الأحد، 6 يوليو 2014

الكتاب الذي غيّر حياة الكاتب

الكتاب الذي غيّر حياة الكاتب
بشير خلف
مشاركتي في الملف الثقافي الأسبوعي ( ديوان الحياة ) بصحيفة الحياة الذي يشرف عليه الكاتب، والروائي الإعلامي الخيّر شوار.. الملف صدر بتاريخ: الأربعاء 02 جويلية 2014
لا شك في أن قراءة الكتب تساهم في تكوين الشخصية الأدبية. غير أن الإنسان في مسيرته قد يصادف كتابا يغيّر مسار حياته وتبقى بعض تفاصيله حاضرة في ذاكرته مهما تقادم به الزمن.. والإنسان قد يقرأ في حكاياته المئات بل الآلاف من الكتب لكنه في لحظة صفاء قد لا يتذكر إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. فما هو الكتاب الذي قرأته وأثّر في حياتك بشكل جذري؟

الموضوع المشارك به:

كـُــتبٌ احتفت بها الذاكرة.. أرْستْ مسار حياتي المعرفي والإبداعي
بقلم: بشير خلف
عَــصِيٌّ على الــمرْء الذي تماهى مع الفعل الثقافي متلقّيًا، ثم مبدعًا ومنتجا معًا مدّة نصف قرْنٍ أن يحدّد بدقّة الكتب التي تغذّى منها معرفيا، وتأثّر بما حفُلت به، ذلكم أن الكتب كالفاكهة النضرة الجميلة اللّذيذة التي بقدْر ما تتنوّع حسْب المواسم، والفصول تتنوّع في نكهتها، ولونها، وطعْمها.. هذا التنوّع لا يني أن يترسّخ في الذاكرة، كما من خلاله يتغذّى البدن، وتصلب الصحة.. الكتب هي كذلك.
للكتب ِذكرياتها الجميلة مع كل قارئ، ولا تتوقف تلك الذكريات مع الكتاب نفسه، وانما تصل حدود الذكريات الى أبعــد من ذلك من حيث ارتباطها بالأحداث الزمنية.. بالأمور النفسية.. بالمشاعر.. بالمرحلة العمرية.. بالأوقات الثمينة التي أُمضيت مع الكِــتاب، ربّما مع مشاركين آخرين في القراءة .
إلاّ أنّ في كل الحالات هناك كتبٌ يكون لها وقْــــعٌ كبير على عقْل القارئ، وتترك بصماتها في الذهن، وقد تُحدث تغييرا في شخصيته...
ولعلني بحكْــم الظروف التاريخية التي ارتبطت بتــنشئــتي زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر، أنني لم أنْــتمٍ لأي مؤسسة تعليمية فرنسية، ولا لأي مؤسسة تعليمية عربية لانعدامها أصلاً؛ فــقـــد كـــان " الكُـــتّاب" المؤسسة الوحيدة التي احتضنتني، وارتويت من روضها الطاهر؛ فما أن انهيت سنة الإحدى عشر سنة من عمري حتى حفظت القرآن الكريم كاملا، وصلّيت به التراويح في ذلك العمر في شهر رمضان بالجامع الكبير أمام العشرات من المصلين.. الكتاب الأول الذي أثّر فيّ، وترك بصماته في عقلي، ووجداني إلى اليوم هذا الكتاب السماوي الربّاني، والذي منه رضعت اللغة العربية نقية، واكتشفت أسلوبها العذب، ولا أحسب أني أفضّل كتابًا آخر بشريا عنه.
وما أن انتسبت إلى سلك التربية والتعليم في منتصف الستينيات حتى بدأت علاقتي بالكتاب قوية، ولا أزال أذكر أن الكثير من العناوين التي اطلعت عليها وقرأتها بمتعة، وأنا الجوعان للقراءة وتحصيل المعرفة، من هذه الكتب: عيون البصائر الشيخ البشير الإبراهيمي، مقدمة ابن خلدون، حديث الأربعاء بأجزائه الثلاث لطه حسين، كتب المنفلوطي، كل ما كتبه جبران خليل جبران، البؤساء لفكتور هيجو، روايات ألبرتو مورافيا، مسرحيات شكسبير، روايات نجيب محفوظ، قصص يوسف السباعي... لتتوالى القراءات فيما بعد للأدب الجزائري القديم، والمعاصر، وللفكر الجزائري المعاصر: مالك بن نبي، عبد الله شريط، سعد الله، أبو العيد دودو...
ومن الكُتّاب الذين أثّروا فيّ كثيرا خلال بداياتي الكاتب المهجري جبران خليل جبران ؛ إذْ ذات يوم في نهاية الستينات وجدت لدى صديق لي عزيز، وهو فنّان تشكيلي، وخطّاطٌّ يعشق الأدب والجمال حينها، بعض كتب للكاتب جبران منها: كتاب النبي، الأرواح المتمردة ،الأجنحة المتكسرة، دمعة وابتسامة.. كان هذا الصديق متأثرا بجبران الكاتب الرومانسي، الرسام الفيلسوف، الشاعر الألمعي، ارتأى الصديق أيّامها أن نقرأ بتمعُّنٍ كتابات هذا الفيلسوف، وليكن الكتاب الأول ( العواصف)، والذي تضمّن واحدا وثلاثين نصًّا.. أتساءل وقد مرّ على هذه القراءات ما ينيف على الخمس وأربعين سنة لِــمَ اخترنا هذا الكتاب قبل غيره من كتب جبران، وقرأنا نصوصه بمتعة، وحميمية، ومن خلالها أحببنا جبران، وعشقنا كل نصوصه الإبداعية شعرًا ونثرًا ؟ ألأنّ هذه النصوص تتحدث عن ظُــلم الإنسان لأخيه الإنسان، ونحن كجزائريين تجرّعنا الظلم مدى قرون، ولا زالت نفوسنا حينذاك تئنّ من ظلم الاستعمار؟ أم لجمالية الأسلوب الجبراني، أم لصرخة هذا الكاتب الطلائعي في وجه الطغّاة لفكّ القيود عن إخوانهم من البشرية، والكلّ بنو آدم ؟
ففي نصّ العبودية يستصرخ جبران الضمائر الميتة في العالم العربي ، ومنذ 1914،أي قبل قرّن تحديدا، كي تنفض عن نفسها ذلّ العبودية التي أثقلت البشرية بكلكلها منذ آلاف السنين، وجعلت أيامهم معتمّة بالذل والهوان، ولياليهم مغمورة بالدماء والدموع، ويا ليته علم حينذاك أنّ الهوان والذلّ، والدماء والدموع ستستمر في هذه البقعة من المعمورة، وأن مواكب الأمم الأخرى إلى الصروح سيتضاعف سيرها، ومواكبنا تتصارع، وتتنافس على الفُتات:
« أيها الناس عبيد الحياة، وهي العبودية التي تجعل أيامهم مكتنفة بالذل، والهوان، ولياليهم مغمورة بالدماء والدموع...»
ومن نصّ " يا بني أمي" :
« ماذا تريدون مني يا بني أمي ؟
أتريدون أن أبني لكم من المواعيد الفارغة قصورا مزخرفة بالكلام، وهياكل مسقوفة بالأحلام؟ أم تريدون أن أهدّم ما بناه الكاذبون والجبناء، وأنقض ما رفعه المراؤون والخبثاء ؟ »
كتاب: دمعة وابتسامة: كتبه جبران بالعربية، وفيه مجموعة قصائده النثرية، وهي تعبر عمّا في فكْــر جبران، ونفسه من خلجات وتأملات في الحياة، طافحة بالإيمان والحب والأمل.
يدور الكتاب حول موضوعات أربعة: المجتمع، والطبيعة، الحب، الوجود، يبين فيه جبران فساد المجتمع، وما فيه من ظلم واستغلال وطمع وفقر، ويرى أن الطبيعة تمثل الخير والطهر والكمال.

هي طائفة من الكتب التي طالعتها ،فأكبرتها وأعجبت بها أيما إعجاب وتركت في النفس آثاراً، ولا أزال أنهل ممّا يجود به الفكر البشري محليّا وعربيا، وإنسانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...