الأحد، 27 يونيو 2021

 

الإسلام السّيـاسي، ومفهـــوم المخــاطر

بقلم: بشير خلف

 صدر مؤخّرا عن دار الجنوب للنّشر بتونس كتابٌ يتناول إحدى المسائل الرّاهنة وبالغة الأهميّة في حياة جُلّ أقطار البلاد العربيّة، وهي مسألة الحركات التّي تنضوي تحت ما يُسمّى بالإسلام السّياسي. وصاحب الكتاب هو الأستاذ فريد بن بلقاسم، جامعيّ يُدرّس الحضارة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس، وصُدّر الكتاب بتقديم للأستاذ عبد المجيد الشّرفي مُدير بيت الحكمة، والمُختصّ في الدّراسات الحضاريّة القديمة، والحديثة. 

       ولعلّ المزيّة الأهمّ لهذا الكتاب تكمن في أنّه قاربَ مسألة الإسلام السّياسي مُقاربة علميّة أكاديميّة سـِمتها الموضوعيّة، والحياد بمنأى عن الأحكام المعياريّة والأفكار المسبقة والمُهاترات الإيديولوجيّة.

للكتاب مدخلٌ خُصّص لتحديد إشكاليّة المسألة، وضبط أبرز مفاهيمها، وقسمين اثنين ــــ  أوّلهما في مخاطر حركات الإسلام السّياسيّ، وثانيهما في طرق الاستجابة لتلك المخاطر. وقد أقام المؤلّف كلّ قسم من قسمَيْ الكتاب المذكورين على فصلين اثنين حيث بيّن في أولى فصول القسم الأوّل نوعيّة التّحديّات، والتّهديدات التّي تمثّلها حركات الإسلام السّياسي ببعديها الفكريّ، والأمنيّ، وشرح في الفصل الثّاني طبيعة تلك المخاطر ونقاط الضّعف الناتجة عنها.

       في القسم الثّاني ركّز في الفصل الأوّل على مسألة الاستجابة للمخاطر، ويقصد بذلك سُبُلَ مواجهتها، والتّعاطي معها، وتناول في الفصل الثّاني قضيّة الاستجابة للتّحديّات، والتّهديدات.

        وتكمن قيمة الكتاب في أهميّة النّتائج التّي انتهى إليها المؤلّف بعد التّحليل أسلمه البحث إلى استخلاص جملة من الحقائق البيّنة:

  • أولاها أنّ المسألة الدّينيّة ليست عند حركات الإسلام السّياسي سوى غطاء إيديولوجيّ تعبويّ من أجل الوصول إلى السّلطة، وفرْض مشروعها المجتمعيّ والسّياسيّ، إذ تتّخذ الدّين مطيّة لتحقيق أغراض غير دينيّة، هي تتستّر بالدّين، وتوظّفه لغايات سياسويّة ممّا حدا بخصومها السّياسيّين إلى وصمها بـ«المتاجرة بالدّين».
  • ثانيها أنّ مشروعها المجتمعيّ، والسّياسيّ مشروع ماضويّ مُفارق للعصر الرّاهن، ومقتضياته ويُعيق الانطلاقة الحضاريّة المنشودة للبلدان العربيّة إذ يُعرقل اكتسابها عناصر القوّة اللّازمة لتحقيق أهدافها في التّقدّم والرّقيّ؛ ومن هذا المنظور فإنّ حركات الإسلام السّياسيّ عامل دفع إلى الوراء يتقهقر بالعالم العربيّ إلى دهاليز الماضي، ويحول دونه، والاتّجاه إلى المستقبل، ويمنعه من اللّحاق بركب الحضارة الإنسانيّة.
  • ثالثها اقتران هذه الحركات بالجنوح إلى استعمال العنف بشتّى أنواعه الرّمزيّة والمعنويّة، والماديّة، وهو عنفٌ يُقوّض الأمن، والاستقرار في مختلف الأصعدة.

         ولاحظ المؤلّف أنّ هذا العنف قد تعاظم في العقود الأخيرة، ولا يزال؛ عنفٌ وحشيٌّ عدميّ ألحق أضرارا جسيمة بوحدة المجتمعات، والدّول وشوّه صورة العرب والمسلمين عبر العالم.

  • رابعها التقاء هذه الحركات موضوعيّا مع المشروع الأمريكي الصّهيوني لتقسيم الدّول العربيّة إلى دويلات صُغرى على أُسس طائفيّة ومذهبيّة، هي من هذه الزاوية تخدم مشروع القوى الإقليميّة، والدّوليّة.

         يقترح المؤلّف جملة من الآليّات لمواجهة المخاطر النّاجمة عن حركات الإسلام السّياسيّ على الأصعدة السّياسيّة، والتّنمويّة، والأمنيّة، والقضائيّة، فيرى أنّ أهمّ ما يُمكن أن تُواجَه به التّحديّات، والتّهديدات التّي تطرحها هذه الحركات هو تجديد الفكر الدّيني، ومراجعة وضْع المؤسّسات المختصّة في الشّأن الدّينيّ، وإصلاح مناهج التّربية والتّعليم، ومواجهة خطاب أدلجة الدّين، وتوظيفه في الصّراعات السّياسيّة والحزبيّة.

       الكتاب يُعدّ تشريحا دقيقا لحركات الإسلام السّياسيّ بمختلف أصنافها فكرا، وممارسة، وتنبيها على المخاطر الجسيمة التّي تعتبر تهديدا مباشرا للبلاد العربيّة حاضرا، ومستقبلا، ضفْ إلى ذلك أنّ هذه الحركات مهما تلوّنت، وحاولت تلميع صورتها، وادّعت مراجعة خياراتها الفكريّة، والتّنظيميّة تظلّ متشدّة على الدّوام، عاملة بعقيدتها الرّاسخة: العنف، فرض مشروع ماضويّ مُدمِّر لمقدّرات البلدان العربيّة، خدمة مشاريع الفوضى، التّقسيم الطّائفيّ، المذهبيّ.

ورقــــــات من كتاب: إسلاميّــــون في الحكــــم

 »تشكّل التّجربة السّودانيّة إثر انقلاب 30 حزيران / جوان 1989 مثالا لما يُمكن أن يُؤدّي إليه خلْط الدّين بالسّياسة، ووصول حركة إسلاميّة إلى السّلطة ، فإضافة إلى المشكلات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة إذ تدهورت الأوضاع المعيشيّة، وانتشر الفقر والأميّة، والبطالة، وظلّت البنية التّحتيّة هشّة، فقد اندلعت حرب أهليّة بسبب مسألة فرض الشّريعة على مجتمع متعدّد الأديان، والإثنيّات، والتّضييق على الحريّات، وانتهت بانفصال القسم الجنوبي عن الشّمال، وتأسيس دولة جنوب السّودان في 9 جويلية 2011.

      وكشفت طريقة إدارة الحركات الاسلامية لشؤون الدّولة في دول عربية بعد ما عُرف بالرّبيع العربيّ – رغم أنّ فترة حكمها كانت قصيرة نسبيّا – عن افتقارها إلى «رؤية استراتيجيّة في التّعامل مع التّحديّات الدّاخليّة، والخارجيّة».

        ويمكن أن نشير إلى عــــلامـات دالّة على ذلك في النّقاط التّالية:

  • لعلّ أهمّ علامة على غياب رؤية استراتيجيّة لتسيير الدّولة تسييرا عقلانيّا في مشروع هذه الحركات تعامُلُها مع أجهزة الدّولة باعتبارها أدوات تنفيذيّة مسخّرة لخدمة مشروعها السّياسيّ والاجتماعيّ، وهو مشروع يُمكن اختزاله في مصطلح «الأسلمة»، أي أنّ إدارتها للدّولة إدارة قائمة على خلفيّة إيديولوجيّة تفتقد أيّ طابع عقلاني يُراعي مصالح الدّولة استنادا إلى معطيات وضعها الدّاخليّ، والخارجيّ. همّها فرْض سيطرتها على تلك الأجهزة وتطويعها لخدمة أهدافها الإيديولوجيّة؛ ولم تأخذ في الحسبان إمكانيّة التّعارض بين مصالح الدّولة وتلك الأهداف.

         كانت محكومة في ذلك بمفهوم «التّمكين» إذ تصوّرت أنّها بوصولها إلى سدّة الحكم قد بلغت المرحلة التّي تُـخوّل لها أن تهيمن على أجهزة الدّولة، وتسخّرها لتحقيق مشروعها في إقامة الدّولة الإسلاميّة، ونظام الحكم الإسلاميّ وفق تصوّراتها وتأويلاتها المخصوصة، وفي فرْض نموذجها المجتمعي من حيث مكانات الأفراد وأدوارهم على قاعدة التّمييز بين الرّجال والنّساء، وبين المسلمين وغير المسلمين بحسب تمثّلهم الخاصّ لمفهوم المسلم، وبحسب ما ضبطته الشّريعة (الموروث الفقهي).

  • أدّت هذه السّياسة إلى دخول هذه الحركات في صراع ومواجهة مع القوى السّياسيّة والاجتماعيّة والمهنيّة من أحزاب ونقابات وجمعيّات مدنيّة وصحافيّين وإعلاميّين وقضاة ما خلق أجواء مشحونة بالتّوتّر.
  • الكتاب مهمٌّ للمثقف المهتم بالحركات الإسلامية؛ كما هو مهمٌّ للقارئ العادي فكريا ومعرفيا.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...