التنمية الثقافية.. البعـد الباهت
في حياتنا !!
بقلم : بشير خلف
يَعـــتبِرُ العديد من المفكرين،
والمختصين بالشأن الثقافي أن تغيير البُنية الثقافية للمجتمعات هو المدخل الصحيح
إلى التنمية؛ كما أن مفهوم التنمية ليس مرتبطا بالعوامل السياسية، والاقتصادية،
والاجتماعية وحدها، بل بثقافة المجتمع كله. ذلك أن كل الدول في العالم المتقدم،
والبعض ممّا يُسمّى بدول العالم الثالث أدركت أن الثقافة، هي المفتاح السحري،
والدواء الناجع والحل الأمثل لكل أمراض التخلف،
وعوائق التنمية؛ حيث أن هناك
ثقافتين تؤثران في التنمية: الأولى ثقافة التقدم التي تدفع بعجلة التنمية، والأخرى
ثقافة التخلف التي تُــحيل أحلام التنمية إلى كوابيس.
إن الثقافة الأولى ـ ثقافة التقدم ـ هي
ثقافة الاستنارة التي تُعطي الأولية للعقل وتنحاز إلى الابتداع على حساب التقليد،
وتُــشيع مفهوما مُوجبا عن الإنسان القادر على صُنع العالم الذي يحلم به بإرادته
الخلاقة مختارا، فاعلا، مُــريدا دون قيد مفروض عليه. إن ثقافة التقدم في نظر جابر
عصفور المفكر المصري، إنْ كانت ثقافةً للتنوع الخلاق من منظور إنساني واسع، فهي
ثقافة الحرية، والعدل، وحق الاختيار، والاختلاف،
وحرية التعبير، والتفكير.
إن دور الثــقافة في التنمية يجب ألا يُــفهم
على أنه يؤلف جزءا من التنمية وأهدافها الرئيسة ، أو أنه دور ثانوي، أو مساعد على
انجاز التنمية بنجاح فحسب ؛ وإنما يجب أن ينظر إليه على انه جوهر العملية التنموية
التي هي عملية إنسانية تتعلق بكيان، ووجود، وكرامة الكائن البشري الذي هو مصدر
التنمية وغايته. إن التنمية البشرية الشاملة في كل مناحيها وصيغها تتضمن عنصرا أخلاقيا " لأنها تمس حياة
البشر في المحل الأول؛ فالإنسان هو مصدر التنمية وغايتها " كما أن قرار التنمية هو " قرار اجتماعي أخلاقي،
وليس قرارا اقتصاديا خالصا ".
إن العلاقة بين الثقافة والتنمية هي
علاقة عضوية، وأن دور الثقافة في التنمية الشاملة هو أساسي ، فتحسين ظروف العيش
الإنساني لم يعد يُـترجم فقط بزيادة المداخيل، بل يفرض تحسيناً مستمراً لنوعية
الحياة نفسها، كما يفترض تطلّعاً إلى قيم جديدة. هذا البحث الدؤوب عن القيم هو
بالنتيجة مسار ثقافي يعبّر الفرد من خلاله عن كرامته الأساسية، وتساويه مع الآخرين
عبر الاتصال، والخلق، وإعطاء معنى للحياة.
إنّ الإنسان هو محور وهدف التنمية في آن
معاً. فمن جهة، تهدف التنمية إلى بناء الإنسان بناء معنويًا، وعن هذا الهدف تتفرّع
بقية الأهداف الثانوية الأخرى من اقتصادية واجتماعية. ومن جهة أخرى، فإنّ الإنسان
هو الذي يسير ويشارك وينفّذ التنمية. وهو بالتالي “جسداً وفكراً" مليءٌ بالمشاعر،
والأحاسيس، والأفكار، والمعتقدات ، والمواقف، والاجتهادات والتطلّعات ،والرغبات.
وهذا كلّه يشكّل عوامل حاسمة في عملية تسيير التنمية وتوجّهها في هذا الاتجاه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق