ثقافة المواطنة والتحديات
المعاصرة
بشير خلف
بمناسبة الذكرى الستين للثورة الجزائرية المباركة انتظم المنتدى الثقافي
الشهري للرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي بدار الثقافة الجديدة مساء
الأمس الثلاثاء 27 أكتوبر 2014، وبالتنسيق مع مديرية الثقافة ودار الثقافة محمد
الأمين العمودي .. حضر المنتدى جمْعٌ مميّز من المثقفين، والمبدعين، والمهتمّين
بالمشهد الثقافي، ومن هؤلاء مسؤولو قطاع الثقافة بالولاية: الدكتور حسن مرموري
مدير القطاع، الأستاذ محمد حامدي مدير دار الثقافة، الأستاذ تامة التجاني مدير
المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، إضافةً إلى أساتذة جامعيين.
أدار الجلسة الفكرية بشير خلف رئيس الرابطة والتي كان موضوعها:( ثقافة
المواطنة والتحديات المعاصرة) من تقديم الدكتور أبو بكر منصور أستاذ علم النفس
بجامعة الوادي.. الأستاذ الحركي المعروف بتآليفه وكتاباته العديدة، ومشاركته
الدائمة في الحراك الثقافي.
الموضوع المطروح جاء في وقته، وتزامن مع تراجع حبّ الوطن، والغيرة عليه،
وجهْل العامّة بثقافة المواطنة، والتي نتيجة هذا الغياب سيطرة ثقافة المطالبة
بالحقوق دون القيام بالواجبات حتى وإنْ كانت الإمكانات غير متوفّرة ممّا دفع
بالعديد من المواطنين في السنوات الأخيرة لمّا لا يُستجاب إلى مطالبهم يلجؤون إلى
العنف كقطْع الطرقات، وتهديم المرافق العامة، وحرْق المؤسسات، ونهْبها.
تطرّق الأستاذ المحاضر في البداية إلى مفهوم المواطنة كمفهوم غربي حديث
ارتبط بالدولة الحديثة بداية من منتصف القرن الثامن عشر ليتبلور أكثر في القرن
التاسع عشر لمّا برز المجتمع المدني كقوّة موازية للسلطة يطالب بالحقوق المدنية
للفرد والجماعة، مذكّرا بأن المواطنة كان الإسلام سبّاقًا لها حيث أوّل من أسّسها
عمليا الرسول الكريم في المدينة المنوّرة، أوّل من أنشأ المجتمع المدني هناك الذي
من أركانه المواطنة.
المواطنة وفق المحاضر هي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض واستقراره الدائم بها
مع متساكنين آخرين، أي مواطنين مثله يشكلون معًا أمّة.. يخضعون معا للقوانين
والنظم المسيِّرة لهذا المجتمع، حيث يستفيدون من نفس الحقوق، كما يؤدون نفس
الواجبات.
إن العنصر الأساسي في المواطنة هو " الانتماء " الذي من خلاله
يشعر المواطن أنه منتمٍ إلى هذا الوطن، وهو جزء من هذه الأمة طالما أنه يعيش بين
ظهرانيْها وعلى أرضها حتى وإنْ كان مولودا في دولة أخرى ويحمل جنسيتها، فالمواطنة
روحها الانتماء بغضّ النظر عن العقيدة الدينية، أوالاختلاف الإيديولوجي.
ولمّا نتكلّم عن الانتماء واستفادة كل المتساكنين في الوطن الواحد تبرز
أمامنا فكرة الديمقراطية التي تُسوّي بين الجميع، وترتبط بها الحقوق المدنية كالحق
في الحياة ،الحق في الحرية ،المساواة، الحق في العمل ، الحق في التعليم، الحق في
الحماية الصحية، الحق في السكن، الحق في التنقل،...الحقوق السياسية كالحق في
التعبير، الحق في تولّي المناصب السياسية والإدارية، الحق في التوظيف في كل
القطاعات، الحق في الانتخاب والترشّح. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحقّ في المساواة
وعدم التمييز وتكافؤ الفرص،التوزيع العادل للموارد والأعباء، الضمان الاجتماعي، توفير
السلع العامة، العدالة بين الأجيال، الغذاء الصحي الكافي، توفير المياه، الرعاية
الصحية.
في بلادنا تعني المواطنة عند أغلب المواطنين حقوق دون واجبات، ومن هنا نشأ عندنا
مفهوم المجتمع المُعال الاتّكالي؛ فالدولة في هذا المنظور عليها واجبات إعالة الجميع:
(توفير لقمة العيش والوظائف والسكن والمقعد الدراسي والعلاج المجاني بالإضافة إلى سلسلة
الخدمات الأخرى، فضلا عن تأمين سبل الحرية والأمن والاستقرار). وينتهي الحديث عند هذه
الحدود، دون الإشارة إلى واجبات المواطنة في مختلف المجالات، التي تجعل المسؤوليات
شراكة بين الدولة والمجتمع، وعلى رأس الواجبات أداء الضرائب، احترام القوانين
والعمل بها، الخضوع لسلطة الدولة، الدفاع عن الوطن، وفي صدارته أداء الخدمة
الوطنية، أداء الواجب في الوظائف، والأعمال.
في الشقّ الأخير من المداخلة تطرّق المحاضر إلى التحديات المعاصرة التي
تحول دون بلورة ثقافة المواطنة لدى المواطن العربي بما في ذلك الجزائري كالجهل
بهذا المفهوم، تمركز الفرد حول الحقوق دون الاستعداد لأداء الواجبات، ضغْط المحيط
الخارجي، والنزاعات الدولية وخاصة العربية التي لا يستطيع المواطن الفكاك من
تأثيرها، الخوف الدائم من هذه الأحداث، الضغط المعيشي اليومي.. إن ثقافة المواطنة
تبدأ من المدرسة وفي السنوات الأولى من التعليم، تقوم بها كل مؤسسات التنشئة
الاجتماعية؛ كما أن ثقافة المواطنة تتكوّن بمرور السنوات عندما يسود الأمن
والاستقرار داخل البلد، وتعمّ الطمأنينة، ويسود التسامح والعيش المشترك .
كانت مداخلة قيِّمة؛ بل هي مجموعة من الاستفزازات، والتساؤلات استهدفت طرْح الموضوع وإثارة النقاش لإثراء الموضوع
من طرف الحضور، فكانت التساؤلات كثيرة والنقاش ساخنا، والمداخلات جوهرية و مفيدة، والإجابات
مقنعة و ثرية ؛ ممّا أطال من زمن الندوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق