الأربعاء، 20 مارس 2019

 أزماتنا وليدة الإلْغاء والإعراض عن الحوار


بقلم: بشير خلف        
        مـمّا يُؤْسف له أن العرب بجماعاتهم، قديمًا وحديثًا مازالوا يضعون الجدران السميكة بينهم، مستبعدين أي حوار يناقش قضاياهم المشتركة. والمتأمل لتاريخهم البعيد، والقريب، وحتى في أيامنا هذه ، والمصائب تصعقهم في كل يوم لا يـجد الملاحظ غير العناد، والشحناء يواجهون بها بعضهم البعض، ولا حلّ لـما آلوا إليه إلاّ بالحوار الإيجابي .
         كل التراشقات، والشتائم، والاتهامات، والتمادي في التجاهل للمشترك الوطني، والديني ، والاجتماعي منبعه غياب الحوار المحمود الذي يُشفي ولا يُشقي، يهدئ، ويصفّي الأجواء العلائقية بدل أن يلوثها، إنه الحوار الذي يغذي التدافع ، والتآزر، ويمنع الصراع المدمّر للوحدة والرؤية،  المشتركة.           
       إن الوجود البشري مبنيٌّ على الاختلاف كما البيئة التي يعيش عليها، والاختلاف يُـكسب وجودنا التدافع، والتنوع المحفز نحو مراتب السمو، ومن هنا يستقي الحوار أهميته وجدواه، بالاختلاف نستنبت الجديد من الأفكار، والإبداع... بالحوار تتضافر الجهود من أجل فكّ المشكلات، والأزمات المسيئة إلى انسجامنا، وتآزرنا من أجل الرقي المعرفي والعمراني والسلوكي محلّيا، وعربيا. من طبيعة الحوار أنه يفرز عادة مواقف متباينة، وطروحات مختلفة ، وتوجّـهات متناقضة، وهذا يكشف لنا عن كينونته المدمجة المؤثرة في يومنا المعيش، وعن مدى ارتكازه كعمود من الأعمدة الرئيسية التي تستند إليها البنية الفكرية، والثقافية لأي مجتمع.
       لن يـختلف إثنان على أهمية الحوار في توطيد العلاقات، وربط جسور التواصل بين الجماعات الكبيرة، والصغيرة بين المجتمعات، وبين الدول.
        الحوار ضرورة إنسانية، وحضارية. الحوار أساس توحيد الجهود والرؤى، وأساس تصحيح المسارات والأفكار ، فلا يمكن الاستغناء عن الحوار بأي حال من الأحوال، ولذا فالحوار مطلوب ، وقد حفلت آيات القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة بالكثير من النصوص ، والأمثلة التي تبين بحكمة، وعمق جدوى وأهمية الحوار في توطيد العلاقة بين الناس، وقد سجّـل القرآن الكريم تحاور كثير من أنبياء الله مع أقوامهم، وللمسلمين، والعرب بخاصة أن يتعلموا كيفية التحاور فيما بينهم أوّلاً، ثم مع غيرهم من الأمم الأخرى. من دون شكٍّ أنّ ذلك يجنبنا الكثير من الويلات ، والمستنقعات التي ما زلنا نغوص فيها ، ويكاد الكثير من الباحثين ، والمفكرين أن يجزموا بأن جلّ معضلاتنا في العالم العربي منبعها انعدام الحوار الإيجابي المثمر بيننا.
       الحوار ينبغي أن يؤسس على أسس من الموضوعية تبعده عن ساحات المعارك التي لن يفوز فيها أي طرف من المتحاورين، فكل منهم يحاول نسْف الآخر عبر الاتهامات المتبادلة، وعبر الابتعاد عن المطلوبات الواضحة، والضرورية لاستمرار التعايش السلمي المفيد لكل الأطراف.

        إن الحوار يجب أن يُنظر إليه كأي نشاط إنساني يمكن أن يهدم، كما يمكنه أن يساهم في البناء بفعالية ونجاعة ، فالحوار من أهم عناصر الحياة الاجتماعية، عبره نبلّغ الآخرين مشاعرنا، ورؤانا، وأهدافنا، وطموحاتنا ورغباتنا الآنية والآتية، ولا نتصور أي أداة للتواصل، والتفاعل الاجتماعي وحتى السياسي أفضل من الحوار. وكل عائق أمام الحوار الإيجابي يجعل الحوار كائنا شائها عديم الفائدة للأفراد، والجماعات على السواء، وكل محاور لا يؤمن بالتعددية في الرأي، والنظر مآل حواره الانسداد، والتقوقع المظلم المفضي إلى المصائب، وإلى الإيمان الأعمى بالأحقية . الحوار بين العرب إنْ وُجد ، وقلّما وُجد، هو حوار مغلق يزيد الأزمة تأزما، ويزيد في كهربة العلاقات بينهم .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الجمال.. وما أدراك ما الجمال؟؟ كتب: بشير خلف      كيف نُعرِّفُ الجمالَ؟ وكيف نُحدّدُ جَــوْهَره، وأسُسَه الموْضوعية؟ ما هي المعاييـرُ...