الـمُـبدعون توّاقون إلى غرائيبيتها الصحراء
كتب: بشير خلف
أولئك
الذين ولجوا الصحراء، أياً كانت دوافعهم، قد غادروها وهم مُثقــلون بوفرة من
الحكايات. غير أن الصحراء في الوقت نفسه مرتع فــــــــذٌّ للخيال، وفضاء لا
يُضاهى لمسارات من السرد لا تنتهي، وهي التي ألهمت شعراء، وروائيين، ومغامرين، ومستكشفين،
وجواسيس، ومغرمين بأحابيل الجغرافيا، وعتمات التاريخ، ومتصوفةً، ومهووسين بالتحرش
بحدود الموت، وغيرهم ليدخلوها، ويخرجوا منها وهم على غير ما كانوا عليه. كتب
لوكليزيو رواية "صحراء"، الفرنسي الحائز على جائزة نوبل سنة 1980م، ومثله
فعل، ولكن في مدار تجربة مختلفة، الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورنس، أو كما
يعرفه الكثير من الناس بلورنس العرب، وهو يكتب "أعمدة الحكمة السبعة"، وكذا
انطوان ده سانت ـ أكزوبري الذي بأسلوبه الأدبي البديع، وبروحه الفلسفية، صوِّر لنا
عظمة الطيران، وإثارته، وأخطاره، وعزلته في كتابه الجميل:" أرض البشر"، لمّا
قاد طائرات البريد الجوي عبر صحراء شمال أفريقيا.
روائيون رصدوا لحظات التحوّل
تـناول
روائيون عرب عديدون الصحراء حاضنة مكانية لها فرادتها، والتي تحدد تعرجات الأحداث
وتؤطرها، ذلك لأن للصحراء قوانينها، وسطوتها الثقيلة على إنسانها، وقدر هذا
الإنسان ومصيره. لكنَّ هؤلاء الروائيين رصدوا لحظات التحول في الصحراء، لحظات
الاختراق التاريخية مع دخول المستعمر، واكتشاف النفط، وبناء المدن، وانتشار وسائل
التقنية، ومؤسسات الإدارة الحديثة، أي في شبكة علاقاتها مع خارجها.. نذكر هنا، رواية
" فساد الأمكنة " لصبري موسى، وروايات "النهايات" و"
سباق المسافات الطويلة "، و" مدن الملح بأجزائها الخمسة " لعبد
الرحمن منيف.
أمّا ما
فعله إبراهيم الكوني فإنه رسم الصحراء في عزلتها الكونية وعذريتها، وتمنُّعها، حتى
بعد تصديها لغزو الأغراب " المجوس والفرنسيس"، وإصرارها على البقاء
مِهاداً للحكايات العجيبة والأساطير، وعالماً فسيحاً مُقْــفرًا للإنسان. وعندما
نتقصّى متْــن السرد، والصحراء حتى إلى وقت قريب سيقفز تأكيدًا أمامنا اسم الروائي
الليبي إبراهيم الكوني بكمّ رواياته، وبثيماتها المنفتحة على فضاءات متفرّدة
زماناً ومكاناً وأنماط علاقات، ورؤية ورؤيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق