامست الكاتبة ديزي الأمير قضايا الغربة والحرية.
تقول في مجلة (الآداب، العدد 11
- 1992):
« كنت ناجحة خارج البيت، أما داخله فلقد فقدْتُ الإحساس بالطمأنينة إليه
بعد فقدان أمي، وزواج أبي وأنا على مقاعد الدراسة، فتشرّدت العائلة وصار كل في
مكان، وأنا أسكن فترات هنا وفترات هناك معهم، صارت الوحدة صديقتي، وبفعل إراديّ
حاولتُ إبعاد الحسّ بالغربة عن نفسي. لذلك فإن طابع الحزن واضح في كل ما كتبت.
نفسي لم يلتقط رادارها إلا الحزن، لكن هذا لم يكن تشاؤماً...»
ويقول عفيف فراج الكاتب،
والناقد العراقي في مجال آخر:
«إن الرائع في قصص ديزي الأمير يبرز برائحة فنية في رسم عالم الأحاسيس
الداخلية للشخصية، وحساسية شديدة الرقة، تلتقط أبسط موجات الشعور المضطرب، وتلتقط
الجرس الخافت لحزن لا يعلن عن نفسه إلاّ للأذن التي تألف الهمس، إننا نسمع في
قصصها همس السواقي وليس هدير الشلالات، ومفارقاتها الدرامية تحدث الرعشة وليس
الارتعاش العنيف».
الموهبة الأدبية الحقيقية لديزي
الأمير قد برزت بشكل جلي في أجواء بيروت الثقافية حيث كان المناخ مساعدا على تفجر
موهبتها في نصوص قصصية.
وكانت باكورة إنتاجها "
البلد البعيد الذي تحب " مجموعة من النصوص القصصية كرست اسمها الأدبي في
المشهد الثقافي البيروتي وفرضت وجودها في أجواء تنافسية مهمة أيضا.فقد كانت بيروت
في تلك الفترة ضاجّة بالحياة والإبداع عامرة بأجمل الكتاب على غرار نزار قباني
وغسان كنفاني ومحمود درويش في فترة ما وغيرهم .
أخلصت ديزي الأمير للقصة
القصيرة التي وجدت فيها الفضاء الإبداعي، القادر على أن يمنحها الحميمية، والعمق
كي تعبّر عمّا تريد في هذا الجنس الأدبي العصيّ، المُمتع.
من أجمل ما قيل عن نصوص الكاتبة
الراحلة ديزي الأمير ما خطه الشاعر اللبناني سعيد عقل الذي قال :
« كلمات ديزي الأمير كصوت فيروز، شيء من الغيب يُحَب. ساحرة الهنيهات السعيدات،
وما همّ أنهن أحيانا مثقلات بالكآبة. من أين تجيء بهذا البث الناعم الفني في عصر
القصة المواء والقراء الذين يحبون الصدم والقضم؟».
وقد أوجزت ديزي الأمير التي
كانت الغربة قدرها وصف كتابتها بالقول :
« تميز قصصي عن سواها من الكتابات النسائية، بطريقتي التي لا تحوي غرابة
ولا تثير العجب. كل شيء في حياتي وكتابتي طبيعي، لم أكتب كي أجعل الرجال يغرمون
بي، وربما كنت محافظة بسبب تربيتي العراقية، لا أسير مع رجل وحدي إلا وأتلفت، أمر
مضحك أليس كذلك ؟ ».
أغلب إصداراتها وصلت الجزائر،
والعديد من كُتّاب، ومبدعي القصة في مرحلة الستينات، والسبعينات، وأوائل
الثمانينات اطلعوا على مجاميعها القصصية؛ مثل: 1- البلد البعيد الذي تحب 1964.2-
ثم تعود الموجة 1969.3- البيت العربي السعيد 1975 4 - في دوامة الحب والكراهية
1979 5 - وعود للبيع 1981.6- على لائحة الانتظار 1988 7- جراحة لتجميل الزمن 1996.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق