بشير خلف
في عنفوانِ رجولته، وفحولته عمل بـــــ "...نساؤكمْ حرْثٌ لكم"،
فأغدق على المجتمع بدزّينةٍ من أبناءَ، وبناتٍ. في ربيع الزّهور عاشوا رجوعه إلى
المنزل في ساعة متأخّرة مخمورًا، يفوح نتانةً، فتسرعُ أمّهم الغلبانةُ، تُزيلُ
ملابسَه المتّسخة بقذارته، وتنظّفهُ وهو يضربُها، ويُشبعها شتْمًا، وحطًّا لها
ولأصلها العائلي.
في يقظته يُرسل هذا الابن، أو ذاك ذي عمر الخمس سنوات، أو الستّ، أو
كليْهما كي يشتريا له علبة التّبْغ التي يـمتصّ سجائرها أمامهم، وهو يرْعدُ، ويصرخ
عليهم، وعلى أمّهم. نشأ الأبناء في هذا الجوّ الأسري، لم يستقرّوا في المدرسة،
غادروها في سنٍّ مبكِّرةٍ، أرغمهم على بيْع عُلب التّبغ، والشّمّة على قارعة
الطّريق، ومنْحه ما يتحصّلون عليه؛ سرعان ما انضمّوا تِباعًا إلى عُصبِ المراهقين
المتشرّدين، انغمسوا في عالم استهلاك أنواع الخمور، والمخدّرات، ثمّ الترويج
لينشأووا في ذاك العالم الذي جرّ أغلبَهم إلى السجون عديدَ المرّاتِ، ولم يتوبوا،
ولم يفيقوا إلى ما انـجرّوا إليه.
في السنوات الأخيرة لمّا هدّت جسده سنواتُ العمُر، ووهن العظْمُ، وغزاهُ
الشيْبُ، وضمُرت الفحولةُ، تَــقَـنْدَرَ،
وتَــعَــمّمَ بياضًا، وتعطّر، وأطال اللحيةَ الـمُضمّخةَ بالحنّاء، واتّخذ له كرسيًّا
بالمسجدِ خصّصه له وحده، وويْح منْ يقتربُ منه. يتعمّدُ في سيْره، أو لقائه مع
الناس، أو حواره معهم بمهابة العالم الربّاني، الرّوحي، المرجعيّ.
ذات لقاء لي معه صُدْفةً، أوقفني، وأسرّ لي؛ وكأنه تـفطّن إلى مسار تربية
أبنائهِ الخطإِ:
ــــ أرأيت كيف جاوْني الأولاد كلّهم "
سيش".
( سيش: تعني عندنا في منطقة الجنوب الجزائري
التّمرَ الغيرَ النّاضجِ، والغير المكتمل غذائيا، والصالح فقط علفًا للحيوانات)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق