صفحاتٌ مُضيئةٌ من حياة المجاه والمُربّي
منصوري جاء بالله
كتب: بشير خلف
« ... في اللحظة الأولى التي جلستُ القرفصاء
على حصير الجامع مُتحلِّقا مع بقية الأطفال، وقد كُنتُ أبدو ضئيلًا بينهم، كان
الأمر أشبه بشعور تائه في صحراء لا رفيق له فيها، أجول بنظري بين مَنْ حولي، كانوا
أناسًا غرباء لم أكدْ أراهم من قبلُ، وبدورهم كانوا ينظرون إليَّ بنوعٍ من السخرية،
والاستهزاء لصغر حجْمي، وسنّي؛ فكأنما يقولون في خلدهم مَنْ" هذا الكائن
الصغير لعلّه تاه عن أمه، ووجد نفسه عندنا ؟"».. منصوري جاء بالله.( كتابٌ:
لم يقرأْه جدّي. ص: 27»)
صدر أخيرًا كتابٌ قيّمٌ ضِمْن أدبِ السيرة الذاتية، بعنوان: (كتابٌ لم
يقرأْهُ جدّي). عن حياة المرحوم المجاهد، المربي، المكوّن، المثقف جاء بالله
منصوري1930 ــ 2019، صدر عن دار ومضة للطبع والنشر والتوزيع.
الكتاب من تأليف آمنة منصوري حفيدة المرحوم بإشراف والدها المثقف عبد
الحميد منصوري نجْل المرحوم؛ الكتاب من الحجم المتوسط في 284 صفحة، صفحات تتضمّن:
1ـــ تصدير 2 ــ 3 ــ الفصل الأول: من
الميلاد إلى مدرسة الإصلاح ــ 4 الفصل الثاني: في جامع الزيتونة المعمور 5 ــ
ندرومة، أفلو، طريق التضحية والانتصار 6 ــ الفصل الرابع: نضال التربية والتعليم 7
ــ الفصل الخامس: صفحاتٌ من بقيّة المشوار 8 ــ الفصل السادس: نهاية الرحلة 9 ــ الفصل الأخير: حديث الرفاق.
وممّا جاء في التقديم بقلم مؤلفة الكتاب:
«... كنتُ حفيدته الأولى، قضيتُ سنوات عمري
تحت جناحيْه، تعلّمتُ منه عشْقَ الكتاب، وإدمان القراءة، والتعلّق بالعلم، شربتُ
من نهْر ثقافته، وركبْتُ بحْر الكلمات بصحبته، جعلني أنفتح بأفكاري على عوالم
مختلفة، صنع منّي شخصيّة حُرّة قويّة، وذات رأْيٍ.
كنتُ طفلة صغيرة، كثيرة السؤال، مُحبّة للاستكشاف، ولم يكن هو يملُّ
الإجابة على أسئلتي الطفولية، وكان يقول بأني أسبقُ أقراني بعـقلي، لم ير فيّ
يومًا نقْصًا كوني أُنثى؛ بل إلى جانبه أخذْتُ أؤمن أنني أستطيع إذا أردْتُ.
بفضْل جدّي نما بداخلي شغفٌ لا ينطفئ للمعرفة، فوقعْتُ في غرام غرفـته
المليئة بالكتب، حتّى أنني كنتُ أتطفّل عليه، وأسترق النظر إليه، وهو مستغْرقٌ في
المطالعة طوال اليوم.ص:11»
من شهادات الرفاق
1 ـــ «.. كان نِعْم المُربّي، والمُكوِّن،
والمُسيّر طوال نصْف قرْنٍ، استفادت من عطائه، وإخلاصه، وقوّة شخصيته، وانضباطه
مختلفُ الفئات التربوية؛ إذ مارس الأستاذية، والتكوين، والتفتيش، وإدارة مصلحة
مديرية التربية سنة 1984 وتسيير المعهد التكنولوجي للتربية بالوادي.» ( الأستاذ
علي بوصبيع ص: 119
2 ــ كنتُ من المحظوظين الذين ربطتني
بالمجاهد، الأستاذ، المربّي المكوّن، المثقف منصوري جاء بالله الذي ربطتني به
صداقة متينة تعدّت ميدان التربية، والإشراف التربوي إلى مجال المعرفة، فكنتُ
أُهديه ما يصدر لي من أعمال قصصية، ومقالات فطرية في مجلتي: " آمال،
الثقافة" التابعتيْن لوزارة الثقافة الجزائرية، وامتدّت تلك الأواصر المعرفية
الثقافية حتّى بعد تقاعدنا؛ كما كنتُ أحضر محاضراته الثريّة، وتدخّلاته الهادفة في
ملتقيات مختلفة، وهو المثقف الموسوعي، الضليع في اللغة العربية، القدير على
التكلّم بها تلقائيًا، والحامل في الذاكرة لكنوزها: نثِرًا وشعْرًا يوظفهما
باقتدارٍ في كل المواقف.» بشير خلف. ص: 214
من أقوال المرحوم منصوري جاء بالله:
« لا بُدّ لكُلّ حيٍّ من رأْيٍ يبدأ بأمله،
وينتهي بأجله؛ وقد كُنّا نحاولُ أن نعرف قيمَ الحياة، والطريق الأفضل للأخلاق
فيها، حتى وصلْنا في النهاية إلى أنّ أكْرم الناس أتقاهم، ولا غِنًى كحُسْن
الخُلُق، وأنّ الراحة هي رضا الضمير.» ص: 200
الكتاب
لئنِ الكتابُ في مضمونه الثريّ سيرة ذاتية لشخصية جزائرية من الجنوب الشرقي
الجزائري ساهمت بفعالية في النضال الوطني، والجهاد في ثورة التحرير، ثم في الجهاد
الأكبر، جهاد التربية والتكوين؛ فإنه من هذه السيرة المباركة بها حُمولاتٌ تاريخية،
اجتماعية، متعددة لواقع منطقة وادي سوف أثناء العهد الاستعماري، ومقاومة ساكنتها،
والحفاظ على هويّتهم، والتمسّك بالبقاء في منطقتهم، فالكتاب سجلٌّ ثريٌّ لواقع
المنطقة التاريخي، جاء بأسلوب بعـيدٍ عن صرامة العَــرْض التاريخي، لكن في صيغة
العرض الحكائي، السردي، الماتع، المُغْـري للقارئ؛ العرض المُشْبع بالأسلوب
الأدبي، وسلاسة اللغة، وشفافيتها، والتوظيف الدقيق للألفاظ والعبارات.
يرحم اللهُ الواسعُ الرحمة الفقيدَ منصوري جاء بالله، ويُسْكنه فسيح
جنّاته، ويُجازيه على ما قدّم لوطنه الجزائر، وأن يجازي حفيدته آمنة، وأباها
الأستاذ البارّ عبد الحميد نجْل المرحوم على الوفاء، والاعـتراف بالجميل للوالد،
المرحوم جاء بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق