الاثنين، 28 يونيو 2021


 

من الفكر النزّارقبّاني

      إنّ عبقرية الشاعر تتجسّد في قدرته الدائمة على اختراع كلامٍ جديد لمواضيعَ قديمة.. فالحبّ مثلًا مؤسسة عتيقة؛ إلّا أنها تحتمل دائمُا كلامًا جديدا...

        لا قيمة لشعر يعيد اكتشاف الأشياء المكتشفة، ويستعمل حجارة العالم القديم كما هي..

       إن الطبيعة تتحمّلُ الإعادة، والتكرار؛ أمّا الشعر فلا يتحمّلها.. الأرض تستطيع احتمال شجرتي زيتون متشابهتيْن، وسُنبُلتيْ قمْحٍ متشابهتيْن؛ لكنها لا تتساهلُ مع شاعريْن يقولان نفس الكلام.

 

من أشعر نزار، قصيدة(قصيدة أحزانٌ في الأندلس)

كتبتِ لي يا غاليه..

كتبتِ تسألينَ عن إسبانيه

عن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانيه..

عن عقبة بن نافعٍ يزرع شتلَ نخلةٍ..

في قلبِ كلِّ رابيه..

سألتِ عن أميةٍ..

سألتِ عن أميرها معاويه..

عن السرايا الزاهيه تحملُ من دمشقَ..

في ركابِها حضارةً وعافيه..

لم يبقَ في إسبانيه منّا، ومن عصورنا الثمانيه غيرُ الذي يبقى من الخمرِ، بجوف الآنيه.. وأعينٍ كبيرةٍ..

كبيرةٍ ما زال في سوادها ينامُ ليلُ الباديه..

لم يبقَ من قرطبةٍ سوى دموعُ المئذناتِ الباكيه

سوى عبيرِ الورود، والنارنج والأضاليه..

لم يبق من ولاّدةٍ ومن حكايا حُبها..

قافيةٌ ولا بقايا قافيه..

لم يبقَ من غرناطةٍ ومن بني الأحمر..

إلا ما يقول الراويه وغيرُ "لا غالبَ إلا الله"

 تلقاك في كلِّ زاويه..

لم يبقَ إلا قصرُهم كامرأةٍ من الرخام عاريه..

تعيشُ –لا زالت- على قصَّةِ حُبٍّ ماضيه..

مضت قرونٌ خمسةٌ مذ رحلَ "الخليفةُ الصغيرُ" عن إسبانيه

 ولم تزل أحقادنا الصغيره.. كما هي..

ولم تزل عقليةُ العشيره في دمنا كما هي

حوارُنا اليوميُّ بالخناجرِ..

أفكارُنا أشبهُ بالأظافرِ

مَضت قرونٌ خمسةٌ ولا تزال لفظةُ العروبه..

كزهرةٍ حزينةٍ في آنيه..

كطفلةٍ جائعةٍ وعاريه نصلبُها على جدارِ الحقدِ والكراهيه..

مَضت قرونٌ خمسةُ..

يا غاليه كأننا..

نخرجُ هذا اليومَ من إسبانيه.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  الغزو الفكري وهْمٌ أم حقيقة كتب: بشير خلف       حينما أصدر المفكر الإسلامي، المصري، والمؤلف، والمحقق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأ...