الأربعاء، 22 أبريل 2020

شعراء وأوبئة


شعراء وأوبئة
بشير خلف
      قبل تسعة قرون كتب الفقيه والأديب عمر المعرّي الكندي المعروف بابن الوردي قصيدته عن الطاعون التي اعتُبرت من قصائد رثاء النفس؛ إذ توفي بسبب الطاعون بعد يومين من كتابتها.

ابن الوردي
      ابن الوردي كان في حلب عندما وصل الطاعون عام 1349 م، إلى هناك، وظل يفتك بالمدينة لمدة 15 عاماً، مما أسفر عن موت حوالي ألف شخص كل يوم، ووصف حاله في أبيات كتبها قبل يومين من وفاته، قائلاً:
"ولستُ أخافُ طاعوناً كغيري
فما هوَ غيرُ إحدى الحسنيينِ
فإنْ متُّ استرحتُ من الأعادي
وإنْ عشتُ اشتفتْ أذني وعيني"

نازك الملائكة
       وصوّرت قصيدة "الكوليرا" للشاعرة العراقية نازك الملائكة (1923-2007) ظلال الموت، والحزن، وتستحضر نازك الملائكة في قصيدتها صوراً حية لعرباتٍ تحمل جثثاً، وللصمت الحزين الذي خيّم على الشوارع المصرية، واستخدمت عبارات عامية للمرض، فقالت:
في شخص الكوليرا القاسي
 ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر
ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيْر”

أبو الطيب المتنبّي
      اشتهرت قصيدة الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي عن الحُمّى "زائرة الليل" لمّا اشتدّت عليه في المساء، فوصف مقاومته للمرض، وسعيه لتحقيق آماله، ولم تخْلُ قصيدته من إشارة لكافور الإخشيدي حاكم مصر الذي تسبب في رحيله عنها. وشبه المتنبي الحمّى بالفتاة الخجولة التي يناجيها بشعره، قال:
"وزائِرَتي كأنَّ بِها حَياءً
فَليسَ تَزورُ إلاّ في الظَلامِ
بَذلتُ لها المَطارِفَ والحشايا
فعافَتها وباتَت في عِظامي
يَضيقُ الجلدُ عن نفسي
وعنها  فتُـوسِعُهُ بأنواعِ السقامِ"
      
        ونظّم السيوطي في رسالته أبياتًا مبينًا حيرة الملأ من هذا الوباء:
أظن الناسَ بالآثامِ باؤوا
فكان جزاؤهم هذا الوباءُ
أآجال الورا متقارباتٌ
بهذا الفصل أم فسد الهواءُ
أم الأفلاك أوجبتِ اتصالًا
به في الناس قد عاث الفناءُ
أم استعدادُ أمزجةٍ جفاها
جميلُ الطبع واختلف الغذاءُ»
      
         كما أورد أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني"، عن شاعر رثى موْت أبنائه في طاعون البصرة قائلًا:
وكنتُ أبا سِتةٍ كالبدورِ
قد فقأوا أعينَ الحاسدينا
فَمرُّوا على حادثات الزمانِ
كَمرِّ الدراهمِ بالناقدينا
وحَسبُكَ من حادثٍ بامرئٍ
يرى حاسديهِ لهُ راحمينا.

شبل بن معبد البجلي
      في كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي أبياتُ شبل بن معبد البجلي:
متى العهد بالأهلِ الذين تركتُهم
لهم في فؤادي بالعراقِ نصيبُ
فما تركَ الطاعونُ من ذي قرابة
إليه إذا حانَ الإيابُ نؤوبُ
فقد أصبحوا لا دارُهُم منك غربة
بعيدٌ، ولا هم في الحياةِ قريبُ.

     وقال المعري :
لا تُضجرنَّ مريضاً جئتَ عائدهُ 
إِن العيادةَ يومٌ إِثرَ يومينِ
بل سَلْهُ عن حاله وادعُ الإِلهَ له 
 واقعدْ بقدرِ فُواق بين حلبين
من زارَ غِبا أخا دامَتْ مودتُه 
 وكان ذاكَ صلاحا للخليلين

      وقال الشريف المرتضى :
وداوِ الداءَ قبلَ تقولُ فيه    
طَبيبُ الداءِ أعيا فاستطارا
فإِن الحربَ مَنْشَؤُها حَديثٌ    
وكان الشَرُّ مبدؤهُ ضمارا
وربَّ ضغائنٍ حقرتْ لقومٍ 
 رأينا من نتائجِها الكبارا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...