الثلاثاء، 7 يونيو 2016

دعوة إلى التمسك بالهوية


دعوة إلى التمسك بالهوية

لوحات محمد سمارة  برواق “عائشة حداد”
         في معرضه الذي نظمه مؤخرا في رواق “عائشة حداد”، بالعاصمة، ينشغل التشكيلي الجزائري محمد سمارة بموضوع الهوية، ولهذا اختار للوحاته العشرين التي ضمها المعرض كلمة “هوية” عنوانا، في إشارة إلى ما لهذا الموضوع من أهمية في زمن يؤمَل منه أن يكون فاتــــحةً لتجاور الهويات وتلاقحــــها، لا لصراعها.
       ويرى سمارة، المولود سنة 1963، أن توجهه للفن التشكيلي جاء نتيجة دراسته له في المعهد التكنولوجي، إذ شكلت المعاهد التكنولوجية النواة الأساسية لتكوين الأساتذة في الجزائر قبل أن يتم حلها في تسعينات القرن الماضي. وبعد تخرجه، عمل هذا الفنان في مجال التعليم لمدة جاوزت 30 سنة، وهو يشغل الآن منصب مفتش تربية تشكيلية بولاية عين الدفلى.
       ويأتي معرضه تتويجا لقائمة طويلة من المعارض والصالونات في مسيرة سمارة، وليكون أيضا علامة فارقة تحفر عميقا في البعد المغاربي للجزائر المشكل أساسا من الخصوصية العربية الإسلامية ممثلة في الخط المغاربي الأندلسي.. “كل حرف استخدمته يمثل نوعا من العمارة”، هكذا يفسر سمارة الحضور الطاغي للأبجدية بنفحاتها المغاربية في لوحاته.
       ويعتمد الفنان على الأرضية الأمازيغية من خلال استخدام الرمز، والعادات والتقاليد، وحتى الأسماء التي أطلقها على بعض لوحاته مثل “التويزة” (لفظة محلية تعني المساعدة الجماعية التطوعية)، و”الكتاتيب” (مدارس تعليم القرآن وتحفيظه).. ويظهر بجلاء أيضا البعد الأفريقي في أعماله ممثلا في الوشم، والطقوس الاحتفالية، والعادات، والعمران.. وتشكل هذه العوامل مجتمعةً رسالة واضحة يطلقها الفنان لمواجهة تيار العولمة الجارف، من خلال التمسك بالخصوصيات الهوياتية من دون انغلاق قاتل على الذات.
          يعود تاريخ إنجاز بعض اللوحات المعروضة إلى سنة 2009، بينما أنجزت مجموعة ثانية سنة 2012، في حين تعود الأعمال المتبقية إلى سنتي 2015 و2016، وقد تعمد سمارة توشيح المجموعة الأخيرة بخطوط عمودية بارزة للتعبير عن الالتزام والرزانة والاستقامة التي تعد من قِيم الفرد الجزائري، أما اللون الأصفر الغالب على اللوحات فيمثل لون التربة والنشأة الأولى في أفريقيا، كما يمثل الحضن الدافئ وكرم الضيافة وحرارة دول المغرب العربي، وهي ميزات القبائل الأمازيغية المنتشرة على امتداد هذه الرقعة الجغرافية المترامية.
        وحول المدارس التشكيلية التي تأثر بها وأثثت خلفيته الفنية يؤكد سمارة: “مارست الواقعية في بداياتي في ثمانينات القرن الماضي، وعرجت على المدرسة الانطباعية في التسعينات، لأحط الرحال بعدها عند المدرسة التعبيرية. لقد جربت كل الأساليب، وأشعر الآن، وقد تجاوزت الخمسين، أن الوقت حان لأتميز بلمـــستي الخاصة”.
       ولا يخفي ســـمارة أن هناك الكثير من التشكيليين الجزائريين الذين تستهويه أعمالهم على غرار محمد خدة، ومحمد إسياخم، ونور الدين شقران، ومحمد بنيس، والطيب بلعباس، ونور الدين مقدس. ويؤكد أن العزوف عن الاهتمام بالفن التشكيلي ناتج عن تخلي الأسرة والمدرسة عن دورهما في ترغيب الأجيال الصاعدة بأهمية الفنون عموماً، وإعطاء الأولوية للجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية، إلى درجة أن كثيرا من زوار المعارض يعتقدون أن الفن التشكيلي مجرد ديكور فقط، وهذا ما يستشف من الأسئلة التي يطرحها هؤلاء الزوار في العادة على الفنان التشكيلي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...