الجمعة، 17 أكتوبر 2014

بشير خلف عطاء فكري متواصل

                 فضيلة معيرش ..... بشير خلف عطاء فكري متواصل
يومية الوطن الجزائري:12/10/2014
بقلم: فضيلة معيرش
       شغفه بالأدب ضارب في القدم .. أحلامه سامقة .. نضاله متواصـل ..إصراره على خلق التميز فتح في وجهه عوالم التفرد ؛ فهو عصامي التكوين ، لم ينتسب إلى أي معهد...
إرادته وطموحه جعلا منه تلميذا في بداية مشواره يتفوق على أقرانه .. انتمى إلى سلك التربية والتعليم كمعلم سنة 1964 م ثم مكونٍ بعدها ... كاتب شقّ مجاري الدمع العصيّ بثقة ومثابرة . نبعه الإبداعي يخرج من بين صخور عمره المثخن بالمرارة، والقسوة وخاصة أثناء مشاركته في الثورة التحريرية وسنه لم يتجاوز التاسعة عشر.. الثورة التي سجن لأجلها .
      كان متقدا ومحبا للعلم والتحصيل ، تلقّى القسط الوافر منه على يدي علماء أجلاء في سجن " لامبيس " بباتنة كسجين سياسي...قبض على المعاني وقد خبر مضامينها ودلالتها وسبر الناس والأماكن والأزمنة ، وإنْ كان الأدب الموجه للعقل يحمل رسالة ويحقق كذلك التوازن بين الفرد والبيئة
        الكاتب بشير خلف نشأ ببيئة صحراوية بولاية الوادي وبالتحديد بقمار ، ويظل مفتخرا بالصحراء وهو القائل فيها : « الصحراء ذلك السحر الأسطوري الكامن في المخيال الجمعي للإنسانية عامة ، وفي الذاكرة العربية بشكل خاص ، حيث تبرز الصحراء في الوعي ، والمُخيّلة مَـجْمَعًا للنقائض، منسجمة مع طبيعتها المتقلِّبة ، فهي لا تسكن حينًا حتَّى تثور، ولا ترضى لحظة حتَّى تغضب، تفرح فيتحوَّل الكون إلى مسرح شعريّ رائع، وتغضب ، فيكون في غضبها الهلاك والشقاء. » .
       ...وإنْ كان بدأ في ملازمــــــة الإبداع السردي منذ سنة 1972 م . يقول عن السرد وارتباطه بالصحراء : « إن للصحراء سردَها، وسرد العرب في جذوره سردٌ صحراوي إجمالا، إذا كان يخيّـل إلينا أن الشعر هو فـــنّ الصحـــــراء الأثير، أو الوحيد فإن ذلك الوهم سببه ثبات الشعــــــر أكثر من النثر ، والمرويات السردية؛ أن الشفاهية هي مفتاح الصحراء وعنوانها، وهي مفتاح السرد الصحراوي حتى بصيغة المعاصرة المتأثرة بالكتابة والكتابية.. إنها الكتابة بلغة الرمل.. " .
       بشير خلف كاتب غزير في كمه وعطائه ...تغريك غزارته تجوب مدنه الإبداعية دون أن تستطيع الإلمام بها. تعنيك قوة حجته ، تماهيه المتقن في التنقل السليم بين الماضي ، ومجاراته للحاضر ، وتأمله في المستقبل .. حتى عتباته - عناوين مقالاته تبدو غاية في الانتقاء، وهو القائل :
« عتبة النص العنوان إنها أولى العتبات، أو العلامات التي يتلقاها القارئ لفك مفاتيح النص ومعرفة فحواه وهو المفتاح التقني ، والعتبة الأولى للنص بما يؤديه من وظائف انتباهية و إغوائية وتسويقية وجمالية، ومن هنا تأتي أهميته في شدّ الانتباه ، وتوجيه مسار القراءة بما يحقق غايته ومرماه. »
ويقول أيضا الدكتور الطيب بودربالة في العنوان باعتباره عند السميائيين:
« العلامة الدالة والشيفرة المتوجة للعمل الإبداعي ، ويعتبر العنوان أيضا عندهم التاج وقمة النتاج الإبداعي والكاتب المقتدر هو الـــذي يستطيع المواءمة الواقعية بين العنوان وعمله الإبداعي »
      ويقول أيضا: « العنوان نصٌّ مختزل ومكثف ومختصر ، إنه نظام دلالي رامز له بنيته الدلالية السطحية، وبنيته الدلالية العميقـــــــــة مثل النص . ولا يخفى على أحدٍ وجود شبه كبير بين العنوان وتسمية المولود الجديد ، فالتسمية تؤسس لنسب الطفل واندماجه في الجماعة ، وكذلك الحال بالنسبة للعنوان الذي يؤسس لانتماء النص الأدبي والثقافي والإيديولوجي والحضاري » .
        ونستشفّ ذلك من خلال ارتباط عناوينه بالنصـــــوص باعتبار العنوان أيضا مرتبط بعدة وظائف احتوائية وتناصية والمرجعية والتأثيرية والجمالية وغيرها ... في مجموعته القصصية الخامسة " ظلال بلا أجساد " وقد تضمنت 12 قصة عكس من خلالها الظروف الصعبة أثناء العشرية الحمراء التي رسخت في ذاكرته؛ لذا نجد قصصه تستشف مضامينها من الواقع نظرا لاختياره العميق الضارب في الدقة فهو يتمتع بالسلاسة والأسلوب الشيق والجذاب يقول في مقطع من قصة " الرحيل" :
ــ يا إلهي.. شابٌّ مثلك في ريعان الشباب متحصّلٌ على إجازات جامعية عالية.. دبلوم الدراسات العليا في الفيزياء يتسوّل منصب عملٍ، كمدرّس في التعليم، وفي أيّ مستوى…؟!
        فيردّ عليه الشابّ بنوعٍ من التحدّي:
ــ التسوّل قد يكون مقبولا في وقت ما، وفي ظروف ما يا سيّد.
وبينما هو يتحاور مع الشاب رنّ الهاتف فينشغل رئيس المصلحة بالردّ على المكالمة، وأثناءها راح الشاب يسترجع ذكرياته.. فيتذكّر أيام الدراسة بالخارج، وتعرُّفه على زميلة له في الجامعة، فتنشأ علاقةُ حبٍّ وطيدة بينهما، فهي من أسرة ثريّة، لكنها أحبّت فيه نزعته الإنسانية، وقلبه الكبير.. كما وجدت فيه الهمّة العالية، والإرادة القوية ؛ وأحبّها هو لتواضعها، وصدقها، وتحلّيها بالقيم الأخلاقية النبيلة ؛ ولكن حبّه لوطنه، وشوقه لأمه المريضة أجبره على ترْك هذه البلدة الأجنبية، والعودة إلى الوطن، وكانت المفاجأة أن الوطن الذي أحبّه.. سوقُ العمل فيه أغلقت أبوابها في وجهه.
      يقول له الموظف :
ــ لو كنتُ في سنّكَ لساعدني دبلومٌ كهذا على عبور الحدود، واجتياز الموانع بطاقة الفتوّة، ولزرعتُ جسدي في كلّ مُــدُن العالم.» ص 28
يردّ الشابّ على الموظف قائلا:
ــ هذا نكرانٌ للأوطان، ولا يغفره التاريخ، ولا الأجيال الآتية.»ص29
      يبرز الكاتب الظروف النفسية، والاجتماعية للبطل، والبحث عن وظيفة .
يكشف الكاتب من خلال هذه القصة عن دوافع الشاب الذاتية، والاجتماعية والمهنية تارة بالإشارات وتارة بالتلميحات ، وحبه البارز للوطن والانتماء رغم المغريات والمتاحات عكس الموظف الذي ينعدم لديه الوفاء، وحب الانتماء ويغلب عليه الطمع ...هذه الآليات السردية التي تطبع رؤى وأساليب بشير خلف تجعله يخرج من نمطية التكرار ...وينحو منحى الاستقلالية والتفرد .
         فقصصه صادقة مرتبطة بالواقع، ومنخرطة فيه لذلك تبقي محافظة على خصوصيتها مهتمة بالوضع والوعي الاجتماعي ...والواقعية مرتكزة على جماليات الإبداع .
       بشير خلف وضع نفسه في مكان يقدم فيه لغيره العطاء الوافر.. حبه لغيره جعله يشكل توليفة موسومة بالعطاء . ينتج حبكاته ببراعة العارف المتمرس ...فالحياة كما يقال قصص أجملها ما يُــكتب بالدماء .
بتواضعه وتمكنه ولج مجالات إبداعية تؤسس لمملكته الخاصة؛ لأن الإبداع المتميز اختصاصه ... أفكاره تستلهم من واقعـــــــــــــه .
     الرجل مع كل نص جديد يزداد ثبوتا وبروزا ..ويبرز هذا في الدراسات، والمقالات العديدة في مختلف المجالات.
        يقول في انتقائه لمواضيعه : « سعيت من خلال كتاباتي في الجمال والفنون إلى التذكير بهذه المبادئ السماوية ، كما أني ذكرت أن الشعور بالجمال هو شعور فطري لدى الإنسان و القبح مكتسب ....»
      نصوصه لها علاقة وطيدة بالبعد الإيحائي ، نصوص تمنح له حق الإقامة الدائمة في مملكة الإبداع .
يقول في هذا الفيلسوف الفرنسي فولتير : « كلمة واحدة رقيقة أسمعها وأنا حي، خير عندي من صفحة كاملة في جريدة كبرى ، حينما أكون قد مت ودفنت » .
       بشير خلف حمل للكلمة معنى ، عزف على أوتار التغيير والفكر ، بحث عن عالم جديد للحياة ، لامس بريشته المحبة ونحت ملامح للتأمل ...هدفه منح القارئ عالما مختلفا .. رؤية جمالية ، لجأ فيها إلى الوضوح مع صبغة من الألوان ..فهو لم ينظر للحياة من جانب الضعف والخنوع .. بل استطاع مصاحبة الأخر ، وترجم أفكار تأمله ، وفك رمـــــــوز صعوبات واقعه .فاستطاع نشر بعد إنساني من خلال نصوصه التي لم تشابه غيرها.. هي نصوص متجددة وجديدة .
        تلك الكتابات التي كتبها في فترة السبعينات من القرن الماضي ما تزال تسطع من بين جنبات رؤاها ، ما تزال تنثر عبير التوجيه والتقويم بحقول البيان والواقع. يقول في دراسة بعنوان " ......" : "
تلك الكتابات التي أزاحت الأوجاع ...انبجست فاستحقت شرف الاستمرار – لفتت النظر إليها بقوة – استطاع من خلالها الوصول للهدف الذي كانت تصبو إليه .
       إن كان الجرح النازف لا يستطيع تضميده إلا أمهر الأطباء ...كــــذلك الواقع المزري لا يستطيع تحريره وتضميده بعد نفض غبار الاستعمار: أولا إلا الحرف النازف بقوة لتضمده الكتابة الهادفة ....ففي الجرح تتسع الكتابة ...
         بشير خلف دلّــل كتاباته من خلال خمس مجموعات قصصية، ومازال وفيا لهذا الفن المدلل ...منها
" أخاديد على شريط الزمن " صدرت سنة 1977 م
" القرص الأحمر " صدرت سنة 1986 م
" الشموخ " صدرت سنة 1999 م
" الدفء المفقود " صدرت سنة 1999 م
" ظلال بلا أجساد " صدرت سنة 2007 م
        يقول الكاتب والناقد الجزائري جيلاني شرادة في تلك المجموعات القصصية : « بشير خلف الذي عهدناه أديبا وقاصا مبدعا؛ بل وممن تطوَّر على أيديهم الفن القصصي الجزائري في مراحله الأولى، فهو من الجيل المثابر لفترة السبعينات من القرن الماضي .
قدم بشير خلف للمكتبة السردية في الجزائر خمس مجموعات قصصية كان لها تأثيرها على الساحة الإبداعية وبها عُـــرف كاتبنا »
       وقد طرق أيضا باب الكتابة للطفل التي تعـــد من أصعب الكتابات وهو القائل : « الكتابة لا تُمنح مثل الحرية هي موهبة.. ممارسة ، وشعور بالمسؤولية ...هي سعي مستمر للإمساك بزمامها ، ليس لها وصفة ،
كما ليس لها دواء ،القدرة على الكتابة للطفل تنبع من الذات أولا ، ثم من العيش بين الأطفال والتعرف عليهم     ومعرفة مراحل نموهم وخصائص كل مرحلة ...القراءة الكثيرة لعالم الطفل..» .
        أدرك بشير خلف أن الأدب الموجه للطفل يلبي شغفه ويكمل إعداده إعدادا صحيحا للحياة العملية من خلال المعارف المقدمة له في كثير من المجالات ...التاريخ الجغرافيا الدين والحقائق العلمية .»
ويقـــرّ مرة أخرى بصعوبة الكتابة للطفل ليقول :
« الكتابة للطفل عصية.. أغلب الكتاب الكبار في العالم أقروا بصعوبتها ، وعجزهم عن ممارستها ، وهذا ما وقع للكاتب - أوران هاريس – الذي كلما أراد أن يكتب للأطفال كان لابد أن يعيش معهم ...الأمر الذي اضطره بداية إلى العمل في مدرسة أطفال حيث عاش معهم بدرجة من الصدق يلعب معهم ، ويضحك معهم ..... وأيضا متابعة نشاطاتهم والانتباه والإصغاء لما يتعلق بهم .»
       وهو القائل : « الكتابة في حقيقتها فعْــــل ثوري ، وهي إنْ لم تكن كذلك ...يجب أن تكون » .
متواضع حدّ التأثير في الآخر لأنه يكتب بروحه وليس بقلمه ، يكتب بوجدانه وليس بنبضه .يكتب أيضا بإحساسه وليس بفكره يكتب لعشقه للحرف والصدق ...رجل لم تغلبه الظروف ، إمكانياته الفكرية عظيمة، يتمتع بقدْر كاف من التأثير ، قصة حبه لوطنه الجزائر وطن تفاني في حبه رعاه في قلبه .وصانه بعمق نضاله .
        فإن كانت الكتابة كما أشيع عنها مهنة الفقراء ، عند بشير خلف مهنة موسومة بالأوجاع ، لم يعبث بأوجاع غيره ...قد اقتحم مناحي الفكر الإنساني ، وأعترف له بالفضل بالعطاء ، ووضع لبنات في صـــــــرح الأدب من خلال التكريمات التي نالها وهو القائل : « إن الكتابة عند أي كاتب هي نوع من إثبات الذات وصورة لكينونته كمفكر ، وفضاء للترويج ...هي كلها ترسخ لفعل جميل يولد نوعا من الإدمان ...فالكاتب الموهوب والمتسائل لا تنطفئ لديه جذوة التساؤل » .
       هو كذلك يؤمن بأن الكتابة نوعٌ من التمرد الإيجابي الهادف للبناء، وليس الهدم وهذا ما نستشفه من خلال قوله : « خليق بالكاتب أي كانت نحلته ومذهبه أن يحمل في أحشائه بذور التمرد الإيجابي الذي يسعى باستمرار إلى أن يكون تمرده بنائيا وليس تهديميا ، بل وضع لبنات جديدة من أجل التنوير والتجديد وإبعاد كاد يعيق الإنسان في سيرته » .
        فالكاتب في نظر بشير خلف هو رسول المحبة والداعي المخول بنشر الخير والجمال ، والمخول أيضا بالدفاع عن الإنسان المقهور ، والوقوف بجانب القضايا العادلة التي يريدها أن تسود ، ويرى أيضا أقصد - الكاتب - بمثابة الموسيقار الذي يملأ الآفاق بأنغامه الإبداعيــــة الساحرة؛ لأنه سيتخذ من نغمه المناسب حلة مناسبة ليلبسها الحرف المناسب .. بلمسة جمالية مناسبة ، صادرة كسنفونية تعزفها الحروف والكلمات الهادفة فينتشي بها قلب المتلقي وتجد لأذنه القبول الكافي ...
       الكتابة عند بشير خلف هي رسالة مستمرة، ولا تتوقف عند مرحلــــة عمرية ، فهي تضمن التواصل مع الغير وكذا التعايش مـــــع الإنسان؛ لهذا نجده عضوا نشيطا وفاعلا في اتحاد الكتاب الجزائرييـــــن منـــذ
سنة 1973 م وعضو مؤسس مع طاهر وطار للجمعيـــــــــة الثقافيــة الجاحظية. يرأس حاليا الجمعية الثقافية الولائية بالوادي " رابطة الفكر والإبداع " .
       لغته بسيطة معبرة عن غايته الأدبية.. بعيدا عن لغة التداخل والغموض والإيغال في المتاهات .
ففي قصصه نجد الرسم الواضح للهدف والمطاردة الجادة للفكـــــرة والمعنى ومضامين تلك القصص فإنها تتوزع بين الذات والموضوع؛ حيث يعالج من خلال مخزونه الروحي الفكري والخيالي ...وغالبا ما يعني بقضايا المجتمع والناس التي كرس لها وقتـــه وجهده . وطارد فيها آليات أبعاد الحكمة والقيم ، وعكس مظاهر الحياة وسلوك الناس، وهذا على وجه العموم يبدو أنه يميز بالعموم الكتابات الصحراوية ...التي ترتبط أكثر بالبيئة وجانبها الجمالي والخيالي والعقلي والروحي، وعلاقة الأفراد المتماسكة والحميمية المتوارثة، والضاربة في العقل الصحراوي بقوة يقول في قصة ( التشظّي)، حيث نلمس فلسفة الكاتب واهتماماته بما يدور من حوله ، وطبائع الناس المختلفة، والتناقضات والتحديات وتمسك الكاتب بالفكرة المطروحة في كل عمل قصصي سردي باعتماده التكثيف الذي يطالعنا في العديد من الجمل والمونولوج الداخلي، والحالات النفسية ومهارته وشفافـــيته ليتمكن من النسج المكتمل للقصة كـــــــما يصوّر في هذا المقطع :
« تداخلت أصوات المعقّبين، أجمعت على تهدئة المتكلّم، وطمْأنته، وتثمين دوره منذ أن حلّ بالمنطقة. ابتسم بدوره، وبدا عليه الارتياح. مباشرة أخذ بضمّ الأوراق، وكأنه يُوحي إلى الحاضرين أن الجلسة انتهت .... . ويتدخّل أحدُ الحاضرين طالبا وجوب تكوين لجنة تحصر القضايا الهامّة للمدينة ؛ بينما كان هذا يطرح وجهة نظره همس أحدهم: « لقد أضعْنا وقتنا الثمين هذا الصباح.. إذا أردتَ قتْلَ مشروعٍ كــوّنْ له لجنة....»
فمضمون هذه القصة تمثل الوضعية الصعبة للمواطن وعدم وجود الكثير من الضروريات كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب و السكن .
        الكاتب بشير خلف مازال ينثر فيض الود في نصوصه ممزوجة بشيمه النبيلة ، وغزارة معرفته ...وكم استطار فكري فرحا وأنا أتنقل بين نصوصه " في مجلة الحوار المتمدن " وهي تستقبلني بحفاوة ، وتحاورني لوقت متأخر من الليل ، وتكللني بمشاعر إنسانية فياضة.. تلك الرحلة مع منتجه تجعل القارئ يقر بروعته ، فيلامس أرضه الأدبية العامرة ويصاحب أفكاره المطروحة بموضوعية .
      هويته الفكرية أكدها من خلال نصوصه ، وتصالحه مع فكره ودفاعه عن رأيه ، ويحاور نصوصه ليخرج منها مواقف مؤيدة ورافضة تارة أخرى ...كل هذا وذاك عكس فلسفته ورؤاه الذاتية المغتربة داخل وخارج وطنه.. يقول في إحدى مقالاته بعنوان " الكتابة النسوية في الجزائر.. تحدٍّ لقيود، وتطلّع إلى إثبات الذات...
« شخصيا ومن خلال تجربتي الإبداعية، وخبرتي ..وقراءاتي الكثيرة للنصوص الذكورية والأنثوية أرى أن الملامح الأنثوية المنتِجة للنص الأدبي لا تنتقص من قيمته الفنية البتّة، ويجب في رأيي ألاّ تكون مقياسًا يُصنّف الأدب بسببه إلى أدب نسوي، وأدب ذكوري لأن ذلك عمليا لا يخدم القيمة الفنية للنص الأدبي المنتج، بل هو تصنيف نظري أكثر»
        لذلك نجد مقالاته تارة ناقمـــــة، وتارة مقوِّمة لاعوجاج ما ، كيف لا وهو الذي خبر ظلمات السجون في الفترة الاستعمارية ...؟
        حمل فكره وجابه به الكل فانتصر ، هو كاتب أراد أن يقول ما يشاء وقت ما يشاء وبالطريقة الراقية المثلى التي يشاء ...أثبت خصوصيته الفكرية ، خلق مواقف مؤثرة ، سلك دروب هموم بلده لينعش الأرواح العطشى لمنبع الكلمة العذبة .يأخذك في رحلته الكتابية لتكون شغوفا بها ، مبعثرا بين خلجات تعابيره.. مترنّما بأسلوبه المتماهي الأخاذ .. متناغما مع لغته الراقية..من أول سطر إلى آخره
إنْ كانت الثورة التحريرية ساهمت في شدّ عوده في مجال النضال، وفي مجال الحرف فأضحى فارسا من فرسان الحرف.
        يقول الكاتب والناقد الجزائري جيلاني شرادة : « ومنذ مطلع القرن الحالي قد توجه نحو الدراسات الفكرية، والبحوث الثقافية ذات الطابع العلمي التأملي والثقافي؛ منها خمس دراسات تتمحور حول العلم والأدب والفنون والجمال، وثلاث وقفات تأملية حاور فيها الكاتب الفكر والثقافة، وهي الكتب الأخيرة التي تحمل العناوين التالية : "وقفات فكرية" ، "مرايا" ،" مؤانسات ثقافية ».
      ويقول نفس الكاتب أيضا عن كتابه الأخير: " كتاب "مؤانسات ثقافية" للمبدع والمفكر بشير خلف هو أكثر من مؤانسات ، فحتى وإن عكست التسمية الحسّ الأدبي للكاتب، فهي في حقيقتها نقرات فكرية، وثقافية مُوقظة لمخيال المثقف، فارزة لتشابك خيوط الفكر المحلي والعربي، ومصححة لمواقف فكرية وقضايا ثقافية مختلفة .... .

      هي إذن أفكار ومفاهيم خاض فيها الكاتب بكل جرأة وجدية ، نافضا الغبار على العديد من التصورات والرؤى في الغرب الأوربي أو في الشرق العربي ، ليحط الرحال دائما عند الفرد والمجتمع الجزائري ، محللا لثقافته، وهويته ببعديهما العربي المتوسطي والإفريقي. مركزا على السلوك التربوي، والشعور الإنساني الراقي في تجلياته الحضارية أملا وطموحا لمعانقة كل ما هو سامٍٍ بنّاء، وراقٍ تنموي، يأخذ بنا نحو الأفضل من حلم الأجيال نحو التسلق السليم لسلم الحضارة .»
http://www.elwatandz.com/r_ation/etude/14969.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...