الاثنين، 10 نوفمبر 2025

 

صانعو الأدب ورافضو الأوسمة..

حين يصبح رفضُ الجائزة موقفا

كتب: بشير خلف

       في عالم الأدب، يمكن تمييز صنفين من الكُــتّاب:

1 ــ صنفٌ تلمع عيناه كلما رأى بريق الأوسمة.

2 ــ صنفٌ آخر يرفع حاجبيه بتأفف، وكأنه يقول:

«احتفظوا بذهبكم، أنا أكتفي بالقهوة والورق».

      وفي الوقت الذي يتهافت فيه الكثيرون على صيد الجوائز في محافلها العالمية، حتى باتت أسماءُ بعضهم ملازمة لصخب النجومية، والحضور الإعلامي، تُحسَبُ لأقلية أخرى نزعتها المضادة؛ فمنهم من رفض الجائزة بعد التتويج، ومنهم من قاطعها طوال حياته الإبداعية، لأسباب تتنوع بين السياسي، والأخلاقي، والإنساني، والوجودي، أو الأدبي الخالص.

      منذ عديد الأيام، رحل عن دنيانا الكاتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم عن عمر ناهز 88 عاما، وهو أحد الذين تبوّؤوا مقعدهم بجدارة في نخبة رافضي الجوائز.

 


مبادئ تتحدى بريق الذهب

      لم تحظ الجوائز الأدبية بإجماع بين الكُــتاب منذ نشأتها. ففي عام 1925، رفض الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو جائزة نوبل للآداب، ساخرا من مؤسِّسها بالقول:

«قد أغــفرُ له اختراعه للديناميت، لكنني لا أغفر له اختراع جائزة نوبل».

     وفي عام 1926، رفض الروائي الأميركي سنكلير لويس جائزة "بوليتزر" المرموقة احتجاجا على قرارات تحكيم سابقة، قبل أن يقبل "نوبل" بعد 4 سنوات.

     وعلى المنوال ذاته، رفض ويليام سارويان جائزة "بوليتزر" عام 1940 لأسباب مبدئية، بينما وصفها إدوارد ألبي عام 1967 بأنها "شرفٌ في حالة انحدار".

      أمّا الموقف الأكثر تشددا فكان للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي رفض جائزة نوبل عام 1964 والوسام الفرنسي عام 1945، تحاشيا لما اعتبره " فخ السلطة الرمزية ".

    

الجائزة ساحة احتجاج سياسي

     بعد نصف قرن من مواقف سارتر، وشو، دخل الأدب العالمي فصلا جديدا من (جوائز بلا فائزين)، حيث أخذت المواقف المناهضة للجوائز بُــعدا سياسيا أكثر وضوحا، خصوصا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة.

      في الولايات المتحدة، انسحب 9 كتاب من جوائز "القلم" الأميركي عام 2023، وفي عام 2024، ارتفع العدد إلى 29 كاتبا، مما أدى إلى اختفاء الجائزة من الرزنامة، احتجاجا على موقف المؤسسة الذي اعتبروه مُطبِّــعًا مع إسرائيل.

 

       رفضت الكاتبة الأميركية من أصل هندي، الحائزة على جائزة بوليتزر، جومبا لاهيري، جائزة "إيسامو نوغوتشي" بنيويورك لعام 2024، بسبب فصْل موظفين ارتدوا الكوفية تضامنا مع الشعب الفلسطيني.

      أعادت الكاتبة من جنوب أفريقيا، زوكيسوا وانر، ميدالية معهد غوته التي فازت بها عام 2020، لأن ألمانيا، حسب وصفها،" تتواطؤ في الإبادة " وتصدّر الأسلحة لإسرائيل، وكأنها تقول:

"ا حتفظوا بزخارفكم، أنتم على الجانب الخطإ من التاريخ ".

"أعتذر عن عدم قبولها"

     

      عربيا، شكّـل موقف صنع الله إبراهيم عام 2003 حدثا بارزا، حين رفض جائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية، احتجاجا على سياسات نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، وَصمْت الحكومة المصرية إزاء ما يجري في العراق، وفلسطين.

     عندنا من الأدباء، والمبدعين وبخاصّة كُتّاب الرواية متلهّفون، وأفئدتهم محروقة على جوائز البترو خليج دولار، وصاروا شبه متأكدين على أّن الشرعية تُمنح من هناك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  صانعو الأدب ورافضو الأوسمة.. حين يصبح رفضُ الجائزة موقفا كتب: بشير خلف        في عالم الأدب، يمكن تمييز صنفين من الكُــتّاب: 1 ــ ...