رواية
" أوركسترا الموت"
بقلم: بشير
خلف
انتهيت للتوّ من قراءة رواية" أوركسترا
الموت".. الجميلة للقاصة والروائية آسيا رحاحلية، رواية صدرت سنة 2018 عن (
الجزائر تقرأ) لصاحبها الكاتب المسرحي، والروائي بوكبّة عبد الرزاق، الرواية نالت
السّبْق ضمن الروايات الفائزة في مسابقة هذه الدار. رواية من الحجم المتوسط ، تضمّ
نصّها السردي 196 صفحة.
أوقعتنني هذه الرواية في شراكها؛ إذ أكملتها في
جلسات ثلاث، أخذتني بغوايتها في سحْـر الحكي الجميل كعادة آسيا في حكي قصصها
القصيرة، كان الحكي الروائي أخّاذًا؛ كما اللغة سليمة وتتسامى في انسيابية تتهادى
بالحدث الروائي، والشخصيات؛ سيما الرئيسة منها: نبيل، توفيق، حنان.
" من
الذي يستطيع أن يفوز حين يكون القدر غريمه؟ ومن يستطيع ولو بمنسأة الحب أن يهشّ
الموت، ذلك المايسترو الحاذق الذي يدرّب جوقته على فنون القفز فوق مصائر
البشر؟"
( أيها
الآهلة بالعدم لعلك تشعرين بالوحدة وبالبرد مثلي. لعلك تعانين من التخمة، أو
تشعرين بالغيرة من قطعة الأرض. هناك تحت سفح جبل المايدة أرضٌ خضراء تموج فيها
الحملان، وتحلّق فوقها الحملان).
أحداث عدم الوفاق الزوجي لأسباب عديدة منذ
بداية البشرية موجود، ولا يزال، وسيبقى؛ غير أن تغلغل الساردة في الظاهرة، وتشخيص
وضعية الضحية حنان كانت مؤثرة للقارئ الحصيف. ثم الاشتغال على المكان، وتوظيفه لصالح
المتن، أضاف للنص بهاء، وأبعادا جمالية؛ فقد أعادني هذا النصّ إلى مدينة عنابة
البهية التي حللتُ بها شابا فتيا سنة 1957، كما أني من رواد، وعاشقي ساحة الثورة،
سواء أثناء الثورة أو بعدها وسكني في حي" المانديان بعد الاستقلال، حيث أحيت عندي الراوية الحنين، وأخذت بيدي لتجوب بي،
أحياء البوسيجور،السانكلو، المانديان، مقبرة زغوان،تلك الأحياء الشاطئية التي يحتضنها من الخلف جبا
" إيدوغ" الأشم مهد الثورة المباركة.، كما أعادني البطلان: نبيل، حياة
في النص إلى مدينة سوسة الجميلة، وشواطئها، وفنادقها، ومدينة الجمال والفن"
القنطاوي"..مدينة لي فيها ذكريات رائعة.
قرأت لهذه السيدة مثلما قرأت لها سابقا
نصوص مجموعاتها القصصية، نصها هذا المتوشّح بالخيال الخصب، ومهارة توظيف المكان من
مدينة" طاغست" التاريخية إلى مدينة سوق أهراس الحديثة. كما أني اكتشفتُ
عن طريقها نصوص الفيلسوف" أغسطين" التي وظفتْ في كل مرة منها ما يخدم
نصّها الروائي؛ علمًا أني منذ حوالي 15 سنة أهداني المرحوم الدكتور أبو العيد دودو
روايته، وضاعت مني لدى صديق أخذها دون إعادة قبل أن أقرأها.
فقط.. هي تساؤلات بقيت عالقة في ذهني:
ـ جريمة
القتل في حقّ الضحية حنان، لم يقنعني جواب المحقّق محسن؛ عندما يؤكد لنبيل أن
التحقيق لم يُفض إلى العثور على القاتل، وأنّ ملفّ القضية أُغلق نهائيا. في عالمنا
اليوم توفرت كل الإمكانات، والوسائل التكنولوجية التي تساعد على الجاني، ولو بعد
حين.
ـ اللقاء
الذي تمّ بين نبيل وأخته.. لقاء المفاجأة ليس بعد غياب فحسب؛ بل لقاء الشمل؛ كان
لقاء باردا، وانفضّ بجفاف، وكأنه بعد شخصيْن ليسا من رحمٍ واحدٍ.
أحيي الكاتبة المستمرة في الكتابة، وإبداع
نصوص سردية رائعة، وأثمّن مسارها الأدبي الذي في هذه الرواية أخاله يختلف عن نصوص
نسائية أخرى لا تخرج عن الصراع بين الرجل والمرأة، وثقافة التشكّي من الأنثى.. نصٌّ
روائيٌّ، ليس صراعا وتشكيا من الأنثى نحْو الرجل؛ بل بحثا عن حقٍ لكليهما،
وتكاملًا تقتضيه الحياة الإنسانية، نصٌّ مفعم بأسرار اللغة العربية الجميلة،
وحملها لسرْدٍ حكائي ماتعٍ.
تحليل منطقي ... بوركت ...
ردحذف